على مدى 26 يومًا منذ أن انفجرت 3 صواريخ إسرائيلية في شقة في الطابق السابع لمبنى سكني يقع في محيط مجلس شورى “حزب الله” بحارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت المعقل الرئيسي لـحزب الله واغتيال القائد العسكري الأعلى لحزب الله، وإسرائيل ودول المنطقة تستعد لرد حزب الله الانتقامي لاغتيال قائده العسكري الكبير.
وجاء صباح يوم 25 أغسطس/آب 2024، الذي خطط حزب الله فيه لتنفيذ وعده بالرد الانتقامي من الكيان الصهيوني على اغتيال القيادي الكبير فؤاد شكر (المعروف بالحاج محسن) والذي كان يعتبر أعلى رتبة في الجناح العسكري للحزب، وشكر أيضًا هو كبير مستشاري الأمين العام حسن نصر الله، والمسؤول عن برنامج الصواريخ الموجهة لدى حزب الله.
تمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي بناءً على معلومات استطلاع دقيقة من تحديد أن حزب الله ينوي بدء هجومه بإطلاق الصواريخ والقذائف في اتجاه فلسطين المحتلة في توقيت 5:00 صباح يوم 25 أغسطس 2024.
بناءً على تلك المعلومات وقبل التوقيت المتوقع لضربة حزب الله ب 30 دقيقة سعت 4:30 ، قامت 100 طائرة قتال إسرائيلية بتنفيذ ضربة جوية استباقية ضد أهداف تابعة لحزب الله في لبنان، والتي كان يخطط لشن هجماته الصاروخية منها ضد الأهداف الإسرائيلية.
ثم في التوقيت الذي تم اكتشافه بالفعل 5:00 ، أطلق حزب الله ما يقرب من 320 إلى 340 صاروخ أرض أرض من طراز كاتيوشا وعدد من الطائرات المسيرة تجاه الأهداف الإسرائيلية، وتصدى لها نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي، وتمكن من اعتراض معظمها، خاصة الموجه منها ضد أهداف تقع في وسط إسرائيل.
بعد تنفيذ الضربة صرح حزب الله أنه استهدف موقع جهاز المخابرات في غليلوت التي تبعد عن لبنان 110 كيلومترات في ضواحي تل أبيب، كما استهدف القاعدة العسكرية الجوية في عين شيمرا دون تأثيرات واضحة على الهدفين بعد اتمام العملية.
وبعد انتهاء هجوم حزب الله ظهر للعلن روايتين إحداهما لحزب الله والأخرى لجيش الاحتلال، وكلاهما يؤكد تحقيق أهدافه كاملة من الضربة التي قام بها ضد الطرف الآخر.
تقدير الموقف
- أن الضربة الجوية الاستباقية الاسرائيلية سبقت ضربة حزب الله المخططة ب 30 دقيقة، وهو توقيت يصعب معه على قوات حزب الله إخفاء نوايا ومواقع مصادر إطلاق الضربة الصاروخية التي خطط لها الحزب، مما يدل على توفر معلومات استطلاعية دقيقة لدى إسرائيل وحلفائها.
- قامت القوات الجوية الإسرائيلية بتنفيذ ضربة جوية كبيرة بقوة 100 طائرة قتال ذات قدرات نيرانية كبيرة للغاية وإمكانات تكنولوچية عالية، واستخدام هذا العدد الكبير من الطائرات يؤكد إصرار إسرائيل على إنجاح الضربة الاستباقية وتحقيق كامل أهدافها.
- حزب الله، ورغم ذلك، أصر على تنفيذ الهجوم الصاروخي برقم ضئيل للغاية وهو 320 صاروخ لإنجاح هجوم انتقامي يتم الترويج له منذ اغتيال فؤاد شكر على أنه سيكون كبير ومؤثر للغاية في عمق إسرائيل.
- أثبتت الهجمة الصاروخية لحماس خلال تنفيذ عملية طوفان الأقصى في يوم 7 أكتوبر بما يقرب من 2200 صاروخ خلال 20 دقيقة فقط، أن نظام القبة الحديدية يمكن اختراقه بهذا النوع من الهجمات المركزة بعدد كبير من الصواريخ عند إطلاقها في مدى زمني قصير، بيد أن أداء حزب الله الهجومي لم يرتقى بأي حال إلى ما يمكن أن يحقق هذا الاختراق لمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية.
ويرجح هنا الآتي:
أولًا: أن حزب الله رغم امتلاكه عشرات الآلاف من الصواريخ والتي تفوق عددًا بمراحل هذه القدرة الصاروخية المحدودة المستخدمة إلا أنه لا يريد التصعيد نظرًا للمتغيرات السياسية وأن الهدف أساسًا كان محدودية الضربة.
ثانيا: أن الضربة الاستباقية الإسرائيلية مخططة بدقة وفي توقيت مؤثر للغاية على بدء هجوم حزب الله وهذا كان له تأثير كبير على مخططات حزب الله الهجومية، لذلك يبدو أن الضربة الاستباقية الإسرائيلية أفشلت هجمة حزب الله بقصف منصات صاروخية كانت معدة لإطلاق حوالي 6000 صاروخ ضمن موجات صاروخية يرجح أنها كانت ستتخطى نظام القبة الحديدية.
ثالثًا: لا توجد شواهد أن حزب الله كان يستهدف تل أبيب بمعدل نيراني كبير، ولأن التقدير أيضًا حينها أنه كانت ستقوم إسرائيل بقصف بيروت بشدة، وبالتالي وضع جزء كبير من الشعب اللبناني ضد حزب الله وإلقاء اللوم على الحزب في التصعيد وعدم القدرة على حماية المدنيين اللبنانيين.
رابعًا: ما حدث يسمح بالتقدير المنطقي أن ثمة تفاهمًا تم من خلال الوسطاء، على السقف الذي يجب ألا يتجاوزه رد حزب الله على اغتيال قائده العسكري، وكذلك السقف الذي على الكيان الصهيوني ألا يتخطاه، ما يعني العودة إلى المناوشات المعتادة، ضمن السقف السابق لقواعد الاشتباك بين الطرفين.
الخلاصة:
لم تكن العملية على قدر مستوى الشخصية القيادية لدى حزب الله التي اغتالتها إسرائيل، ولم يأت الرد الانتقامي مكافئًا لكل الخطوط التي تجاوزها الكيان الصهيوني، من استهداف مباشر ومتكرر للضاحية الجنوبية، معقل حزب الله.
كشفت أيام الترقب قبل بدء الهجوم المتبادل أن إسرائيل والإدارة الأميركية كانتا تخشيان حزب الله ومحور المقاومة والرد الانتقامي المرتقب، ولكن يبدو أن هذا الرد الباهت الأشبه بالعدم تأثيرًا على الكيان من شأنه إعطاء قادة الإحتلال الثقة للتوجه لعدوان آخر كما حدث بالفعل مع اجتياح الضفة الغربية ولربما العودة بقوة لعمليات الاغتيالات وذلك بعد إنتهاء عمليات يوم ٢٥ أغسطس ٢٠٢٤ وخطاب حسن نصر الله واتجاه جبهة حزب الله نحو التهدئة .