مقدمة
الشباب في أي مجتمع من المجتمعات عنصر حيوي في جميع ميادين العمل الإنساني والاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي، وهم المحرك الرئيس الفعال لأي إصلاح أو تغيير في المجتمعات ودوماً يشكلون الرقم الأصعب في أي ثورة إصلاحية، وأداة فعالة مهمة من أدوات التطور الحضاري للمجتمع، وهم همزة الوصل بين الماضي والمستقبل وهم الحاضر الذي يصنع المستقبل.
وكما هو معلوم ومتعارف عليه بين الأمم فإن الشباب هم العماد الآساسي في أي مجال تقوم عليه نهضة وحركة وقوة الأمم، فهم نصف الحاضر وكل المستقبل. وفي مصر لعب الشباب دورًا محوريًا في الحياة السياسية والاجتماعية المصرية على مر التاريخ. كان الشباب هم الكوادر الأساسية التي التفت حول سعد زغلول في ثورة 1919، جمعوا ألاف التوكيلات لتوكيل سعد ورفاقه للدفاع عن القضية المصرية. وحين اندلعت التظاهرات في القاهرة وربوع مصر، خرج طلاب الجامعة والمدارس الثانوية ليجوبوا الشوارع و يشتبكوا مع قوات الاحتلال الإنجليزي دفاعًا عن زغلول ورفاقه وعن قضية استقلال مصر التي كانت الشاغل الأكبر للأمة المصرية. وفي حركة الضباط التي أطاحت بالحكم الملكي كانت مجموعة الضباط الأحرار كلهم من شباب المؤسسة العسكرية المصرية الذين نقلوا مصر من موضع إلى موضع آخر ( بالرغم من حالة الاتفاق أو الاختلاف حول مآلات حركة الضباط في يوليو 1952) إلا أنها كانت، ولاتزال، علامة فارقة في التاريخ المصري التي حولت حكم البلاد من حكم مدني إلى حكم عسكري. وفي آواخر حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، عندما تكلست الحياة السياسية في مصر، التف الشباب حول شيوخ المعارضة وأعمدتها ليشكلوا رافدًا جديدًا في الحياة السياسية والاجتماعية لمصر. جاء الشباب من بوابة الدفاع عن القضية الفلسطينية إلى باب الشأن المصري مستغلين شيخوخة النظام و الصراع بين الحرس القديم المتمثل في مبارك ورجاله أمثال فتحي سرور وزكريا عزمي وصفوت الشريف، ومن جهة أخرى الحرس الجديد الذي كان ملتفًا حول مبارك الإبن باعتباره المشروع القادم في مصر. استغل الشباب هذا الصراع في فتح ثغرات في المجال العام في مصر مستعينين بالتطنولوجيا الحديثة التي كانت العامل الأبز والمميز لهذا الجيل نفذوا من خلاله إلى لب العقول في مصر. اختلف نهج الشباب عن نهج الشيوخ في المعارضة المصرية متسلحين بالأدوات التكنولجية الجديدة و غير عابئين بالحدود الأيدولوجية التي أثرت بالسلب على تحركات شيوخ المعارضة. عبر الشباب بوابات الحدود الأيدلوجية وأدخلوا مصر والشرق الأوسط لأول مرة الحركات عابرة الأيدلوجيات التي تعتمد على الهدف أكثر مما تعتمد على الأيدلوجية.
نجح هذا الفكر في حشد الشارع المصري خلف مطالب التغيير واستطاعوا في خلق عامل محفز ولاعب رئيسي على المشهد السياسي والاجتماعي المصري بعد إجبار الجلس العسكري مبارك على التنحي. إلا أنه وفي هذه اللحظة الحاسمة استطاع الشيوخ فرض كلمتهم وانسحبوا من ميدان التحرير على الرغم من مطالبة الشباب الجميع بالاستمرار في الحراك الثوري حتى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية والعادلة والحديثة كما كاتنوا يهدفون.
هنا أدرك القائمون على إدارة أمور البلاد بعد تنحي مبارك أهمية دور الشباب وانطلقوا في خطة ذات ثنائية الجناح. ينطلق الجناح الأول منها في العمل على تقليص دور الشباب ودب الفرقة بينهم ومحاربة من يستمسك منهم بوعيه واخلاصه وأهدافه، بينما على الجمن انب الآخر ينطلق الجناح الآخر هدف السلطة في مصر ( الأجهزة الأمنية المدنية والعسكرية ) في خلق تيار مواز من الشباب يكون داعمًا للسلطة التي سوف تأتي ( التخطيط للحكم العسكري المباشر ) وتستفيد تلك السلطة من رغبات الشباب في التغيير و الصعود إلى قمة الهرم السياسي والاجتماعي في مصر مستغلين حاجة الشباب إلى الاستقرار وظيفيا و ماليًا. من هنا نشأ استهدف النظام المستبد في مصر للشباب.
لماذايستهدفالنظامالشبابفيمصر؟
أدرك المجلس العسكري والبيروقراطية الحاكمة في مصر (المنظومة الحاكمة) أهمية دور الشباب وأن مبارك ونظامه أخطأوا التعامل مع قضية الشباب وتركوهم حتى استطاعوا احداث الحراك في مصر. تتضح الأسباب التي أدت بالنظام منذ تنحي مبارك إلى استهداف الشباب في التالي:
تطلع الشباب الدائم إلى التغيير: فإن عمر الشباب هو عمر التطلع إلى التغيير إلى الأفضل وعدم القناعة بالحاضر ومشكلاته والسعي دومًا ناحية استبدال الواقع بمشاكله بمستقبل قادر على الوفاء بمتطلبات الشباب ويجد فيه دورًا أساسيًا ليلعبه في المجتمع. فإن كانت الشيخوخة هي عمر الاستقرار والركون إلى الحاضر و السكون تحت ظل متطلبات الاستقرار، فإن عمر الشباب يتسم بالحركة الدائمة للبحث عن مستقبل أفضل.
يتسلح الشباب دومًا بأدوات التغيير اللازمة ويواكب العصر في امتلاك روح المبادرة وكذا امتلاك كافة الأساليب الداعمة لروح التغيير من معارف ومهارات وخطط متخطية المحيط المحلي والإقليمي إلى البراح الدولي.
الشباب المصري لا تحده الحواجز الأيدلوجية ولاتفرقهم ساحات الصراع السياسي، بل إن الشباب عبر حدود الأيدلوجيات ليتعاون الجميع فيما اتفقوا عليه من أهداف عامة. وأثبتوا لما لا يدع مجالًا للشك أنهم بعيدون كل البعد عن ساحات الصراع السياسي والأيدلوجي، وأن ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم.
الشباب هم الوقود اللازم لحراك المجتمع باتجاه النتغييرات الإيجابية سواء كانت إصلاحية أم ثورية، فهم متطلعون دومًا للأفضل سواء على الناحية الشحصية أو المجال العام متسلحين بالطاقة الفوارة التي تولدها أرواحهم الشابة.
من كل هذا وغيره يتضح لنا أهمية دور الشباب في الحراك المجتمعي والتطلع للأفضل دائمًا، ومن هنا انطلق النظام العسكري بدءًا من المجلس العسكري حتي لحظة كتابة هذه القراءة في خطة احتوائه ولما فشلت تلك الخطط في احتواء طاقات الشباب ومحاولة ضمهم لطابور المنتفعين من الاستبداد بدأ النظام في استهدافهم على مراحل.
متىبدأالنظامفيمصراستهدافالشباب؟
بدأ استهداف الشباب في مصر مبكرًا جدا إبان تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة مقاليد الأمور في مصر في الحادي عشر من فبراير 2011. ووضح منذ البداية أن السيطرة على مقاليد الأمور في مصر وتوجيهها عبر مقر المجلس العسكري ترتكز في أحد مرتكزاتها الأساسية على استهداف الشباب بمنهجي الترغيب والترهيب الذي نال الغالبية العظمي من الشباب للانتقام من دورهم الجوهري في الحراك السياسي والمجتعي في البلاد.
لم يبدأ استهداف النظام القمعي للشباب في 2013، بدأت سلسلة استهداف الشباب منذ فبراير 2011 في سلسلة من المذابح والانتهاكات منها قضية كشوف العذرية التي اعترف السيسي بارتكاب الجيش كشوف العذرية على 18 فتاة شابة. وأحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها 28 شابًا، وأحداث محمد محمود التي راح ضحيتها، وفقًا لتقرير لجنة تقصى الحقائق 60 شابًا و إصابة 4500 من الشباب علي يد قوات الشرطة والجيش. لم تكد أحداث محمد محمود تنتهي حتى ارتكب المجلي العسكري مذبحة جديدة سميت بمذبحة مجلس الوزراء وراح ضحيتها 16 من الشباب بالإضافة إلى الشيخ عماد عفت وإصابة 9000 من الشباب. ثم جاءت مذبحة استاد بورسعيد في الأول من فبراير 2012 والتي قتل المجلي العسكري ومن يتعاونون معه 74 من أعضاء رابطة مشجعي النادي الأهلي ( الألتراس ) بسبب تأييدهم للثورة ووقوفهم إلى جانب الثوار بطريقتهم المنظمة التي صنعت الفارق في الكثير من المواقف الصعبة وتحديهم للأجهزة الأمنية في البلاد.
الحلقة الأبرز في استهداف الشباب كانت في مجزرة فض اعتصام رابعه التي راح ضحيتها على أقل تقدير قدرته وزارة الصحة المصرية التي قدرت عدد الضحايا بـ 670 قتيلا ونحو 4400 مصاب، أما منظمة “هيومن رايتس ووتش” فوثقت مقتل 817 شخصا في “فض رابعة”، مع الأخذ بعين الاعتبار الجثث مجهولة الهوية والمفقودين وشهادات الناجين. وأعلن “تحالف دعم الشرعية” المؤيد لمرسي أن إجمالي الوفيات في فض اعتصام رابعة وحده بلغ 2600 قتيل، وهو العدد الذي أعلنه المستشفى الميداني في رابعة. في أغلب التقديرات أن النسبة الاغلب من هؤلاء الضحايا هم من الشباب. لم تكن مذبحة رابعه هي المذبحة الوحيدة ولكنها الأكبر من حيث عدد الضحايا ولكن سبقت مذبحة رابعه مجموعة من المذابح منها مجزرة الحرس الجمهوري التي راح ضحيتها 61 شخصًا وفقًا لتقرير أخير لمصلحة الطب الشرعي، وأصيب أكثر من 435 آخرين وبالطبع كان أغلب الضحايا والمصابين من شباب التيار الإسلامي. تبعتها مذبحة المنصة التي راح ضحيتها مقتل 75 وإصابة حوالي 1000 متظاهرًا وفقًا لإحصائيات وزارة الصحة المصرية. ثم جاءت مذبحة رمسيس التي راح ضحيتها مقتل 120 متظاهرًا وفق السجلات الرسمية.
كل هذه المجازر التي ارتكبتها السلطة العسكرية القمعية في مصر كان أغلب ضحاياها والمستهدف منها قتل الشباب الذي كان العماد الأساسي للثورة المصرية؟
مرحلة استهداف الشباب بعد الانقلاب العسكري:
تعيش مصر منذ الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني انتخبه المصريون، الرئيس محمد مرسي رحمه الله واحدة من أشد المحن صعوبة على عشرات الألاف من الأسر المصرية. اعتقل النظام القمعي بقيادة عبد الفتاح السيسي مئات الألاف بين اعتقال وافراج، ولايزال عشرات الألاف من المصريين وفي القلب منهم الشباب وراء القضبان باتهامات لا يمكن تبريرها سوى الانتقام السياسي من الخصوم والمعارضون، وحتى من كانوا يوما ما مؤيدين للسلطة القمعية التي لا تقبل الرأي الآخر، بل إن هذه السلطة قد حولت مصر من دولة إلى قاعدة عسكرية تُدار بالأوامر، فالقائد العسكري، حتى وأن مارس السلطة المدنية يكون بين أمرين، إما أمر يعطيه وإما أمر يتلقاه ليحكم الأمور القول الشائع لدي المصريين منذ القدم وهو ” نفذ الأمر وبعدين اتظلم”.
في الوقت الذي ينفي فيه دومًا رأس السلطة القمعية في مصر بأنه يحتجز معتقلي رأي في مصر، لكن منظمات حقوق الإنسان وصلت إلى هذا التقدير بناءً على تصريحات حكومية بشأن الاعتقالات وأحكام السجن على مدى السنوات الماضية. وبحسب أحد أبواق وزارة الداخلية، يبلغ إجمالي عدد السجناء في مصر 114 ألف سجين. وهذا يعني أن السجناء السياسيين يشكلون أكثر من نصف عدد السجناء في مصر – وهي نسبة مذهلة.
وسعت السلطات المصرية استغلال الحبس الاحتياطي وأساءت استخدامه من أجل احتجاز من لا تستطيع إدانته لسنوات. وفي الحالات النادرة التي تأمر فيها المحاكم بالإفراج عن السجناء، تحتجزهم الشرطة على الفور مرةً أخرى بتهم جديدة فيما أصبح يعرف بسياسة التدوير. وفي ظل الأعداد غير المسبوقة للمعتقلين السياسيين في مصر، فقد ظلت أوضاع السجون مزرية عموما، مع انتهاكات واسعة ومنهجية، منها تلك التي وقعت في السجون المبنية حديثا والتي استخدمتها الحكومة في حملات العلاقات العامة لغسل صورة انتهاكاتها. ظل منع زيارات أفراد العائلة والمحامين والحرمان من الرعاية الطبية الكافية منتشرا على نطاق واسع.
لا تفصح السلطات المصرية عن الأعداد الحقيقية للمحبوسين في السجون المصرية منذ الانقلاب العسكري، أو المفرج عنهم، أو عدد الذين لقوا حتفهم في السجون، وترفض إصدار أي إحصاء بهذا الصدد، ما يجعل تقدير أعدادهم محض تكهنات وتقديرات غير دقيقة. وتشير تقديرات جماعات المعارضة بالخارج ومنظمات حقوقية إلى أن أعداد المعتقلين السياسيين تبلغ ما يقرب من 60 ألفا، لكن منظمة العفو الدولية قدّرت، في كانون الثاني/ يناير 2021، عدد المعتقلين والمسجونين بمصر بنحو 114 ألف سجين. أفرجت السلطات المصرية منذ تفعيل عمل اللجنة عن حوالي 1151 شخصًا في مقابل 3666 شخصًا تم اعتقالهم لأول مرة، وحبسهم في قضايا تمس “أمن الدولة”، حسبما أفادت منظمة الجبهة المصرية لحقوق الإنسان.
لم يكتف النظام بحبس الشباب فقط ولكن ارتفعت وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان مثل الاختفاء القسري والتعذيب، والحبس الاحتياطي المطول بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية والذى يحدد في مادته رقم 143 أقصى مدة للحبس الاحتياطي وهى عامين، لكن محاكم جنايات الإرهاب تستمر في تجديد حبس المتهمين على ذمة قضايا سياسية لمدد تصل لأربع وخمس سنوات بدون محاكمة، وطالت الاعتقالات التعسفية خلال السنوات السابقة، جميع الفئات المجتمعية من نساء ورجال وأطفال، نشطاء ومحامين وصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، وأكاديميين، واستحدثت الأجهزة الأمنية أنماطًا جديدة لقمع المعارضين ولضمان بقائهم داخل السجون لأطول فترة ممكنة، حيث انتشر التدوير وهو مصطلح أطلقته الأوساط الحقوقية المحلية، على إعادة احتجاز الأفراد المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، والذين أصدرت الجهات القضائية قرارات بإخلاء سبيلهم، في قضايا جديدة بذات الاتهامات في القضايا القديمة، وذلك استنادًا على محضر تحريات الأمن الوطني فقط.
لم يكتفِ النظام القمعي في مصر بممارسة انتهاكات ممنهجة بحق معتقلي الرأي داخل السجون، وإنما امتدت أذرع القمع حتى بعد خروج البعض منهم من السجن عن طريق المتابعة الأمنية. وجاءت المتابعة الأمنية كأحدث أنماط الانتهاكات التي يمارسها جهاز الأمن الوطني ضد المحتجزين السابقين، وذلك عن طريق إلزامهم بالتردد على مقرات الجهاز في أوقات يحددها ضابط الأمن الوطني المسؤول، يمكن أن تصل مرة كل أسبوع يقوم الفرد بتسليم نفسه داخل مبنى الجهاز في الأوقات المحددة له وينتظر حتى يسمح له بالانصراف.
كان تركيز النظام العسكري المستبد على استهداف الجيل الأول من قيادات الثورة من الشباب بحيث نجد أنم لم يتخلف عن ركب الاعتقال أي من قيادات الشباب دون تفرقة. جمع النظام بين أحمد عارف المتحدث باسم جماعة الاخوان المسلمين وبين أحمد ماهر مؤسس حركة شباب 6 ابريل مع أحمد دومة مع محمد القصاص ومحمد عادل وهيثم محمدين وعلاء عبد الفتاح. جمع النظام داخل سجونه كل أطياف الشباب المصري الذي لم تفرقه الأيدلوجيات في العمل الوطني، وأيضًا لم تفرقه داخل زنازين النظام المستبد.
لم تكتفِ السلطات القمعية في مصر باعتقال المنتسبين إلى جماعة الاخوان المسلمين والتيار الإسلامي بشكل عام، بل تعدت ذلك إلى كافة تيارات المعارضة المصرية حيث اعتقلت مؤسس حركة 6 ابريل أحمد ماهر بتهمة خرق قانون التظاهر و محمد عادل ومنسق الحركة عمرو علي، ومر كل قيادات الحركة على السجون منهم م تم الحكم عليهم بالسجن المؤبد في القضية المشهورة اعلامياً بقضية العزاء التي حكم فيها القاضي الأسبق، ناجي شحاته والمشهور بقاضي الاعدامات بالسجن المؤبد على 10 من قيادات حركة شباب 6 ابريل؟
استكمل النظام العسكري في مصر استهداف الشباب فاعتقل الناشط علاء عبد الفتاح في نوفمبر 2013 ولايزال يقبع في السجن حتى ألان رغم المطالبات الدولية المتعددة بالإفراج عنه وعن كافة المعتقلين.
لم يكتف النظام المستبد في مصر بالاعتقالات وسط الشباب المصري لأسباب ودوافع سياسية، بل انتقل- أو لنقل بدء منذ البلداية بمشجعي وجمهور الكرة في مصر- نظرًا للدول الذي قام به شباب الألتراس في الثورة المصرية. ولم يكتفِ بقتل 72 مشجعًا للنادي الأهلي، و 22 من مشجعي نادي الزمالك، بل استمرت سياسة الاعتقالات الممنهجة ضد جماهير الكرة المصرية. بإيعاز من أحد رجالات النظام وهو مرتضى منصور اعتقلت أجهزة الأمن الشاب سيد مشاغب مشجع نادي الزمالك وحكمت عليه بالسجن ولايزال رهن السجن حتى لحظة كتابة هذا التقرير. ولايزال العديد من مشجعي الكرة في مصر رهن الاعتقال التعسفي حتى هذه اللحظة.
لم تكن السياسة فقط هي الداعي لاعتقال الشباب، بل حتى المظاهرات الاجتماعية نتيجة تردى الأحوال المعيشية في مصر كانت سببًا كافيًا للحكومة المصرية لمزيد من الاعتقالات في صفوف الشباب. في عام 2020 واثر دعوات الفنان والمقاول محمد على ، الذي يقيم خارج مصر، للتظاهر ضد الأحوال المعيشية في مصر، اعتقلت السلطات في مصر المئات بسبب المشاركة تلك التظاهرات. وأشارت تقارير حقوقية بأن أعداد المقبوض عليهم تجاوزت 282 معتقلًا على خلفية هذه التظاهرات.
وفي أحدث حلقة من حلقات الاستهداف المنظم من قِبل السلطات في مصر للشباب، قامت السلطات المصرية باعتقال العشرات على خلفية الاشتراك في وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني أمام نقابة الصحفيين بالقاهرة حيث اعتقلت السلطات الناشط العمالي محمد عواد ورفاقه ممكن شاركوا في الوقفة الاحتجاجية بسبب هتافهم ضد شركة إبراهيم العرجاني بسبب استغلاله للأزمة الفلسطينيين والاثراء من وراءها سواء من باب تنسيق خروج الفلسطينيين من غزة أو من خلال فرض عمولات على شاحنات المساعدات الداخلة إلى قطاع غزة. وعلى الرغم من افراج النظام المصري عن الشباب المعتقل على خلفية الوقفة الاحتجاجية بعد أيام من اعتقالهم، إلا أن الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي قابلوا حملة التنكيل بالسخرية ونشروا أن الحكومة المصرية اختلقت اتهامات جديدة للشباب منها العيب في الذات العرجانية ( نسبة إلى إبراهيم العرجاني)
مقولة يتداولها الناشطون من الشباب المصري مفادها أن سجن النظام العسكري وحد بين كافة تيارات المعارضة المصرية وكل من شارك في ثورة يناير 2011 داخل السجون وان هؤلاء الشباب والقيادات لم يستطيعوا التجمع سوى في زنازين الظلم العسكري. هذه المقولة صحيحة إلى حد كبير، فيقبع داخل الزنزانة الواحدة خليط عجيب من كافة القوى والتيارات الفكرية التي ناصبت بعضها البعض العداء في ساحات المعارضة ولكنهم اجتمعوا وتوحدوا في زنزانة واحدة.
يرفض النظام المصري التصريح بالأعداد الحقيقية للمعتقلين في مصر، ولكن من المؤكد أن الغالبية العظمة منهم من الشباب. ويتبادر إلى الذهن سؤال محق وهو لماذا يستهدف النظام المصري الشباب؟ والإجابة واضحة وضوح الشمس. لم ينس النظام المصري أن الشباب هم من أشعلوا راية التغيير في ثورة يناير 2011 في الوقت الذي كان فيه أغلب قيادات العمل المعارض التاريخيين لا يأملون في تغيير الواقع أو القدرة على تحدى نظام مبارك، اخترق الشباب هذه الدائرة اليائسة بدعوتهم للمصريين للتظاهر ضد مبارك في الخامس والعشرين من يناير 2011 ونجحت مساعيهم في اسقاط مبارك عن عرش حكمه الذي طال لأكثر من ثلاثين عامًا.
أيضًا لم ينس النظام العسكري وقائده، الذي كان يشغل منصب مدير المخابرات العسكرية آنذاك، أن الشباب هو الذي تسبب وأجبر المجلس العسكري عل القاء القبض على مبارك بعد مليونيه القصاص.
تحول استهداف الشباب بعد انقلاب الثالث من يوليو إلى سياسات مختلفة تؤدي إلى نفس الهدف التي تهجف إليه السلطة القمعية وهو الانتقام من الشباب وقتل أي محاولة للتغيير في مهدها. تلخصت سياسات استهداف الشباب بعد انقلاب يوليو 2013 إلى القتل خارج إطار القانون والاعتقال التعسفي الذي طال لأكثر من 10 سنوات أو القتل بالإهمال الطبي داخل السجون المصرية أو عن طريق الإعدام بعد محاكمات هزلية.