أصدرت منظمة هيومان رايتس واتش تقريرها السنوي لعام 2024م، والذي يتناول حالة حقوق الإنسان في العديد من الدول حول العالم من بينها مصر والدول العربية، كما تطرق للأوضاع الإنسانية في فلسطين.
نظرة عامة
تصف المنظمة عام ٢٠٢٤م في هذا التقرير بأنه: “كان عاما مليئًا بالانتخابات والمقاومة والنزاع، واختبارًا لنزاهة المؤسسات الديمقراطيّة ومبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، سواء في الردّ على القمع المتزايد في روسيا والهند وفنزويلا، أو النزاعات المسلّحة الكارثيّة في غزّة والسودان وأوكرانيا” ويقول التقرير: “إن على الحكومات في جميع أنحاء العالم مُطالبة بإظهار التزامها بحقوق الإنسان والديمقراطيّة والعمل الإنساني، إلاّ أنّ العديد من الحكومات فشلت في هذا الاختبار. حتى الحكومات التي لها صوت مسموع وذات التوجّه العمليّ أثارت مسائل حقوق الإنسان بشكل باهت أو غير متسق، ما تسبّب في تغذية تصوّرات عالميّة تعتبر حقوق الإنسان موضوعًا فاقدًا للشرعيّة”.
ويضيف التقرير بخصوص الديمقراطية أن ” العنصرية والكراهية والتمييز غذّت العديد من الانتخابات في العام الماضي. في الولايات المتحدة، فقد فاز دونالد ترامب بالرئاسة للمرة الثانية، مما أثار مخاوف من أن تُكرّر إدارته الجديدة أو حتى تزيد من الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبت في ولايته الأولى.
وعلى نحو مماثل، في انتخابات “البرلمان الأوروبي” لعام 2024، حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة مكاسب كبيرة، مستغلة المشاعر المعادية للمهاجرين والخطاب القومي لوضع سياسات تُهدّد الأقليات وتقوّض المعايير الديمقراطيّة.
كما عزّز زعماء سلطويّون قبضتهم على السلطة في دول مثل روسيا وسلفادور ودول الساحل، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مستغلّين الخوف والمعلومات المضلّلة لقمع المعارضة.
مصر في التقرير السنوي لهيومن رايتس واتش
استمرار انتهاكات قوات الأمن
استمر وفق التقرير عناصر من الشرطة خاصة قطاع الأمن الوطني (أمن الدولة) التابعين لوزارة الداخلية في ممارسة الاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، بحق المعارضين والمنتقدين في أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية.
ففي يوليو، احتجز أفراد الأمن الوطني رسام الكاريكاتير السياسي أشرف عمر والصحفي خالد ممدوح تعسفًا وبمعزل عن العالم الخارجي. وقالت عائلة عمر إن عناصر الأمن الوطني عذبوه وهددوه بالصعق بالكهرباء أثناء احتجازه في مكان سري.
وعلى الرغم من الهدوء النسبي للوضع، إلا أن السلطات واصلت التعامل مع منطقة شمال سيناء كمنطقة عسكرية مغلقة بحكم الأمر الواقع، وحظرت التغطية الإعلامية المستقلة. وواصل الجيش منع عشرات آلاف السكان، الذين تم إجلاؤهم قسرًا منذ 2013م، من العودة إلى أراضيهم.
عسكرة القضاء
في يناير، وافق مجلس النواب للنظام سريعًا على القوانين الجديدة التي اقترحتها الحكومة والتي منحت الجيش سلطة جديدة كاسحة لتحل كليًا أو جزئيًا محل مهام الشرطة والقضاء المدني والسلطات المدنية الأخرى، وتوسيع اختصاص المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين.
ويمنح القانون رقم 3 لسنة 2024 م، المشاركين في عمليات معينة الصلاحيات القضائية نفسها التي تتمتع بها الشرطة في التوقيف والاحتجاز، وينص أيضًا على أن جميع الجرائم المرتكبة ضد المنشآت والمباني العامة التي تمت الإشارة إليها بشكل فضفاض بـ “الحيوية” أو المتعلقة بها يجب أن تخضع للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية. وقد استُخدمت القوانين التعسفية في السنوات الأخيرة لمحاكمة آلاف المدنيين، بمن فيهم الأطفال، في المحاكم العسكرية.
حرية التعبير والتجمع
نص التقرير في حديثه عن نيابة أمن الدولة العليا، وهي فرع وصف بالمنتهِك من النيابة العامة المصرية، حيث حملها التقرير كونها مسؤولة عن إبقاء آلاف النشطاء السلميين والصحفيين محبوسين احتياطيًا لشهور أو سنوات دون دليل على ارتكابهم تجاوزات. وقد احتجزت العديد من الصحفيين بتهم زائفة غالبًا ما تتعلق بعملهم.
الاعتداءات على المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية تكوين الجمعيات
على الرغم من سماح الحكومة المصرية لمدافعين عن حقوق الإنسان مثل: جمال عيد وحسام بهجت وغيرهما، بالسفر إلى الخارج للمرة الأولى منذ 2016، ما تزال المنظمات المستقلة وأعمال المناصرة مقيّدة بشدة في ظل القيود الصارمة التي يفرضها قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي” المصري لسنة 2019.
وما يزال النشطاء البارزون الذين حوكموا في قضايا تعسفية أخرى، مثل جاسر عبد الرازق، يواجهون منع السفر وتجميد الأصول دون محاكمة.
وواصلت السلطات احتجاز الناقد والمدون البارز علاء عبد الفتاح، الذي حُكم عليه ظلمًا بالحبس خمس سنوات كان من المفترض أن تنتهي في أكتوبر، 2024.م وقال محاميه إن السلطات رفضت احتساب العامين اللذين قضاهما في الحبس الاحتياطي قبل صدور الحكم، وتعتزم احتجازه حتى يناير 2027م. وقد حُكم عليه سابقًا في 2015 بالسَّجن خمس سنوات منفصلة لمشاركته في احتجاجات.
كما استمرت السلطات أيضًا في احتجاز المحامية المنعم العضوة السابقة في المجلس القومي لحقوق الإنسان، رغم انتهاء مدة عقوبتها الجائرة بالسَّجن خمس سنوات في أكتوبر، 2023م. وبدلاً من إطلاق سراحها، وجهت نيابة أمن الدولة العليا اتهامات ضدها في قضية جديدة مطابقة تقريباً للقضية السابقة ضدها، وهي مرتبطة بالعمل السلمي لـ “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”. تُستخدم هذه الممارسة المعروفة باسم التدوير على نطاق واسع لإبقاء المنتقدين رهن الاحتجاز.
تقييد المعارضة لسياسات الحكومة
في فبراير، حكمت محكمة مصرية على السياسي البارز أحمد الطنطاوي ومستشار حملته الانتخابية و21 من أنصاره المحتجزين بالحبس عاماً بتهمة ارتكاب جرائم مزعومة مرتبطة بتحديه الرئاسي للرئيس السيسي في انتخابات ديسمبر 2023. كما منعت المحكمة الطنطاوي من الترشح للانتخابات النيابية لمدة خمس سنوات. استند حكم المحكمة بالكامل إلى النشاط السياسي السلمي للطنطاوي وجهود حملته لجمع التوكيلات قبل الانتخابات.
وفي 27 مايو، قضت السلطات بسجن الطنطاوي بعد أن أيدت محكمة الاستئناف الحكم الصادر بسجنه لمدة عام واحد هو ونحو 20 من أنصاره وأكدت منعه من الترشح للانتخابات النيابية.
نظام العدالة
واصلت السلطات استخدام نظام الاتصال عبر الفيديو (الفيديوكونفرنس) التعسفي لإجراء جلسات استماع عن بُعد لتجديد الحبس الاحتياطي، دون عرض المحتجزين على قاضٍ. هذا النظام يقوّض بشدة الإجراءات القانونية الواجبة، ويمنع القاضي من تقييم مدى شرعية الاحتجاز وظروفه، فضلاً عن سلامة المحتجزين. كما أنه ينتهك العديد من ضمانات المحاكمة العادلة، بما فيها الحق في الاستعانة بمحامٍ.
وقد وافقت اللجنة الفرعية للشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب على مشروع قانون من شأنه أن يحل محل قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1950م، وهو ما من شأنه أن يقوّض حقوق المحاكمة العادلة الضعيفة أصلًا ويزيد صلاحيات المسؤولين المتعسفين. ولا يتصدى مشروع القانون لاستخدام السلطات المصرية واسع النطاق للحبس الاحتياطي التعسفي والاختفاء القسري قبل المحاكمة، ويكرس إفلات موظفي إنفاذ القانون الذين ينتهكون حقوق الإنسان من العقاب، ويوسع صلاحيات أعضاء النيابة العامة وعناصر الأمن على نحو قد يسهّل المزيد من انتهاكات حقوق المتهمين. كما يوسع نطاق استخدام الفيديوكونفرنس لعقد الجلسات عن بُعد لتشمل جميع أنواع جلسات ما قبل المحاكمة وجلسات المحاكمة.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
يرصد التقرير أنه ما يزال النهج الاقتصادي للحكومة، الذي يعطي الأولوية للإنفاق على مشاريع البنية التحتية الضخمة، بما فيها تلك التي يقودها الجيش، يقوّض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية المتكررة التي تشهدها البلاد، بما في ذلك الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية، وتزايد الفقر، وتراجع الحصول على الغذاء والكهرباء.
ومنذ فبراير 2024م، قدمت فيها الإمارات وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، إلى مصر أو تعهدت بتقديم نحو 57 مليار دولار أمريكي في شكل منح وقروض. لكن لم يكن لذلك تأثير مهم في مساعدة الناس في بلد يعيش ما يقارب ثلثي سكانه الذين يزيد عددهم عن 100 مليون نسمة في فقر أو قريبًا منه، ولا يوفر نظام الضمان الاجتماعي سوى تحويلات نقدية صغيرة لحوالي 21 مليون شخص.
كما ساهمت الإصلاحات التي أجريت في سياق برامج صندوق النقد الدولي المختلفة في زيادة الأسعار وانخفاض قيمة المساعدات النقدية. وفي أعقاب برنامج مصرالأول لصندوق النقد الدولي في العام 2016، وصل معدل الفقر الوطني إلى ما يقارب 30% في العام 2019، ووصل متوسط التضخم الاستهلاكي إلى 33.3% في 2024، ما قوّض الحق في الغذاء ومستوى معيشي لائق. واجه المصريون انقطاع الكهرباء المتكرر هذا العام وسط أزمة الطاقة. كما رفعت الحكومة الدعم عن العديد من المواد الغذائية والمحروقات دون اتخاذ تدابير كافية لتوسيع نطاق نظام الضمان الاجتماعي المصري وتخفيف الضرر. وما تزال مستويات إنفاقها على الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم غير كافية.
غزة في تقرير هومان رايتش واتش
يرصد التقرير الوضع الإنساني في قطاع غزة تحت الحرب المدمرة في 2024م، واصل الجيش الإسرائيلي قتل وجرح وتجويع وتهجير آلاف المدنيين الفلسطينيين في غزة، وتدمير منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم والبنية التحتية بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث. أفادت وزارة الصحة في غزة في أواخر نوفمبر، باستشهاد أكثر من 44 ألف شخص، وإصابة أكثر من 104 آلاف شخص، منذ اندلاع الأعمال العدائية في 7 أكتوبر 2023م. تعرض جميع سكان غزة تقريبًا إلى التهجير القسري، وواجهوا انعدام الأمن الغذائي الشديد أو المجاعة.
في نوفمبر، أصدرت “المحكمة الجنائية الدولية” مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة في الفترة من 7 أكتوبر، 2023 إلى 20 مايو 2024م.
واصلت السلطات الإسرائيلية ارتكاب جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد، وهما جريمتان ضد الإنسانية، من خلال قمعها للفلسطينيين. في يوليو، أصدرت “محكمة العدل الدولية” رأيا استشاريا خلص إلى أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وأن إسرائيل تنتهك حظر التمييز العنصري والفصل العنصري، وأن عليها إخلاء وتفكيك جميع المستوطنات وتعويض الفلسطينيين، بما في ذلك دفع تعويضات لهم والسماح لمن هجّرتهم بعد 1967 بالعودة إلى ديارهم، وأن على الحكومات الأخرى وقف أي اعتراف أو تجارة أو استثمار في المستوطنات، والعمل على إنهاء الوضع غير القانوني في الأراضي المحتلة.
هجّر الجيش الإسرائيلي تقريبا جميع سكان غزة قسرًا، وغالباً بشكل متكرر. في أكتوبر الأول 2023، أمرت إسرائيل أكثر من مليون شخص في شمال غزة بالإخلاء في غضون 24 ساعة. بحلول مايو 2024، أكثر من نصف سكان غزة محصورون في مدينة رفح الجنوبية، التي هاجمها الجيش الإسرائيلي لاحقًا، ما أجبر أكثر من 1.4 مليون شخص على الفرار مرة أخرى. بدءا من أكتوبر 2024م، قطعت إسرائيل جميع المساعدات عن شمال غزة، وهجّرت الناس قسرا مجددا. أغلب أراضي غزة خاضعة لأوامر الإخلاء العسكري، وهي جزء من نظام النقل القسري للمدنيين الفلسطينيين ما يشكل جريمة ضد الإنسانية. تفتقر منطقة المواصي، التي أعلنتها إسرائيل “منطقة إنسانية”، إلى المأوى المناسب، والمياه، والصرف الصحي، وغيرها من البنى التحتية، وأصبحت الكثافة السكانية فيها 88 ألف شخص لكل ميل مربع حتى أغسطس/آب. تسببت الهجمات الإسرائيلية وعمليات الهدم التي نفذها المهندسون العسكريون والجرافات العسكرية في تدمير أو إتلاف 63٪ من جميع مباني غزة، فأضحت أجزاء كبيرة من القطاع غير صالحة للسكن، وهذا يُشكل تطهيرا عرقيا واضحا في بعض المناطق، وينتهك حق الفلسطينيين في العودة.
حرمت السلطات الإسرائيلية سكان غزة من الماء اللازم للبقاء على قيد الحياة لعدة أشهر، وقيّدت إمدادات المياه عبر الأنابيب، وأوقفت مضخات المياه والتحلية ومرافق الصرف الصحي عن العمل بقطع الكهرباء، وتدمير الألواح الشمسية في عدة مرافق، ومنع الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء. هاجم الجيش الإسرائيلي عمال المياه والصرف الصحي والمستودعات، ومنع الإصلاحات، وإدخال المعدات، والأجزاء. من أكتوبر 2023م، إلى يوليو 2024م، كان متوسط كمية الماء التي يحصل عليها الناس أقل من خمسة لترات يوميا، وهو ثلث الحد الأدنى من معيار “منظمة الصحة العالمية” للبقاء على قيد الحياة، وساهم نقص المياه والصرف الصحي في كارثة صحية عامة، رغم حملة تطعيم الأطفال بعد اكتشاف أول حالة شلل أطفال منذ 25 عاما في أغسطس وارتفعت حالات الإسهال بين الأطفال دون سن الخامسة من ألفي حالة شهريا قبل 7 أكتوبر 2023، إلى 71 ألف حالة في يناير. يشكل حرمان إسرائيل لسكان غزة من المياه جريمة ضد الإنسانية متمثلة بالإبادة، وأفعال إبادة جماعية تتمثل في فرض ظروف معيشية بهدف تدمير المجموعة كليًا أو جزئيًا.