مقدمة
تسلط هذه المقدمة الضوء على الضغوط التي يواجهها الناشطون العرب والمصريون بسبب الصراع المستمر في غزة. فقد كانت الحالة في غزة، دائمًا ولا زالت، مصدرا للتوتر والقلق في المنطقة، فمع حصار دام اقترب عقدين من الزمن، ومع تركيز الاهتمام الدولي على الأزمة الإنسانية والعنف المستمر. وغالبا ما كان يواجه النشطاء الذين يتحدثون ضد النزاع أو يدافعون عن الحقوق الفلسطينية رد فعل عنيف وترهيب وحتى عواقب قانونية. في مصر، على سبيل المثال، تعرض النشطاء لأشكال مختلفة من القمع، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية وحظر السفر وتجميد الأصول. وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان العديد من حالات احتجاز النشطاء واستجوابهم بسبب نشاطهم السلمي. تهدف هذه الضغوط إلى إسكات المعارضة والحد من المساحة المتاحة للأصوات الناقدة للتعبير عن آرائها. وقد أعرب المجتمع الدولي عن قلقه إزاء القيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع في مصر وبلدان أخرى في المنطقة. يلعب الناشطون دورا حاسما في رفع مستوى الوعي حول انتهاكات حقوق الإنسان والدعوة إلى العدالة الاجتماعية. وعملهم ضروري لتعزيز القيم الديمقراطية وضمان سماع أصوات المجتمعات المهمشة. من المهم الاعتراف بجهود الناشطين الذين يتحدثون بشجاعة ضد الظلم ودعمهم، حتى في مواجهة الشدائد. ويسهم عملهم في بناء مجتمع أكثر عدلًا وإنصافًا، وتستحق أصواتهم أن تضاعف.
نظرة شاملة على الملف الحقوقي المصري من خلال تقارير المنظمات والجهات الدولية
تُشكل الانتهاكات الممنهجة التي يرتكبها النظام العسكري بعد الانقلاب الذي أطاح بأول رئيس مدني انتخبه المصريون في الثالث من يوليو 2013، أقوى الانتهاكات في حقوق الانسان في مصر، تشهد بذلك التقارير الدورية التي تُصدرها الجهات الرسمية والحقوقية سواء المحلية أو الدولية.
التقارير الدورية لوزارة الخارجية الأمريكية
تُصدر وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا سنويًا عن حالة حقوق الإنسان حول العالم ومن بينها مصر. وفي تقرير الخارجية الأمريكية لحالة حقوق الإنسان في مصر لعام 2022، وهو آخر تقرير صدر، حيث لم تُصدر الخارجية الأمريكية تقريرًا لعام 2023 حتى كتابة التقرير وقد أشار تقرير عام 2022 إلى:
أ. الحرمان التعسفي من الحياة وغير ذلك من أعمال القتل غير المشروع أو ذات الدوافع السياسية
وردت تقارير عديدة تفيد بارتكاب الحكومة أو وكلائها عمليات قتل تعسفية أو غير قانونية أثناء قيامهم باعتقالات أو احتجاز أشخاص. وقد أفادت جماعات حقوقية محلية ودولية عن حالات تعرض فيها أشخاص للتعذيب حتى الموت ومزاعم أخرى عن عمليات قتل في السجون ومراكز الاحتجاز على أيدي قوات الأمن. وقام مكتب النائب العام بتوجيه الاتهام إلى الجناة ومقاضاتهم وإدانتهم في عدد صغير من القضايا، لكن عدم المساءلة ظل يمثل مشكلة خطيرة.
ولقد حددت جماعات حقوق الإنسان وأفراد الأسرة عدة معتقلين ماتوا أثناء الاحتجاز بسبب سوء المعاملة أو الإهمال. وأفاد تقرير صادر عن منظمة مراقبة محلية أن 52 سجيناً ومعتقلًا ماتوا نتيجة سوء المعاملة أو الإهمال الطبي خلال العام. هذا ما أثبته التقرير، علمًا بأن جهات أخرى كانت قد سجلت أرقامًا أكبر من ذلك، ولاتزال عملية القتل الممنهج داخل مقارات الاحتجاز عن طريق الاهمال الطبي في تزايد، لعل آخرها وفاة معتقل شاب داخل سجن أبو زعبل بتاريخ 7 مارس 2024.
ب. الاختفاء القسري
أفادت مجموعات حقوقية دولية ومحلية عن استمرار أعداد كبيرة من حالات الاختفاء القسري، زاعمه أن السلطات استخدمت هذا التكتيك لترهيب المنتقدين. ولقد احتجزت السلطات أفرادا دون إبراز مذكرات توقيف أو تفتيش. وطبقاً لمنظمات غير حكومية محلية، فقد احتجزت السلطات العديد من هؤلاء الأفراد في مكاتب غير محددة تابعة لجهاز الأمن الوطني ومراكز للشرطة، لكن لم يتم إدراجهم في السجلات الرسمية للمحتجزين. وقد احتجزت السلطات المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي ورفضت طلباتهم بالاتصال بأقاربهم والمحامين لفترات تتراوح بين بضعة أيام وعدة سنوات. في أغسطس / آب، أفادت “حملة وقف الاختفاء القسري” أن 2300 حالة من بين 3000 حالة تم تقديمها إلى “لجنة العفو الرئاسي” للعفو أو الإفراج تضمنت حالات اختفاء قسري. وفي ديسمبر / كانون الأول، نشرت منظمة غير حكومية محلية ثانية تقريراً يفيد بوجود 3155 حالة اختفاء قسري في عام 2022 و16955 حالة بصفة تراكمية خلال السنوات التسع السابقة.
ج. التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وغيرها من الانتهاكات ذات الصلة
ينص الدستور على أنه لا يجوز ممارسة أي تعذيب، أو ترهيب أو إكراه أو أذى جسدي أو معنوي على أي شخص تقيد حركته عندما تكون السلطات قد احتجزته أو اعتقلته. طبقاً لمنظمات حقوقية محلية ودولية، فإن الشرطة وحراس السجون يسيئون بانتظام إلى المحتجزين، بمن فيهم القُصَّر، من خلال الضرب والصدمات الكهربائية والإيذاء النفسي والاعتداء الجنسي في بعض الأحيان، بما في ذلك استخدام ذلك كجزء من الاستجواب. أشارت مجموعات حقوقية متعددة إلى أن السلطات أخضعت السجناء المتهمين بجرائم تتعلق بمسائل سياسية أو أمنية إلى الإساءة الجسدية واللفظية والحبس الانفرادي المطول أو إلى أجل غير مسمى. وقد وصف المدافعون عن حقوق الإنسان والمعتقلون السابقون ما يسمى بالاستعراضات / الحفلات الترحيبية بأنها تجربة مشتركة يتعرض لها السجناء السياسيون في السجون، حيث يقوم الحراس بعصب أعين النزلاء عند وصولهم وتعريضهم لمجموعة متنوعة من الانتهاكات، بما في ذلك تجريدهم من ثيابهم؛ إجبار المحتجزين على الركض تحت التهديد بالعنف، بما في ذلك الاعتداء بالكلاب؛ وكذا الإيذاء الجسدي، بما في ذلك الصفع والشتائم اللفظية والحرمان من الاستحمام.
أوضاع السجون والمعتقلات
الظروف الجسدية السيئة الحالة الصحية): وفقاً للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، كانت زنازين السجون مكتظة. وقد واصلت جماعات حقوق الإنسان طرح تقديرها بأن هناك 120 ألف سجين في مرافق الاحتجاز، منهم ما يقرب من 80 ألف سجين مُدان و40 ألف محتجز على ذمة المحاكمة. وأشارت هذه الجماعات إلى أن هذه “تقديرات” لأن الحكومة لم تنشر إحصاءات رسمية بانتظام. كما صرح ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، التابعة للدولة، في وقت سابق لوسائل إعلام محلية بأن هناك 120 ألف سجين، أي 36 لكل 100 ألف شخص.
الاعتقال التعسفي:
يحظر الدستور التوقيف أو التفتيش أو الحجز دون أمر قضائي، باستثناء من ضبط متلبساً بارتكاب جريمة. وتم تعليق هذه الحقوق أثناء حالة الطوارئ، التي انتهى آخرها في أكتوبر 2021. وقد وردت تقارير متكررة عن الاعتقال والاحتجاز التعسفيين. ذكر نشطاء وجماعات حقوقية محلية أن مئات الاعتقالات لم تلتزم بقوانين الإجراءات القانونية الواجبة. على سبيل المثال، لم تتهم السلطات المحتجزين بجرائم أو تحيلهم إلى النيابة العامة، ومنعتهم من الاتصال بمحاميهم وعائلاتهم.
هـ. الحرمان من المحاكمة العلنية العادلة
وفق التقارير، أعرب مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية عن مخاوفهم بشأن أحكام الإعدام والسجن لفترات طويلة المفروضة في محاكمات لا تفي بالمعايير الدولية للعدال،وتتسم بالسرية، كما هو الحال في منع لمعتقلين السياسيين من حضور المحاكمات، أو عزلهم خلف أقفاص زجاجية تحجبهم عن المحكمة و استمرت بعض المحاكمات التي تشمل مئات المتهمين، لا سيما في قضايا من 2013 إلى 2014 تضم متظاهرين متعاطفين مع الرئيس محمد مرسي رحمه الله والإخوان المسلمين في السرية وعدم الشفافية وانعدام العلنية في الكثير من الجلسات.
إجراءات المحاكمة
عادة ما تكون المحاكمات الجنائية والجنح المدنية علنية. ولكن خلال العام، منعت السلطات بشكل روتيني ممثلي المجتمع المدني ووسائل الإعلام والسفارات الأجنبية وأفراد الأسرة من حضور جلسات المحاكمة والاحتجاز السابق للمحاكمة. وذكرت جماعات حقوق الإنسان أن المتهمين المحتجزين أو المسجونين يُحرمون بانتظام من مقابلة المحامين. وزعمت الجماعات الحقوقية حدوث انتهاكات روتينية للإجراءات القانونية الواجبة، حيث لم يُسمح للمُدعَى عليهم باستدعاء الشهود أو استجوابهم أو تقديم الأدلة، كما يقتضي القانون.
القمع العابر للحدود
التهديدات والمضايقات والمراقبة والإكراه:
لم يكتفِ النظام المصري بقمع المصريين داخل الحدود المصرية، وإنما انتقل للقمع عابر الحدود وقام بسلسلة من الإجراءات القمعية للمصريين الين يعيشون في المنفي. تتمثل الإجراءات القمعية التي يقوم بها النظام ضد المصريين في المنفي عدة أشكال منها الحرمان من الوثائق الثبوتية والحرمان من الجنسية مثلما حدث مع الناشطة المصرية غادة نجيب والقبض على عائلات المعارضين في الخارج.
حجز الممتلكات ومصادرتها
خلال عمليات مكافحة الإرهاب المتزايدة في 2018، هدمت السلطات منازل ومبانٍ تجارية وصادرت أراضٍ زراعية لإنشاء منطقة عازلة على طول قطاع غزة. بعد ذلك، أنشأت السلطات آلية للمقيمين لتقديم تعويضات عن خسائرهم الناتجة عن عمليات مكافحة الإرهاب. وقد قامت اللجنة الدائمة العليا لحقوق الإنسان (اللجنة الدائمة) والمجلس القومي لحقوق الإنسان بالتحقيق في شكاوى سكان شمال سيناء بشأن هذه المسألة في عام 2021.
و. التدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية أو الأسرة أو المنزل أو المراسلات
وفقاً لتقرير “الحرية في العالم” Freedom in the World الصادر عن مؤسسة فريدام هاوس Freedom House لعام 2022، فإن قانون مكافحة جرائم الإنترنت وجرائم تكنولوجيا المعلومات يتطلب من شركات الاتصالات تخزين بيانات المستخدمين لمدة 180 يوماً، مما يتيح مزيداً من المراقبة الحكومية على نطاق واسع. كانت المراقبة مصدر قلق كبير لمستخدمي الإنترنت. وهناك أوامر قضائية مطلوبة للسلطات لدخول أو تفتيش أو مراقبة الممتلكات الخاصة مثل المنازل. ولكن افتقرت عمليات المراقبة الحكومية إلى الشفافية، ومن المحتمل أن تنتهك حماية الخصوصية المنصوص عليها في الدستور. وكانت هناك تقارير موثوقة بأن الحكومة قامت بمراقبة الاتصالات الخاصة عبر الإنترنت دون سلطة قانونية مناسبة، بما في ذلك استخدام الهجمات الإلكترونية للوصول إلى الأجهزة والحسابات الخاصة بالمدافعين عن حقوق الإنسان، وأعضاء المجتمع المدني الآخرين، والمنتقدين الفعليين أو المتصورين للحكومة.
حرية التعبير:
عبر المواطنون عن آرائهم حول مجموعة واسعة من المواضيع السياسية والاجتماعية. وقد قامت الحكومة بانتظام بالتحقيق مع الأفراد ومقاضاتهم بسبب التعبير عن آرائهم أو انتقاداتهم السياسية، باستخدام تهم مثل “نشر أخبار كاذبة”، ودعم جماعة محظورة، والتحريض على العنف، وإهانة الدين، وإهانة الشخصيات والمؤسسات العامة، مثل القضاء والجيش، أو الإساءة للآداب العامة. ولقد استخدمت الحكومة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي كدليل في كثير من الحالات، وفقاً للعديد من محامي حقوق الإنسان. يوفر القانون تعريفا واسعا للإرهاب، ليشمل “أي عمل يضر بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي”. وقد لاحظ مراقبو حقوق الإنسان أن السلطات استخدمت التعريف الغامض بانتظام لخنق الخطاب اللاعنفي ونشاط المعارضة غير العنيف. في تقرير صدر في مارس / آذار حول حرية التعبير، سلطت مجموعة حقوقية محلية الضوء على القيود التي تفرضها القيود المفروضة على حرية التعبير في مختلف المجالات، بما في ذلك الدفاع عن حقوق الإنسان، وحرية التجمع، وحرية الإعلام، وحرية التعبير على الإنترنت، والحرية الأكاديمية، والفنون الإبداعية، مثل الموسيقى.
حظرت الحكومة المصرية المئات من المواقع السياسية والصحفية داخل مصر. وأفادت وسائل الإعلام المحلية في مايو / أيار أن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية الموالية للحكومة، وهي الشركة الأم للعديد من وسائل الإعلام، أصدرت تعليمات إلى مديري الصحف والمحتوى التلفزيوني بعدم نشر أخبار تتعلق بـ “الحركة المدنية الديمقراطية” المعارضة قبل الحوار الوطني وتضم الحركة المدنية الديمقراطية بعض الشخصيات المعارضة البارزة، بما في ذلك المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، وزعيم حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، وزعيم حزب الكرامة أحمد الطنطاوي، وزعيم حزب المحافظين أكمل قرطام. أصدرت مراسلون بلا حدود تقريراً في يونيو / حزيران تتهم فيه شخصيات تلفزيونية موالية للحكومة ووسائل إعلام تسيطر عليها الدولة بإطلاق وتضخيم “حملات تشهير” ضد الصحفيين الذين ينتقدون الحكومة. وفصَّل التقرير اتهامات لمقدمي برامج ومذيعين موالين للحكومة يتهمون الصحفيين الذين ينتقدون السياسة الرسمية بـ “التآمر ضد مصر” و”إثارة الكراهية ضد الجيش”. اعتقلت الشرطة عدة صحفيين خلال العام لتغطيتهم موضوعات حساسة سياسياً. تم اخلاء سبيل بعض المعتقلين، بينما ظل آخرون رهن الاعتقال حتى نهاية العام. اتُهم ثلاثة مراسلين من المنفذ الإخباري المستقل “مدى مصر” في سبتمبر / أيلول بـ “نشر أخبار كاذبة”، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتشهير بأعضاء حزب “مستقبل وطن” الموالي للحكومة، بعد مقال يزعم أن أعضاء في الحزب سيتم عزلهم من مناصبهم بسبب مزاعم الفساد. كما تم اتهام رئيس تحرير مدى مصر، لينا عطا الله، بتشغيل موقع إلكتروني بدون ترخيص. وقد أكد “مدى مصر” أنه تقدم عدة مرات للحصول على ترخيص ابتداءً من عام 2018، لكنه لم يتلق رداً من الحكومة أبداً، ودافع عن تقاريره بالإشارة إلى أن المعلومات جاءت من مصادر متعددة. وتم اخلاء سبيل المتهمين الأربعة بكفالة في انتظار المحاكمات التي لم تبدأ بحلول نهاية العام.
حرمت الحكومة المصرية المصريين والسياسيين والأحزاب السياسية من حرية التجمع السلمي واعتقلت مشاركين في تظاهرات وتجمعات سلمية بموجل قانون التظاهر الذي يحاكم بموجبه الألاف من المعارضين والنشطاء.
أعاقت الحكومة المصرية حق المصريين في التنقل والسفر حيث طلبت السلطات من المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً الحصول على إذن من وزارة الداخلية قبل السفر إلى 16 دولة (جورجيا وغينيا وإندونيسيا والعراق والأردن ولبنان وليبيا وماليزيا وقطر وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية والسودان وسوريا وتايلاند، وتركيا، واليمن. كما فرضت الحكومة حظر سفر على بعض المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين الذين كانوا قيد التحقيق أو وجهت إليهم تهم رسمية. أكدت جماعات حقوق الإنسان المحلية أن السلطات استخدمت حظر السفر لترهيب وإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان، ووثقت الحالات التي استمر فيها الحظر بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية الأخرى. ولقد نص حكم محكمة صدر عام 2018 على أن حظر السفر لا يتطلب التحقيق في حقائق معينة والتيقن منها، ولكن يجب أن يكون هناك دليل جاد على وجود أسباب لذلك، وأن قرار منع السفر يرجع لأسباب أمنية ومصالح للدولة. في يوليو / تموز، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً يعرض بالتفصيل آثار حظر السفر على المجتمع المدني، ووصف هذه الممارسة بأنها “تعسفية” و “تغير الحياة” من خلال منع السفر للعمل والدراسة ولم شمل الأسرة. ولاحظت هيومن رايتس ووتش أن الحظر لم يُعلن رسمياً وأن المتضررين ليس لديهم سبيل قانوني واضح للطعن فيه. أدى حظر السفر إلى فصل المدافعين عن حقوق الإنسان عن أفراد عائلاتهم المقيمين في الخارج. وأفاد الأفراد الذين يواجهون حظر السفر وتجميد الأصول أن الطبيعة المفتوحة للحظر خلقت صعوبات مالية وتوظيفية وصعوبات قانونية.
تعرض المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيون بشكل روتيني للمضايقات الحكومية والمجتمعية والترهيب، بما في ذلك ما يتم من خلال الملاحقات الجنائية والاستجوابات وتجميد الأصول وحظر السفر. أفادت بعض المنظمات غير الحكومية أنها تلقت زيارات أو مكالمات للموظفين، سواء في العمل أو في المنزل، من ضباط الخدمات الأمنية ومسؤولي الضرائب الذين يحاولون مراقبة أنشطتهم، فضلاً عن أشكال أخرى من المضايقات من السلطات. ولقد وردت تقارير عن أعمال انتقامية ضد مدافعين عن حقوق الإنسان يقيمون خارج البلاد.
تقارير مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن مصر
في مارس 2022 أصدرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بيانًا عن أحكام الإعدام في مصر قالت فيه:
تلقينا تقارير مقلقة تفيد بإعدام سبعة أشخاص على الأقل في مصر الأسبوع الماضي. وقد صدرت أحكام الإعدام هذه عقب محاكمات لم تحترم معايير المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة، بحسب ما أكّدته تقارير تتمتّع بالمصداقية. فوفقًا لتقارير موثوقة من منظمات المجتمع المدني، تم إعدام أربعة رجال في 8 آذار/ مارس، بعد إدانتهم بعدة تهم تتعلق بالإرهاب، في سياق ما يُعرف بقضية ميكروباص حلوان، التي قُتل خلالها ثمانية ضباط شرطة في العام 2016. وقد وردنا أن الأربعة زعموا أنهم تعرضوا للاختفاء القسري والتعذيب لانتزاع الاعترافات منهم. نشعر بقلق بالغ حيال عمليات الإعدام الأخيرة هذه التي نُفِّذَت في مصر، ونكرر موقفنا المبدئي بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام. ونحث السلطات المصرية من جديد على وقف استخدام عقوبة الإعدام كخطوة أولى نحو إلغائها. وندعو السلطات إلى اتخاذ جميع الخطوات المطلوبة للتقيد بضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، وإلى اعتماد جميع الضمانات اللازمة لعقد محاكمات عادلة. كما نُعرب من جديد عن قلقنا البالغ حيال تشريعات مكافحة الإرهاب المُعتَمَدة في مصر، لا سيما التعريفات الغامضة والفضفاضة للغاية لمصطلح “الجماعة الإرهابية” و”الجريمة الإرهابية” و”العمل الإرهابي”. وفيما تعبّر الدول عن قلقها المُبرر حيال المخاطر التي تهدّد الأمن وتغذّي الإرهاب، يجب أن تبقى الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب متماشية تمامًا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وفي يونيو\حزيران 2019 أصدرت المفوضية بيانًا عن المعاملة التي تلقاها الرئيس محمد مرسي أثناء محاكمته قالت فيه:
“بما أنّ الرئيس السابق محمد مرسي كان رهن الاحتجاز لدى السلطات المصريّة وقت وفاته، فإنّ الدولة مسؤولة عن ضمان معاملته معاملة إنسانيّة واحترام حقّه في الحياة والصحة. يجب أن يتبع أيَّ وفاةٍ مفاجئة في الاحتجاز تحقيقٌ سريعٌ ونزيه وشامل وشفاف تقوم به هيئة مستقلة بهدف توضيح أسباب الوفاة. هذه هي المبادئ العامة التي وضعتها الهيئات الدوليّة لحقوق الإنسان المختلفة، بما فيها اللجنة الأفريقيّة لحقوق الإنسان، ونحن نوافق عليها جملةً وتفصيلاً. على الدول، التي صادقت على العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، بما فيها مصر، أن تتّخذ كلّ التدابير الضروريّة لحماية حياة الأفراد المحرومين من حريتهم. وعلى حد تعبير لجنة الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان – التي تراقب تنفيذ العهد – تتحمّل الدول الأطراف مسؤوليّة حماية حياة من تعتقله وتحتجزه وتسجنه وتحرمه من حريّته، ومسؤوليّة سلامته الجسديّة. “لقد أثيرت مخاوف بشأن ظروف احتجاز السيد مرسي، بما في ذلك إمكانيّة وصوله إلى الرعاية الطبية الكافية، ووصوله الكافي إلى محاميه وعائلته، خلال فترة احتجازه مدّة ست سنوات. ويبدو أنه احتُجِز في الحبس الانفراديّ لفترات طويلة. لذلك يجب أن يغطّي التحقيق جميع جوانب معاملة السلطات للسيد مرسي، بهدف النظر فيما إذا كان لظروف احتجازه تأثير على وفاته. “في ضوء كل ما سبق، نعتبر أنّه من الضروريّ إجراء تحقيق شامل ومستقل في ظروف وفاة السيد مرسي، بما في ذلك ظروف احتجازه. ويجب أن تجري التحقيقَ سلطةٌ قضائيّة أو سلطةٌ مختصّة أخرى مستقلة عن السلطة التي احتجزته، على أن تُفَوّض بإجراء تحقيقات فوريّة ونزيهة وفعّالة في ظروف وفاته.”
بيان المقررة الخاصة في الأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام التعسفي، آنييس كالامار
قال بيان صادر عن آنييس كالامار المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام التعسفي وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي؛ إن نظام السجون في مصر قد يكون أدى مباشرة إلى وفاة الرئيس محمد مرسي رحمه الله. وأضاف البيان الأممي أن مرسي احتُجز في ظروف لا يمكن وصفها إلا بأنها وحشية، ووضع في الحبس الانفرادي لمدة 23 ساعة في اليوم، وأُجبر على النوم على أرضية خرسانية، وحُرم من العلاج المستمر لمرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وخلص البيان الأممي إلى أن وفاة مرسي بعد تحمله كل هذه الظروف يمكن أن تصل إلى حد القتل التعسفي الذي تقره الدولة المصرية.
منظمة العفو الدولية
أصدرت تقريرها السنوي لعام 2022 2023 عن حالة حقوق الإنسان في مصر قالت فيه:
“قمعت السلطات بشدة الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع السلمي. وفي الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 27) في نوفمبر/تشرين الثاني، أفرجت السلطات عن 895 سجينًا ممن احتُجزوا لأسباب سياسية، ولكنها قبضت على نحو ثلاثة أضعاف هذا العدد، بما في ذلك مئات فيما يتصل بدعوات للاحتجاج خلال مؤتمر المناخ. وظل الآلاف من منتقدين أو معارضي الحكومة الفعليين أو المُفترضين رهن الاحتجاز التعسفي، و/أو يتعرضون للمقاضاة الجائرة. ولم يتم إجراء تحقيقات كافية بخصوص ما لا يقل عن 50 حالة وفاة مشتبه بها أثناء الاحتجاز تضمنت أنباء عن الحرمان من الرعاية الصحية الكافية أو التعذيب. وصدرت أحكام بالإعدام إثر محاكمات فادحة الجور، ونُفذت عمليات إعدام. وظل العنف الجنسي والقائم على أساس النوع الاجتماعي متفشيًا وسط تقاعس السلطات عن منعه والمعاقبة عليه بشكل وافٍ. وقمعت السلطات حق العمال في الإضراب، وتقاعست عن حمايتهم من إجراءات الفصل التعسفي من جانب الشركات. وجرى إخلاء سكان الأحياء العشوائية قسرًا واحتجازهم لاحتجاجهم على هدم منازلهم. وقاضت السلطات مسيحيين طالبوا بحقهم في العبادة، وآخرين ممن يعتنقون معتقدات دينية لا تقرُّها الدولة. واحتُجز لاجئون ومهاجرون تعسفيًا لدخولهم مصر أو الإقامة فيها بصورة غير نظامية، وأُعيد عشرات منهم قسرًا إلى بلدانهم الأصلية”.
هيومان رايتس واتش
أصدرت منظمة هيومان رايتس واتش تقريرها لعام 2023 عن حالة حقوق الإنسان في مصر وجاء فيه:
واصلت الحكومة المصرية احتجاز المنتقدين والناشطين السلميين ومعاقبتهم بشكل ممنهج، وفعليا تجريم المعارضة السلمية، ومساواتها بـ “الإرهاب” غالبا. اعتقلت السلطات وحاكمت عشرات المتظاهرين والناشطين المشاركين في مظاهرات التضامن مع فلسطين في أكتوبر/تشرين الأول، وكذلك في احتجاجات أخرى، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول. كما اعتقلت السلطات وحاكمت عشرات من أفراد أسرة عضو مجلس النواب السابق أحمد الطنطاوي، ومؤيديه المفترضين أو الفعليين، بمجرد إعلانه في مارس/آذار نيته الترشح للرئاسة. في نوفمبر/تشرين الثاني، أحالت السلطات الطنطاوي إلى المحاكمة بتهم تتعلق بجمع التوكيلات من الناس. في الوقت نفسه، بقي آلاف المحتجزين في ظروف مزرية رهن الحبس الاحتياطي المطول أو مسجونين بموجب أحكام قضائية جائرة. ظل الحيز المدني مقيدا بشدة، حيث واجهت المنظمات المستقلة التي تعمل بموجب قوانين صارمة مضايقات قضائية وأمنية مستمرة. وواجهت منظمات بارزة وأعضاؤها تهما جنائية بسبب عملهم، بالإضافة إلى تجميد الأصول ومنع السفر. أدى تدهور الوضع الاقتصادي إلى إعاقة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس، مثل الحق في الغذاء، والصحة، والكهرباء. في أغسطس/آب كانت الذكرى السنوية الـ 10 لمذبحة رابعة في 14 أغسطس/آب 2013، والتي قتلت فيها قوات الأمن مئات الأشخاص مع الإفلات التام من العقاب. في مايو/أيار، بدأ الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي في العام السابق، ولكن بحلول أكتوبر/تشرين الأول، لم يكن قد أسفر عن أي إصلاحات سياسية ملحوظة. واصلت السلطات المصرية اعتقال النشطاء، بمن فيهم أعضاء الجماعات المشاركة في الحوار، واحتجزت قوات الأمن أحدهم 10 أيام تقريبًا في سبتمبر/أيلول. بين أبريل/نيسان 2022 وسبتمبر/أيلول 2023، أطلقت السلطات سراح نحو 1,700 سجين محتجز ظلما، بينهم بعض المعتقلين السياسيين البارزين، مثل أحمد دومة. إلا أن السلطات اعتقلت أكثر من 4,500 شخص خلال الفترة نفسها، وفقا لحملة حقوقية أطلقها مدافعون محليون عن حقوق الإنسان، منهم ممن كان قد أُطلق سراحه قبل وقت قصير.
الولايات المتحدة تقتطع جزء من المساعدات لمصر على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان.
في سبتمبر 2023 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها قامت باقتطاع جزء من المساعدات الأمريكية لمصر بقيمة 85 مليون دولار بسبب الانتهاكات الممنهجة في حقوق الإنسان، والتي كانت مشروطة بتقدم مصر في قضايا حقوق الإنسان والإفراج عن السجناء السياسيين، وبدلاً من ذلك ستُحول هذه الأموال إلى تايوان ولبنان. حوالي 320 مليون دولار، من مليار دولار هو إجمالي التمويل العسكري الأجنبي الذي تقدمه الولايات المتحدة لمصر سنويا، مشروط ويتعلق بقضايا حقوق الإنسان.
كيف أثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سلبًا على الحالة الحقوقية في مصر
في أكتوبر 2023 دعا رأس السلطة في مصر المصريين للتظاهر (دعمًا لغزة وتنديدًا بالعدوان الإسرائيلي عليها، وقال السيسي أثناء مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز “مصر فيها 105 ملايين والرأي العام المصري والعربي يتأثر بعضه ببعض، وإذا استدعى الأمر أطلب من الشعب المصري الخروج للتعبير عن رفض هذه الفكرة، فسترون ملايين من المصريين يخرجون للتعبير عن رفض الفكرة ودعم الموقف المصري”.
الجمعة التالية لتصريح السيسي خرج ألاف المصريين في تظاهرات في عدة مدن بمصر لدعم غزة، إلا أن المظاهرة الأشد تأثيرًا هي التي خرجت من ميدان التحرير بالقاهرة، والتي كان مصيرها أن فضتها قوات الأمن، وكانت من بين التي تعرض فيها متظاهرون للاعتقال. أما بعيدا عن مظاهرات التضامن خارج سرب السيسي، فقد تجمع مؤيدي السيسي في أماكن محددة منها منطقة المنصة بمدينة نصر بالقاهرة هتفوا فيها للسيسي. ووثق محامون حقوقيون مصريون ان السلطات المصرية اعتقلت العشرات من المتظاهرين الذين خرجوا لدعم غزة. في الإسكندرية وحدها تم اعتقال 56 متظاهرًا وتم اقتيادهم إلى معسكر لقوات الأمن وعرضهم على الأمن الوطني.
تباينت الأسباب التي دفعت السيسي لدعوة المصريين للتظاهر، في ظاهرة تعد غريبة عليه، بين من اعتبرها تعبيرا عن الموقف المصري الطبيعي تجاه عدوان الاحتلال الإسرائيلي، ومن رأى فيها محاولة لصد الضغوط الغربية على القاهرة، في حين قال آخرون إنها تحقق للنظام أيضا شعبية تستند على تجذر القضية الفلسطينية في نفوس المصريين، كما أنها تعوض الدور الغائب للمعارضة الإسلامية والقومية. لم تحقق التظاهرات تلك الأغراض المرجوة للسلطة والمتمثلة في إرسال رسائل للغرب الضاغط عليها بأن الشعب يرفض ما تريده إسرائيل من تهجير الفلسطينيين إلى مصر، لأن لدى تلك الدول أجهزة ومراكز بحثية، توضح لهم طبيعة الحشود، وإذا ما كانت مفتعلة أم حقيقية، والنتيجة تمثلت في فشل قمة القاهرة للسلام، واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية والمواقف الدولية الضاغطة”.
لماذا تراجع الملف الحقوقي المصري مع الحرب على غزة
للوهلة الأولى نستطيع أن نقول إن تراجع الملف الحقوقي المصري على الساحة الدولية أثناء العدوان على غزة جاء لسبيين رئيسيين
الأول: استحواذ الحرب على غزة على النصيب الأكبر من التغطية والبحث السياسي والحقوقي، ونظرًا لضخامة الحدث وفجاعة الانتهاكات التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، فإنه لا مجال لمناقشة أية ملفات حقوقية أخرى في العالم.
الثاني: محاولة الغرب لاستمالة نظام عبد الفتاح السيسي لإطباق الحصار على قطاع غزة من خلال معبر رفح، ولمحاولة الضغط على الحكومة المصرية لقبول فكرة تهجير 1.3 مليون فلسطيني وإعادة توطينهم في سيناء. لا يعد هذا الكلام فرضية من نسج الخيال ولكنها موثقة بمجموعة من التصريحات للمسئولين الغربيين.
في أكتوبر 2023 نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل تقريرًا عن ورقة مفاهيم قدمها وزير الاستخبارات الإسرائيلي لمكتب رئيس الوزراء لتهجير سكان غزة إلى سيناء، في الوقت الذي قلل مكتب رئيس الوزراء نتنياهو من أهمية الوثيقة بقوله،” إنها فرضية وغير ملزمة” في الوقت الذي تقول فيه تقارير إن نتنياهو يضغط على قادة الدول الأوربية للضغط على مصر لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ناقش خلال جلسة مغلقة بالكنيست “تحقيق الهجرة الطوعية لسكان قطاع غزة إلى دول أخرى”، ونقلت الصحيفة عن نتنياهو قوله: “مشكلتنا هي الدول المستعدة لاستيعاب اللاجئين، ونحن نعمل على حلها”.
رسميا نفت مصر أنباء متداولة بشأن إعدادها منطقة لإيواء الفلسطينيين، مشددة على رفضها وعدم مشاركتها في “جريمة التهجير”. جاء ذلك في بيان رسمي لضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية. وقال رشوان، في البيان، إن بلاده “تنفي بشكل قاطع ما تداولته بعض وسائل الإعلام الدولية بشأن قيامها بالإعداد لتشييد وحدات لإيواء الأشقاء الفلسطينيين في المنطقة المحاذية للحدود المصرية مع قطاع غزة، وذلك في حالة تهجيرهم قسريا بفعل العدوان الإسرائيلي الدامي عليهم في القطاع”.
من جهتها أعلنت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان أنها حصلت على صور تثبت أن السلطات المصرية بدأت في بناء منطقة عازلة محاطة بأسوار بمساحة 19 كم مربع، في مدينة رفح المصرية شرقي سيناء، حيث توضح الصور وصول عملية تجهيز التربة لوضع الجدار المكون من قوالب اسمنتية جاهزة بالقرب من السياج الحدودي الفاصل بين مصر وإسرائيل. وتعزز الصور الجديدة ما نشرته المؤسسة استناداً لمصادر ذات صلة و أكدته لاحقا وسائل إعلامية دولية، بالبدء في إنشاء منطقة معزولة محاطة بأسوار على الحدود مع قطاع غزة بهدف استقبال لاجئين “حال حدوث عملية نزوح جماعي من سكان القطاع”.
لا تنقطع الصلة بين خطة إسرائيل بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وما أثبتته مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان وبين التدفقات المالية التي أُسقطت على مصر بمشروع رأس الحكمة مع الإمارات، وثيقة الصلة مع العدو الإسرائيلي، وبين ما قاله صندوق النقد الدولي إنهم قد ضاعف قيمة القرض المنتظر مع مصر وإن الصندوق قال إنه سيلبي كافة احتياجات مصر لتأمين الاستقرار لمصر خاصة في حالة استقبال لاجئين محتملين من غزة، جاء ذلك ردًا على سؤال للمتحدثة باسم الصندوق خلال مؤتمر صحفي.
لم تكتف الدوائر الغربية وثيقة الصلة بإسرائيل بكل تلك المغريات، وإنما مارست ضغوطًا على نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان لوقف انتقادهم لمصر وإسرائيل. منذ بداية الحرب على غزة، سلطت كافة المنظمات الحقوقية الدولية على ما يجري من جرائم حرب في غزة، وخففت التركيز على الملف المصري لحقوق الإنسان للأسباب التي سبق ذكرها. في نفس الوقت تعرض ناشطون عرب للمضايقات والتنكيل من البلدان التي يعيشون فيها لأنهم انتقدوا الممارسات الاجرامية لآلة الحرب الإسرائيلية في غزة.
كان من البديهي أن تقوم الدوائر الغربية الحكومية بغض الطرف عن الانتهاكات الخطيرة التي يقوم بها نظام عبد الفتاح السيسي لتشجيعه على احكام قبضته على حصار قطاع غزة. لذلك تلاحظ تواري الملف الحقوقي المصري عن أنظار المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم.
الخلاصة
يمكن أن نخلص إلى أن حكومات الدول الغربية تستخدم ملف حقول الإنسان في دول العالم الثالث كإستراتيجية سياسية تهدف إلى تنفيذ أجندة مصلحية تراعي فقط مصالح الدول الغربية في أجزاء مختلفة من العالم. إذا كان نشطاء حقوقيين مستقلين عن سياسات حكوماتهم، أو منظمات حقوقية دولية مستقلة في قرارها، تقتصر أعمال هذه المنظمات والحقوقيين الغربيين على توثيق الانتهاكات ومحاولة الضغط على حكومات بلادهم والمنظمات الدولية ومطالبتهم بالضغط على الأنظمة المستبدة للقضاء على الانتهاكات الحقوقية، ويتوقف دورهم عند هذه النقطة لأنهم في النهاية ليست جهات تنفيذية.
على الجانب الآخر استغل النظام العسكري المستبد في مصر فرصة العدوان على حرب غزة ومحاولة الحكومات الغربية استمالته ليستمر في إطباق الحصار على قطاع غزه في تجميد المطالبات التي تطالبه بفتح المجال العام في مصر والإفراج عن عشرات الألاف من المعتقلين المصريين والقضاء على كافة الانتهاكات التي يرتكبها بحق المصريين.
من جهة أخرى، توارى الملف الحقوقي المصري من ساحات المنظمات الحقوقية الدولية نظرًا لانشغال هذه المنظمات بتسليط الضوء على جرائم الحرب التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية في غزة، أو بمحاولة الحكومات الغربية الضغط على الحقوقيين بعدم القاء الضوء على الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل وأيضًا عدم تسليط الضوء على الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة المصرية.
في النهاية لقد أثبت العدوان الإسرائيلي على غزة عدم مصداقية الحكومات الغربية في ادعاءاتها الحقوقية وقوانين واتفاقات حقوق الإنسان التي تتغني بها على مدار العقود الماضية ورسبت في أحد أم وأخطر الاختبارات التي مرت بها البشرية منذ نشأتها.
يجب على الجميع إعادة النظر في مفهوم حقوق الإنسان وأن يتم التعامل مع الانتهاكات بشكلها المجرد، بعيدًا عن أية سياسات أو مصالح أو استراتيجيات.