ما يحدث في سوق الذهب المصري حالياً جنون وخطر شديد، ومن الصعب وقف هذه الموجة الهستيرية وتهدئة الإقبال عليه، أو حتى تقديم النصح الدقيق بشأن بيعه أو شرائه في ظل هذه الحال من الاضطراب والفوضى.
فإما أن تقول للناس “تريّثوا في الشراء بعد أن وصلت الأسعار غلى مستويات قياسية مبالغ فيها”، وهنا لن يصغي إليك أحد بعدما سيطرت على سوق الذهب ما تسمّى بـ”سياسة القطيع”، وهؤلاء هم الذين يشترون وقت الغلاء وبعد فوات الأوان وباندفاع شديد، مثل ما حدث في البورصة قبل سنوات.
أو تقول إن الناس معذورة في التهافت على شراء المعدن الأصفر الثمين حتى تحافظ على ما تبقى من مدخراتها، في ظل تعويم رابع مرتقب للجنيه المصري وارتفاع متواصل في سعر الدولار وانفلات سوق مضاربات عنيفة، فضلا عن غياب فرص الاستثمار المتاحة المدرّة للأرباح.
حتى إن شهادات الادخار التي تطرحها المصارف من وقت إلى آخر بسعر فائدة يقل كثيراً عن معدل التضخم الأساسي والذي تجاوز 40%، باتت لا تُجدي نفعاً ولا تُقنع كثيراً من المدّخرين في ظل غلاء متواصل لأسعار السلع الغذائية والاستهلاكية وتأكّل قيمة العملة وفشل اقتصادي كبير لا تخطئه العين.
جُل ما أستطيع قوله هنا، والتحذير منه، إن سوق الذهب مقبل على فقاعة بعدما وصلت الأسعار إلى مستويات جنونية حالياً، ومع اختراق سعر الغرام الواحد عتبة 3 آلاف جنيه، أي ما يقارب 100 دولار أميركي. (الدولار = 30.95 جنيهاً).
وهنا يكون المدخر أو المستثمر في المعدن النفيس أمام خيارين أحلاهما مُر؛ فإما البيع بخسارة عقب حدوث موجة تصحيحية للأسعار، إذا كان الشخص مضارباً ومن أصحاب النفس القصير، خاصة إذا كان الشراء قد تم سابقا بسعر عال، كما هو الحال الآن، أو تخزين الذهب لسنوات طويلة والرهان على مواصلة السعر قفزاته في السنوات المقبلة، وهنا يحبس الشاري السيولة المتوفرة لديه ربما لأعوام مديدة.
لا أستطيع أن أوجّه لوماً لمن يشترون الذهب على خيارهم وسلوكهم، لكن ما يحدث حالياً أرى فيه خطراً عظيماً على الاقتصاد والاستثمار والصناعة والإنتاج، وحبساً للسيولة في أصول غير منتجة، فيما البلد في أمسّ الحاجة إليها.