01-11-2024
تمهيد:
منذ بداية حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وهي لم تسلم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” من اعتداءات قوات الاحتلال بشكل مباشر عن طريق استهداف المقار الرئيسية والأممية في القطاع سواءً كانت مراكز إيواء أو مدارس أو مؤسسات صحية وغذائية، وقد عملت الألة الإعلامية لجيش الاحتلال على اصدار بيانات تحوي اتهامات كاذبة تتهم المنظمة الأممية بتشغيل عناصر مسلحة تابعة للمقاومة في قطاع غزة، لتكون ذريعة لممارسات الاحتلال واستهدافه المتكرر للمنظمة الأممية ذات الاختصاص الولائي بمهمة دولية وإنسانية علي الأراضي الفلسطينية، لكن كما يبدو فإن استمرار الوكالة الدولية “الأونروا” في القيام بمهامها رغم الظروف الصعبة والمستحيلة المفروضة عليها في القطاع الأكثر كثافة سكانية في العالم والذي يعيش حالة حرب دخلت شهرها ١٣ من عدوان مستمر قامت خلاله الوكالة “الأونروا” بتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين من شمال القطاع إلي جنوبه كما أطلقت نداءات دولية تكشف مأساوية الأوضاع غير الإنسانية التي يتعرض لها المدنيون في القطاع إضافة إلى توثيق “الأونروا” جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية دفع دولة الاحتلال إلى تغير سياستها اتجاه “الأونروا” في محاولة
لتقنين استهداف المنظمة ذات التأييد الدولي والأممي وإعطاء غطاء لاستهدافها من خلال تشريع الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يحظر عمل المنظمة الأممية في فلسطين المحتلة.
الموقف القانوني والدولي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”
في أعقاب احتلال عام ١٩٤٨، تم تأسيس “الأونروا” بموجب القرار رقم 302 (٤) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 يناير 1949م، بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين. وقد بدأت الوكالة عملها في الأول من شهر مايو عام 1950م، وفي غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا إلى 30 يونيو 2026م.
ووفق التعريف العملياتي للأونروا، فإن لاجئي فلسطين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو 1946 – مايو 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة احتلال عام ١٩٤٨.
وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750,000 لاجئ فلسطيني. واليوم، فإن حوالي خمسة ملايين وتسع مئة ألف لاجئ من فلسطين يحق لهم الحصول على خدمات وكالة الأونروا.
الولايات المتحدة شريك في التضيق على الدور الذي تقوم به الأونروا في غزة
توظف الأونروا أكثر من 30 ألف شخص، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين، وبعض الموظفين الدوليين. وبينما تقدر ميزانيتها السنوية بنحو مليار دولار، إلا أنها تعرضت بعد حرب طوفان الأقصى الأخيرة لضغوط مالية شديدة بعد أن جمّد عدد من المانحين الغربيين الرئيسيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة مساهماتهم، مما أدى إلى عجز يقدر بنحو 450 مليون دولار في ميزانيتها، مع أن الأونروا مضطرة إلى التعامل مع أكبر أزمة إنسانية شهدتها المنظمة في كل تاريخها الممتد على مدى 75 عاما.
خطوات ممنهجة لقمع الوكالة.. وتقرير سري مسرب للخارجية الإسرائيلية يكشف المخطط
بدأ الصدام بين إسرائيل “الأونروا “بعدما أصدرت الخارجية الإسرائيلية تقريراً شديد السرية في ديسمبر من العام الماضي نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل نقلًا عن القناة ال 12 الإسرائيلية والذي يوصي بالقضاء على الوكالة الدولية وفق خطة من 3 مراحل.
ووفقًا للتقرير فإن الوثيقة توصي بثلاث مراحل للتحرك تتضمن المرحلة الأولى تقريرًا شاملًا عن تعاون مزعوم للأونروا مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، والتي تحكم قطاع غزة، ويزعم تورط الهيئة الأممية “الأونروا” معها في القتال ضد إسرائيل، علماً بأن الوكالة تقدم الرعاية والخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين منذ احتلال 1948م و1967 م -ولم يسبق اتهامها بذلك-.
وتتضمن المرحلة التالية تقليص عمليات الأونروا في القطاع الفلسطيني، وسط البحث عن منظمة أخرى لتقديم خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية.
وفي المرحلة الثالثة، وفقًا للتقرير، سيتم نقل جميع مهام الأونروا إلى الهيئة الحاكمة في غزة بعد الحرب.
وعلى الفور بدأت دولة الاحتلال في توجيه اتهامات متعددة “الأونروا” بضلوع العشرات من موظفيها بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 وبدأت الوكالة الأممية في التحقيق وقامت في البداية بفصل عدد من موظفيها دون نتائج نهائية ونتج عن هذه الحملة الإسرائيلية قيام 16 دولة بوقف تمويلها للوكالة، تلي ذلك مجموعة من الإجراءات التي قامت بها إسرائيل لإعاقة عمل “الأونروا” نرصد منها:
في 18 مارس 2024 أعلنت “الأونروا” أن السلطات الإسرائيلية رفضت السماح للمدير العام للوكالة فيليب لازاريني بدخول قطاع غزة، ووصفتا الخطوة بأنها غير مسبوقة، لا سيما أنها المرة الأولى التي يُمنع فيها لازاريني من دخول القطاع منذ توليه المنصب في عام 2020م.
وفي 17 أبريل 2024 حذر فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا، أمام مجلس الأمن الدولي، من الرضوخ لطلب إسرائيل بحل الوكالة الأممية، مؤكدا أن ذلك من شأنه أن يفاقم المجاعة في قطاع غزة، مضيفا أن طلبات الوكالة لإرسال المساعدات إلى شمال القطاع تقابل بالرفض.
وفي 5 مايو 2024 قال فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة الأونروا إن إسرائيل رفضت دخوله إلى قطاع غزة للمرة الثانية خلال أسبوع، مضيفا أنها تواصل منع توزيع المساعدات الإنسانية في أنحاء القطاع
وفي 9 مايو 2024 أعلن فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا، عبر منصة “إكس”، إغلاق مقر الوكالة في القدس الشرقية بعد إضرام إسرائيليين النار في محيطه مرتين خلال أسبوع.
وفي 19 مايو 2024 كشفت الأونروا أن إسرائيل تعمل على شل قدرة المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان على معالجة الأزمة الإنسانية الأليمة في غزة والضفة الغربية، وأوضحت أن إسرائيل تعمل على ذلك من خلال تشويه وتهديد وتعذيب عمال الإغاثة الحاليين.
وفي 29 مايو 2024 صادق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يقضي بأن تعلن إسرائيل أن وكالة الأونروا منظمة إرهابية.
وفي 8 يوليو 2024 قال فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة الأونروا: إن “إسرائيل تحاول من خلال حملة شعواء تصوير الوكالة على أنها منشأة إرهابية”
وفي أغسطس 2024 أعلنت الأمم المتحدة كذب المزاعم الإسرائيلية بحق موظفي “الأونروا” وبراءتهم من مزاعم الاشتراك في عملية طوفان الأقصى وجاء في البيان “أفادت الأمم المتحدة، باكتمال التحقيق الذي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية – وهو أعلى جهة تحقيق في المنظمة – في قضية 19 موظفًا محليًا في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، بشأن الادعاءات بمشاركتهم في الهجمات المسلحة التي وقعت في 7 من أكتوبر 2023 في جنوب إسرائيل غير صحيحة وغير ثابتة.”
الجرائم المعلنة ضد الوكالة الدولية.. وما خفي أعظم
ومنذ بدء الحرب، استهدف الاحتلال الإسرائيلي العديد من مدارس الأونروا التي تؤوي نازحين، مرتكبة مجازر بحق المدنيين بداخلها، وخاصة من النساء والأطفال. وتعرضت 190 منشأة ومقرا تابع لـالأونروا لقصف وتدمير إسرائيلي، سواء كليا أو جزئيا، حسب تقرير للوكالة.
بلغ عدد الضحايا المدنيين الذين قُتلوا وأُصيبوا أثناء احتمائهم داخل مدارس الأونروا منذ بدء الحرب الإسرائيلية المدمرة يبلغ حوالي 563 قتيلا وألفا و790 مصابا نتيجة استهدافات إسرائيلية. وفق احصائيات رسمية.
وأبرز هذا الاستهداف، ارتكاب سلاح الجو الإسرائيلي في 24 يناير الماضي مجزرة بقصف مقر كلية تدريب غزة، والذي كان يؤوي مئات النازحين غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. وتسبب هذا القصف في مقتل 14 فلسطينيًا وإصابة المئات بجراح، نتيجة اشتعال النيران في خيام النازحين.
وفي يوليو الماضي اقتحم الجيش الإسرائيلي مقر الوكالة الرئيسي غرب مدينة غزة، مما أدى إلى تدمير المبنى بالكامل بعد قصفه مرات عدة بشكل مباشر.
ولم يقتصر الاستهداف على التحريض والهجمات وتدمير المنشآت وقتل موظفين، إذ تصر إسرائيل على إعاقة عمل الأونروا في تقديم المساعدات الإغاثية والغذائية والصحية المنقذة للحياة.
وإجمالًا، أدت الهجمات الإسرائيلية المتكررة إلى مقتل 220 موظفًا من الأونروا، كانوا يساهمون في تقديم الرعاية الصحية والمساعدات الغذائية للنازحين.
دلالة التوقيت لقرار الكنيست ضد “الأونروا” (قراءة)
وفق المعطيات الميدانية فإن خطة جيش الاحتلال الإسرائيلي حالياً هو تهجير مواطني شمال القطاع إلى مناطق الجنوب، مع تعريض القطاع للمجاعة لفرض سياسة التهجير القسري، وزيادة معاناة الفلسطينيين على الأرض كنوع من الضغط الشعبي لتنفيذ مخطط التهجير لإضعاف القوات العسكرية للمقاومة وحاضنتها الشعبية -كما تعتقد حكومة الاحتلال الإسرائيلي-، وتري الحكومة -ذات التوجه اليميني المتطرف- أنه في ظل وجود منظمات دولية تعمل على تخفيف المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المنكوب من الحرب، يمثل هذا عائقًا عكس اتجاه الخطة المعتمدة من جنرالات الحرب، والتي تنص على جعل المعاناة عقاباً جماعياً لعزل المقاومة عن حاضنتها الشعبية، والعمل على إيجاد بديل لحركة حماس بعد الحرب يقبله الشعب في قطاع غزة، وعدم قبول خيار حماس لإدارة القطاع شعبياً ودولياً، باعتبارها المتسببة في دمار القطاع واستمرار المعاناة، وبالتالي يكون التهجير من الشمال كجزء من الخطة المفروضة قبيل وقف إطلاق النار، مع إحلال بديل لحماس في إدارة القطاع بعد فرض المعاناة كورقة ضغط للتفاوض فيما يسمي باليوم التالي في غزة، وهو ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وصرح به قادة عسكريون بشكل واضح.
خلاصة القراءة:
تهدف إسرائيل من حربها على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” إلى منع الفلسطينيين من حق العودة إلى أراضيهم، وتشكيل ضغط بالمعاناة يمثل عقاباً للشعب الفلسطيني في القطاع لعزله عن حركات المقاومة وفرض سياسة الاحتلال فيما يسمي خطة اليوم التالي في غزة.
إن الدور الذي تقوم به وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” يمثل عاملاً مساعداً لرفع معاناة الشعب الفلسطيني المنكوب والذي يتعرض لجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والأراضي المحتلة.
وتري حكومة اليمين المتطرف لدولة الاحتلال الصهيوني أن كل من يتعاطف أو يقوم بدور إنساني لصالح المدنيين الفلسطينيين يدخل في دائرة العدو الذي يجب تدميره وحتى وإن كان منظمة أممية بحجم “الأونروا” والتي ينظر إليها من قبل إسرائيل أنها تعيق خطة الإبادة والتهجير والانتقام من الشعب الفلسطيني وخاصة اللاجئين في القطاع.
من ناحية أخرى، لقد وقعت جميع دول العالم المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية، أمام أزمة عالمية كاشفة تطيح بكل الشعارات المرفوعة حول ما يسمي “الشرعية الدولية” وقرارات الأمم المتحدة ومواثيق العهد الدولي” وهي تقف جميعها عاجزة عن اتخاذ موقف واحد لحماية مؤسساتها الدولية في فلسطين ومن بينها “الأونروا” أمام غطرسة الاحتلال الصهيوني، إلا من تصريحات لا تساوى حتي حبراً على ورق، مع تواطئ واضح للولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين عندما سكتت على الجرائم الإسرائيلية وصوغت لإسرائيل ما تفعله ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وقتما جمدت مساهمتها وعدد من الدول الغربية للوكالة باعتبار الوكالة كما زعم الاحتلال تدعم الإرهاب، وهو ما نفاه تحقيق الأمم المتحدة ليكشف كذب وادعاءت إسرائيل وحلفاءها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، لينكشف للعالم أن الحرب على الاونروا إنما هو جزء من خطة إسرائيل لاحكام تجويع الشعب الفلسطيني واستمرار معاناته في حرب فقدت فيها الإنسانية آخر ورقة توت كانت تستر سوأتها.