تشهد تركيا اليوم أجواء انتخابية ساخنة للبلديات في 81 ولاية كبرى يمثل التنافس احتداماً حاداً بين حزب العدالة والتنمية الحاكم مع أحزاب المعارضة التركية في انتخابات مثلت أهمية تاريخية للأحزاب في رسم خريطتها السياسية في البلاد، وتعد هذه الانتخابات هي الأكبر في نسبة عدد المشاركين وفاعلية الأحزاب المنافسة بعد تفكك عدد كبير من القوائم السياسية والتحالفات التي نشأت أثناء انتخابات الرئاسة والبرلمان التركي قبل حوالي عام٬ وتحاول الأحزاب فرض برامجها السياسية والإصلاحية في ظل أزمة الاقتصاد التركي المتعثر منذ قرابة 3 سنوات كما تحاول تشكيل ظهيرها السياسي في تلك البقع الجغرافية والتي تؤثّر تباعًا على الانتخابات البرلمانية والرئاسية واستعادة معاقل التواجد الشعبي في الولايات الكبرى مثل اسطنبول وانقرة وأزمير وبورصة والتي تلعب دوراً حاسماً في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وقد مثل النموذج الديمقراطي التركي في كافة الانتخابات السابقة نموذجاً هاماً للعرب والمسلمين في المنطقة نظراً لقرب التجربة التركية سياسياً وجغرافياً وانعكاس السياسات التركية على المنطقة منذ وصول حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان للحكم٬ وكانت مراكز الدراسات العربية ووسائل الإعلام العربية تعطي الانتخابات التركية مساحة كبيرة من الاهتمام والدراسة كما تشغل حيزاً كبيراً من متابعة الجمهور العربي المهتم والمتعطش والمراقب لتلك التجربة التي تنعكس على قضياه الإقليمية بداية بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية وحتى انتخابات البلدية ولأول مرة وفق تقارير ميدانية يتجاهل الشارع العربي هذه الانتخابات ويراقبها بفتور شديد، ويرجع المراقبون ذلك بعد أن فقد معظم الجمهور العربي ثقته بأن القيادة السياسية في تركيا وحزب العدالة والتنمية لم يعدا نصيرين للقضايا الإقليمية ولم تعد البلاد -التي مثلت ملاذا لقضاياه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحجراً هاماً في البناء السياسي في المنطقة- ذو تأثير يذكر بعد التراجع الإقليمي للدور التركي كما مثل التضيق على نخبه الفكرية والسياسية المعارضة، حاجزاً صادماً للجمهور رغم تفهم تلك النخب السياسية الوضع الحالي للسياسة الخارجية التركية الجديدة ووفق قراءة للمشهد يمكن أن تعود الأسباب الرئيسية لهذا الفتور لعدة عوامل:
⁃ حرب السابع من اكتوبر وما تلاها على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية والجنوب اللبناني وما تم رصده من أداء للدولة التركية رسميًا حيث كان الأداء السياسي دون المتوقع منها بالنظر إلى حجم الكارثة الإنسانية والسياسية التي حدثت في فلسطين بينما مثلت دولاً غربية وافريقية مواقف أقوى من الجانب التركي.
⁃ تغير سياسات الحزب الحاكم وتماهيه مع مطالب المعارضة في تحميل اللاجئين والعرب مسؤولية المشاكل الاقتصادية التي تعانيها الدولة التركية، وهو ما مثل قناعة لدى النخب السياسية في تفسير تراجع حظوظه في الفوز في معاقل سابقة له مثل ولايات اسطنبول وانقرة وبورصة، وأدى هذا التفسير الى اعتماد إجراءات اعتمدتها وزارة الداخلية التركية في التعامل مع اللاجئين والمقيمين من الجالية العربية.
– وجود جيل جديد من النخبة الحزبية وصناع القرار في الحزب الحاكم تميل نحو الانعزال عن المحيط العربي بمشكلاته التي ادت مواقف الدولة التركية- وفق رؤيتهم- إلى التصادم مع أنظمة عربية في المرحلة السابقة مع انقطاع في العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي٬ ما انعكس وفق التحليلات الداخلية إلى عزلة كانت سبباً في الأزمات الداخلية ومنها الملف الاقتصادي وتراجع في العلاقات الإقليمية.
خلاصة:
قد تشهد الانتخابات اليوم تحديًا كبيرًا أمام حزب العدالة والتنمية في استعادة بعض معاقله التي خسرها في الانتخابات البلدية السابقة والحفاظ على بلديات كان قد فاز بها مسبقاً لكن استطلاعات الرأي لا تعطي اسبقية مطلقة لأي من الأحزاب في هذه الانتخابات الهامة على الصعيد الداخلي.
فيما ترصد هذه القراءة فتوراً جماهيريا عربياً لهذا الحدث ومع ذلك يرى قطاع كبير من الجمهور العربي رغم حالة الفتور والصخب من المشهد التركي أن خسارة حزب العدالة والتنمية انتخابيًا حتى في البلديات وتراجعه أمام المعارضة وعدم استعادته معاقله السابقة هي أشد ضررًا على الجوار العربي وقضاياه وعلى الجاليات العربية في تركيا، كما سيكون أداء الأحزاب في هذه الانتخابات تحديداً مؤثراً على مستقبلها السياسي والجماهيري خلال العقد القادم.
ختاماً: فإن مؤسسة مرسي للديمقراطية ترصد عن كثب هذه العملية الانتخابية المحلية ضمن مجلاتها في رصد ومراقبة الانتخابات والديمقراطية في الشرق الأوسط متمنية للشعب التركي ولشعوب المنطقة الرخاء الديمقراطي والتقدم السياسي باحترام إرادة الشعوب والحفاظ على المسار الديمقراطي الحر والشفاف.