قبل سقوط بشار الأسد بساعات بات جليا أن موسكو بدت عاجزة للمرة الأولى منذ سنوات عن حماية حليفها القديم برغم التواجد العسكري الروسي في سوريا وذلك بعد أن أرسلت إشارات قبل أيام قليلة من هروبه أنها لن تتخلى عنه ولن تترك سوريا للفوضى والانهيار.
تتداخل مجموعة من العناصر لنتيجة عدم وجود رغبة قوية أو قدرة حقيقية لدى موسكو لحماية الأسد هذه المرة للبقاء في السلطة
– روسيا لم يكن لديها رفاهية فتح جبهة عمليات جديدة على هذه المسافة البعيدة وهي تواجه مرحلة خطيرة على جبهة الحرب الأوكرانية بعد أن وصلت الأمور إلى احتمالية مواجهة مباشرة وقوية مع حلف شمال الأطلسي خاصة بعد تبادل إطلاق الصواريخ الأمريكية والإنجليزية من أوكرانيا لداخل العمق الروسي ورد موسكو بجيل جديد من الصواريخ الفرط صوتية تستخدم للمرة الأولى ضد أوكرانيا
– حدوث تغير كبير في المزاج الإقليمي والدولي حيال محور إيران وأذرعها العسكرية في المنطقة.
– الكرملين لم يخف غضبه كما ظهر من تحليلات مقربين منه، حيال تعنت الرئيس السوري الطويل أمام خطط موسكو لتهدئة الأجواء مع تركيا وفتح نافذة لتحريك التسوية السياسية.
– عدم الرغبة في فتح جبهة عمليات واسعة تستبق إمكانات التفاهم لاحقاً –ان لم تكن بدأت بالفعل- مع إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب حول الملف الأوكراني والعلاقة مع قضايا الأمن الاستراتيجي في أوروبا وحلف الناتو، وهي الأمور التي تحظى بأولوية مطلقة في هذه المرحلة لدى موسكو
المكون العسكري الروسي في سوريا
كانت المكتسبات الأكبر لروسيا بعد نجاحها في إبقاء الأسد في السلطة في السنوات السابقة هو إبرام اتفاقات طويلة الأجل لإقامة دائمة للقواعد العسكرية الروسية في سوريا.
وكان يعد هذا التواجد للمكون العسكري الروسي في سوريا خطاً أحمر بالنسبة إلى موسكو، حيث أن قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية تحولتا بعد انتهاء العمليات العسكرية النشطة ضد المعارضة السورية منذ سنوات إلى التكليف بمهام ذات بعد استراتيجي بالنسبة إلى موسكو.
ولم يخف قادة عسكريون روس أكثر من مرة أن الوجود العسكري في سوريا يعد ركيزة أساسية للتواجد والنفوذ الروسي العسكري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن مهام البحرية الروسية تعتمد كثيراً على القواعد في سوريا التي باتت تشكل أهمية خاصة للامدادات اللوجستية للتحركات البحرية في المحيطات. وعلى هذا الأساس، فإن الوجود العسكري في سوريا يشكل تطبيقاً للحلم الروسي القديم بالتواجد المستمر في مياه الشرق الاوسط الدافئة
مستقبل تواجد المكون العسكري الروسي في سوريا
يبدو أن موسكو مستعدة للتعامل مع واحد من 4 مسارات محتملة لتواجد موكنها العسكري في سوريا في مرحلة ما بعد سقوط الأسد
المسار الأول
العمل على الحفاظ على مكتسبات روسيا في مرحلة عائلة الأسد، وهو أن تنجح موسكو في إبرام اتفاقات جديدة مع السلطات السورية الحالية لإبقاء مكونها العسكري لفترة زمنية قادمة، بمعنى كمثال استبدال اتفاق ال ـ49 عاما باتفاقية تنظم انسحاباً للقوات الروسية في مدة محددة لعدة اعوام .
مما قد يقارب قدرة نموذج الحكم الجديد في سوريا من آليات التعامل مع المطالبات الغربية المتوقعة لقطع التعاون العسكري مع موسكو مقابل الاعتراف الأمريكي والغربي بنظام الحكم المستقبلي في سوريا
المسار الثاني
هو تسليم القاعدة الجوية في حميميم، مع الحفاظ على القاعدة البحرية في طرطوس تحت السيطرة الروسية، وذلك على إساس استعادة الاتفاقات السابقة مع سوريا منذ عام 1972 التي قامت على ترتيب استخدام قاعدة طرطوس كمركز إمداد لوجيستي بحري من جانب البحرية الروسية في بحر المتوسط. هذا المسار يحافظ على مصالح روسيا الأكثر أهمية وكذلك يوفر ردود ضمنية على الضغوط الغربية المتوقعة على السلطة السورية الجديدة
المسار الثالث
وهذا المسار ليس ببعيد وهو احتمالية اضطرار روسيا للانسحاب نهائياً من القاعدتين، نظرا لتاريخ المكون العسكري الروسي في قمع الثورة السورية لصالح بقاء بشار الأسد
على أن تتوجه روسيا مستقبلا على العمل من أجل إبرام توافقات جديدة مع نظام الحكم السوري الجديد وذلك لاستخدام لوجستي عابر ومتبادل للقواعد الجوية والبحرية أسوة باتفاقات دولية مماثلة وهذه النوعية من الاتفاقات قد لا تثير حفيظة الولايات المتحدة والغرب.
المسار الرابع
احتمالية نقل القوات الروسية المتواجدة بسوريا لتتمركز في قواعد روسية جديدة في ليبيا وهذا المسار إن تم سيحافظ على تواجد المكون العسكري الروسي في منطقة الشرق الأوسط مما يمكنه من الحفاظ على مكتسب التوازن الاستراتيجي للنفوذ الروسي بالمنطقة وكذلك إعادة الاستفادة من الخدمات اللوجستية التي كانت توفرها القواعد الروسية في سوريا في مرحلة ما قبل سقوط الأسد.