تدفع مؤشرات الاقتصاد المصري الأخيرة نحو مزيد من الضغوط على الحكومة للإسراع في تنفيذ التزاماتها بتسريع عمليات طرح الشركات الحكومية للبيع وبيع أصول الدولة وخفض قيمة العملة المحلية لمواجهة التضخم المرتفع والنقص المستمر في النقد الأجنبي.
ولم تفلح قرارات البنك المركزي الأخيرة في 30 مارس/ آذار الماضي، برفع أسعار الفائدة بمعدل 2% ليصل على الودائع إلى 18.25%، وبارتفاع 10% منذ مارس 2022 في كبح التضخم أو حماية الجنيه من التراجع، والذي انخفضت قيمته من 15.7 جنيها إلى ما يقرب من 31 جنيها حاليا، بينما وصل في السوق الموازية إلى ما يزيد عن 37 جنيها للدولار، وقفز في السوق الآجلة إلى نحو 41 جنيها للدولار.
وقال فاروق سوسة، الاقتصادي في بنك “غولدمان ساكس”، في تقرير بحثي حديث، إن مسار التضخم المتزايد يزيد الضغط على الجنيه المصري، الذي ظل ثابتاً نسبياً منذ تخفيض قيمة العملة في أوائل يناير/ كانون الثاني الماضي على الرغم من المؤشرات الواضحة إلى استمرار نقص السيولة في العملات الأجنبية.
كما واصل نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر الانكماش للشهر الثامن والعشرين على التوالي في مارس الماضي، بعدما تضررت الشركات بسبب قيود على الاستيراد والعملة وزيادة حادة في التضخم.
وهبط مؤشر مديري المشتريات لمصر الصادر عن مؤسسة “ستاندرد اند بورز غلوبال”، الأسبوع الماضي، إلى 46.7 في مارس من 46.9 في فبراير/ شباط ولا يزال بذلك أقل بكثير من الحد الذي يشير إلى نمو النشاط وهو 50 نقطة.
يأتي ذلك في ظل ارتفاع الدين الخارجي لمصر بنسبة 5.5% خلال الربع الأخير من العام الماضي، ليصل إلى 162.9 مليار دولار بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، مقابل 154.9 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول الماضي.
مطالب خليجية
كانت مؤشرات الاقتصاد المصري المستمرة في التراجع على أجندة زيارة عبد الفتاح السيسي المفاجئة للسعودية، الأسبوع الماضي، والتي استهدفت بشكل أساسي الحصول على دعم مالي من المملكة.
ووفقا لتقرير صحيفة “وول ستريت جورنال”، الجمعة الماضي، عن الزيارة، فإن السعودية ودول الخليج الأخرى أكدت لمصر أن أي خطة إنقاذ مالية ستعتمد على خفض القاهرة قيمة عملتها وتعيين مسؤولين جدد لإدارة اقتصادها وتقليص دور المؤسسة العسكرية في الأنشطة الاقتصادية.
وأشارت الصحيفة استنادا إلى مصادر مطلعة لم تذكر أسماءها أن زيارة السيسي للمملكة ولقاءه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ” لم تسفر عن أي وعود تمويل سعودية فورية”.
وقال مسؤولون، وفقا للصحيفة، إن “جيران مصر الأثرياء يريدون عوائد أفضل لأموالهم الآن، حيث يركزون على إعادة تشكيل اقتصاداتهم المعتمدة على الطاقة”.
ووفقا للمسؤولين، فإن ذلك سيتحقق بمطالب منها مزيد من خفض قيمة الجنيه المصري، وتقليص مشاركة الجيش المصري في الاقتصاد لصالح دور أكبر للقطاع الخاص، وهي خطوة من شأنها أن تسمح للشركات الخليجية بالاستحواذ على حصص في قطاعات النمو المصرية.
وقال المسؤولون للصحيفة أيضا إنه من هذه المطالب “قيادة أكثر فاعلية لإدارة الشؤون المالية المصرية، وسط سنوات من المخاوف بشأن سوء الإدارة والفساد”، مشيرة إلى أن “مصر لم تفعل ، حتى الآن ، سوى القليل لتلبية مطالب دول الخليج”.
وتواجه الحكومة ضغطا مزدوجا من مخاوف ارتفاعات قياسية جديدة للتضخم في حال خفض جديد لقيمة الجنيه من جهة، وآخر من تراجع الاستثمارات الأجنبية التي تراجعت حاليا بانتظار الخفض.
ولكن رغم ذلك، يتوقع المحللون، وفقا للصحيفة، أن تسمح القاهرة قريبًا للعملة بالانخفاض بحدة، مسجلة بذلك رابع تخفيض لقيمة العملة من قبل البنك المركزي المصري منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022.
ووافق صندوق النقد الدولي، العام الماضي، على إقراض مصر 3 مليارات دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، وفي ديسمبر/ كانون الأول أفرج عن الشريحة الأولى من تسع شرائح يتم منحها على فترة 46 شهرا.
وقال الصندوق إنه يتوقع أن تجلب مصر تمويلا إضافيا بقيمة 14 مليار دولار من الخليج ودول أخرى في إطار زمني مدته أربع سنوات.
كما تستهدف مصر جمع 2.5 مليار دولار من بيع أصول حكومية حتى نهاية السنة المالية الحالية في 30 يونيو/حزيران المقبل.
وقال الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي المصري أيمن سليمان، في تصريحات سابقة، إن الصندوق يساعد في إدارة بيع 14 شركة من أصل 32 شركة مملوكة للدولة ويهدف إلى الإعلان عن صفقتين قريبًا لتحقيق هدف جمع 2.5 مليار دولار.
وأضاف أن المستثمرين المحتملين لديهم مخاوف بشأن الاقتصاد، بما في ذلك مسار أسعار الفائدة والجنيه المصري، مشيرا إلى أن عقلية المستثمرين تجارية بحتة، حيث تركز على التقييم والعوائد والحوكمة”.