المصدر: الحرية والعدالة
تمر اليوم 17 يونيو، 2022، ثلاثة أعوام على مقتل واستشهاد الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب لمصر الذي وافته المنية يوم الثلاثاء 17/06/2019، داخل قفص زجاجي عازل للصوت حاجب للصورة؛ وقتها سقط على الأرض مغشيا عليه وتعالت النداءات لرئيس المحكمة “شيرين فهمي” بضرورة اتخاذ الإسعافات الأولية له، دون استجابة منه، وظل يُعاني من حالة الإغماء “المُتعمَّدة” إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة،
في حدود الساعة السادسة مساء من ذلك اليوم، لم يُصدق أحد بأن وفاة “مرسي” كانت طبيعية فقد قضى ست سنوات في الحبس الانفرادي داخل غرفة ضيقة، في ظل ظروف احتجاز قاسية، وسوء رعاية صحية، وإهمال طبي مُتعمد؛ بل أشارت بعض القرائن بشكل واضح إلى تعمد إنهاء حياته بأي صورة كانت، فمن خصومة سياسية عميقة، إلى رفض رئيس المحكمة اتخاذ الإسعافات الأولية في حينه، إلى صدور قرار النيابة العامة بالتحفظ على كاميرات قاعة المحكمة وقت وقوع الجريمة، وقرارها أيضا بالتحفظ على الملف الطبي الخاص بالدكتور محمد مرسي طوال فترة سنوات محبسه، انتهاء بالإجراءات الخاصة بتسليم جثمانه ودفنه والحرص على عدم رؤية أحد له، وهي القرائن التي تُشير جميعها إلى توافر النية لقتله.
وقد أعلن خبراء الأمم المتحدة والمختصون التابعون لمجلس حقوق الإنسان، في سبتمبر 2018، أن مرسي كان رهن الاحتجاز، في ظروف يمكن وصفها بالوحشية، وأن ما حدث ربما يصل إلى حد اعتباره “قتلا تعسفيا بإقرار من الدولة”.
وحادثة مقتل “مرسي” بهذه الطريقة تتطلب تحقيقا دوليا جادا ومُحايدا من قبل جهة مُعتمدة من الأمم المتحدة للوقوف على ملابسات وفاته وأسبابها والمسئول عنها، وأهمية امتداد هذا التحقيق ليرصد الانتهاكات التي تعرض لها طوال سنوات محبسه منذ إخفائه قسرا واعتقاله تعسفا، مرورا بالانتهاكات المُتعددة التي تعرض لها داخل محبسه، انتهاء بقياس معايير المحاكمات العادلة التي تم التعامل به معه أثناء نظر القضايا التي اتُهم فيها.
وبنفس منهجية القتل المتعمد، سارت داخلية السيسي في حصد المئات من المعتقلين داخل السجون، وتصاعد مسلسل القتل بالإهمال الطبي المتعمد داخل السجون ومقار الاحتجاز ليحصد أرواح المعتقلين السياسيين بصورة منهجية، دون أن يُحاسب أو يُساءل عليها أحد، ودون أن يتم التحقيق فيها من الجهات القضائية أو السلطة الرسمية ، وتُشكل الانتهاكات بهذه الصورة جرائم لا تسقط بالتقادم، بحسب المنظمات الحقوقية.
وجاء مقتل مرسي محاولة يائسة لوأد ثورة 25 يناير، والتي ما زالت متقدة في نفوس الملايين، رغم البطش والقمع الأمني الذي يمارسه نظام السيسي، وقد فشل السيسي فشلا ذريعا في إدارة شئون مصر على كافة الأصعدة، وبظلمه لمرسي ورافضي الانقلاب العسكري تأزمت الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، بل وبات الخراب والمصائب عنوان المرحلة من تهاوي الاقتصاد وتصاعد الفقر والعوز والأمراض وسط المصريين، فيما باتت مصر أكثر إثارة لسخرية العالم، الذي بات يُضرب الأمثلة بها في القتل وإراقة الدماء والقتل خارج إطار القانون، كما ورد على لسان والدة الطالب الإيطالي “جوليو ريجيني” “قتلوه كما لو كان مصريا”
سطور في حياة مرسي
وفي قرية صغيرة بمحافظة الشرقية ولأسرة متوسطة الحال، ولد محمد محمد مرسي عيسى العياط، في أغسطس 1951، أي قبل نحو عام من انقلاب ضباط الجيش على الملك فاروق، وسيطرتهم على حكم البلاد في 23 يوليو 1952، وفي مدارس الشرقية تلقى الطالب محمد مرسي تعليمه حتى حصل على الشهادة الثانوية، ثم انتقل إلى العاصمة لدراسة الهندسة في جامعة القاهرة، إلى أن تخرج عام 1975 ليعين معيدا بالكلية، ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية ليحصل على الدكتوراة.
وخلال وجوده في أمريكا وتحديدا عام 1979، تعرف على أفكار الإخوان المسلمين حتى صار عضوا في هذه الجماعة، وفي عام 1985، قرر مرسي العودة إلى وطنه، ليعمل أستاذا ورئيسا لقسم هندسة المواد بكلية الهندسة في جامعة الزقازيق حتى عام 2010.
وبالتزامن مع المسيرة الأكاديمية واصل الرجل مشواره السياسي، حيث بدأ عضوا في القسم السياسي بالجماعة.
وفي عام 2000، فاز في الانتخابات البرلمانية ليصبح المتحدث باسم الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين في مجلس الشعب، وإلى جانب ذلك، كان أستاذ الهندسة من ضمن المشاركين في تأسيس الجبهة الوطنية للتغيير، في عام 2004.
وفي عام 2006 اعتُقل أثناء مشاركته في مظاهرة تندد بتحويل اثنين من القضاة إلى لجنة الصلاحية، بسبب موقفهما المعارض من تزوير الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2005 ، وما لبث أن أُفرج عنه بعد أشهر قليلة، غير أنه اعتقل مرة ثانية بعد أيام من قيام ثورة 25 يناير ، وأودع في سجن وادي النطرون قبل أن يخرج على إثر الانفلات الأمني الذي عاشته مصر آنذاك.
وفي أبريل 2011، انتخبه مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين رئيسا لحزب الحرية والعدالة الذي تم تأسيسه بعد الثورة كذراع سياسي للجماعة.
رئيس منتخب
في الرابعة من عصر يوم الأحد الموافق 24 يونيو 2012، أعلن رئيس اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات الرئاسية فوز مرشح حزب الحرية والعدالة محمد مرسي برئاسة البلاد، على حساب أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ولم يفوّت النظام العسكري أن يسطر بفظاظة آخر سطر في قصة الرئيس المدني، فرفض تنفيذ وصية مرسي بأن يدفن في مقابر أسرته بالشرقية، وتم دفنه في ظل حراسة مشددة بمقبرة دفن فيها مرشدون سابقون للإخوان المسلمين.
وهكذا قتلت الدولة العميقة المتحالفة مع العسكر أول تجربة ديمقراطية بمصر، ليستمر المصريون في مسلسل إهدار كرامتهم والعبث بمستقبلهم، فيما يؤمّن الفاسدون والعسكر والمقربون من العسكر مستقبلهم في نهب البلاد، فتحولت مكاسب المصريين الغلابة من حكم مرسي إلى خسائر وأزمات متلاحقة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بين فقر مدقع وبطالة متفشية وغياب للأمن المجتمعي وتكاثر القتل والجرائم والشذوذ والانتهاكات الحقوقية، وخنق المجال العام وقتل الحريات، وتهديدات الأمن القومي المصري من بيع الغاز للعدو وتهجير أهالي سيناء، وإهدار حقوق مصر المائية في مياه النيل عبر فشل ذريع بملف سد النهضة، وبيع تيران وصنافير وتقزيم مصر لصالح السعودية التي عدلت خرائطها قبل أيام، بعد ضم الجزيرتين.
علاوة على نزيف مصر لأصولها الرأسمالية وبيع شركات القطاع العام الرابحة للإماراتيين والسعوديين مقابل أموال ومساعدات أدخلها السيسي في حسابات سرية له ولقيادات عسكره القتلة.
فيما يعج ملايين المصريين بالفقر والعوز وإهدار الكرامة ، وتبقى دماء مرسي والشرفاء لعنة على السيسي وجنوده وعلى الساكتين عن نصرة الحق.