في الأول من مايو الحالي من عام 2024 أعلن أعلن مصطفى بكري، البرلماني والصحفي المقرب من دوائر صنع القرار في مصر عن تأسيس اتحاد القبائل العربية والمصرية بمدينة السيسي بشمال سيناء، عن تدشين اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية. كما أعلن بكري، تعيين إبراهيم العرجاني، رئيسا للاتحاد، وتعيين أحمد رسلان، رئيس لجنة الشئون العربية السابق بمجلس النواب، نائبًا لرئيس الاتحاد، وتعيين محافظ الغربية السابق، أحمد ضيف صقر نائب ثان للاتحاد. كما أكد بكرى، أن القبائل السيناوية ومشايخها والقبائل العربية وعواقلها توافق على أن كون عبدالفتاح السيسي، رئيسا شرفيا لاتحاد القبائل العربية، معلنا اختيار عن اتفاق القبائل على أن يكون إبراهيم العرجاني، رئيسيا لاتحاد القبائل العربية.
وأثار موكب العرجاني الفخم في سيناء استفسارات متعددة بسبب الفخامة وعدد السيارات المصفحة التي توجد في الموكب والتي قدر البعض ثمنها ب 250 مليون جنيه.
إبراهيم العرجاني، رئيس اتحاد القبائل العربية والذي برز اسمه في عالم الأعمال مؤخرا، يجد نفسه الآن تحت الأضواء لأسباب مختلفة جميعها يثير التساؤلات حول دوره الحقيقي وعلاقته بالنظام، وعن تلك المكانة الاستثنائية التي جعلته يتقاسم الأدوار الأمنية والاقتصادية والسياسية مع السلطات المصرية فهو المكلف للقيام بالأدوار التي تعجز عنها.
امبراطورية اقتصادية مشبوهة المنشأ
تٌعد المعلومات المتوافرة عن مجموعات شركات العرجاني سرًا لا تتوافر عنه الكثير من المعلومات نظرًا لعدم وجود شفافية أو قاعدة معلومات في مصر
أسس العرجاني شركة أبناء سيناء بعد خروجه من السجن في عام 2010 بعد صدام درامي بينه وبين الدولة. وبعد سلسلة مساهمات في إعمار غزة في 2012 (بتمويل قطري) و2014 (بتبرعات دولية) و(2021) (بتمويل مصري) بدأت الشركة مسيرة نحو صعود أسطوري.
العرجاني جروب: هي الشركة القابضة والتي يقع ضمن ملكيتها عدد كبير من الشركات في كثير من القطاعات، تعمل الشركة بشكل أساسي في مجال المقاولات، لكن تأسيس شركات تابعة قد يكون الهدف منه هو تصعيب تتبع الشركات دي، وعدم تكرار أسماء الشركات عند الفوز بالعقود الحكومية.
ما استطعنا الحصول عليه هي المعلومات التالية عن شركات العرجاني:
العرجاني للتطوير: شركة تعمل في مجال التطوير العقاري، بحسب ما هو منشور له مشروعات أكبر في قطاع السياحة في البحر الأحمر، مثل فندق رويال جراند شرم الشيخ، فندق ذا بالاس بورت غالب، والباتروس بلازا المملوك لرجل الأعمال كامل أبو علي الرئيس التنفيذي لمجموعة الباتروس بلازا.
نيوم للتطوير العقاري: مطور عقاري وتعمل أيضا في استصلاح الأراضي الزراعية، لديها مشروعات زراعية في وادي النطرون ضمن مشروع المليون ونصف فدان التابع للجيش، أيضًا تملك الشركة مشروعات عقارية في الساحل بالشراكة مع شركة أرابيلا للتطوير العقاري، كما فازت مؤخرا بعقد إدارة وتشغيل هايبر ماركت سبينز في التجمع الخامس.
بي جروب: شركة متخصصة في التسويق وتنظيم الحفلات والمؤتمرات، نظمت مهرجان العلمين ومؤتمرات شباب العالم، وغيرها من الأحداث التسويقية تقوم بالتسويق لمشروعات حياة كريمة وغيرها.
إيجي ميكس: شركة للخرسانة الجاهزة تعمل في مشروعات كثير تابعة للدولة، تضاعف القطاع عدة مرات بسبب مشروعات البنية التحتية التي تقوم بها الدولة.
هلا للخدمات السياحية: اشتهرت في الآونة الأخيرة مع الحرب على غزة، تتحكم الشركة في حركة عبور الأفراد من غزة وإليها وتعمل في بيزنس التنسيقات الأمنية اللي وصل مع الحرب سعر خروج الفرد من القطاع لـ 10 آلاف دولار، بحسب بلومبيرج والجارديان وغيرها من المصادر تحصل الشركة على ملايين الدولارات من خلال التنسيق الأمني ولديها فروع في القاهرة وغزة.
كتبت الشركة في تعريفها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ” شركة تقدم خدمات السفر والسياحة وخدمة نقل المسافرين (VIP) لمعبر رفح البري بأفضل الطرق وأحدث وسائل النقل على أعلى درجات الخدمة.”
إيتوس للخدمات الأمنية: شركة خدمات أمنية وحراسة تقدم خدمات التأمين للأحداث الرياضية والترفيهية، لديها عقد تأمين مع النادي الأهلي، تقوم بتأمين مباريات المنتخب والنوادي المصرية، قامت بتأمين الكثير من المنشآت في مصر، تفوز بالعقود عبر تشغيلها لعدد واسع من القيادات الأمنية السابقة، على سبيل المثال اللواء توفيق بدير مدير أمن نادي الزمالك السابق، وكذلك مدير أمن جامعة القاهرة، وحاليا يعمل مع إيتوس كمدير لأمن قلعة محمد علي، تقوم الشركة بتأمين استاد القاهرة وحفلات دار الأوبرا المصرية والقائمة تطول.
حدائق: إحدى شركات العرجاني، ظهرت من العدم في 2022 في مشروع تطوير حديقة الحيوان في مصر، ستحصل الشركة بعد نهاية حق انتفاع الشركة الإماراتية وورلد وايد للاستشارات على حق تشغيل الحديقة. يشغل منصب رئيس الشركة محمد كمال الشي كان يشغل سابقًا رئيس شركة استادات.
أبناء سيناء للتجارة والمقاولات: أقدم شركات العرجاني، تعمل في مجال المقاولات، كان له حضور واسع في مشروع إعادة إعمار غزة قبل الحرب، تتحكم بشكل مباشر في مرور البضائع والشاحنات من وإلي غزة عبر معبر رفح. تنشط الشركة في مجال إدارة المحاجر بالشراكة مع شركات الجيش في سيناء حيث تدير عدد من محاجر مثل محجر جبل عتاقة بمحافظة السويس ووادي أم ثميلة والمغارة بجبل الحلال بمحافظة شمال سيناء.
وفقًا للموقع الإلكتروني للشركة فقد قامت بتصدير معدات كاتربلر – معدات تويوتا – حفارات – معدات رصف الطرق – مضخات – مصانع طوب و كذلك المواد الغذائية و المواشى الحية (عجول و أغنام ) و السيارات الملاكى و النصف نقل و الادويه و الهواتف النقالة إلى شركات تقع أغلبها في الأراضي الفلسطينية.
نيوم للصرافة: شركة صرافة نشأت في 2020 بترخيص من البنك المركزي تعمل في مجال تحويل وتغيير الأموال.
كادينس للطاقة: شركة متخصصة في المنتجات الكيماوية، تأسست في 2023 قبل شهر واحد من توقيعها على عقد للشراكة مع القابضة للصناعات الكيماوية بحضور رئيس الوزراء لإنشاء مصنع لإنتاج حبيبات الكلور، واللي كانت ضمن إستراتيجية الدولة لتوفير العملة الصعبة من استيراد المنتجات والمنتجات الشبيهة. رئيس الشركة هو أحد قيادات قطاع البترول سابقا في مصر وهو محمد إبراهيم شيمي.
شركة مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار: تأسست في يونيو 2014 بعد تكليف من السيسي، يملك جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة 51% من أسهمها، وتوزعت 49% الباقية على مساهمين مدنيين. تم تعيين العرجاني رئيسًا لمجلس إدارة الشركة. تُعد الشركة لغزًا كبيرًا، ففي الوقت الي قال فيه العرجاني إن الشركة عبارة عن شراكة بين مواطني سيناء والجيش وأن أسهمها يقدر قيمتها ب 10 جنيهات للسهم الواحد. تًعد الشركة المقاول الرئيسي في كل مشروعات سيناء وكذلك في القاهرة في مشروعات مثل سيتي كلوب. كما أنها كانت مقاول في مشروعات إعادة إعمار غزة قبل الحرب الحالية.
بيزنس معبر رفح ومكاسب بالملايين على حساب الفلسطينيين
تستفيد “هلا ترافيل” المملوكة للعرجاني، من رغبة الغزيين في النجاة بحياتهم لجمع الأموال، إذ كشفت الأرقام التي تصدرها الشركة للتنسيقات الأمنية وبيانات معبر رفح أن الشركة جمعت من سكان قطاع غزة على مدار 4 أشهر مبلغ 180 مليون دولار من 36 ألف مسافر تم التنسيق لهم. المبلغ يتضح إثر حساب عدد المغادرين اليومي من معبر رفح خلال الأشهر الأربعة الأخيرة تجاه مصر، وقوائم الأسماء التي تنشرها شركة “هلا ترافيل” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ دفع كل شخص منهم مبلغ 5 آلاف دولار داخل مقر الشركة في مدينة السادس من أكتوبر.
محمد مسعود واحد من آلاف الغزيين الذين يدفعون مبلغ 5 آلاف دولار لصالح الشركة المصرية، وتُنشر أسماؤهم من خلال كشف خاص بـ “هلا ترافيل” عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
عرض مسعود بيع سيارته من طراز فيات التي اشتراها قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لتحصيل أموالها ودفعها كرشوة لشركة هلا للاستشارات والخدمات السياحية (هلا ترافيل) المصرية، مقابل وضع اسمه على كشوفات السفر في معبر رفح البري لتسهيل سفره برفقة عائلته لمغادرة القطاع. تمكّن مسعود من بيع سيارته بمبلغ 9 آلاف دولار، على رغم أنه اشتراها بـ 17 ألف دولار، لكنه وافق على عرض البيع مرغماً لحاجته إلى تلك الأموال لدفعها إلى الشركة المصرية الموجود مقرها في مدينة السادس من أكتوبر. دفع مسعود مبلغ 20 ألف دولار لصالح “هلا ترافيل” في مصر، من خلال إرسال أحد أقاربه إلى مقر الشركة، مقابل وضع أسماء عائلته المكوّنة من 4 أشخاص في كشف السفر عبر معبر رفح. أعطت الشركة لقريب مسعود وصلًا يتضمن ختمها، يُثبت أنه دفع مبلغ الـ 5 آلاف دولار مقابل كل شخص لتسهيل سفره عبر معبر رفح، واطلع معدّ التقرير على هذه الوثيقة.
التنسيق هو استغلال لحاجة الراغبين في السفر من خلال تلقي أموال مقابل تسهيل سفرهم عبر معبر رفح البري عن طريق التواصل مع متنفذين في المعبر من الجانب المصري، و”هلا ترافيل” لإرسال أسمائهم إلى الجانب الفلسطيني يطلبون منهم سفرهم مقابل تسهيل سفر المسافرين الآخرين.
من أجل النجاة والفرار من الموت، يضطر المواطنون في غزة إلى بيع ممتلكاتهم من أجل توفير 5000 دولار لشركة هلا ترافل، المملوكة للعرجاني لأنها المنفذ الوحيد الذي يستطع اخراج أهالي غزة من جحيم الحرب، ويمكن هنا إطلاق مصطلح ” ثري حرب ” على العرجاني الذي يثري بمتاجرته في أمن وأمان أهلي غزة. ومثالاً على ذلك، قام المواطن الغزاوي، محمد يونس، بعرض سايرته الجيب للبيع العاجل على صفحة ” سوق سيارات غزة” على فيسبوك وكتب ملاحظة يقول فيها ” أن البيع من أجل السفر”. يؤكد يونس علمه بأن بيع سيارته سيعرضه لخسارة مالية كبيرة، ولكنه مضطر لذلك، لحاجته الضرورية الى آلاف الدولارات لوضع اسمه في كشف “هلا ترافيل” المصرية عبر معبر رفح البري. يقول يونس: “اشتريت هذه السيارة بمبلغ 30 ألف دولار، والآن تصلني عروض من مشترين بـ18 و17 ألف دولار، وأنتظر من يضع أعلى سعر لبيعها وتحويل ثمنها إلى مصر لدفعه الى الشركة المصرية”. يوضح يونس أن السفر عبر معبر رفح لا يتم إلا من خلال دفع مبلغ الـ5 آلاف دولار عن كل شخص لصالح “هلا ترافيل” المصرية، ومن دون ذلك لا يستطيع أحد المغادرة، إلا الجرحى ومرافقيهم والوفود الأجنبية.
و”هلا ترافيل” هي واحدة من ثماني شركات تعمل تحت مجموعة رجل الأعمال المصري إبراهيم العرجاني التابعة له، والتي تضم أيضاً “مصر سيناء”، وهو مشروع مشترك مع المجموعة الصناعية التابعة لوزارة الدفاع، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية (NSPO).
في مقابلة له مع موقع “اليوم السابع” عام 2014، إحدى الوسائل الإعلامية المصرية، قال العرجاني إن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية يمتلك 51 في المئة من أسهم الشركة، بالشراكة مع شركتين يملكهما جهاز المخابرات العامة.
وكيل وزارة الداخلية السابق في قطاع غزة، كامل أبو ماضي، سبق وأكد أن كشوفات التنسيقات هي مدخل فساد كبير على الجانب المصري، لأنه لا يتم العمل بها بشكل رسمي، إذ يرسل الجانب المصري مع كل مرة يتم فيها فتح المعبر، كشوفات لا يوجد عليها أي ترويسة أو ختم من أي جهة مصرية. وكشف أبو ماضي في تصريح لصحيفة فلسطين، أن وزارته قامت بالتعامل مع حالات فردية عدة من مسافرين تعرضوا للنصب من مكاتب سياحة وسفر عدة تتعامل “بالتنسيقات”، إذ تلقى أصحاب المكاتب أموالاً من مواطنين من دون تسفيرهم.وأوضح أن المواطنين في قطاع غزة يلجأون إلى دفع الأموال مقابل سفرهم، بسبب وجود عدد منهم مدرجين أمنياً من السلطات (أي أنهم محظورون من السفر عبر معبر رفح)، لذلك يدفعون أموالاً الى مكاتب لتسهيل سفرهم بالتعاون مع الجانب المصري.
التسعيرة الجديدة للفلسطيني، بحسب فلسطيني قام بالتسجيل بالفعل لدى الشركة، خمسة آلاف دولار لكل شخص يتجاوز عمره 16 عامًا، و2500 دولار لمن هم أقل من 16 عامًا. واستمر سعر التنسيق للجواز المصري عند 650 دولار للجميع، و350 لمن هم أقل من 16 عامًا. فيما استمرت تسعيرة تنسيق حاملي الوثيقة المصرية للاجئين بـ 1200 دولار لحاملها. ما تغير في حالتهم أن سعر خروج الأقارب من الدرجة الأولى، والذين كان يُسمح بخروجهم بنفس السعر، أصبحت تسعيرتهم في النظام الجديد مثل حامل الجواز الفلسطيني (خمسة آلاف دولار لمن فوق 16 عامًا و2500 دولار لمن أقل من 16 عامًا).
واستحدثت «هلا» إقرارًا يوقع عليه صاحب التنسيق يفيد بعدم إمكانية استرداد مبلغ التنسيق إلا في حالة الرفض الأمني فقط. في هذه الحالة، تعيد الشركة الأموال مخصومًا منها تكلفة «الاستعلام الأمني لدى الأجهزة الأمنية المصرية»، والتي كانت 50 دولار قبل أن ترتفع في التسعيرة الجديدة إلى 100 دولار.
تغيرت طبيعة قوائم من يُسمح لهم بالخروج. مع بداية السماح بالخروج أوائل الحرب، كانت تُعلق في المعبر قائمتين: قائمة «الرعايا الأجانب»، وقائمة الجوازات المصرية. بعدها، أصبح هناك ثلاث قوائم: «الرعايا الأجانب» و«الخارجية» وقائمة «هلا». وهكذا، توقفت أعمال جميع المنسقين ليستقر البيزنس عند شركة العرجاني.
تنسيقات البضائع
قبل بدء الحرب على غزة ، كانت شركة أبناء سيناء، المملوكة للعرجاني أيضاً تدير كل عمليات دخول البضائع إلى قطاع غزة بشكل حصري، بحسب منشورات الشركة. لكن مع بدء وصول المساعدات إلى العريش ودخولها إلى قطاع غزة، أواخر أكتوبر الماضي، تولى الهلال الأحمر المصري مسؤولية استلامها ونقلها وشحنها وتفريغها بشكل كامل، بحسب أحد مصدري الهلال الأحمر. لكن، منذ منتصف نوفمبر الماضي تولت شركة أبناء سيناء بشكل مباشر مسؤولية النقل والشحن وتوريد العمال، بدلًا من الهلال الأحمر المصري، الذي بات دوره يقتصر على استلام المساعدات من الخارج ومعاينتها والتنسيق مع الدول فقط، بحسب مصدري الهلال الأحمر. الظهور الأول لشركة «أبناء سيناء» في هذه العملية، جاء بالتزامن مع إدخال أول شاحنة وقود إلى قطاع غزة في 15 نوفمبر الماضي عبر معبر رفح، حين أعلنت الشركة وقتها أنها «توجت كناقل لوجستي لهذه المساندة».
مع هذا الظهور الأول، بدأت الشركة في بسط سيطرتها على الجوانب المختلفة من مجال المساعدات الإنسانية. رفعت الشركة لافتات كُتب عليها «مخازن شركة أبناء سيناء» على المخزن الرئيسي الذي يستخدمه «الهلال الأحمر» في العريش، والذي تبرع به أحد رجال الأعمال هناك للجمعية. وتطور الأمر بعدها لتفتتح الشركة عدة مخازن أخرى بجوار المخزن الرئيسي. وتولت الشركة نقل المساعدات من الميناء والمطار وتخزينها. كذلك استحوذت الشركة على عملية شحن المساعدات ونقلها خلال عمليات التفتيش حتى تصل إلى الجانب الفلسطيني.
سيطرة الشركة لم تتوقف عند المساعدات، وإنما امتدت كذلك إلى إدخال شاحنات بضائع تجارية تُباع في القطاع.الإعلان الأول عن بدء دخول البضائع التجارية جاء من الولايات المتحدة في ديسمبر الماضي، دون الكشف عن أي تفاصيل بشأن كميات البضائع التي تدخل إلى القطاع، ولا الجهات التي تتولى عملية دخولها، كما لم تصدر بيانات رسمية من مصر بشأنها.ومنذ 29 ديسمبر الماضي، احتوت بيانات هيئة المعابر الفلسطينية على بند «قطاع خاص»، تضمن ما بين 30 إلى 60 شاحنة يوميًا تدخل من خلال معبر رفح، من إجمالي لا يتخطى 150 شاحنة كانت تدخل للقطاع المحاصر من معبري رفح وكرم أبو سالم.
بداية العرجاني كعدو للدولة ملاحق ومطلوب أمنياً
تعود بداية العرجاني إلى 20 عامًا مضت، بعد تفجيرات شهدتها مدينة طابا بجنوب سيناء في 2004. بدأت الأجهزة الأمنية حملة تفتيشا واعتقالات واسعة بحثًا عن منفذي التفجير. وأسفرت الحملات عن القبض على العشرات من البدو واتهامهم في قضايا مختلفة. وبحسب الشهادات المتواترة، التي نشرتها وسائل إعلام مختلفة وقتها، تسبب العنف الأمني في ازدياد غضب القبائل البدوية المختلفة هناك، وعلى رأسها القبائل الثلاثة الأهم: الرميلات والسواركة والترابين.
دفعت هذه التوترات بعض الأهالي إلى تنظيم أنفسهم. في 2007، ظهرت حركة تسمى«ودنا نعيش» أسسها نشطاء من قبيلة الرميلات. واستمر الأهالي في الاحتجاج حتى وصل الأمر أحيانًا إلى تنظيم اعتصامات بالقرب من الشريط الحدودي بين مصر وإسرائيل.
أحد هذه الاعتصامات، في 2008، كان نقطة البداية الحقيقية لثلاثي أصبحوا لاحقًا أساطير في سيناء: موسى الدلح وسالم لافي وإبراهيم العرجاني، جميعهم من قبيلة الترابين. قبلها، كان العرجاني ورفيقيه، ضمن مجموعة أخرى مع البدو، يساعدون أجهزة الأمن في البحث عن الإرهابيين، كما صرحوا لوسائل الإعلام في مناسبات مختلفة. كان الثلاثي ضمن البدو المحتجين، لكنهم عملوا كذلك كوسطاء بين الأمن والبدو بحكم علاقاتهم السابقة. لكن هذا الاعتصام غيّر كل شيء.
وفقاً لتحقيق نشرته صحيفة المصري اليوم في الرابع من يوليو 2010 تواصل أحد القيادات الأمنية في شمال سيناء مع لافي لطلب التوسط لإقناع البدو المعتصمين قرب الحدود بإنهاء اعتصامهم. لكن لافي أخبر الصحيفة أنه كان مشغولًا، ولهذا اتصل العرجاني بشقيقه وطلب منه التوجه إلى موقع الاعتصام لتهدئتهم. بدلًا من تهدئة الأوضاع، أطلقت قوة من الشرطة النار على شقيق العرجاني وقتلته مع اثنين من أصدقائه. من جانبها، قالت الشرطة إنهم كانوا مسلحين وأنهم رفضوا التوقف عند نقطة تفتيش، وهو ما نفاه العرجاني بشدة. عُثر على جثث المقتولين في مستودع قمامة، ما دفع لافي والعرجاني لاختطاف العشرات من قوات الشرطة، والذين ظهروا في فيديو شهير يتحدث فيه العرجاني يسأل المخطوفين عن سبب قتل شقيقه.
أُطلق سراح المختطفين بعد يوم واحد من اختطافهم. وتواصل نائب مساعد وزير الداخلية للأمن العام وقتها مع العرجاني يطلب لقائهم لحل الأزمة، واعدًا إياهم بالأمان. توجه العرجاني ولافي فعلًا للقائه، لكن بحسب روايتهما، أُلقي القبض عليهما فور وصولهما. الدلح فقط هو من تبقى خارج السجن من الثلاثي، ثم احتجزته الشرطة في سبتمبر 2009 لوقت قصير قبل أن تُطلق سراحه.
وفقاً لموقع مدى مصر نقلاً عن مقربين من العرجاني، في العام التالي، فبراير 2010، دبّرت مجموعة من البدو خطة دقيقة لتهريب لافي من السجن، أحد معارف لافي قام برفع دعوى ضده في العريش اتهمه فيها بإصدار شيك دون رصيد. تطلب هذا نقل لافي من سجنه في الإسماعيلية إلى العريش لمواجهة التهم. في الطريق، قبيل وصولهم إلى العريش، هاجمت مجموعة من البدو سيارة الترحيلات. ونجحوا بالفعل في تهريب لافي مخلفين قتيلين من الشرطة، بينهما ضابط. بقي العرجاني قيد الحبس بينما هرب الجميع إلى منطقة وادي العمرو معقدة التضاريس وسط صحراء سيناء. إثر هذا، بدأت وزارة الداخلية حملة أمنية واسعة النطاق، شملت إعادة فتح كل الملفات الأمنية لأبناء القبائل واعتقالات بالجملة واقتحامات للقرى وتفتيش المنازل. دفع هذا مجموعة من شباب القبائل للهروب إلى الصحراء واللحاق بالدلح ولافي. تحت وطأة القمع، بدأت الأساطير تُنسج حول المجموعة وتصديهم للشرطة. بدأت المجموعة في الدفاع عن قضيتهم. خلال هذا الصيف، منح لافي صحيفة «اليوم السابع» حوارًا تليفونيًا، تلاه زيارة الصحفي أحمد رجب، كاتب تحقيق المصري اليوم، إلى الصحراء ومقابلة الدلح ولافي.
كان الدلح في صدارة هذا المشهد، وأصبح يُشار إليه باعتباره المتحدث الإعلامي باسم المجموعة المطلوبة أمنيًا في شمال سيناء. كتب رسالة إلى رئيس تحرير «المصري اليوم»، وعقد مؤتمرًا صحفيًا للدفاع عن موقفهم، وتواصل مع عدد من أعضاء مجلس الشعب.
في النهاية، أفرجت الدولة عن العرجاني ومعه 32 آخرين في يوليو 2010، لتستقر الأوضاع في سيناء أخيرًا.لم يدم الاستقرار أكثر من شهرين قبل أن تتفجر الأوضاع مرة أخرى، عندما أصدرت محكمة شمال سيناء حكمًا غيابيًا بالسجن المؤبد ضد سبعة أشخاص من القبائل، بينهم لافي، وبدأت الدولة في حشد قواتها للقبض عليهم مرة أخرى. واستمر الكر والفر بين المجموعة ووزارة الداخلية على مدار الأشهر اللاحقة. وفي نهاية 2010، عقدت الترابين مؤتمرًا بحضور جميع مشايخها، أعلن فيه الدلح عن مبادرة إلى الدولة يتعهدون فيها بمنع عمليات التهريب، وعدم السماح باستخدام طرق القبيلة في تهريب البشر إلى إسرائيل، وهي أنشطة كانت شائعة وقتها، مقابل إسقاط الأحكام الغيابية ضد أبنائها. بعدها بأسابيع، انطلقت ثورة 25 يناير، لتتوقف الشرطة، بعد انهيارها، عن مطاردتهم، ولتتحقق إحدى مطالبهم أخيرًا.
ركزت مطاردات الشرطة في الأشهر الأخيرة قبل الثورة على الدلح ولافي، لكن العرجاني عاش حياته بشكل طبيعي. بعد خروجه من السجن، أسس شركة «أبناء سيناء للتشييد والبناء»، والتي عملت في مجال المحاجر، البيزنس الرائج في شمال ووسط سيناء. بعدها، أسس في 2010 شركة أخرى اسمها مجموعة «السبع جبال»، تعرف نفسها بأنها «الشركة الأم لمجموعة الشركات الرائدة فى مجالات مختلفة» من بينها شركة «أبناء سيناء».
بعد الثورة، انشغل الدلح ولافي في معركة ضد حسن راتب، أحد أكبر رجال الأعمال في شمال سيناء والمقرب من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. من جانبه، بقي العرجاني بعيدًا عن معركة راتب، على الأقل بشكل علني. واكتفى بإدارة أعماله.
تمكنت أعمال شركة أبناء سيناء من الاستمرار بعد تدخل صديقي العرجاني، الدلح ولافي، اللذين لعبا دورًا كبيرًا في تأمين طرق مرور الشاحنات عبر تحالفات عقدوها بالمال والنفوذ مع أبناء القبائل الأخرى، بحسب مصدر من قبيلة الرميلات كان على مقربة من هذا الخلاف.
شكل العام التالي، 2014، لحظة محورية في مسار صعود العرجاني لسببين أساسيين.
السبب الأول هو تمكّن شركته من الاستحواذ الكامل على عمليات نقل مواد البناء في جهود إعادة الإعمار. فقدت شركة «البراق» نصيبها من المنحة القطرية لتستحوذ «أبناء سيناء» على عمليات نقل ما تتطلبه هذه الجهود. لاحقًا، في صيف 2014، شنّت إسرائيل واحدًا من أسوأ اعتداءاتها على قطاع غزة. دعت مصر بعد الحرب إلى مؤتمر لإعادة إعمار القطاع، بلغت حجم التبرعات فيه 5.4 مليار دولار، يُخصص نصفها لجهود إعادة الإعمار. وسيطرت «أبناء سيناء» حصرًا على النقل والشحن إلى غزة عبر معبر رفح. وتولت «أبناء سيناء» إدارة عملية نقل ما تتطلبه إعادة الإعمار.
في هذا الوقت، كان عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع وقتها، يستعد للترشح والفوز برئاسة مصر. خلال حملته الانتخابية، التقى السيسي عددًا من مشايخ سيناء ورجال الأعمال، بينهم العرجاني، والذي جلس بجانب السيسي حاملًا لابتوب يعرض عليه أفكاره حول إقامة مشاريع رخام ورمل زجاجي في سيناء. «هتدّخل مليارات على مصر وسيناء»، بحسب تصريح العرجاني وقتها.
يقول العرجاني في مقابلة تلفزيونية في 2015 مع مصطفى بكري، الإعلامي المقرب من النظام، إن السيسي أبدى استجابة لأفكاره. بعد شهرين من تولي السيسي الرئاسة في يونيو 2014، تأسست شركة «مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار»، والتي يملك جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة 51% من أسهمها، فيما توزعت 49% الباقية على مساهمين مدنيين، وتم تعيين العرجاني رئيسًا لمجلس إدارتها. يوضح العرجاني في المقابلة أن جميع قبائل سيناء أصبحوا شركاء في هذه الشركة بعدما طُرحت أسهمها عليهم بسعر عشرة جنيهات، لكنه لم يكشف عن نصيبه منها (موقع «العرجاني جروب» يشير إلى «مصر سيناء» كإحدى شركاته). وبهذا بدأت مرحلة التوسّع في أعمال العرجاني.
السبب الثاني هو تصاعد هجمات التنظيمات المسلحة في سيناء (خصوصًا تنظيم أنصار بيت المقدس، الذي أصبح تنظيم «ولاية سيناء» لاحقًا)، وبدء الحرب على الإرهاب هناك. واجه الجيش المصري أزمة أنه يحارب مسلحين يختفون في الصحراء، «أشباح»، بحسب تعبير العرجاني نفسه في المقابلة التلفزيونية. هذا إلى جانب القيود التي تفرضها اتفاقية السلام مع إسرائيل على طبيعة التسليح في هذه المنطقة. لهذا كان على الدولة إشراك أبناء القبائل أصحاب الأرض والنفوذ في المعركة. لجأت الدولة إلى القبائل الرئيسية الثلاثة: الرميلات والسواركة والترابين، وطلبت منهم حمل السلاح ومواجهة التنظيم معها.
لم تُمانع الرميلات والسواركة وقتها، لكنهما طلبتا القتال بناءً على العُرف، وهو أن تقاتل كل قبيلة في أراضيها فقط، وأن يتولى أبناء القبائل بأنفسهم عمليات القيادة والتمشيط تحت إشراف القوات المسلحة. لكن القوات المسلحة رفضت شروط القبيلتين، واكتفت بالثلاثي: العرجاني وصديقيه لافي والدلح، لمساعدتها في هذه الحرب. وانضم إليهم البعض من الرميلات والسواركة، لكن بشكل منفرد بعيدًا عن قبائلهم.
أسس الثلاثي في 2015 كيانًا جديدًا اسمه «اتحاد قبائل سيناء»، والذي وصفه العرجاني في المقابلة التلفزيونية بالحرس الوطني، مؤكدًا أنه تم تحت إشراف القوات المسلحة. لكن الاتحاد حتى هذه الوقت اقتصر على الترابين ولم يتحول لاتحاد حقيقي بين القبائل. حاول العرجاني مرارًا التأكيد على أن الاتحاد يضم كل القبائل، ولكن الدلح كان أكثر صراحة، وأكد على وجود أزمة لدى السواركة والرميلات. لهذا اكتفى الاتحاد بحماية أراضي الترابين ومنع توسع «ولاية سيناء» فيها، في الوقت الذي توسّع فيه التنظيم في أراضي السواركة والرميلات ومدن الساحل حتى وصل إلى مدينة العريش.
هكذا، بنفس التقسيمة المعتادة بين الثلاثي، تولى الدلح مسؤولية المتحدث الإعلامي للاتحاد، وأصبحت صفحته الشخصية على فيسبوك مصدرًا لبيانات الاتحاد عن قتل أو القبض على مسلحي «ولاية سيناء». بينما أدار لافي العمليات على الأرض، وتولى العرجاني مسؤولية التمويل. استمر الدلح في الصدارة، يدلي بالتصريحات لوسائل الإعلام المحلية والدولية، ويعقد اللقاءات في مكاتب الصحف والقنوات. أما على الأرض، كان لافي ينسج أسطورته برفقة العقيد أحمد المنسي، لترتفع مكانته في القبيلة أكثر. استمر الوضع كما هو حتى عام 2017، والذي أصبح، ربما بمحض الصدفة، العام الفارق في مسيرة العرجاني، ليتغير بعدها كل شيء.
في مايو 2017، قُتل لافي في هجوم على منطقة قريبة من قرية البرث معقل الاتحاد، تلاه، بعد شهرين، هجوم آخر راح المنسي ضحيته. وفي أغسطس من العام ذاته، أعلن الدلح انسحابه من العمل السياسي «بكل صوره وأشكاله بالقول والفعل». واعتزل الدلح في منزله في رأس سدر مكتفيًا بإدارة بعض أعماله ونشر بعض مذكراته، حتى توفي فجأة في منزله في سبتمبر 2022. مع مقتل لافي واعتزال الدلح، تبقى العرجاني وحيدًا من بين الثلاثي. ومنذ هذه اللحظة، تغيّر تعريفه من «أحد رموز قبيلة الترابين» إلى «رئيس اتحاد قبائل سيناء».
في هذا الوقت، تغيرت طريقة عمل الاتحاد. بدلًا من التطوع لمواجهة الإرهاب ومساندة القوات المسلحة، أصبحت عضوية الاتحاد مثل وظيفة، حيث يتقاضى كل من يحمل السلاح راتبًا شهريًا حسب دوره، قائد أو مقاتل. بعضهم حصل على «كارنيهات، تصدرها إحدى الجهات الأمنية تسمح لهم بحركة أسهل عبر الكمائن ونقاط العبور على قناة السويس.
هذه المميزات دفعت الكثيرين من العاطلين عن العمل للانضمام إلى الاتحاد، خاصة من أبناء القبائل الأخرى والعائلات. ظهرت مجموعة «فرسان الهيثم» التي تضم بعض أبناء قبيلة الرميلات، ومجموعات أخرى تضم أبناء من السواركة. وللمرة الأولى منذ تأسيسه، ضم الاتحاد، تحت قيادة العرجاني، ممثلين للقبائل الأخرى.
عقب سيطرته، بدأ العرجاني بالتوسع في أعماله بخطوات متسارعة. أعلنت شركة «أبناء سيناء» عن انفرادها ليس فقط بشحن البضائع التجارية إلى غزة عبر معبر رفح، وإنما كذلك بتأمينها «من بداية الطريق إلى نهايته». كما دخلت شركة «مصر سيناء» مجال التصدير إلى غزة أيضًا مع «أبناء سيناء». وبدأ اللواء لؤي زمزم، والذي كان يشغل مدير مكتب المخابرات الحربية في شمال سيناء، في الظهور مع العرجاني كنائب لرئيس مجلس إدارة الشركة.
كذلك بسط العرجاني سيطرته على مجال آخر من مجالات الحركة عبر معبر «رفح»، عبر إنشاء شركة «هلا للاستشارات والخدمات السياحية» في 2019 لتقديم خدمات سفر الـVIP من القطاع إلى مصر. وبذلك تكون شركة «هلا» الثالثة في مجموعة السبع جبال بعد «أبناء سيناء» للمقاولات العامة و«مصر سيناء».
امتدت سيطرة العرجاني إلى بيزنس المعبر بعدما أسس شركة أخرى تحمل اسم «أبناء سيناء» أيضًا، وهي شركة «أبناء سيناء للتشييد والبناء». وأعلنت الشركة الجديدة تعاونها مع شركة «مصر سيناء» في الاستحواذ على عمليات إعادة إعمار غزة بعد اعتداء 2021، وذلك بأموال منحة قدمتها مصر قيمتها 500 مليون دولار.
مع نهاية 2021، أصبحت مجموعة «السبع جبال»، تضم شركات «أبناء سيناء للمقاولات العامة»، و«أبناء سيناء للتشييد والبناء»، و«مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار»، و«هلا للاستشارات والخدمات السياحية»، و«إيتوس للخدمات الأمنية» التي تعاقدت مع اتحاد الكرة المصري لتأمين الفعاليات الرياضية، وغيرها من الشركات. وفي يناير 2022، تغير اسم المجموعة لتصبح «العرجاني جروب». في الشهر ذاته، قرر السيسي تعيينه عضوًا في هيئة تنمية سيناء كممثل للشركات والمستثمرين، بعد موافقة وزير الدفاع، وهي الموافقة التي صدر قرار بها بالفعل في نوفمبر الماضي. واستقر للعرجاني سيطرة شبه مطلقة على مختلف الأعمال في سيناء، ومن بينها كل ما يتعلق بمعبر رفح. وتوسّعت أعمال «العرجاني جروب» إلى خارج سيناء، أبرزها حصوله على توكيل سيارات «BMW».
في هذه الأثناء، فرضت تطورات جديدة في سيناء نفسها. انتهت الحرب على الإرهاب بعد دخول الرميلات والسواركة الحرب في 2022 بطلب من القوات المسلحة مقابل السماح لهم بالعودة إلى أراضيهم التي رحلوا عنها في 2014، والقتال بعيدًا عن اتحاد العرجاني. تسبب هذا في تسارع هزيمة تنظيم «ولاية سيناء». بعدها، نزعت الدولة سلاح القبيلتين لكنها أبقت على تسليح اتحاد العرجاني.
بدأت الرميلات والسواركة في المطالبة بما وُعدوا به، العودة لأراضيهم، والتراجع عن إنشاء التجمعات التنموية المرفوضة قبليًا لأسباب مختلفة. وبعد مماطلة وتأجيل، نظموا اعتصامًا في الشيخ زويد في أغسطس الماضي، تدخلت على إثره جهات سيادية ووعدتهم ببحث مطالبهم على أن يُسمح لهم بالعودة لأراضيهم.
في مطلع أكتوبر، مع عُقد اجتماع معهم في القاهرة لاحقًا لبحث كل مطالبهم، وبناءً عليه فضوا الاعتصام. تدخل العرجاني في الأزمة بعدما طلب من أحد منظمي الاعتصام الحضور إلى القاهرة مطلع سبتمبر الماضي. عُقد اجتماع داخل إحدى شركات العرجاني بحضور اثنين من جهة سيادية اكتفوا بالاستماع. وقدم العرجاني شرحًا لمخطط الدولة في المنطقة، ووعد ممثل المعتصمين بالعودة لأراضيهم كما قبل 2014، وإلغاء التجمعات التنموية وإعادة بناء القرى التي دمرتها الحرب.
اتحاد القبائل العربية
في الأول من مايو الحالي، شهدت قرية العجرة الواقعة جنوب مدينة رفح المصرية، تدشين كيان جديد تحت مسمى «اتحاد القبائل العربية»، رئيسه الشرفي عبد الفتاح السيسي، ويقوده إبراهيم العرجاني. الإعلان عن الكيان القبلي الجديد جاء في احتفالية داخل خيمة بصحراء قرية العجرة والتي تغير اسمها إلى مدينة السيسي بالتزامن مع البدء في إنشاء المدينة على أرض القرية، والتي سوف تكون إحدى مدن الجيل الرابع من حيث الخدمات والرقمنة والتقدم»، بحسب بيان تدشين الاتحاد.
تأسس الاتحاد بناء على «مطالب رموز وكيانات عديدة في مناطق ومحافظات مختلفة آلت على نفسها أن تجتمع في إطار تنظيمي واحد»، بحسب بيان التأسيس الذي تلاه المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الجديد، البرلماني مصطفى بكري، وتحددت فيه عشرة أهداف للاتحاد كان أولها «خلق إطار شعبي وطني يضم أبناء القبائل العربية هدفه توحيد الصف وإدماج كافة الكيانات القبيلة في اطار واحد دعمًا لثوابت الدولة»، للتأكيد على أهمية «حشد القوة الناعمة جنبًا إلى جنب مع القوة الشاملة في الدولة في ظل المخاطر التي تحيط بالدولة من الغرب والجنوب والشمال الشرقي».
ولم يخلُ هدف من الأهداف العشرة من التأكيد على أن الاتحاد يدعم السيسي في حماية الأمن القومي المصري، فضلًا عن استخدام الوسائل الممكنة للتفاعل مع دعوة الوعي التي أطلقها في مواجهة حروب الجيل الرابع والخامس والسادس التي تستهدف نشر الشائعات والفتن، وفي الخاتمة تعهد أبناء القبائل بالوقوف صفًا واحدًا خلف الرئيس في مواجهة التحديات والمؤامرات ودعم المشروع الوطني «الجمهورية الجديدة».
يقود الاتحاد العرجاني، رئيسًا، ونائبين: الأول، أحمد رسلان، من محافظة مطروح، شغل منصب الرئيس الأسبق للجنة الشؤون العربية في مجلس النواب، وكان النائب الأول لرئيس البرلمان العربي. أما النائب الثاني، اللواء أحمد جهينة، من محافظة سوهاج، ضابط سابق بجهاز أمن الدولة المنحل، ومحافظ الغربية الأسبق.
العرجاني، الذي تحول بين عشية وضحاها من رئيس اتحاد قبائل سيناء، إلى رئيس اتحاد القبائل العربية، أدلى بتصريح واحد فقط بثته جميع القنوات الإخبارية المصرية، أكد فيه أن الكيان القبلي الجديد تنطوي تحته خمسة كيانات قبلية كانت موجودة في الصعيد والسلوم ومطروح والبحر الأحمر، وتوحدوا حاليًا في كيان واحد، موجهًا رسالة إلى شباب القبائل جميعًا «أن يكونوا متحدين ويد في يد خلف سيادة الرئيس».
فور إعلان تدشين اتحاد القبائل العربية تحت قيادة العرجاني والذي قال فيه تصريح إن الكيان ينطوي تحته كيانات أخرى قبلية كانت موجودة في الصعيد والسلوم ومطروح، أصدر ما يسمى مشايخ عرب الصعيد والغرب وممثلاً عنهم الشريف أشرف محمد بن ماضي عضو نقابة السادة الأِشراف في مصر والعالم العربي والإسلامي بياناً قال فيه
نوجه نحن السادة مشايخ القبائل العربية في الصعيد والغرب هذا البيان للإعلام المصري خاصة وقيادة الجيش والشرطة وجميع أجهزة الدولة المصرية مع فائق الاحترام والتقدير ونحيطهم علما بأن
أولا /المدعو إبراهيم العرجاني لا يمثل القبائل العربية في مصر وان الإتحاد الوهمي للقبائل العربية باطل بعرف العرب ولا يستند على شرعية له للأسباب التالية:
- شيخ القبائل العربية أو أي اتحاد عربي تحت اسم القبائل العربية في مصر لابد أن يكون من النسل الهاشمي الشريف حسب عرف القبائل محبة في سيدنا رسول اللّه صل الله عليه وعلى آله وسلم.
- أحفاد شيخ العرب همام أمير الصعيد وبرقة وشمال السودان هم المكلفين بهذا الأمر مع إخوانهم مشايخ القبائل في الصعيد والغرب لأن أنسابهم وأصولهم ثابتة وتعود للنسل الهاشمي الشريف.
- لم يذكر التاريخ أن لقبائل سيناء مشيخة على القبائل العربية في الصعيد والغرب وذلك لأسباب نسبية حيث أن نسبة 60% إلى 65% من أهالي سيناء لا علاقة لهم بالعرب ولا القبائل العربية وأصولهم تعود لبقايا التتار و الصليبيين ويهود الدونمة الذين انهزموا في مصر مع هولاكو وبقايا جيش ريتشارد قلب الأسد الصليبي بالإضافة إلى الإنجليز
- القبائل العربية الأصيلة في سيناء شمال وجنوب وسط معروفين ولهم تاريخ مشرف مع الدولة المصرية ويرجعون إلى قبائل الصعيد والغرب ولا يوجد بينهم خائن أو عميل فهم عقد من الذهب الخالص في القبائل العربية المصرية الأصيلة
- جميع الحملات والاستعمار كان يأتي من البوابة الشرقية لمصر آخرهم تنظيم القاعدة وداعش بسبب خيانة اللقطاء ومخلفات الحروب والاستعمار من أبناء سيناء وليس العرب
- أخيرا على الإعلام المصري وجميع أجهزة ومؤسسات الدولة المصرية معرفة ذلك على ان لا تكون فتنة بين القبائل التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه
ثانياً / المدعو إبراهيم العرجاني قام بالمتاجرة بمعاناة أهلنا في فلسطين وغزة واستغلال مأساتهم حيث انه يأخذ على الرأس عشر ألف دولار هو ومجموعة بلطجية وهذا عار في حق أهالي وقبائل سيناء للأبد لأن العرب الأصليين يجيرون المستجير ويقفون جنب إلى جنب مع إخوانهم العرب. وما فعله العرجاني يدل على أنه لا علاقة له بالقبائل العربية ولا ينتمي لها وبالتالي لا يصلح أن يكون ممثل لأي تجمع أو اتحاد عربي.
صادر عن مشايخ عرب الصعيد والغرب عنهم السيد الشريف الدكتور/أشرف بن محمد ماضي. حفيد أمراء ومشايخ العرب في الصعيد والغرب عضواً نقابة السادة الأشراف في مصر والعالم العربي والإسلامي.
الكاتب الصحفي ورئيس تحرير الأهرام الأسبق قال في تدوينة له على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي ” فسيبوك”
“ما يسمى اتحاد القبائل العربية كارثة حقيقية، وعمل يمزق وحدة الأمة وينحدر بها لمرحلة ما قبل الدولة.. الدولة الحقيقية هي مرجعية مواطنيها الوحيدة، وليس التكوينات الاجتماعية الأدنى (العائلة، القبيلة، العشيرة) التي من المفترض أن تنصهر في أي دولة. الأشراف الحقيقيون في هذا البلد هم المصريون، والشرف الحقيقي هو الانتماء لهذه الأمة العظيمة بجذورها المصرية القديمة التي تشمل الغالبية الساحقة الكاسحة من المصريين الذين اكتسبوا اللغة العربية وصاروا قلب وقيادة الإقليم العربي، وهم الأشراف الحقيقيون في هذا الوطن، ومعهم وإلى جانبهم كل الذين وفدوا إليها من الخارج من صحراء شبه الجزيرة أو من الشام، أو من آسيا أو أوروبا أو إفريقيا وانصهروا في بنيتها الاجتماعية وصاروا أبناء جوهرة الدنيا ومؤسسة الحضارة الإنسانية ومنبت فجر ضميرها. أوقفوا تخريب التماسك الاجتماعي للأمة فهو أهم سماتها الصلبة التي حمتها حتى في أزمنة الاحتلال الغبراء”
ويرى مراقبون أن النظام المصري حوّل اتحاد القبائل بزعامة العرجاني من دوره ككيان مسلح مساند للجيش المصري في سيناء لمواجهة الجماعات المتطرفة، إلى شريك اقتصادي في ادارة معبر رفح والتجارة في سيناء، إضافة إلى شراكة المشروعات العمرانية والبنية التحتية، ثم إلى مرحلة التوظيف السياسي بمحاولة جمع هذه القبائل وجعلها في خدمة النظام وداعمة له بما توفر لها من قوة.
وبينما يتواصل الانتقاد والغضب حول تأسيس الاتحاد والمخاوف المتزايدة بشأن تداعياته على الدولة المصرية، حاول المتحدث الرسمي باسم الاتحاد وهو الإعلامي القريب من السلطة، مصطفى بكري نفي أي اتهامات تطاله، مؤكدًا عبر فضائية “صدى البلد” أنه يمكن اعتباره فصيل تابع للقوات المسلحة ويعمل لصالحها، وهو التصريح الذي أثار المزيد من التساؤلات والمخاوف بدلا من التطمينات. وأضاف بكري خلال لقاءه على فضائية “CBC” المصرية، أن العرجاني يتعرض لهجمة إعلامية شرسة من قِبل جماعات الإرهاب، وأنه مُستهدف وتم إطلاق النار عليه أكثر من مرة سابقا.
فيما يبدو، أن الهدف الواضح في المرحلة الحالية هو تحقيق السيطرة الكاملة على التجمعات القبلية صاحبة اليد العليا على الأراضي الصحراوية المصرية وخاصة تلك الواقعة بالمناطق الحدودية، وتوجيه قراراتها وفقًا لمخططات المشروعات الحكومية وفي مقدماتها مشروعات مؤسسة الجيش، حيث تبنى هذه المشروعات الجديدة في الظهير الصحراوي للمحافظات القديمة، وهناك يأتي نفوذ القبائل.
تجربة النظام المصري في إعادة هيكلة وتطوير المناطق القديمة المأهولة داخل المحافظات في الوادي والدلتا، هي الصدام مع المواطنين حيث تواجه أغلب المشروعات مشكلة رفض السكان للمغادرة أو التنازل مقابل التعويضات المقررة حكومياً حسب كل منطقة، وفي المشروعات بالمدن الجديدة والساحلية يواجه النظام سيطرة القبائل العربية، ومن ثم تأتي ضرورة الـى ايجاد “مرجعية” لإنجاز هذه الصفقات بطريقة تفاوضية “عرفية” عبر شخصية كالعرجاني، دون صدام مع أجهزة الدولة. ويأتي توقيت الإعلان عن تأسيس الاتحاد بعد صفقة رأس الحكمة التي جرت قبل شهرين بتمويل الإمارات، ويعتبر هذا الاتحاد استجابة للتحديات التي تواجهها الدولة ومحاولة لضبط الأمور وضمان الاستقرار والأمن على هذه الأراضي ذات الطبيعة الجغرافية الصعبة.
الحركة المدنية الديمقراطية تهدد باللجوء إلى القضاء
ولكن الموقف القوي جاء من الحركة المدنية الديمقراطية في مصر، التي هددت باللجوء إلى القضاء للوقف الفوري لخطوات تهدف لإنشاء كيانات تخالف الدستور والقانون وتكون موازية أو بديلة لمؤسسات الدولة، معتبرة أن هذا التحرك يشكل تراجعا عن مقومات الدولة المدنية الحديثة
وقالت الحركة في بيانها إن مصر ليست في حاجة للتخفي أو الاختباء وراء مسميات مجهولة، للبحث عن مبررات للدفاع عن أراضيها وحماية أمنها القومي في مواجهة المعتدين الذين خرقوا بالفعل اتفاقيات السلام ويتصرفون بعجرفة القوة ويمارسون حرب الإبادة ضد أشقائنا الفلسطينيين.
وأعلنت الحركة عن التقدم بعريضة باسم المجتمعين تتضمن المخاطر المحتملة من جراء إنشاء كيانات تحت أى مسمى ونحذر من التصريح لها من وزارة التضامن الاجتماعي، بما في ذلك من انتهاك للدستور الذي يمنع قيام كيانات على أساس عرقي أو ديني أو طائفي، والموافقة على هذا الكيان تعد تراجعًا للخلف عن مقومات الدولة المدنية الحديثة، وبخاصة أن الإعلان عن تأسيس الكيان صاحبه مظاهر استعراضية تشير إلى أن لديه قوة ومساحة موازية لمؤسسات الدولة الرسمية.
في الثاني والعرشين من مايو الحالي، نشرت مواقع صحفية أخبار تفيد بصدور قرار غير معلن بتجميد مؤقت لاتحاد القبائل العربية بعد أن أثار غضب الكثيرين في مصر.
وقالت مونت كارلو الدولية إنه يتردد الحديث في القاهرة عن صدور قرار يقضي بتجميد مؤقت لاتحاد القبائل العربية في مصر، والذي أعلن عن تأسيسه خلال الشهر الجاري في منطقة العجراء جنوب مدينة رفح المصرية.
في حين قال موقع العربي الجديد نقلاً عما سمتها مصادر مصرية إن قراراً صدر بتجميد مؤقت لنشاط اتحاد القبائل العربية في مصر والذي أُعلن عن تأسيسه مطلع مايو/أيار الحالي، بعد أن أثار الإعلان مخاوف كبيرة في الأوساط السياسية، من تحوّل الاتحاد إلى كيان مواز للدولة في شبه جزيرة سيناء. وأوضحت أن “جهات سيادية بالدولة، قدّمت تقارير لرئاسة الجمهورية، رصدت خلالها ردود الفعل على تأسيس اتحاد القبائل العربية في مصر برئاسة رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، والتي جاءت في معظمها سلبية، وأوصت خلالها بتجميد عمل الكيان الجديد بشكل مؤقت”. وأضافت المصادر أن “مؤتمر اتحاد القبائل العربية في مصر والذي عُقد في محافظة الجيزة، في 13 مايو الحالي، برعاية العرجاني، أثار الكثير من الهجوم”، كما أن البيان الذي أصدرته “القبائل العربية في الصعيد وغرب مصر”، والذي قال إن اتحاد العرجاني “باطل ولا يمثلنا”، “دفع باتجاه اتخاذ قرار تجميد النشاط مؤقتاً”.
الخلاصة
رحلة بُنيت على الرغبة في الصعود والثراء والنفوذ قام ولايزال يقوم بها العرجاني من عدو للدولة يختطف رجال الشرطة ثم يحارب الإرهاب وكيلاً عن الجيش المصري، ثم تفتح لها خزائن البلاد ومغارات على بابا التي يسرق بها النظام ليس فقط المصريين ولكن الفلسطينيين، ليتحول العرجاني إلى رجل النظام القوي الذي يقوم بفرضه على مجالات التجارة والاقتصاد متغلغلاً ليس فقط في الكيانات الاقتصادية ولكن الاجتماعية منها كفرضه لرعاية النادي الأهلي مما أثار غضب جماهير النادي الأكثر شعبية مصري.
يمثل العرجاني أهم إشارة ودليل على مرحلة البلطجة في مصر، لا يشاركه في هذا سوي صبري نخنوخ البلطجي الأقوى والأشهر في مصر والذي أهداه النظام العسكري المستبد إدارة شركة فالكون للأمن المملوكة للمخابرات بديلاً للواء الراحل سامح سيف اليزل، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على مدى الوضاعة والبلطجة التي يمكن وضف النظام العسكري المستبد في مصر ليكونوا هؤلاء وغيرهم هم من يقوموا بحمايتهم من غضبة الشعب المصري، إلا أن وقائع التاريخ تثبت أنه لا يوجد مانع يمكن أن يمنع غضبة الشعب الطالب للحرية والعدل والديمقراطية.