مقدمة وتعريفات المقاطعة:
يمكن تعريف المقاطعة بأنّها عبارة عن نبذ جماعيّ ومنظّم يطبّق في الشؤون العمّاليّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والاجتماعيّة، بهدف الاحتجاج على الممارسات التي تُعتبر ظالمة. تستخدم منظمات العمل عادة المقاطعة لتحسين الأجور وظروف العمل من الإدارة. قد تمارس المقاطعة من قبل إحدى الدول، أو مجموعة منها، أو إحدى المنظمات العالمية؛ للتّأثير أو الاحتجاج على سياسات دولة أخرى. يمكن أن تعني المقاطعة أيضًا رفض المشاركة في اجتماعات معينة، مثل مقاطعة ممثل دولة ما لإحدى المؤتمرات أو الدّعوات الدولية، للإشارة إلى عدم الموافقة على السّياسة أو السلوك السياسي لدولة أخرى.
ويمكن تعريف المقاطعة على أنها الامتناع الاختياري والمتعمد عن الاستخدام أو الشراء أو التعامل مع شخص أو منظمة أو بلد كتعبير عن الاحتجاج عادة ما تكون لاسباب اخلاقية أو اجتماعية أو سياسية أو بيئية
استُمدّ مصطلح المقاطعة Boycottمن اسم مدير العقار البريطانيّ تشارلز بويكوت في القرن التّاسع عشر؛ حيث طلب المزارعون الإيرلنديون المقيمون في أراضي تشارلز خفض إيجارات المنازل خلال مجاعة البطاطا التي حدثت عام 1880م. بعد رفض تشارلز لذلك، قرر المزارعون التجمّع معًا والامتناع عن أي أعمال تفيد تشارلز ومؤيديه، الأمر الذي أدى إلى خروج تشارلز من إيرلندا¹.
نبذة تاريخية عن أشهر دعوات المقاطعة:
مقاطعة حافلة مونتجومري:
غيرت مسار التاريخ الأمريكيّ وقاطعت الأفارقة الأمريكيين المقيمين في مدينة مونتجومري في ولاية ألاباما ركوب حافلات النّقل لأكثر من 300 يوم من آخر عام 1955م حتى عام 1956م؛ بسبب الفصل العنصري في الحافلات آنذاك.
مقاطعة الجامعة العربية للحركة الصهيونية:
قامت على مقاطعة الجامعة العربية للسلع والخدمات الإسرائيلية منذ تأسيس الحركة الصهيونية عام 1948م.
مقاطعة التبغ الإيرانية:
هي ثورة قامت بعد سنة 1890 م، حين منح الملك القاجاري، ناصر الدين شاه، حق بيع وشراء التبغ في إيران لصالح شركة بريطانية. في الوقت الذي كان نحو 20% من الإيرانيين يعملون في قطاع التبغ، وقد أدت الإتفاقية إلى احتكار البريطانيين لهذا قطاع. وصلت الأزمة ذروتها حين صدرت فتوى تُنسب إلى المرجع الشيعي محمد حسن الشيرازي سنة 1309 هـ / 1891 م حَرم فيها التنباك، جاء فيها: «استعمال التنباك والتوتون باي نحو كان بحكم محاربة امام الزمان عجل الله فرجه».
المقاطعة الأمريكية للبضائع البريطانية خلال الثورة الأمريكية:
التي تسببت في اندلاع حرب الاستقلال الأمريكية بين المستعمرات البرايطانية التي أسست الولايات المتحدة الأمريكية من جانب وبين بريطانيا وفرنسا من جانب آخر والتي كان سببها الخلافات الدستورية والسياسية بين بريطانيا والمستعمرات الجديدة 1765 تظاهر مواطنو المستعمرات ضد قانون الطابع الذي أٌقرته بريطانيا ورفعوا شعار ” لا ضريبة بدون تمثيل” وتطور الأمر إلى مقاطعة شاملة للمنتجات البريطانية وخاصة الشاي.
المقاطعة الهندية للبضائع البريطانية التي نظمها غاندي:
قاطعة غاندي ضد الاستعمار البريطاني حين حضّ المواطنين الهنود على صنع ملابسهم بأنفسهم بالاستعانة بالمغزل اليدوي وكان يقول: “كلوا مما تنتجون والبسوا مما تصنعون وقاطعوا بضائع العدو.”
مقاطعة الصين للبضائع اليابانية بعد حركة الرابع من مايو المناهضة للاحتلال:
حركة الرابع من مايو في الصين كانت حركة ثقافية وسياسية معادية للاستعمارية انبثقت عن الاحتجاجات الطلابية في بكين في 4 مايو 1919. الطلاب احتجوا ردًا على موقف الحكومة الصينية الضعيف على معاهدة فرساي، حيث قررت الحكومة السماح لليابان بالاحتفاظ بأراضي في شاندونغ التي سلّمتها ألمانيا بعد حصار تسينجتاو في عام 1914
أدت هذه الاحتجاجات إلى مقاطعة البضائع اليابانية والاشتباكات مع اليابانيين المقيمين. النقابات العمالية التي تم تشكيلها مؤخرًا نظمت أيضًا إضرابات. هذه الحركة أثارت احتجاجات على مستوى الأمة وحفّزت تصاعد القومية الصينية، والتحول نحو التعبئة السياسية، والابتعاد عن الأنشطة الثقافية، والتحرك نحو القاعدة الجماهيرية¹.
المقاطعة اليهودية المضادة للنازية للبضائع الألمانية:
حتى الدولة الصهيونية نفسها بدأت تاريخها بمقاطعة المنتجات النازية. بدأت في مارس 1933 كانت مقاطعة المنتجات النازية من قبل الجمعات اليهودية للحزب النازي ردا على معاداة السامية في ألمانيا النازية بعد صعود أدولف هتلر، بدءا بتعيينه كمستشار لألمانيا في 30 يناير 1933. طور أولئك في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأماكن أخرى في جميع أنحاء العالم الذين عارضوا سياسات هتلر المقاطعة والاحتجاجات المصاحبة لها لتشجيع ألمانيا النازية على إنهاء ممارسات النظام المعادية لليهود.
مقاطعة جامعة الدول العربية لاسرائيل والشركات التي تتاجر معها:
هي جهود منهجية من قبل جامعة الدول العربية لعزل إسرائيل اقتصادياً وذلك لمنع الدول العربية وثني الدول الأخرى غير العربية عن دعم إسرائيل اقتصادياً وعسكرياً. بدأت المقاطعة على نطاق ضيق ضد المؤسسات الصهيونية والتجارة اليهودية قبل إعلان دولة إسرائيل، ولكن المقاطعة الرسمية المنظمة جاءت عن طريق جامعة الدول العربية بعد حرب 1948. وفي محاولة لعزل المجتمع اليهودي اقتصادياً، في الثاني من ديسمبر من عام 1945، أعلن مجلس الدول العربية مقاطعة رسمية للبضائع اليهودية واعتبرها غير مرغوب فيها داخل الدول العربية وطالب كل المؤسسات والمنظمات والتجار والأفراد العرب برفض التعامل بالبضائع الصهيونية أو توزيعها أو استهلاكها. التبرير الرسمي للمقاطعة كان لدعم الفلسطينيين العرب ضد الصهيونيين، ولكن عملياً الدول العربية استخدمت المقاطعة لمنع البضائع اليهودية من دخول الأراضي العربية وبالتالي تضعيف الاقتصادات المحلية. ومع أن المقاطعة الرسمية كانت ضد الصهيونيين، إلا أن البضائع الفلسطينية كانت مقاطعة أيضاً مما أدى إلى شكاوي من الفلسطينيين العرب للجنة العليا العربية ولجامعة الدول العربية كما أن اليهود اشتكوا للبريطانيين من هذه المقاطعة، لكن دون أي نتائج تذكر.
جنوب أفريقيا ومقاطعة ضد سياسات الفصل العنصري:
من أشهر الحملات عبر التاريخ التي أتت بثمارها تلك الحملة التي نظمها ناشطون في جنوب أفريقيا لإنهاء نظام الفصل العنصري، التي بدأت من بريطانيا عام 1959 واستمرت حتى إلغاء هذا النظام في 1994. وخلال تلك السنوات دعت الحركة الحكام والشعوب إلى مقاطعة منتجات جنوب أفريقيا للضغط على حكومتها لوقف نظامه العنصري، وشارك الأوروبيون في الضغط على المحال التجارية لوقف بيع منتجات جنوب أفريقيا، وأجبر الطلاب البريطانيون بنك “باركليز” على الانسحاب من دولة الفصل العنصري، في حين فرضت الحكومة الأيرلندية حظرا كاملا على واردات جنوب أفريقيا، ورفض أغلب الفنانين آنذاك المشاركة في أي أحداث تدعم نظام الفصل العنصري. وانتشرت الحملة بشكل واسع وغير متوقع، وبحلول منتصف الثمانينيات، كانت حملة المقاطعة يشارك بها 25% من البريطانيين، وأثرت تأثيرا بالغا جعل إنهاءها هو نقطة التفاوض الكبرى التي طالبت بها الحكومة مقابل إلغاء نظام الفصل العنصري.
تاريخ مقاطعة المنتجات والدول التي تدعم إسرائيل:
بدأت المقاطعة العربية للمؤسسات والشركات الصهيونية اليهودية قبل تأسيس دولة إسرائيل كدولة. وبدأت المقاطعة الرسمية لجامعة الدول العربية لإسرائيل على الفور بعد تشكيلها عام 1948، وإن كانت لم تنفذ تنفيذاً كاملاً.
في التاسع من يوليو عام 2005 بدأت الحملة الدولية الاقتصادية (حركة المقاكعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات)
Boycott, Divestment and Sanctions Movement ( BDS)
بدأت هذه الحملة بنداء من 171 منظمة فلسطينية غير حكومية بالنداء لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وسحب الاستثمارات حتى تلتزم الدولة الصهيونية بالقوانين والقرارات الدولية فيما يخص فلسطين.
عرفت الحركة نفسها على موقعها الالكتروني وقالت:
حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها هي حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. تتناول مطالب حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) طموح وحقوق كافة مكونات الشعب الفلسطيني التاريخية من فلسطينيي أراضي العام 1948 إلى قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، إلى المخيمات والشتات، والذي شرذمه الاستعمار-الاستيطاني الإسرائيلي على مراحل.
بيان الحركة الذي صدر في التاسع من يوليو 2005 جاء فيه:
انطلاقاً من انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولي، وعلى ضوء تجاهل إسرائيل منذ عام 1948 لمئات من قرارات اﻷمم المتحدة التي أدانت سياساتها الاستعمارية والعنصرية، واعتبرتها غير قانونية، ونادت بحلول فعالة ومناسبة، وبما أن كل أشكال الوساطة الدولية وصنع السلام لم تتمكن لغاية الآن من إقناع أو إجبار إسرائيل على الإذعان للقانون الإنساني واحترام الحقوق الأساسية للإنسان وإنهاء احتلالها واضطهادها للشعب الفلسطيني،وعلى ضوء حقيقة أن أصحاب الضمير في المجتمع الدولي قد تحملوا تاريخياً المسؤولية الأخلاقية في مناهضة الظلم، كما حدث في النضال من أجل إلغاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، بأشكال متعددة من المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، واستلهاماً من نضال شعب جنوب أفريقيا ضد نظام الأبارثهايد، وبروح التضامن العالمي والانسجام الأخلاقي والتزاماً بمحاربة الظلم والاضطهاد،
نناشد، نحن ممثلو المجتمع المدني الفلسطيني، منظمات المجتمع المدني في العالم وكل أصحاب الضمائر الحية بفرض مقاطعة واسعة لإسرائيل، وتطبيق سحب الاستثمارات منها، في خطوات مشابهة لتلك المطبقة ضد جنوب أفريقيا خلال حقبة الأبارثهايد. كما ندعوكم لممارسة الضغوط على حكوماتكم من أجل فرض المقاطعة والعقوبات على إسرائيل. ونتوجه إلى أصحاب الضمائر في المجتمع اﻹسرائيلي لدعم هذا النداء من أجل تحقيق العدالة والسلام الحقيقي.
يجب أن تستمر هذه الإجراءات العقابية السلمية حتى تفي إسرائيل بالتزاماتها في الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني – غير القابل للتصرف – في تقرير المصير، وحتى تنصاع بالكامل للقانون الدولي عن طريق:
- إنهاء احتلالها واستعمارها لكل الأراضي العربية وتفكيك الجدار.
- الإعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين.
- إحترام وحماية ودعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم كما هو منصوص عليه في قرار اﻷمم المتحدة رقم 194 .
اعتمدت الحركة في مطالبها على 3 عوامل أساسية ترى أنها من الممكن حال نجاح هذه العوامل، فإنها ستؤدي في النهاية إلى قيام دولة فلسطين و هزيمة الاحتلال الصهيوني لها وهذه العوامل الثلاث هي:
مقاطعة (Boycott)
تشمل وقف التعامل مع إسرائيل، ومقاطعة الشركات الإسرائيلية وكذلك الدولية المتواطئة في انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين، ومقاطعة المؤسسات والنشاطات الرياضية والثقافية والأكاديمية الإسرائيلية.
سحب الاستثمارات (Divestment)
تسعى حملات سحب الاستثمارات إلى الضغط على المستثمرين والمتعاقدين مع الشركات الإسرائيلية والدولية المتورطة في جرائم دولة الاحتلال والأبارتهايد بسحب استثماراتهم من و/أو إنهاء تعاقدهم مع هذه الشركات. وقد يكون المستثمرون أو المتعاقدون أفرادًا، مؤسسات، صناديق سيادية، صناديق تقاعد، كنائس، بنوك، مجالس محلية، جهات خاصة، جمعيات خيرية، أو جامعات.
فرض العقوبات (Sanctions)
المقصود بالعقوبات الإجراءات العقابية التي تتخذها الحكومات والمؤسسات الرسمية والأممية ضد دولة أو جهة تنتهك حقوق الإنسان، بهدف إجبارها على وقف هذه الانتهاكات. تشمل العقوبات العسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها، على سبيل المثال عن طريق وقف التعاون العسكري، أو وقف اتفاقيات التجارة الحرة، أو طرد إسرائيل من المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد البرلماني الدولي أو الفيفا أو غيرها.
بالإضافة إلى محاولة الضغط على إسرائيل من خلال حملات المقاطعة ودعوات سحب الاستثمارات و فرض العقوبات فإن حركة مقاطعة إسرائيل وكافة المناصرين لقضية الشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة كانوا يعملون على مقاومة التطبيع الفردي والجماعي الذي بدأته الحكومات العربية بعد حرب أكتوبر 1073 ثم توقيع السادات لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بشكل منفرد.
ما هو التطبيع؟
التطبيع كما عرفته حركة مقاطعة إسرائيل BDS بعد نقاشات مطولة شارك فيها مثقفون عرب وفلسطينيون هو:
التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، يجمع (على نفس المنصة) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفراداً كانوا أم مؤسسات) ولا يستوفي الشرْطَيْن التاليَيْن:
- أن يعترف الطرف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي،
- وأن يشكّل النشاط شكلاً من أشكال النضال المشترك (co-resistance) ضد نظام الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي.
يقع التطبيع في العلاقات الطوعية، وليس القسرية. وهذه الأخيرة متغيرة حسب طبيعة العلاقة الاستعمارية التي تحكم تجمعات شعبنا المختلفة. بناءً على ذلك، تراعي معايير مناهضة التطبيع والمقاطعة خصوصية هذه العلاقات، فتختلف المعايير المرعية في أراضي 1967 عنها في أراضي 1948. كما إن هناك خصوصية للقدس، إذ إن ظروف الاستعمار والأبارتهايد فيها تقع ما بين تلك الواقعة في أراضي 1948 وتلك الواقعة في أراضي 1967.
يشمل التطبيع الأنشطة التي:
أ) تساوي أخلاقياً أو سياسياً بين “الطرفين”، أي بين المستعمِر والمستعمَر.
ب) تتجاهل حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعودة.
ج) تقدم الرواية الصهيونية الزائفة للتاريخ كرواية موازية/مرادفة للرواية التاريخية العلمية.
هرولت الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل علنً وسرًا، ولكن ما كان يدول في الغرف المغلقة سرًا أصبح ألان يدور علنًا ولا يراعي مأساة الشعب الفلسطيني.
هل المقاطعة خيار شعبي للشعوب العربية للدفاع عن فلسطين؟
في ظل موجة التطبيع التي قامت وتقوم بها الأنظمة العربية تجاه إسرائيل علنًا وسرًا، لم تجد الشعوب العربية سوى المقاطاعة سلاحًا فعالًا للدفاع عن القضية الفلسطينية، خاصةً في ظل قمع أمني غير مسبوق في الدول العربية ضد كل من يحاول الدفاع عن القضية الفلسطينية ومنع حتي المظاهرات الشعبية المناهضة لإسرائيل والمؤيدة للحق الفلسطيني. ونذكر هنا أن الحكومة المصرية بقيادة عبد التفاح السيسي قد دعا أنصاره للتظاهر للدفاع عن فلسطين، ولكن خرجت بعض الجماهير المصرية المؤيدة والمدافعة عن فلسطين للتظاهر في ميدان التحرير ( خارج سرب أنصار السيسي الذين تظاهروا أمام النصب التذكاري في مدينة نصر) واعتقلت السلطات بعض من تظاهروا في ميدان التحرير. وعندما هتف المتظاهرون أمام نقابة الصحفيين المصرية ضد شركة أبناء سيناء وشركة هلا المملوكتين لإبراهيم العرجاني المقرب من المخابرات المصرية واحتكارها خروج الفلسطينيين من غزة مقابل مبالغ مادية تفوق قدرة الفلسطينيين، قامت أجهزة الأمن باعتقال بعض المتظاهرين ثم ما لبثت أن أفرجت عنهم لاحقًا.
تياران يتصارعان على الساحة العربية
التيار الأول هو الحكومات العربية التي تسعى هرولةً تجاه التطبيع مع الدولة الصهيونية بقيادة الإمارات التي اتفقت مع إسرائيل على إنشاء جسر بري ليبدأ تسيير الشاحنات المحملة بالبضائع من ميناء دبي مروراً بالأراضي السعودية ثم الأردنية وصولاً إلى ميناء حيفا في إسرائيل.
والأدرن التي ساعدت إسرائيل عسكريًا باسقاط الدفاعات الجوية الأردنية لمسيرات وصواريخ أطلقتها إيران على إسرائيل ردًا على قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوريا، مما دعا بعض المراقبون ليقول إن الإردن هي أول دولة عربية تدافع عن إسرائيل عسكريًا. وجاءت المكافئة على الفور من الدولة الصهيونية بحيث وافقت على امداد الأردن بالمياة لمدة عام بدون مقابل تحت شعار “المياة مقابل حماية السماء”.
مقابل هذا التيار التطبيعي الحكومي، لم تجد الشعوب العربية، الممنوعة حتى من التظاهر، حلًا سوى تفعيل دعوات المقاطعة للمنتجات والشركات التي تؤيد العدوان الصهيوني على غزة.
اتخذت الشعوب العربية الداعمة للحق الفلسطيني مسارات متوازية للدفاع عن القضية التي تمثل لهم أساس عقدي ووطني وديني وقومي وكانت مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأميركية، كما امتدّت المقاطعة لسلع وخدمات دول أوروبية المسار الأبرز لهذه الشعوب بالإضافة إلى الدعوات لجمع التبرعات لإرسال مساعدات للشعب الفلسطيني الذي يعاني من نقص حاد في المواد الغذائية و الطبية نتيجة الحصار الذي تفرضه قوات جيش الاحتلال الصهيوني عليها. وبهذا التحديد الدقيق لدعاوي المقاطعة، فإن الشعوب العربية تضع الصراع مع الاحتلال في سياقه، وترفض منظور التجزئة، والفصل بين إسرائيل ومسانديها، وتعيد التذكير بأنّ دول الاحتلال قائمة ومستمرة في إجرامها بمساندة ودعم أميركي وأوروبي. لذا تأتي المقاطعة ردّاً على مواقف هذه الدول ومؤسساتها الاقتصادية، التي تعتبر الأسواق العربية مجالاً لتصريف جزء من منتجاتها.
اتخذت المقاطعة من تطور وسائل الاتصال الاجتماعي، أداة للتعبئة والحشد، لتجاوز عوائق السلطوية حيث تمنع تقريباً إقامة المؤتمرات الجماهيرية، أو توزيع البوسترات الدعائية والتضامنية. وبديلاً عن ذلك، ظهر إبداع متنوّع، بما في ذلك استخدام المقاطع المصوّرة للدعوة للمقاطعة، وبيان فوائدها وآثارها، والتذكير بأن شراء بضائع إسرائيل وداعميها يعني مشاركة في العدوان. ولكون المقاطعة اختياراً متكرراً، وفعلاً واعياً متكرّر الحدوث، يمكن القول إنها ظاهرة، وبين مضامينها أنها شكل من المقاومة الاقتصادية، وعامل إسناد واصطفاف مع الشعب الفلسطيني في صموده البطولي وإيماناً بعدالة قضيته. وبين عوامل قوتها أنّها فعل ممكن ويحمل إشارات لكل الأطراف، سواء العربية الرسمية أو القوى السياسة.
وتعد المقاطعة أيضاً أحد أشكال مناهضة دولة الاحتلال المرتبطة بمشروع الهيمنة الرأسمالية ووليدته انتقالاً من بريطانيا إلى رعاية أميركية كاملة، خاصة بعد اتفاق التعاون الاستراتيجي الأميركي – الإسرائيلي 1983، إضافة إلى دعم أوروبي لم ينقطع تاريخياً، وظهر في حرب غزة بشكل كاشف عن وحدة عضوية بين إسرائيل وداعميها.
انطلقت دعوات المقاطعة من جهات متعددة، واخترقت المجال العربي لتصل إلى السماء العالمية لكافة الأشخاص والجهات الداعمة لحقوق الإنسان في الغرب. وحددت هذه الجماعات والجهات الداعمة والداعية للمقاطعة مجموعة من الشركات التري تدعم الكيان الصهيوني ومنها:
ماكدونالدز للوجبات السريعة
تأتي شركة “ماكدونالدز” للوجبات السريعة، على رأس هذه الشركات الأمريكية، إذ أعلنت “ماكدونالدز” تقديم أكثر من 4 آلاف وجبة سريعة يومياً للجيش الإسرائيلي والمستوطنين اليهود في مستوطنات غلاف غزة والمستشفيات، إلى جانب تقديمها خصومات وتخفيضات بنسبة 50 بالمئة للجنود الصهاينة وقوات الأمن والشرطة الذين يزورون مطاعمها في إسرائيل، حسب ما ذكره موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي.
كما أشارت شركة ماكدونالدز، في أحد منشورات لها، إلى أنها قامت بفتح خمسة مطاعم للوجبات السريعة داخل إسرائيل، بهدف تقديم المساعدة المجانية لقوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في المستشفيات والملاجئ الصهيونية.
بعد انتشار صور ومقاطع فيديو تظهر تسلّم جنود الاحتلال الصهيوني لوجبات مجانية من الشركة، دعا الكثير من القوى الحية في تركيا ومختلف الدول العربية والإسلامية إلى مقاطعة سلسلة مطاعم ماكدونالدز، بسبب مساعدتها قوات الاحتلال في قتل وتهجير سكان قطاع غزة، وتصدّر وسم #حملة_مقاطعة_ماكدونالدز، منصة إكس (تويتر سابقاً)، في الكثير من دول العالم العربي والإسلامي.
وهو ما دفع الكثير من الفروع التابعة للشركة العالمية في عدة دول عربية وتركيا، إلى نفيها العلاقة بينها وبين الفرع الموجود في إسرائيل. إذ ذكرت “ماكدونالدز لبنان”، أن مواقف الفروع الأخرى “لا تمثلها”، وأشارت إلى أنها “تحرص على احترام لبنان وطناً وشعباً، كما تقف إلى جانبه”.
البيان نفسه أصدرته “ماكدونالدز السعودية“، التي قالت إنها “شركة سعودية 100٪”، كما أكدت “التزامها واحترامها” لقيم المجتمع السعودي، نافية العلاقة بينها وبين باقي الفروع الموجودة في دول أخرى، بعد دعوات سعودية لمقاطعتها.
كيف أثرت المقاطعة على شركة ماكدونالدز؟
خسرت شركة ماكدونالدز نحو 7 مليارات دولار من قيمتها خلال ساعات وأعلن مديرها المالي إيان بوردن عن استمرار تأثير المقاطعة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي على المبيعات خلال العام الحالي. وتراجع سهم الشركة بنسبة 3.37% بما قيمته 9.93 دولار مما أدى إلى خسائر إجمالية للشركة بقيمة تقارب 7 مليار دولار في مارس 2024.
ستاربكس
عانت أسهم شركة Starbucks من سلسلة خسائر قياسية في الأسابيع الأخيرة، حيث أدت دعوات المقاطعة بسبب تأييدها لجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى تكبد السهم أطول سلسلة خسائر منذ إدراجه عام 1992. وبدأت سلسلة الخسائر في 17 من نوفمبر 2023 ليتراجع بنحو 11% خلال 12 جلسة الممتدة من 17 من نوفمبر تشرين الثاني 2023 إلى 5 من ديسمبر كانون الأول 2023 ، وفقدت الشركة 13.3 مليار دولار من قيمتها السوقية خلال هذه الفترة. وتعاني شركة Starbucks من وجودها ضمن حملة مقاطعة في الدول العربية ووضعها ضمن قائمة من الشركات والمنتجات العالمية التي يُزعم أنها تدعم الحكومة الإسرائيلية في حربها على غزة. ومما لا شك فيه أن هذه المقاطعة سيكون لها أثر سلبي على مبيعات الشركات في هذه الدول. وجاء رفع الشركة دعوى قضائية على نقابة العاملين بها بتهمة مناصرة فلسطين ليزيد من خسائرها وتأثرها من دعوات المقاطعة. كانت نقابة العملين بالشركة أعلنت وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني، وذلك وفقا لمبادئ النقابة الداعمة للحقوق والحريات.وقالت النقابة في بيان نشرته عبر حسابها على منصة “إكس” (تويتر سابقا)، إن النقابة تدين جميع أشكال الاحتلال والتهجير والفصل العنصري، ومخاطر الإبادة التي يواجهها الفلسطينيون. أثار خبر الدعوى حالة من الغضب في الشارع العربي، انعكست على منصات التواصل، لتنطلق حملات تدعو لمقاطعة مقاهي ستاربكس في دول عربية وإسلامية عدة، ودول أخرى. وبالفعل بدأ الناس بنشر مقاطع مرئية تُظهر محال ستاربكس في دولهم وهي خالية من المرتادين مقارنة بالماضي، بسبب السمعة التي تحظى بها سلسلة مقاهي ستاربكس عبر العالم.
شركة كوكاكولا هي الأخرى تكبدت خسائر فادحة بلغت أكثر من 600 مليون دولار معها شركة بيبسي بسبب دعمهما لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وفقد سهم شركة كوكاكولا 1.68% من قيمته السوقية ليسجل سعر السهم 52.8 دولار، مقارنة بقيمة فتح 53.76 دولار. في خطوة صادمة للشركات الأجنبية، بيان صادر عن البرلمان التركي، أنه تقرر عدم بيع جميع منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل، في مطاعم ومقاهي مجمع البرلمان، إذ اتخذ رئيس المجلس نعمان قورتولموش القرار، دون أن يشير البيان إلى اسم الشركات التي سيتم منع منتوجاتها، ونقلاً عن وكالة الأناضول، قال رئيس البرلمان التركي: “إن البرلمان قرر عدم استعمال أي منتج من منتوجات الشركات “الداعمة للعدوان الإسرائيلي” حيث لاحظ أعضاء البرلمان في وقت لاحق أن منتوجات شركتي كوكاكولا ونستلة لم تعد مدرجة على القائمة.
شركة زارا للأزياء
دشن فلسطينيون حملة لمقاطعة شركة “زارا” العالمية للأزياء، وذلك بعد اجتماع مديرها جوي شويبيل مع أعضاء ورئيس حزب “القوى اليهودية” إيتمار بن غفير، لدعمه في الانتخابات الإسرائيلية القادمة. وطالبوا بتوسيع حملة المقاطعة ضد “زارا” لتمتد إلى دول أوروبا، مشيرين إلى أنها ليست المرة الأولى التي تدعم هذه الشركة الاحتلال، إذ أدلى أحد مصمميها بتصريحات معادية للفلسطينيين العام الماضي. وأدلت آنذاك المصمّمة الرئيسية للأزياء النسائية في الشركة بتصريحات خلال محادثة مع عارض أزياء فلسطيني، دافعت فيها عن الجرائم الإسرائيلية المرتكَبة ضد الشعب الفلسطيني، وألقت اللوم على الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين وصفتهم بـ”الإرهابيين”، كما شنّت هجوماً على العقيدة الإسلامية.
استخدمت العلامة التجارية في حملة تسويقية تستخدم تصميم مستوحى من الإبادة المستمرة في غزة لترويج مجموعة جديدة. أكفان ودمار وجثث وتباهي بالقتل. نتيجة لذلك تظاهر تونسيون غاضبون أمام أحد أفرع الشركة في العاصمة التونسية ولطخوا واجهتها باللون الأحمر، احتجاجا على تصاميم الشركة التي اعتبرها رواد العالم الافتراضي مسيئة لضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة.
وكالة وفا الفلسطينية للأنباء قالت إن شركة زارا تكبدت خسائر تقدر بملايين الشيكل الإسرائيلي نتيجة لدعوات المقاطعة وأشارت الوكالة الفلطسنيةإلى أن دعوات المقاطعة المتواصلة ستؤثر على مكانة الشركة على مستوى العالم، وما جرى في أراضي الـ48 أضر بشكل كبير بسمعة الشركة وإيراداتها.
كما أعلنت وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني عن تحركها لمساءلة شركة “زارا”، موضحة أنها بصدد إرسال رسالة قانونية إلى الشركة الأم، لإيضاح موقفها من هذه التصريحات، وموقفها الواضح والصريح من الاستيطان تبعا للقانون الدولي، وقرار مجلس الأمن رقم (2334)، القاضي بعدم مشروعية الاستيطان.
خبراء الاقتصاد والتسويق الدوليين أكدوا أن المقاطعة عملية فعالة جداً، ولها جانب قصير المدى وهو الذي يمس حجم المبيعات. وهناك جانباً طويل المدى للمقاطعة، والذي يكون في بعض الأحيان أكثر ضرراً، إذ يمس بسمعة وصورة العلامة التجارية لمدة طويلة.
سلسلة مطاعم دجاج كنتاكي كان لها نصيب أيضا من سلسلة خسائر المقاطعة الشعبية، فقد تكبدت خسائر كبيرة وأغلقت فروعا لها في الدول العربية ففي سلطنة عُمان أغلقت فروعها بعد تكبدها خسائر كبيرة نتيجة المقاطعة الشعبية في السلطنة.
ما النجاحات التي حققتها المقاطعة؟
مما لا شك فيه أن المقاطعة حققت نجاحات لايمكن التغتضي عنها مع الأخذ في الإعتبار أننا نحتاج إلى استمرار حملات المقاطعة للدول والشركات التي تدعم الكيان الصهيوني، كما أنه من الضروري نشر ثقافة المقاطعة لتكون أسلوب حياة دائم وليس حملات مزمنة بالعدوان الإسرائيلي الحالي على فلسطين وذلك لأن العدوان الإسرائيلي لم ينقطع أبدًا عن فلسطين وأهلها منذ عام 1948 وما قبلها.
من أبرز النقاط الإيجابية والنجاحات التي حققتها المقاطعة أنها أجبرت شركة أورانج فرنسية الأصل والتي تعمل في مجال الاتصالات، على سحب استثماراتها من الأراضي المحتلة حيث كانت الشركة متورطة في الحرب على غزة عام 2014، حين زودت الجنود المشاركين في العمليات العسكرية بخدمات اتصالات وترفيه.
كما انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة لإسرائيل في عام 2014 بنسبة 46% بفضل حملات BDS، كما أشارت بعض التقارير إلى أن إجمالي الخسائر قد يصل إلى 15 مليار دولار بسبب حركات النضال الفلسطيني السلمية، وفي عام 2023 قررت واحدة من أكبر شركات الأمن الخاصة في العالم، وهي شركة Allied Universal التي تملك شركة G4S، من سحب استثماراتها من الأراضي المحتلة بعد ضغط حملات المقاطعة ضدها بسبب تورطها في إدارة وتأمين سجون إسرائيلية.
بلغت الخسائر التي منيت بها مستوطنات غور الأردن وحدها بسبب حملة المقاطعة، تقدر بـ100 مليون شيكل (حوالي 26 مليون دولار). بعض الشركات إما امتنعت أو قلّصت من المعاملات التي يشوبها شبهة تورط بشكل مباشر أو غير مباشر في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل. من هذه الشركات شركة HP التي توقفت عن توفير خدمات تطوير قواعد بيانات عن السكان في المدن الإسرائيلية، وشركة Veolia التي تعمل في قطاعات النقل والمياه ومعالجة النفايات، والتي انسحبت عام 2015 بشكل كامل من السوق الإسرائيلية تحت ضغطٍ دام 7 سنوات، وخسرت الشركة بسبب تواطئها مع إسرائيل مناقصات بقيمة 20 مليار دولار حول العالم.
من المتوقع أن تتعرض إسرائيل لأضرار اقتصادية كبيرة بسبب المقاطعة. وفي رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أشارت مجموعة من 300 اقتصادي إسرائيلي إلى خطورة الوضع قائلة: “أنتم لا تفهمون حجم الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي”. ويتوقع هؤلاء الاقتصاديون أن تتجاوز المقاطعة مجرد امتناع الناس عن شراء بعض السلع.
أعلنت شركة “سامسونج نيكست”، ذراع الابتكار لشركة التكنولوجيا الكورية العملاقة “سامسونج”، وقف عملياتها في منظومة الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي، ويشكل هذا الإعلان مؤشراً قوياً آخر على انحدار الثقة العالمية بشكل كبير في الاقتصاد الإسرائيلي. استثمرت “سامسونج نيكست”، في نحو 70 شركة إسرائيلية تكنولوجية ناشئة حتى الآن، وتُعد أحدث صندوق يسحب استثماراته من قطاع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية، الذي لطالما كان مزدهراً في الماضي ويمثل أكثر من 50% من الصادرات، لاحقة بركب عدد من شركات التكنولوجيا الأمريكية والإسرائيلية. علاوة على انخفاض الاستثمار في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية في العام 2023 بنسبة 56% مقارنة بالعام 2022. تشير انسحاب الشركات العالمية من منظومة الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي يعكس اعترافاً متزايداً بوجود خطرين رئيسيين:
- يشكّل الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بمعقولية ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية ضد 2.3 مليون فلسطيني في غزة خطراً جدياً يرغم الشركات والمؤسسات العالمية باتباع المسؤولية القانونية وعدم دعم الإبادة الجماعية.
- إسرائيل تواجه مأزق اقتصادي غير مسبوق، وهو ما اضطر حتى وكالة موديز للاعتراف به أخيرًا، وذلك بسبب المشاكل الهيكلية النيوليبرالية، و”الإصلاحات” القضائية التي بدأتها حكومة اليمين المتطرف قبيل الحرب الإبادية الحالية، والتأثير المتنامي لحركة المقاطعة BDS.
في يوليو 2023، كتب رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد: “لم تعد إسرائيل أمة الشركات الناشئة، إنها أمة في أزمة. إنها أزمة سياسية واجتماعية ودولية، لكن تأثيراتها ستكون اقتصادية.. بعض الأضرار [الاقتصادية] التي حدثت مؤخراً سوف يستغرق إصلاحها سنوات”.
شركات تتراجع عن مواقفها الداعمة لإسرائيل بسسب المقاطعة
وجراء حملات المقاطعة؛ أعلنت عدد من العلامات التجارية مثل “ماكدونالدز مصر”، أنها ضد حصار قطاع غزة ومع فلسطين، معلنًة تبرعها لصالح صندوق تحيا مصر والتحالف الوطني للعمل الأهلي للمشاركة في قوافل الإغاثة المتجهة للقطاع عبر معبر رفح، وجاء في بيان رسمي في منتصف أكتوبر الماضي أن: “شركة مانفودز- ماكدونالد تعرب عن تبرعها بـ20 مليون جنيه للمشاركة في مبادرات الإغاثة إلى غزة، في شكل مساعدات طبية وغذائية، وتؤكد أنها شركة مصرية خالصة يمتلكها رجل الأعمال المصري ياسين منصور، وأن مسؤوليتها تنحصر داخل مصر ولا علاقة لها بوكلاء أجانب آخرين، كما تعمل على تشغيل 40 ألف مصري في فروعها على مستوى المحافظات”. ورغم هذا الإعلان والتهرب من تبعيتها للمؤسسات الدولية صاحبة الامتياز التجاري “الفرانشايز” تكبدت بعض من العلامات التجارية (بيبسي وكوكاكولا و ماكدونالدز وهارديز) خسائر كبيرة؛ ما دفعها لتسريح المئات من العمال، حسب شهادات بعضهم إلينا. وقد دفعتهم المقاطعة أيضًا، لتخفيض أسعار منتجاتهم.
خاتمة
في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به الأمتين العربية والإسلامية، وفي ظل تطبيع حكومي عربي لا تعبأ من خلاله الأنظمة العربية بمصالح وحياة الشعب الفلسطيني، يجب أن تستمر الشعوب العربية في فرض كلمتها على الساحة. وبما أن الأنظمة العربية تمنع شعوبها من التحرك للدفاع عن مقدسات الأمة، يأتي من هذا المنظور دافعًا جوهريا لتتحول المقاطعة من حملات زمنية تبدأ وتنتهي دومًا مع حملات الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني وتنتهي هذه الدعوات مع أول تهدئة تفرضها إسرائيل نفسها لتلتقط أنفاسها. من هذه المنطلقات يجب أن تكزن مقاطعة المنتجات والشركات والدول التي تدعم الكيان الصهيوني أسلوب حياة يستمر طالما استمرت الحياة، وتستمر طالما أن حياة الفلسطينيين ومقدساتنا تعتريها الخطورة جراء الممارسات الصهيونية المستمرة والقاتلة. وفي الأصل كان ينبغي للمقاطعة أن تدخل حياتنا وتستقر فيها من قبل مجزرة غَزَّة لأن المقاطعة هي وسيلة يسيرة في الحرب، فيجب ألا تُهمل، كما أن لها فوائدها التي لا جدال فيها في مجالات عديدة. فقبل كل شيء، نحن نفوز، وأموالنا تبقى في الجيوب، ثم إننا نوجه ضربة لمنتجي السلع التي نقاطعها. وإذا كنا نواجهه عالم رأسمالي، سلاحه الأهم هو البيع والتصدير، فإن مقاطعتنا ستكون قد أصابت هدفها تماماً. ولكن هناك شيء يجب أن ننتبه إليه، وهو أن الأعمال والإجراءات الأكثر فعالية هي الأدوم والأكثر استمراراً.