“أتمنى لو لم أكن حيا اليوم حتى لا أعيش معذبا وملاحقا بذكريات يوم الفض. فقد قتلت الإنسانية في مصر في ذلك اليوم” خرجت هذه الكلمات من أحد الذين شاركوا في اعتصام رابعه في الرابع عشر من أغسطس 2013.
كلمات تجعل القارئ يشعر بكل ظلمات الظلم في العالم، فما بال من عاش هذا اليوم وخرج منها ميتًا يتنفس على الأرض، لقد صدق من قال
” لم يمت في رابعة إلا من نجا منها … و لم ينجوا منها إلا من مات فيها”
لم تنجو مصر كلها من آثار لعنة الدماء التي سُفكت حرامًا في فض اعتصاني رابعه والنهضة.
في الثالث من يوليو أعلن وزير الدفاع، آنذاك، عبد الفتاح السيسي بيان الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني انتخبه المصريون، الرئيس الشهيد محمد مرسي، وكان أنصار الرئيس مرسي قد اعتصموا في ميداني رابعه العدوية في مدينة نصر، شمال القاهرة، وميدان النهضة في الجيزة.
وفي الرابع عشر من أغسطس/آب عام 2013، فضت قوات الأمن المصرية بالقوة الاعتصامين مما أسفر عن أكبر مذبحة بشرية مرت على مصر في تاريخها الحديث. شهدت مصر يوما لم تعرف مثله في تاريخها القريب. سقط مئات القتلى المدنيين في ساعات قليلة وباتت القاهرة أقرب لساحة الحرب، لا يسمع فيها سوى صوت طلقات الرصاص وصافرات سيارات الأمن.
تشير التقديرات الرسمية إلى مقتل أكثر من 600 من المعتصمين في رابعة العدوية مقابل مقتل ثمانية من رجال الأمن. لكن تقديرات جماعة الإخوان المسلمين التي نظّمت الاعتصام تحدّثت عما يزيد على ألف قتيل بين صفوف المعتصمين. وقدّرت منظمة هيومان رايتس ووتش أعداد الضحايا من المدنيين بين 800 إلى 1000 شخص.
ادعت السلطات المصرية أنها فتحت ممرات آمنة كي تسمح للمعتصمين بمغادرة ميدان رابعة العدوية قبل أن تدخل إليه قوات الأمن. لكن عمرو يكذّب الرواية الرسمية، في الوقت الذي يوضح فيه أحد شهود العيان وقال “شاهدت صفا من الناس، من بينهم نساء وأطفال، يرفعون أيديهم في استسلام ويغادرون الاعتصام لكن سرعان ما أطلق عليهم القناصة النيران”.
رغم الأدلة الدامغة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش ودعوات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية لإجراء تحقيق، تقاعست السلطات عن التحقيق مع أي شخص أو مقاضاته على قتل مئات المتظاهرين ذلك اليوم. فضّت قوات الأمن الاعتصام بعنف في ساحة رابعة العدوية، موقع التجمع الرئيسي للمتظاهرين الذين كانوا يطالبون بإعادة الرئيس آنذاك محمد مرسي إلى منصبه. لا يزال مئات المتظاهرين الذين شاركوا في الاعتصام رهن الاعتقال، وأدينوا في محاكمات جماعية جائرة جدا، وحُكم على بعضهم بالإعدام. فر كثيرون آخرون إلى المنفى.
لم تنتهي الكارثة عند مئات الضحايا بل تلا مذبحة رابعة حملة عاتية من الاعتقالات والمحاكمات الصورية والتعذيب والنفي، مما قضى على أي مساحة للحوار النقدي ودفع الكثير من الإصلاحيين إلى خارج البلاد. معالجة ما وقع في رابعة لا يخص ضحايا رابعة وعائلاتهم فحسب، وإنما هو أمر مصيري فيما يخص آفاق الديموقراطية وحقوق الإنسان في مصر، وفق ما وثقته منظمة هيومان رايتس واتش.
لجنة الحقائق وتقريرها الممنوع من النشر
في ديسمبر/كانون الأول 2013، شكل الرئيس المؤقت عدلي منصور لجنة لتقصي الحقائق لجمع المعلومات والأدلة حول الأحداث التي رافقت احتجاجات 30 يونيو/حزيران، بما فيها فض اعتصام رابعة. افتقرت اللجنة، التي ضمت أساتذة قانون ومسؤولين حكوميين سابقين أي صلاحيات قضائية. أصدرت اللجنة ملخصا تنفيذيا في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ألقت فيه باللوم إلى حد كبير على قادة الاحتجاج في سقوط ضحايا في رابعة بسبب سماحهم بدخول السلاح إلى الاعتصام. وجهت اللجنة أيضا اللوم للمتظاهرين العزل لأنهم بقوا في الاعتصام مع علمهم أن بعض المتظاهرين مسلحون. لكن اللجنة أشارت إلى أن القوات الأمنية لم تستهدف المسلحين فقط. لم يُنشر التقرير الكامل بعد.
في 6 مارس/آذار 2014، أصدر “المجلس القومي لحقوق الإنسان” المصري تقريرا عن فض اعتصام رابعة، قال فيه إن بعض المتظاهرين كانوا مسلحين وقاوموا قوات الأمن ما أجبرها على استخدام القوة القاتلة، حسب التقرير. مع ذلك، أفاد التقرير أيضا أن قوات الأمن أخلّت بالتناسبية و كثافة إطلاق النيران، وأن قوات الأمن لم تحافظ على مخرج آمن للمتظاهرين الراغبين في المغادرة وحرمت المصابين من الحصول على الإسعافات اللازمة. قالت لجنة تقصي الحقائق والمجلس القومي لحقوق الإنسان إنه يجب تعويض الضحايا الذين لم يشاركوا في العنف. دعا المجلس القومي لحقوق الإنسان أيضا إلى إجراء تحقيق قضائي مستقل.
بالإضافة إلى التقاعس عن التحقيق في تورط قوات الأمن في القتل الجماعي في رابعة، لم تلتزم السلطات المصرية بالمادة 241 من الدستور المصري، التي تلزمها بإصدار قانون للعدالة الانتقالية الذي “يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقا للمعايير الدولية “. ألزم الدستور السلطات بإصدار القانون خلال الدورة البرلمانية الأولى لعام 2016.
تعدت آثار مذبحة رابعة توقيتها وزمنها، وكان أن امتد التأثير إلى كافة ربوع مصر لتبدأ مصر منذ الرابع عشر من أغسطس \ آب 2014 مرحلة من أصوء المراحل وحكمها واحدًا من أشد الأنظمة العسكرية، الديكتاتورية قمعًا في تاريخ البلاد. نبحر في هذه الورقة في الآثار التي نتجت عن مذبحة رابعة في كافة مناحي الحياة في مصر.
وللتدليل على كارثية المشهد في فض اعتصامي رابعه والنهضة في الرابع عشر من أغسطس\ آب 2014 ننشر الأوراق الرسمية لفض الاعتصام كما وردت في تقرير لجنة تقصس الحقائق الذي أمر بتشكيلها الرئيس الموقت، آنذاك، عدلي منصور والذي تسلمه قائد النظام العسكري والذي أمر بفض الاعتصام، عبد الفتاح السيسي بتاريخ 23 نوفمير 2014 أثناء استقباله وفد اللجنة القومية المستقلة لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق في الأحداث. ضمت اللجنة كل من رئيسها فؤاد عبد المنعم رياض، أستاذ القانون والقاضي الدولي السابق بالمحكمة الجنائية الدولية بشأن يوغسلافيا السابقة، ونائب رئيس اللجنة المستشار إسكندر غطاس، مساعد وزير العدل السابق، والأمين العام للجنة القاضي عمر مروان، الذي يشغل حاليًا منصب وزير العدل.
بعد ثلاثة أيام من اجتماعها بالسيسي عقدت اللجنة مؤتمرها الصحفي الأخير لإعلان التقرير، والذي قال رئيس اللجنة إنه جاء في 766 صفحة، فضلاً عن 11 ألف صفحة من الملاحق والمرفقات والوثائق، بخلاف الأسطوانات المحتوية على أدلة وصور وفيديوهات. لكن اللجنة لم تنشر يومها سوى ملخص تنفيذي من 57 صفحة، من بينها سبع صفحات فقط حول فض رابعة، وقام بإعداده وعرضه في المؤتمر عمر مروان بصفته الأمين العام.
قدم ذلك الملخص التنفيذي تقريبًا نفس الرواية الرسمية التي رددتها السلطات الرسمية في أعقاب المذبحة، وهي ذات الرواية التي اعتمدتها النيابة العامة لاحقًا كأساس لاستجواب ومقاضاة 739 شخصًا- جميعهم من المعتصمين- في محاكمة جنائية بتهم التجمهر والقتل والعنف وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، في محاكمة بدأت في 2015 وانتهت بعد ثلاث سنوات بأحكام بالإعدام والمؤبد، فضلًا عن إدانة 22 طفلًا قُبض عليهم أثناء أو عقب فض الاعتصام وحكم عليهم بالسجن عشر سنوات يتلوها الخضوع لمراقبة الشرطة لخمس سنوات أخرى.
لم ينشر التقرير النهائي. وتوفي رئيس اللجنة فؤاد رياض في يناير 2020 عن عمر ناهز 92 عامًا، وكان آخر ما كتبه قبل شهر من وفاته على صفحته بموقع فيسبوك تضمن شكوى من أن تقرير اللجنة “لا زال طي الكتمان”.
وننقل من التقرير بعض الفقرات التي تثيت جريمة الإبادة الإنسانية على كل من شارك في المذبحة بدايةص من السيسي وحتى الجنود
” وعلى الرغم من تناول خطة الفض لهذه التوقعات ودراستها والاستعداد لها قبل العملية، فإن تقرير اللجنة انتهى إلى نتيجة واضحة، وهي أن إطلاق قوات الفض للنار باستخدام الذخيرة الحية كان عشوائياً وغير متناسب، وذلك على الأقل في الساعات الخمسة بدءاً من الواحدة ظهرًا، حين أصدر القائد الميداني قرار استدعاء المجموعات القتالية الاحتياطية المسلحة وفقًا لخطة الفض، وحتى السادسة مساء، حين تمكنت القوات من الدخول لقلب الاعتصام وفرض السيطرة والبدء في إخلاء المعتصمين، وهي الفترة التي شهدت وقوع أغلب القتلى والإصابات، حسبما تشير الإفادات التي وثقتها اللجنة القومية خاصة من المسعفين والأطباء بمستشفى رابعة العدوية ومستشفى التأمين الصحي بمدينة نصر.
في تحليله النهائي طرح تقرير اللجنة سؤال التناسب:
“هل حافظت قوة الفض على التناسب في إطلاق النار من حيث نوعية السلاح وكثافة النيران ونتائج فض التجمع من قتلى وجرحى وإتلاف للممتلكات العامة والخاصة؟“
وفي معرض الإجابة عن هذا السؤال قال التقرير:
“وفي تقدير لجنة تقصي الحقائق أن الحكم على ما إذا كانت قوات الأمن قد أفرطت في استخدام القوة مما أفضى إلى هذا العدد الكبير من الضحايا في صفوف المتجمعين يتوقف على عدد من المعايير الفنية الواجب بحثها”، كعدد الضحايا وعدد المسلحين وعدد قوات الفض ونوع أسلحتها ومدى تكدس الأفراد وتوقيت ومدة الإنذار.
وفي نهاية التحليل فإن التقرير يقدم الاستخلاص التالي:
“أن هيئات إنفاذ القانون، وإن توافر لها السبب المشروع لفض التجمع، وحالة الضرورة في استخدام الأسلحة النارية وحافظت على التناسب النوعي بين الأسلحة المستخدمة، إلا أنها أخفقت في تقدير أعداد الضحايا عند الرد على مصادر النيران الآتية من قبل العناصر المسلحة“.
وأضاف التقرير أن اختباء عناصر مسلحة وسط المعتصمين والدخان الكثيف الناجم عن الحرائق والغاز “حجب الرؤية أمام قوات الأمن مما حال من دقة التصويب، إذ كان يتعين وضع الآليات والعلاج اللازم لذلك الأمر سيما وأنه قد ورد ضمن توقع وزارة الداخلية للمخاطر التي يمكن تنفيذها من جانب جماعة الإخوان لحماية المتجمعين السلميين”.
تقرير اللجنة القومية المستقلة لتقصي الحقائق يكذب الرواية الرسمية سواء حول كون أغلبية معتصمي رابعة من المسلحين أو حول كون أغلبية القتلى في رابعة من العناصر المسلحة التي بادرت بالاعتداء على قوات الفض. بل إن التقرير انتهى إلى نتيجة حذفت من الملخص الذي جرت الموافقة على نشره:
“كان العدد الأكبر من ضحايا رابعة من المدنيين الأبرياء الذين كانوا على الأرجح من المتظاهرين السلميين، أما من حملوا السلاح وروعوا المواطنين فقد تمكنوا من الهروب من ميدان رابعة”.
تتفق هذه النتيجة مع ما توصلت إليه كافة التحقيقات الميدانية المستقلة بشأن رابعة، والتي كان قد صدر تقريران منها قبل انتهاء اللجنة القومية من عملها: الأول عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في يونيو 2014 بعنوان “أسابيع القتل“، والثاني عن منظمة هيومن رايتس ووتش في أغسطس 2014 بعنوان “حسب الخطة” “.
وتتفق النتيجة أيضًا مع القرائن الرسمية التي وردت في تقرير وزارة الداخلية نفسها عن عملية الفض، وفي تحقيقات النيابة العامة مع المعتصمين الناجين من القتل، وفي التقرير النهائي لمصلحة الطب الشرعي. وبالطبع فإن النتيجة تتفق كذلك مع المنطق في ضوء ما أشار إليه تقرير لجنة تقصي الحقائق بشأن عدم التناسب وإطلاق النار العشوائي واستبعاد بدائل الفض السلمية.
انتقد التقرير النهائي غير المنشو: الممرات الآمنة التي أعلنت عنها السلطات المصرية وقال:
“عجز هيئات إنفاذ القانون عن حماية ممرات الخروج الآمن من تعمد مسلحي المتجمعين العمل على إغلاقه ومثل هذا السلوك من جانبهم كان يتعين توقعه من جانب هيئة إنفاذ القانون والعمل على وضع الخطة المضادة له مسبقًا وليس وقت الفض حتى وإن كانت هناك ممرات أخرى قد لا يعرفها البعض، لأن إقفال هذه الممرات تحت أي ظرف معناه الموت للمتظاهر السلمي الذي كان يعتقد بحسن نية أنه يقوم بعمل مشروع وهو التظاهر السلمي”.
وتحت عنوان “أخطاء الإدارة المصرية” أورد تقرير اللجنة:
“التركيز على ممر واحد بصفة أساسية، وممرات فرعية لم يتم الإعلان عنها بمدة كافية أربك حسابات قوات الأمن والمتظاهرين، ولقد كان من الأولى وضع لوحات إرشادية ونشرها عن الممرات الآمنة الرئيسية والفرعية.”
ولم تقتصر المأساة على عدم تمكن المعتصمين الراغبين في المغادرة من استخدام الممر الآمن تحت نيران الرصاص الحي، بل إن اللجنة وجدت أن عدد القتلى الكبير قد نجم أيضًا عن عدم إسعاف الجرحى:
“صعوبة تقديم الإسعافات اللازمة للجرحى، بسبب عدم تمكن سيارات الإسعاف من الدخول إلى الميدان إلا بعد انتهاء عملية الفض والإخلاء في الساعة السادسة مساء يوم 14 أغسطس، وقد كان يتعين على هيئات إنفاذ القانون وضح خطة بديلة حال حدوث مثل هذه الظروف الطارئة
ردود الفعل الخارجي
الاتحاد الأوروبي : قال متحدث باسم مفوضة الشئون الخارجية في الاتحاد كاثرين آشتون أن أنباء سقوط القتلى تثير قلقًا بالغًا، وأن العنف لن يؤدي إلى حل، وطالب الحكومة المصرية بالتحلى بالضبط النفس. لاحقًا قالت كاثرين أشتون إن العنف جعل مصر تتجه إلى مستقبل غير مؤكد، ودعت إلى إنهاء حالة الطوارئ بأسرع ما يمكن للسماح باستئناف الحياة الطبيعية. في 21 أغسطس أعلن الاتحاد الأوروبي تعليق ترخيص تصدير الأسلحة التي قد تستخدم في القمع الداخلي في مصر.
قطر : قالت الحكومة القطرية إن قطر تتمنى على كل من بيده السلطة والقوة أن يمتنع عن الخيار الأمني
الإمارات العربية المتحدة: أصدرت وزارة الخارجية بيانًا قالت فيه إنها تتفهم الإجراءات السيادية التي اتخذتها الحكومة المصرية. وأضاف البيان مما يدعو للأسف، أن جماعات التطرف السياسي أصرت على خطاب العنف والتحريض وعلى تعطيل المصالح العامة وتقويض الاقتصاد المصري مما أدى إلى الأحداث المؤسفة اليوم. ( نتفهم هذا التصريح وليس بغريب على الحكومة الإماراتية التي خططت ومولت الانقلاب العسكري خوفًا من عودة سيادة مصر وقوتها. )
الأمم المتحدة : أدان الأمين العام للأمم المتحدة حينها بان كي مون استخدام العنف ضد المتظاهرين. وقال المتحدث باسم بان إن الأمين العام “يدين بأشد التعابير حزما أعمال العنف التي وقعت في القاهرة عندما استخدمت قوات الأمن المصرية القوة ضد المتظاهرين. وعقدت جلسة مغلقة في مجلس الأمن حول الأحداث، طلبت عقدها كل من بريطانيا وفرنسا وأستراليا. ذكرت رئيسة المجلس أن الأعضاء رأوا أنه من المهم إنهاء العنف في مصر وأن تمارس الأطراف أقصى درجات ضبط النفس.
الولايات المتحدة : أدان البيت الأبيض بقوة لجوء قوات الأمن إلى العنف ضد المتظاهرين في مصر، وانتقد إعلان حالة الطوارئ في البلاد، وقال مساعد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست إن الولايات المتحدة تدين بقوة استخدام العنف ضد المتظاهرين في مصر، داعيًا الجيش المصري إلى التحلي بضبط النفس. في 15 أغسطس، ألقى الرئيس الأميركي ، حينها ،باراك أوباما خطابًا حول الأحداث المصرية قال فيه إن الولايات المتحدة تدين بقوة الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد المدنيين، ودعا السلطات في مصر إلى احترام الحقوق العالمية للإنسان وإلغاء حالة الطوارئ والبدء بحوار شامل. وقرر إلغاء مناورات النجم الساطع بين الجيشين الأميركي والمصري التي كانت مقررة الشهر التالي، قائلًا إن «تعاوننا التقليدي مع مصر لا يمكن أن يستمر كما هو والمدنيون يقتلون في الشوارع» مؤكدًا أن «مصر تسلك طريقًا خطيرًا.
تركيا : أصدر مكتب رئيس الوزراء التركي بيانًا جاء فيه الأسرة الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية، يجب أن توقف هذه المجزرة فورا” وأشار البيان إلى أن موقف الأسرة الدولية أدى فقط إلى تشجيع الحكومة الحالية على تدخلها اليوم وقال الرئيس، آنذاك، عبد الله غل للصحفيين في العاصمة التركية أنقرة إن “ما حدث في مصر تدخلًا مسلحًا ضد مدنيين يتظاهرون لا يمكن أن يقبل إطلاقًا” داعيًا كل الأطراف إلى الهدوء.
ألمانيا : قال وزير الخارجية جيدو فيسترفيله: «نطالب جميع الأطراف بالعودة بشكل شامل إلى عملية سياسية تضم كل القوى السياسية
المملكة المتحدة : قال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية البريطانية في تصريح خاص إن حكومته تشعر بقلق عميق إزاء التقارير الواردة من القاهرة، وأوضح الناطق الرسمي أن الحكومة تحث على الحوار من أجل التوصل إلى حل سلمي، مشيرا إلى حديث وزير الخارجية في 27 يوليو/تموز، عن أن الوقت مناسب الآن للحوار وليس المواجهة.
فرنسا : أدانت فرنسا أعمال العنف الدامية التي وقعت في مصر، ودعت إلى وضع حدّ فوري للقمع، جاء ذلك في بيان لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وأضاف فابيوس أن القوة ليست هي الحل، ودعت فرنسا جميع الأطراف من الأحزاب المصرية إلى رفض العنف والبدء في الحوار لجميع القوى السياسية المصرية لغرض إيجاد حل ديمقراطي لهذه الأزمة الخطيرة.
إيران : وصفت الخارجية الإيرانية فضّ اعتصام رابعة العدوية والنهضة بـالمجزرة التي ترتكب بحق الشعب المصري، وأدانت في بيان لها أحداث العنف المؤسفة والمجزرة التي ترتكب بحق الشعب المصري.
الصين : تدعو كافة الفرقاء في مصر إلى ضبط النفس واللجوء إلى الحوار لحلّ الخلافات.
تونس : ندّدت الحكومة بشدّة بما سمتها الاعتداءات التي استهدفت المعتصمين بالساحات المصرية. وعبّر المتحدث باسمها عن شجب مجلس الوزراء جرائم القتل بحقّ متظاهرين سلميين.
السودان : أدان بيان صادر عن وزارة الخارجية السودانية أعمال العنف التي صاحبت فض الاعتصاميْن في القاهرة مؤكدا أن السودان يتابع تطورات الأوضاع بكل اهتمام وحرص.
الفاتيكان : البابا فرنسيس يرفع الصلاة في كاستيل غاندولفو قرب روما من أجل ضحايا العنف الدامي في مصر ومن أجل السلام والحوار والمصالحة.
إيطاليا : اعتبرت وزيرة الخارجية الإيطالية إيما بونينو أن تدخل الشرطة لا يسهم في إيجاد تسوية ودعت قوات الأمن إلى المزيد من التحكم في النفس.
روسيا : قالت الخارجية الروسية في بيان لها: في هذه المرحلة الصعبة التي تشهدها مصر، ندعو جميع القوى السياسية في هذا البلد الصديق إلى التحلي بضبط النفس، بهدف تجنب تصعيد جديد للتوتر وسقوط ضحايا آخرين، كما دعت كل الأطراف المصريين إلى الحوار.
الدنمارك : صرح وزير المساعدة على التنمية كريستيان فريس باخ أن للدانمارك مشروعان (4 ملايين يورو) بتعاون مباشر مع الحكومة والمؤسسات العامة المصرية سيتم تعليقهما.
الإكوادور : وزارة الخارجية تقول في بيان مقتضب إن الشعب المصري اختار مرسي زعيما له بشكل دستوري.
السعودية : دعا الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود المصريين والعرب والمسلمين إلى التصدي لكل مَنْ يحاول زعزعة أمن مصر، مؤكداً أن السعودية شعباً وحكومة تقف مع مصر ضد ما وصفه بالإرهاب والضلال والفتنةوتحدث موضحا دعمه ومساندته لمصر وشعبها ورفض أي تدخل في شئونها واستعداد بلاده لدعم مصر. كما قام بارسال ثلاثة مستشفيات ميدانية كاملة الأطقم والمعدات للمساعدة في علاج مصابي المصادمات. وهنا يتماشى الموقف السعودي مع الموقف الإماراتي، ولا عجب في هذا حيث اشتركت السعودية مع الإمارات في التخطيط للانقلاب وتمويله ودعمه بكافة الطرق
الأردن: أكد وزير الخارجية الأردني، أن الأردن يقف إلى جانب مصر الشقيقة في سعيها الجاد نحو فرض سيادة القانون وإعادة الاستقرار لشعبها العريق وتحقيق إرادته في نبذ الإرهاب وكل محاولات التدخل في شؤونه الداخلية. وتشكل الأردن أحد محاور دعم الانقلاب العسكري في مصر
البحرين: أكدت في بيان على الدعم الكامل لما ورد في تصريحات خادم الحرمين الشريفين تجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية وحقها الشرعي في الدفاع عن المصالح الحيوية للشعب المصري الشقيق ورعايتها والمحافظة عليها. ( خرجت مواقف محور دعم الانقلاب السعودية والامارات والبحرين والكويت والامارات كلها من قلم واحد لتعبر عن فكر واحد وهو رفض الديمقراطية وخشيتهم منها)
الكويت: دعمت دولة الكويت الإجراءات التي تقوم بها الحكومة المصرية للحفاظ على الأمن والاستقرار وتحقيق ما عبر عنه الشعب المصري من آمال وتطلعات
حركة طالبان: دانت حركة طالبان الأفغانية العنف في مصر، مطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى الحكم. ودعت المنظمات الدولية لوقف الأحداث الوحشية
احتجاجات عربية ودولية
انطلقت احتجاجات واسعة في العديد من الدول العربية والأجنبية تندد بالمجزرة البشرية التي ارتكبتها السطات القمعية في مصر. ففي فلسطين وقطاع غزة تحديدًا شارك عشرات من الشبان الفلسطينيين في مسيرةِ تضامنٍ مع الشعب المصري، رافعين العلمين الفلسطيني والمصري. وردد المشاركون في المسيرة هتافات طالبت المجتمع الدولي بحماية الشعب المصري. كما شارك عشرات من رابطة علماء فلسطين في مسيرة احتجاج وسط مدينة غزة، للتنديد بالأحداث الدامية التي تشهدها محافظات مصرية عدة. واستنكر المشاركون في المسيرة ما قالوا إنها مجرزة ترتكب ضد معتصمين ومتظاهرين سلميين. وطالبوا علماء العالم الإسلامي بتحمل مسؤولياتهم إزاء ما يجري في مصر. وتظاهر أيضا عشرات من نشطاء الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر قبالة السفارة المصرية في تل أبيب، احتجاجا على فض اعتصاميْ رابعة العدوية وميدان النهضة بالقوة. ووصفت الحركة الجيش المصري بأنه عصابة من الفاشيين والانقلابيين الدمويين. وقالت إن الجيش يريد إلغاء شرعية المؤسسات الرسمية المنتخبة بالقوة والعربدة والبلطجة، على حد وصفها. وفي تونس قام أنصار حركة النهضة بوقفة احتجاج أمام سفارة مصر بتونس، تنديدا بالمجازر التي قالوا إن قوات الأمن والجيش ارتكبتها أثناء فض الاعتصامات. ورفع المتظاهرون شعارات مندّدة بالاعتداء على المعتصمين وبالانقلاب على إرادة الشعب المصري.وفي المغرب جاءت شعارات التنديد خلال وقفة احتجاج وسط العاصمة المغربية الرباط، وردد المشاركون في الوقفة هتافات تطالب بتنحي الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وبعودة الشرعية المتمثلة في الرئيس محمد مرسي.وخرج مئات من المتظاهرين في موريتانيا تنديدا بالمجازر البشعة التي ارتكبتها السلطات المصرية بحق المعتصمين في ميدان رابعة العدوية.وفي مدينة تعز جنوبي اليمن ، خرج الآلاف من اليمنيين في مسيرة جابت شوارع المدينة انطلاقاً من ساحة الحرية، للتنديد بالمجزرة بحق المعتصمين السلميين في ميادين مصر المختلفة. وحمّلوا من وصفوهم بالانقلابيين كامل المسؤولية عن ما يحدث من إراقة دماء وإزهاق للأرواح.وفي لبنان تظاهر مئات من أنصار الجماعة الإسلامية أمام السفارة المصرية في بيروت، تضامنا مع حركة الإخوان المسلمين، واستنكارا لاستخدام العنف ضد المعتصمين السلميين.في العاصمة الأردنية عمان، نظم مئات من الأردنيين اعتصاما في محيط السفارة المصرية احتجاجاً على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وسقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف المعتصمين السلميين. اعتصم مئات الأشخاص – بينهم نواب سابقون – أمام القنصلية المصرية بالكويت، منددين بقتل المعتصمين السلميين في مجازر فض اعتصامي رابعة والنهضة بمصر. ودوليًا، شهدت العاصمة البريطانية لندن مظاهرة حاشدة أمام مقر رئاسة الوزراء بمشاركة مئات من أبناء الجاليات وناشطي سلام للتنديد بما سماه المحتجون مذابح ترتكب بحق المتظاهرين السلميين. وتميزت المظاهرة بمشاركة اليسار البريطاني لأول مرة، خاصة من خلال «تحالف أوقفوا الحرب» ومنظمات يسارية، في حين تجري منظمات سياسية محادثات لتوحيد موقفها حول ما يجري بمصر. وفي إندونيسيا خرج المئات في مظاهرات سلمية احتجاجا على استخدام السلطات المصرية القوة مع المعتصمين، ونادى المتظاهرون باحترام حقوق الإنسان وإيقاف ما وصفوه بالمجزرة، وحمل آخرون صور عدد من ضحايا فض الاعتصامات في الميادين المصرية. وفي ماليزيا تظاهر المئات من الماليزيين أمام السفارة المصرية في كوالالمبور، وسلم ممثلون عنهم مذكرة للسفارة تندد بما وصفوه بجرائم ضد الإنسانية ارتكبها الجيش المصري في حق مدنيين عزل.
الأثار الحقوقية والقانونية ( حقوق الانسان )
- قمع الاحتجاجات في الشوارع
منذ 2013، نجحت الحكومة المصرية في القضاء على الاحتجاجات في الشوارع من خلال تبني قوانين صارمة تُجرّم فعليًا الحق في حرية التجمع السلمي ومن خلال اللجوء إلى استخدام القوة غير القانونية وسياسة الاعتقالات الجماعية. أصدرت قانون التظاهر الذي جرم التظاهر وأفرغه من مضمونه ونتج عن ذلك سجن عشرات الألاف من المصريين بسبب التظاهر. لم يقتصر الأمر فقط على التظاهر السياسي، بل امتد إلى كافة أسباب التظاهر الاجتماعية، بل تعدى ذلك إلى سجن الأهالي البسطاء الذين اعترضوا على ممارسات الحكومة القمعية في كافة ربوع مصر، ومنها على سبيل المثال جزيرة الوراق و مثلث ماسبيرو و نزلة السمان بالهرم والكثير من المدن والقرى في مصر. كما سجنت السلطات المصرية العمال الذين تظاهروا للمطالبة بحقوقهم، زمن المفارقات أن مصر أصبح فيها ” معتقلي السبوع ” و معتقلي العزاء” ومعتقلي القهوة”
- الاحتجاز التعسفي
اعتقلت السلطات المصرية عشرات الآلاف أثناء وبعد أحداث مذبحة رابعة. وبينما استهدفت في البداية أنصار الإخوان المسلمين الفعليين أو المتصورين، سرعان ما امتد قمعها ليطال جميع المنتقدين السلميين. وبالرغم من المبادرات الإصلاحية الأخيرة من خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في سبتمبر/أيلول 2021، والحوار الوطني الذي طال انتظاره، في مايو/أيار 2023، تظهر مؤشرات مواصلة الحملات القمعية بينما يستمرّ اعتقال منتقدي الدولة. وعلى الرغم من إطلاق سراح مئات المعارضين منذ إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسية في 2022، فقد استثني الإخوان المسلمون وأنصارهم من العفو الرسمي وظل الآلاف يقبعون ظلمًا خلف القضبان. حتى شهر يوليو الماضي 2024 ساهمت لجنة العفو الرئاسي في الافراج عن 2154 معتقلًا في الوقت الذي تم اعتقال 6098 معتقلًا جديدًا خلال نفس الفترة. وهذا إن دل على شيء فيدل على شكلية ومظهرية لجنة العفو الرئاسي وأيضًا عبثية ما يُطلق عليه الحوار الوطني.
- المحاكمات الجائرة
تبنت السلطات واستخدمت تشريعات صارمة لمكافحة الإرهاب وأساليب قمعية أخرى لإبقاء آلاف المنتقدين قيد الحبس الاحتياطي المطوَّل من دون تهمة أو محاكمة، وأحيانًا لفترات تتجاوز العامين، وهو الحد الأقصى بموجب القانون المصري. وحكمت محاكم الطوارئ أو المحاكم العسكرية، أو دوائر الإرهاب التابعة للمحاكم الجنائية، على المئات بالإعدام أو بالسجن لمدد طويلة في محاكمات جماعية فادحة الجور ومشوبة بالتعذيب.
لم تكتف السلطات المصرية القمعية بقتل المئات من الضحايا في مذبحة رابعه بل امتد قمعها إلى محاكمة الضحايا الناجين من تلك المذبحة فيما يُعرف إعلاميًا بقضية ” فض اعتصام رابعة” ففي الحادي عشر من يناير 2024 قضت محكمة مصرية بالسجن المشدد لمدة 15 سنة على 14 متهما في القضية المعروفة إعلاميا بـ”فض اعتصام رابعة”، في إشارة إلى الأحداث التي رافقت قيام قوات من الأمن والجيش بفض اعتصام رابعة والنهضة بالقوة.
كما قررت الدائرة الثانية- إرهاب بمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ -ضمن إعادة إجراءات محاكمة 16 متهما في القضية اليوم- معاقبة متهم بالسجن لمدة 5 سنوات، والبراءة لمتهم آخر.
وكانت القضية تضم 739 متهما، وفي أغسطس/آب 2018، قضت محكمة جنايات القاهرة بإعدام 75 بينهم قادة بجماعة الإخوان المسلمين أبرزهم عصام العريان وعبد الرحمن البر ومحمد البلتاجي، إضافة إلى صفوت حجازي وعاصم عبد الماجد وطارق الزمر ووجدي غنيم.
ولنا مع الدكتور محمد البلتاجي وقفة حيث قامت قوات الأمن المصرية بقتل ابنته أسماء محمد البلتاجي بقنصها بواسطة قناص أثناء اعتصامها في ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، وبدلًا من محاكمة من قام بقتلها، حاكمت السلطات المصرية أبيها، محمد البلتاجي، الذي لايزال قابعًا خلف قضبان السجون وتعرض لأبشع أنواع التعذيب المادي والمعنوي، وتقوم السلطات أيضأ باستمرار سجن نجله، أنس البلتاجي، بالرغم من حصوله على 5 أحكام بالبراءة النهائية والتامة. فلم يكتفِ الجلاد بقتل ضحيته، بل ويحاكم ويعتقل ذويه.
وقد قضت المحكمة -آنذاك- بالسجن المؤبد على مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع والقيادي في حزب الوسط عصام سلطان و45 آخرين، كما قضت بالسجن غيابيا لمدة 15 عاما على الصحفي في قناة الجزيرة عبد الله الشامي.
وفي القضية ذاتها قضت المحكمة بالسجن 10 سنوات على أسامة نجل الرئيس محمد مرسي. وكان نصيب المصور الصحفي محمود أبو زيد المعروف بـ”شوكا” الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات.
ووجهت النيابة إلى المتهمين اتهامات بـتدبير تجمهر مسلح والاشتراك فيه بميدان رابعة العدوية، وقطع الطرق، وتقييد حرية الناس في التنقل، والقتل العمد مع سبق الإصرار للمواطنين وقوات الشرطة المكلفة بفض تجمهرهم، والشروع في القتل العمد، وتعمد تعطيل سير وسائل النقل.
- عقوبة الإعدام
في السنوات الأخيرة، كثفت السلطات من استخدامها لعقوبة الإعدام لغايات قمع المعارضة. حيث أصدرت المحاكم أحكام إعدام بحق الآلاف بينما أعدمت السلطات ما يزيد عن 400 شخص. وفي سبتمبر/أيلول 2018، أصدرت محكمة جنايات القاهرة 75 حكمًا بالإعدام و47 حكمًا بالسجن المؤبد، وأحكام شديدة بالسجن تتراوح بين 5 و15 عامًا بحق 612 شخصًا في محاكمة جماعية فادحة الجور، على خلفية مشاركتهم في اعتصام رابعة. وفي 14 يوليو/تموز 2021، أيدت محكمة النقض أحكام الإعدام بحق 12 من المتهمين، بمن فيهم شخصيات بارزة من الإخوان المسلمين.
في ظل النظام القمعي، العسكري، احتلت مصر المرتبة الثالثة عالميا من حيث عدد الإعدامات وأحكام الإعدام في 2020، حسب منظمة العفو الدولية. في السنوات الأخيرة، قتل جهاز الأمن الوطني المصري عشرات “الإرهابيين” المزعومين في جميع أنحاء البلاد فيما يُرجح أنه عمليات إعدام خارج القضاء وصفتها السلطات لاحقا بأنها تبادل إطلاق النار.
- الاعتداء على حرية التعبير
قمعت السلطات المصرية التقارير المستقلة، وأحكمت قبضتها على وسائل الإعلام وقمعت الصحفيين الذين تجرأوا على الخروج عن الرواية الرسمية باستخدام دليل التكتيات القمعية. وتشمل هذه التكتيكات اعتقال وملاحقة عشرات الصحفيين لقيامهم بعملهم، والرقابة على الإنترنت، ومداهمات لوسائل إعلام مستقلة. أدى قمع الحكومة إلى تدهور حقوق مجموعات مختلفة، بما فيها الصحفيين، الذين حوكموا فقط بسبب عملهم.
- تقليص الحيز المدني
تم خنق المجتمع المدني من خلال اعتماد القانون القمعي رقم 149/2019، والذي يمنح السلطات صلاحيات واسعة للغاية بشأن تسجيل المنظمات غير الحكومية وأنشطتها وتمويلها وحلّها. وتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان كذلك لهجمات لا هوادة فيها، بما في ذلك المحاكمات الجائرة وحظر السفر وتجميد الأصول وأشكال أخرى من المضايقات.
- التعذيب والمعاملة السيئة
يقبع أولئك المعتقلون في حملة قمع ميدان رابعة وآلاف غيرهم في ظروف قاسية ولا إنسانية خلف قضبان السجون المصرية. فمنذ 2013، مات العشرات في الحجز وسط تقارير عن حرمانهم من الرعاية الصحية أو تعرضهم للتعذيب. وكان الرئيس محمد مرسي من بين الضحايا، إلى جانب عصام العريان، الذي توفي في 2020، بعد سنوات من تجاهل شكواه من سوء ظروف الاحتجاز والحرمان من الرعاية الصحية المنقذة للحياة. ينتشر التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة على نطاق واسع ومنظم، حيث أبلغ الناجون والشهود عن استخدام الصدمات الكهربائية والتعليق من الأطراف والحبس الانفرادي إلى أجل غير مسمى والضرب والحرمان المتعمد من الرعاية الصحية.
- الاختفاء القسري
تحتجز قوات الأمن المتهمين بالتورط بالإرهاب أو المشاركة في التظاهرات بمعزل عن العالم الخارجي وتحرم عائلات ومحامي المتهمين من الوصول إلى أي معلومات حول مصير ومكان وجود أحبتهم لفترات تتراوح بين بضعة أيام إلى 23 شهرًا. وخلال هذا الوقت، يتعرض المعتقلون للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، ويجبرون على الإدلاء “باعترافات” قسرية أو تجريم الآخرين.
- التمييز
ادعت السلطات احترام حقوق المرأة والأقليات وحمايتها، لكنها عرَّضت الرجال والنساء والأطفال للتمييز على أساس الجنس، والهوية القائمة على النوع الاجتماعي، والميول الجنسية، والمعتقد الديني.
- الإفلات من العقاب
تتناقض المقاضاة الجماعية لأعضاء وأنصار الإخوان المسلمين بشكل حاد مع الإخفاق في التحقيق ومحاسبة أي شخص أمر أو خطط أو ارتكب انتهاكات في مذبحة 14 أغسطس/آب 2013.
ووجدت لجنة لتقصي الحقائق أنشأها الرئيس المؤقت آنذاك عدلي منصور في ديسمبر/كانون الأول 2013 أنَّ قادة الاحتجاج هم من يتحملون اللوم عن أعمال القتل في رابعة وبَّرأت رجال الأمن من المسؤولية إلى حد كبير. وترسخ الإفلات من العقاب بعد أن صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قانون في 2018 يمنح كبار القادة العسكريين حصانة من الملاحقة القضائية.
الآثار السياسية للانقلاب العسكري و مذبحة رابعة
أمم الانقلاب الحياة السياسية، فقتل السياسة، وحول كافة السياسيين، حتى الذين أيدوا انقلابه في بدايته، إلى مواطنين لاحول لهم ولاقوة، بعد أن رفعت قاماتهم مشاركتهم في ثورة الخامس والعشرين من يناير. أصبحت السياسة في مصر تُدار من مكاتب الأجهزة الأمنية، ومن انتوى فقط الترشح للانتخابات الرئاسية دون استئذان السيسي وأجهزته الأمنية يقبع ألأن في غياهب السجون أو رهن الإقامة الجبرية في منزله، حتى كبار القادة العسكريين الذين كانوا قادة للسيسي يومًا ما. وفي الانتخابات البرلمانية، جيشت السلطة أحزاب مكونة من عسكريين تصدق على اختيارات الأجهزة الأمنية للبرلمانيين المرشحين لتضمهم على قوائمها. ومن حاول تأسيس تحالف تحت عنوان الأمل لخوض الانتخابات البرلمانية الماضية اعتقلتهم سلطة السيسي وغُيبوا لسنوات في غياهب السجون. ووصل تأميم الحياة السياسية في مصر إلى أن السياسيين والقوى السياسية تحتاج بالضرورة إلى استئذان الأجهزة الأمنية المختلفة حتى في القيام بفاعلية تضامنية مع الشعب الفلسطيني الذي يُباد في قطاع غزة. تفاوتت وسائل سلطة السيسي المستبدة في تكميم الحياة السياسية بين التهديد المباشر، بالاعتقال والحبس الاحتياطي المخالف للقانون والاخفاء القسري وربما القتل خارج إطار القانون كما حدث للباحث الإيطالي جوليو ريجيني عام 2016، كما تستخدم السلطة قوانين مكافحة الإرهاب لمعاقبة من يرفع صوته بالمعارضة، كما وسعت السلطة من استخدام مصطلح الإرهاب و تهم الانضمام لجماعة إرهابية ضد كل من تسول له نفسه بمعارضتها.
قادة الانقلاب و مرتكبي مذبحة رابعة وضياع الأمن القومي المصري
أما على صعيد الأمن القومي المصري، فحدث ولاحرج. ففي العاشر من أكتوبر من عام 2023، صرح السيسي قائلًا: ” لا تهاون أو تفريط في أمن مصر القومي تحت أي ظرف. أمن مصر القومي مسؤوليتي الأولى وعلى الشعب أن يكون واعياً بتعقيدات الموقف ومدركاً لحجم التهديد.”
وعكس مثل هذه التصريحات التي يخدع بها المصريين، عمل السيسي منذ اليوم الأول لحكمه على تعريض الأمن القومي لمصر للخطر، بل وتقويضه من خلال العديد من الممارسات والسياسيات نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر:
للمرة الأوى منذ فجر التاريخ تتغير خريطة مصر بالنقصان بعد توقيع السيسي على اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمللكة العربلية السعودية ضاربًا بعرض الحائط الدستور الذي يجرم التنازل عن أي شبر من أرض مصر، وضرب بعرض الحائط أحكام القضاء التي أقرت بمصرية الجزيرتين، بل واعتقل كل من تظاهر دفاعًا عن مصرية الجزيرتين. إن ما فعله السيسي بالتنازل عن تيران وصنافير لم يجرؤ أن يقوم به كل من احتل مصر قديمًا، أو حديثًا.
وفي عام 2015 وقع السيسي اتفاق المبادئ مع كلًا من السودان وإثيوبيا لذي شرعن بناء إثيوبيا لسد النهضة الذي يحرم مصر، للمرة الأولى في التاريخ أيضًا من شريان الحياة لشعبها، وحقها التاريخي في مياه النيــــــــــــــل. والمثير للعجب في قضية سد النهضة، أنه كان أحد المآخذ التي أخذوها على الرئيس الشهيد محمد مرسي، بل واتهمت أذرع الأجهزة الأمنية الإعلامية الرئيس محمد مرسي ( رحمه الله ) بالتفريط في أمن مصر المائي، وإذ بالواقع يثبت للمصريين من هو الذي فرط في أمن مصر، ليس فقط المائي، بل في أمن مصر القومي بكل ما تحمله الكلمة من معاني. يقف المصريون ألأن أمام مشهدين: أولهما للرئيس محمد مرسي وهو يصرخ ويصرح ويقول ” إذا نقصت مياه النّيل قطرة واحدة فدماؤنا هي البديل”
ويقفون مصدومين أمام تصريحات قائد السلطة المستبدة في مصر وهو يضحك ملء فيه وهو يلقن رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد؛ بأن يقسم بعدم إلحاق الضرر بمصر فيما يخص حصة بلاده من مياه النيل، وذلك في خضم مشاورات لإنهاء هذه الأزمة. أبعد هذا الهوان هوان؟!؟!؟!؟
ووصل تفريط السلطة المستبدة في مصر في الأمن القومي للبلاد للحد الذي تحتل فيه إسرائيل الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة وتضرم فيه النيران على بُعد أمتار قليلة من الحدود المصري وتحتل معبر فيلادفيا في انتهاك غير مسبوق لاتفاقية السلام بين مصر والكيان الصهيوني وتقتل جنودًا مصريين.
لم يكتفِ النظام بهذا، بل بلغ الأمر من السوء أن تقبع مصر في المرتبة 136 من أصل 142 دولة في مؤشر سيادة القانون على مستوى العالم. وتُعتبر سيادة القانون أحد الأبعاد الرئيسة التي تحدد جودة إدارة البلد وحسنها. عرّفت الأبحاث -مثل مؤشرات الحوكمة العالمية- مصطلح سيادة القانون على النحو التالي: «هو مدى ثقة العملاء والتزامهم بقوانين المجتمع، لا سيما جودة إنفاذ العقود والشرطة والمحاكم، فضلًا عن احتمال مظاهر الجريمة أو العنف». بناءً على هذا التعريف، عمِلَ برنامج مؤشرات الحوكمة العالمية على تطوير معايير كلية لسيادة القانون في أكثر من 200 دولة.
لعنة الدماء لاتزال تصيب الاقتصاد المصري بالفشل الذريع نتيجة الخيانة
أما على المستوى الاقتصادي، فقد أحال السيسي حياة المصريين إلى الجحيم اذلي لايطاق بفضل سياساته الاقتصادية الفاشلة التي راهن فيها على قوة تحمل المصريين، إلا أنه وفي الآوانة الأخيرة، رفع المصريون صوتهم عاليًا على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبين السيسي بعدم الرهان على قوة صبرهم وتحملهم، لأأنه طفح الكيل بهم، ولم يعودوا قادرين حتى على تحمل موازنة شرائ رغيف العيش الذي رفع الدعن عنه في سابقة هي الأولى تاريخيًا.
ومن المسّلم به أن السيسي حصل على معونات وقروض بالقدر الذي لم تحصل عليه مصر في تاريخها الحديث، سواء من دول الخليج أو حتى من الغرب و المنظمات الدولية مثل صندوق النقد و البنك الدولي للدرجة التي أتت فيها مصر في عهد السيسي في المرتبة الثانية لقائمة الدول الأكثر استدانة من الصنمدوق بقروض قيمتها 14.9 مليار دولار بعد الأرجنتين. وؤغم كل هذا يقبع أكثر مكن نصف المصريين تحت خط الفقر بسبب أن السلطة أنفقت مليارات الدولارات على مشروعات تروج فقط لبقائها ولاتخدم القطاع الأكبر من الشعب.
دفعت الأزمة الاقتصادية الطاحنة في البلاد بالبنك المركزي والحكومة إلى تعويم الجنيه المصرية أكثر من مرة ليفقد حوالي 40% من قيمته أمام الدولار الأمريكي. في عخهد السيسي تشهد البلاد أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، خفضت بالفعل قيمة عملتها ثلاث مرات منذ بداية عام 2022، ومع ذلك، لا يزال هناك نقص مزمن في الأموال النقدية، الأمر الذي يزعج الشركات لأنها تجد صعوبة في دفع ثمن التكاليف التشغيلية الضرورية.
تراجعت قدرة البلاد على تحمل الديون، مع استمرار نقص النقد الأجنبي في مواجهة زيادة مدفوعات خدمة الدين العام الخارجي وغياب التدابير لتعزيز احتياطي النقد الأجنبي. الفساد السياسي، والنقص المزمن في الغذاء والدواء، وإغلاق الشركات، والبطالة، وتدهور الإنتاجية، والاستبداد، وانتهاكات حقوق الإنسان، وسوء الإدارة الاقتصادية الصارخ ساهم أيضا في تفاقم الأزمة. وصلت الأزمة إلى قطع الكهرباء عن عموم البلاد من 3 ساعات يوميًا لتخفيف الأحمال مما تسبب في أزمات خانقة وتوقف بعض شركات الأسمدة عن العمنل لنقص الغاز الطبيعي. على الرغم من الدعاية الحكومية لحقل ظهر حين قالت إن حقل ظهر أكبر حقل غاز وسيمكن مصر من الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، إلا أنه في ابريل 2024 أعلنت الحكومة العودة إلى سياسة تخفيف الأحمال للتيار الكهربائي لمدة ساعتين في اليوم التي ارتفعت في الأيام القليلة القادمة إلى 3 ساعات يوميًا في كل عموم مصر.
أغرق السيسي مصر في ديون لن تستطيع حتى الأجيال القادمة من سدادها. ففي عام 2022، سجلت مصر دينًا حكوميًا إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 87.20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وبلغ متوسط الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر 88.17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 2002 حتى 2022، ووصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 103.00 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 وسجل رقمًا قياسيًا. أدنى مستوى بلغ 73.30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009. وتبلغ خدمة الدين المصري من أقساط وفوائد الديون حوالي 42.3 مليار دولار خلال العام 2024، وهي أعلى فاتورة على الإطلاق مطلوب سدادها في عام واحد، بعد أن قفز الدين الخارجي إلى نحو 165 مليار دولار واحتياطي نقدي لا يتجاوز 35.2 مليار دولار. خلال الفترة من 2014 إلي 2024 تضاعف إجمالي الديون الخارجية المستحقة على مصر. حيث بلغ إجمالي الدين الخارجي بنهاية الربع الأول من العام 2023 نحو 165.4 مليار دولار. كشف البنك المركزي المصري، أن قيمة الديون الخارجية المستحقة السداد من جانب مصر، تساوي نحو 29.229 مليار دولار خلال عام 2024.
تغول الاقتصاد العسكري على كافة مناحي الحياة في مصر مما تسبب في الكثير من الأزمات لأن لشركات المملوكة للجيش معفاة من الضرائب، حيث ينص القانون على ألا تدفع القوات المسلحة ضريبة القيمة المضافة على السلع والمعدات والآلات والخدمات والمواد الخام اللازمة لأغراض التسلح والدفاع والأمن القومي. واستنادًا إلى بيان أصدره السيسي في عام 2016، يمثل الجيش ما بين 1.5 إلى 2 في المئة من الاقتصاد المصري (2.39 مليار دولار إلى 4.46 مليار دولار). تنامي البصمة العسكرية وسيطرتها على السياسة الاقتصادية من السمات المميزة لحكومة السيسي وأحد جذور أزمة الديون الحالية. والواقع أن أحد الشروط الرئيسية لقرض صندوق النقد الدولي الذي حصل عليه في 2016 بقيمة 3 مليار دولار يتلخص في إصلاح البنية الإدارية لهذه الكيانات، وإنهاء إعفاءاتها الضريبية، وتوفير فرص متكافئة للقطاع الخاص.
احتلت مصر وفقا للبنك الدولي المركز الأول في الدول الأكثر تضررًا من تضخم الغذاء في نهاية 2023، كما شهدت ارتفاعات متتالية في المؤشرات العامة للتضخم خاصة في أسعار الغذاء، بسبب الخفض المتتالي لقيمة الجنيه مقابل الدولار منذ 2016 وارتفاع فاتورة واردات الغذاء. في 10 اغسطس 2023، واصل معدل التضخم السنوي في مصر، ارتفاعه مسجلًا مستوى قياسيا جديدا عند 36.5% في يوليو 2023، وجاءت هذه الزيادة مدفوعة بارتفاع أسعار قسم الطعام والمشروبات بنسبة 68.2 %.التضخم جاء نتيجة استمرار نفس العوامل المسببة لزيادة سعر السلع والخدمات محليًا خلال الشهور الماضية، وأبرزها ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية عالميًا، وانخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وتحجيم الاستيراد.
اجتماعيًا، قمست المذبحة مصر طوليًا ولم تلتئم حتى اللحظة الراهنة.
لم تقف الآثار الكارثية لمذبحة رابعة عن النتائج الحقوقية والسياسية والاقتصادية فقط، بل تخطت كل ذلك إلى حالة مستمرة ومستعصية من الانقسام المجتمعي الطولي الذي أصاب المجتمع المصري ولايزال ينخر سوس الانقسام في أحشاء المجتمع حتى ألآن ولن تنجو مصر من آثاره سوى بإعادة الحقوق إلى أصحابها وتطبيق العدالة الانتقالية و من ثم المصالحة المجتمعية.
دب الانقسام وقطع أوصال الأسرة الواحدة في مصر، بحيث رأى الجميع وسائل الإعلام الموجهة من قِبل السلطات القمعية في مصر وهي تحرض على قتل مصريين حتى وان اختلف البعض معهم ومع رؤاهم. دعي من يطلقون على أنفسهم اعلاميين وهم في الحقيقة مخبرين للأمن الوطني ويتلقون التعليمات من ضباطه، وهم يحرضون ويطالبون جزء من المصريين بالابلاغ عن جاره وحتى أهل بيته ان خالفوا الدولة بحجة انهم إرهابيين.
ويبرز واحد من أصعب مظاهر التمييز المجتمعي الذي ساد في عهد قائد السلطة القمعية في مصر حين وقع السيسي في أغسطس 2021 القانون رقم 135 لسنة 2021، بشأن فصل الموظفين الحكوميين بغير الطريق التأديبي وقانون الخدمة المدنية وطبقًا للقانون يحق للحكومة فصل الموظف إذا أخل بواجباته الوظيفية، بما من شأنه الإضرار الجسيم بمرفق عام بالدولة أو بمصالحها الاقتصادية، أو إذا قامت بشأنه قرائن جدية على ما يمس الأمن القومي للبلاد وسلامتها، ويعد إدراج العامل على “قوائم الإرهاب” أحد تلك القرائن. الصياغات القانونية التي تمت في هذا القانون صياغة مطاطة في ظل محاكمات تفتقر إلى معايير العدالة ويُعد تمييزا بين المواطنين المصريين وفقًا لمعتقده الديني أو السياسي بالمخالفة لصريح نص المادة 53 من الدستور المصري. قصد المشرع من إصدار هذا القانون سئ السمعة فصل موظفي الدولة المنتمين لجماعة الاخوان المسلمين ومن يعارض سلطات المستبد وفي هذا تمييزا مجتمعيًا سالبًا للحقوق والحريات مما كرس حالة الانقسام المجتمعي الذي تشهده البلاد منذ الانقلاب العسكري حتى اللحظة الراهنة.
تُكرس صورة هذا الطفل الذي يصرخ مناديًا على أمه التي قتلتها قوات الأمن أثناء فضها لاعتصام رابعة صورة الملايين من الأجيال القادمة من المصريين ومدى ولائهم ومشاعرهم تجاه وطنهم. هذا الطفل حرمته قوات المستبد من أمه بسبب الاختلاف في الرؤى ووجهات النظر، لم تكن أمه إرهابية أو تمسك بسلاح وتهدد به قوات الأمن والجيش كما ادعى النظام وأبواق اعلامه، وإنما كانت كل جريمتها دفاعها عن اختيارها كمواكنة مصرية حرة ومطالبتها باستمرار التجربة الديمقراطية التي أتت نتيجة ثورة يناير العظيمة. هذا الطفل ليس وحده من أيقن أن النظام حرمه من أمه، بل انه ومئات الألاف من أقرانه يؤمنون أن قادة الانقلاب العسكري قد دمروا حياتهم من خلال عمليات القتل خارج إطار القانون التي أصبحت متسيدة المشهد في مصر على مدار أحد عشر عامًا.
ينضم لهذا الطفل مئات الألاف من الأطفال الذين تحتجز السلطة المستبدة عائلاتهم داخل المعتقلات منذ أحد عشر عامًا، محرومين حتى من الزيارات ويُضاف إليهم مئات الأطفال من الأطفال الذين اضطر والديهم للهروب بهم من آتون الموت مصر إلى بلاد غريبة حُرموا فيها من عاطفة الوطن وترابه وثقافته، كما ينضم لهذه الفئات أيضًا الألاف من الأطفال أو الذين كانوا أطفال لأباء فروا بحياتهم خارج وطنهم في أكبر حملة نفي إجباري في تاريخ مصر الحديث، وأصبح هؤلاء الأطفال عندما يدرسون في التاريخ قصة نفي الزعماء الوطنيين خارج وطنهم أمثال سعد زغلول لم يكن ليتخيل أن أبأئهم سيتعرضون لهذا النوع من العقاب الذي لم عرفوه مرتين، الأولى في كتب التاريخ والثاني واقعًا في ذويهم، إلا أن المختلف أن من قام بالنفي في الحالة الأولى هو المحتل الإنجليزي، وفي الثانية هو المستبد العسكري. نخلص من كل هذا إلى سؤال نطرحة
ماذا كان سيفعل المحتل إذا قام باحتلال مصر في 2013؟
والإجابة بحثنا عنها كثيرًا ولكننا لم نجد إجابة أفضل من التالي:
” لم يكن المحتل يفعل في المصريين مثلما فعل المستبد العسكري”
الخلاصة
كان استخدام القوّة الغاشمة في فضّ الاعتصام في ميدان رابعة العدوية وليد لحظة استقطابية وشعبوية بامتياز، مهّدت لها ووظّفتها السلطة العسكرية الصاعدة منذ إطاحة الرئيس الراحل محمد مرسي لتحقيق مشروعية شعبية للعهد السلطوي الجديد، وإجراءاته الانتقامية والتعسّفية تحت مظلة بالقانون أو خارج إطاره، وتعميق الانقسامات بين القوى السياسية المصرية، بحيث تصبح المؤسّسة العسكرية اللاعب الأوحد في المشهد، والأكثر استجابة لتطلعات المصريين. كانت رابعة اللحظة التي طوّعت فيها السلطة المصريين على قبول ارتكاب انتهاكاتٍ جسيمةٍ لحقوق عشرات الألاف من المصريين، ثم استمرّت سنوات، بذريعة حماية البلاد من الفوضى والإرهاب.
سيذكًر التاريخ أن طغيان السلطة وانتهاكاتها الجسيمة حقوق الإنسان في الأعوام الأولى لما بعد انقلاب 3 يوليو (2013) كانت بمباركة من قطاعات واسعة من المجتمع المصري، وفي ظل توريط أخلاقي للنخبة السياسية الثقافية والإعلامية الليبرالية واليسارية، والتي انساقت للدعاية السياسية والإعلامية الموجّهة ضد فصيل سياسي واسع من المصريين، والمشاركة في تقديم الجيش مخلّصا للبلاد. نجاح السلطة في طمس حقيقة جريمة رابعة وملابساتها عبر الدعايات الكاذبة والسرديات المزيّفة التي روّجتها في الخطابات السياسية الرسمية والإعلام والدراما التليفزيونية الرمضانية لا يعدو كونه نجاحا مؤقتا موجّها لكسب الرأي العام المصري وتشتيته، ولن يصمد أمام التوثيق التفصيلي الذي جرى في مذبحة رابعة من منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية، والصحافة العالمية، وذاكرة وشهادات من عايش هذه المذبحة. لن يخدم تزييف حقيقة مأساة «رابعة» أو طمسها سوى استمرار السلطوية وتجدّدها في مصر، وإعادة إنتاج انتهاكاتها الجسيمة، وأي محاولة جارية اليوم وسط صفوف المعارضة المصرية للدفع بمسار الإصلاح السياسي ستبقى مرهونةً بمكاشفة ومصارحة كاملة لما فعلته مذبحة رابعة بمصر والمصريين، وبالتفكير في سبل الانتصاف العادلة للتعافي المجتمعي من إرثها الثقيل الإنساني والسياسي.
إن مصالحة مجتمعية وسياسية شاملة، تبدأ بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وتعويض الضحايا وأسرهم، واعتراف الحكومة المصرية بمسئوليتها عن المذبحة، والانتهاكات التي تلتها، ومحاكمة المسئولين عنها؛ هي الطريق الوحيدة لتجاوز الآثار المدمرة لعشر سنوات من الحرب الحكومية الشرسة على الحقوق السياسية، وضمانات المواطنة، والمجتمع المدني، والحقوق، والحريات في مصر.