المقدمة
تقع جنوب شرق شبه الجزيرة الهندية، وبعد تقسيم الهند عام 1947 أصبحت أرض البنغال جزءا من باكستان، ويفصل بينهما نحو ألفي كيلومتر وتقعان على طرفي الهند.
انفصلت بنغلاديش عن باكستان بمساعدة الهند عام 1972، وانضمت للأمم المتحدة عام 1974. عانت من الانقلابات العسكرية وغياب الاستقرار السياسي، خصوصا في عقدي ما بعد الاستقلال، ومع ذلك حققت نموا اقتصاديا ظل يتصاعد على الدوام.
المعلومات الرئيسية
- الاسم الرسمي: جمهورية بنغلاديش الشعبية
- الاسم المختصر: بنغلاديش
- العاصمة: داكا
- اللغة: البنغالية (رسمية)، الإنجليزية
- النظام السياسي: جمهوري
- تاريخ الاستقلال: 16 ديسمبر/كانون الأول 1971 (انفصال عن باكستان بمساعدة الهند).
- العملة: تاكا بنغلاديشي
السكان
تُعد دولة بنغلاديش الدولة السابعة على العالم من حيث عدد السكان. و بلغ عددهم 171 مليونا و118 ألفا، حسب تقديرات يوليو/تموز 2024.وتدخل أيضًا ضمن الدول شديدة الكثافة السكانية والتي ترتفع بها معدلات الفقر. على الرغم من ذلك، فإن الناتج الإجمالي المحلي للفرد للسعر المعدل في ضوء نسبة التضخم قد زاد إلى أكثر من الضعف منذ عام 1975 وقلّت معدلات الفقر في الدولة إلى 20% منذ بداية التسعينيات. وقد وضعت بنغلاديش في قائمة الدول الإحدى عشر المتوقع تفوقها اقتصاديا.
التاريخ
ترجع آثار الحضارة في منطقة البنغال العظمى إلى حوالي أربعة آلاف سنة عندما استقر في هذه المنطقة سكان درافيديا وهي منطقة تقع في جنوب الهند وسكان التبت وميانمار وسكان جنوب شرق آسيا. إن الأصل الصحيح لكلمة البنغال غير معروف، على الرغم من أنه يُعتقد أنه مشتق من كلمة بانج وهي إحدى القبائل الناطقة بلغة سكان درافيديا والتي استقرت في تلك المنطقة منذ حوالي ألف سنة قبل الميلاد.
دخول الإسلام
دخل الإسلام إلى البنغال في القرن الثاني عشر الميلادي عن طريق التجار العرب المسلمين وبعض الصوفيين التبشيريين ثم ساعدت الفتوحات الإسلامية في انتشار الإسلام في أنحاء البلد. قام القائد التركي باكثير خيلجي بإلحاق الهزيمة بلاكشمان سين وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة الهندوسية سينا (Sena) واحتل أجزاءً كبيرة من البنغال. حكم المنطقة العديد من الأسر الحاكمة من السلاطين والإقطاعيين خلال مئات السنين القليلة التالية. ومع حلول القرن السادس عشر، حكمت الإمبراطورية المغولية منطقة البنغال وأصبحت داكا إحدى المراكز المحلية المهمة للإدارة المغولية.
الاحتلال البريطاني
دخل التجار الأوروبيون المنطقة متأخرًا في القرن الخامس عشر وزاد نفوذهم في البلد حتى تمكنت شركة شرق الهند البريطانية من السيطرة على البنغال بعد معركة “بلاسي” في عام 1757 نتج عن التمرد الدموي في عام 1857 والذي عُرف باسم تمرد سيبوي انتقال السلطة إلى الملك مع وجود نائب بريطاني يتولى القيام بمهام الإدارة. في أثناء الحكم الاستعماري، أرهقت المجاعات منطقة شبه القارة الهندية العديد من المرات والتي شملت أيضًا مجاعة البنغال الكبرى في عام 1943 والتي نتج عنها وفاة ثلاثة ملايين شخص. في الفترة ما بين عامي 1905 و 1911، كانت هناك محاولة فاشلة لتقسيم إقليم البنغال إلى منطقتين وتكون داكا هي عاصمة المنطقة الشرقية للإقليم.
باكستان الشرقية
عندما قُسمت الهند في عام 1947، قُسمت البنغال بناءً على أسس دينية؛ حيث انضم الجزء الغربي من الإقليم إلى الهند والجزء الشرقي انضم إلى باكستان تحت مسمى البنغال الشرقية (والتي سميت فيما بعد بباكستان الشرقية) وعاصمتها داكا. في عام 1950، اكتملت حركة إصلاح الأراضي في البنغال الشرقية عن طريق التخلص من النظام الإقطاعي الزامنداري. على الرغم من الثِقل الاقتصادي والسكاني للشرق، فإن الطبقات الارستقراطية الغربية كانت تسيطر على الحكومة والجيش الباكستاني. كانت حركة اللغة البنغالية في عام 1952 الإشارة الأولى للخلاف بين الجزء الشرقي والغربي في باكستان وكان هدف هذه الحركة هو جعل اللغة البنغالية هي اللغة الرسمية لباكستان. استمرت حالة الاستياء من الحكومة المركزية حول القضايا الثقافية والاقتصادية في الزيادة خلال العقد التالي، والتي ظهرت خلالها عصبة أواميليك وكانت بمثابة الصوت السياسي للشعب البنغالي. أثارت تلك العصبة الشعور العام من أجل حركة المطالب الستة: حركة قومية بنغلاديشية تزعمها الشيخ مجيب الرحمن أدت إلى الاستقلال في عام 1960 وفي عام 1966 تم سجن رئيس العصبة الشيخ مجيب الرحمن وتم الإفراج عنه في عام 1969 بعد قيام ثورة شعبية غير مسبوقة.
الاستقلال
في عام 1970، هبَّ إعصار شديد على ساحل شرق باكستان وكانت استجابة الحكومة ضعيفة جدًا تجاه هذه الأزمة. ازداد غضب الشعب البنغالي عندما تم إبعاد الشيخ مجيب الرحمن عن أي مناصب في الدولة وكانت قد فازت عصبة أواميليك التي يرأسها بأغلبية الأصوات في البرلمان في انتخاباتعام 1970. بعد ترأسه لمباحثات تسوية مع مجيب الرحمن، قام الرئيس يحيى خان بالقبض عليه في الساعات الأولى من صباح يوم 26 مارس 1971 وشنّ عملية مناورة كانت عبارة عن هجوم عسكري مستمر على باكستان الشرقية. كانت الأساليب التي استخدمها يحيى خان دموية للغاية ونتج عن عنف الهجوم وفاة العديد من المدنيين. شملت الأهداف الرئيسية ليحيى خان المفكرين والهندوس مما نتج عنه فرار حوالي عشرة ملايين لاجئ إلى الهند. ويتراوح عدد من تعرضوا لتلك المذابح في خلال فترة الحرب ما بين ثلاثمائة ألف إلى ثلاثة ملايين شخص.
وقبل أن يتم القبض عليه بواسطة الجيش الباكستاني، أعلن الشيخ مجيب الرحمن رسميًا استقلال بنغلاديش وأمر كل فرد أن يقاتل حتى يتم جلاء آخر جندي من الجيش الباكستاني عن باكستان الشرقية. فرَّ أغلبية قادة عصبة أواميليك وشكّلوا حكومة في المنفى في مدينة كالكتا في الهند. ثم حلفت الحكومة المنفية اليمين رسميًا أمام موجيب نجار في مقاطعة كوستيا في باكستان الشرقية في الرابع عشر من أبريل عام 1971. استمرت حرب تحرير بنغلاديش لمدة تسعة شهور. كانت حرب العصابات التي تقوم بها قوات التحرير والجنود النظاميين البنغاليين تلقى الدعم من القوات المسلحة الهندية في ديسمبر عام 1971. حقق التحالف بين الجيش الهندي وقوات التحرير نصرًا ساحقًا في أنحاء باكستان الشرقية في يوم 16 ديسمبر عام 1971 وسيطر على حوالي 90.000 سجين حرب.
الاقتصاد
وصل الناتج المحلي الإجمالي لبنغلاديش نحو 446 مليار دولار عام 2023، وهو ما يمثل تراجعا بعد أن وصل نحو 460 مليار دولار في 2022، إلا أن مؤشر الأداء الاقتصادي يظهر مسارا تصاعديا من النمو بشكل شبه منتظم منذ الاستقلال، مع قفزات مهمة من بينها قفزة 2016 التي أوصلته إلى 265 مليار دولار مقابل 195 في العام الذي يسبقه. وبلغ الناتج الفردي السنوي 2529 دولارا في 2023، ويمثل هو الآخر تراجعا بعد أن وصل إلى 2688 دولارا في 2022، لكن المؤشر بشكل عام يظهر أن الناتج الفردي ظل في مسار تصاعدي شبه منتظم هو الآخر منذ الاستقلال. بينما انخفضت نسبة البطالة لتصل إلى نحو 5% في 2023 مواصلة حالة الانخفاض المتتابع في السنوات الثلاث السابقة، بعد أن ارتفعت بشكل ملحوظ في 2020 تزامنا مع جائحة كورونا، إذ وصلت حينها إلى 5.83% مقابل 4.69% عام 2019.
الانقلابات تحكم بنجلادش
بعد استقلالها واجهت بنغلاديش أزمات أمنية واجتماعية واقتصادية متفاقمة، وفي 15 أغسطس/آب 1975 اغتيل مجيب الرحمن ومعظم أفراد عائلته في انقلاب عسكري.
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني وقع انقلاب ثان أوصل اللواء ضياء الرحمن إلى السلطة، ثم اغتيل هو الآخر في 30 مايو/أيار 1981 ليخلفه نائبه المدني عبد الستار الذي كان مصابا بمرض يؤثر على أدائه في الرئاسة، وفق معارضيه. ومن جديد عاد الجيش إلى الحكم عبر انقلاب قاده الفريق أول حسين محمد إرشاد في 24 مارس/آذار 1982، وبعد 8 سنوات من الحكم أجبر هو الآخر على التنحي في ديسمبر/كانون الأول 1990.
ابتداء من مطلع تسعينيات القرن الـ20 اعتمدت بنغلاديش النظام البرلماني، وتصدرت سيدتان الواجهة السياسية هما خالدة ضياء أرملة الرئيس الراحل ضياء الرحمن، وحسينة واجد، وهي البنت الكبرى لمجيب الرحمن.
فقد فاز الحزب الوطني البنغالي الذي تقوده خالدة ضياء في انتخابات 1991 فأصبحت أول رئيسة وزراء في جمهورية بنغلاديش، ثم في انتخابات 1996 فاز حزب رابطة عوامي الذي تقوده حسينة واجد.
لكن خالدة عادت للمنصب من جديد عام 2001 وظلت تشغله حتى 2006، وعلى مدى العامين التاليين عاشت البلاد موجة عنف واضطراب سياسي اعتقلت على خلفيتها خالدة وحسينة.
وتحت قيادة حكومة انتقالية أجريت انتخابات في أواخر 2008 فاز بها حزب حسينة، فعادت مجددا إلى منصب رئيسة الوزراء.
وأعلن في 11 يناير/كانون الثاني 2024، فوز حسينة واجد للمرة الخامسة بمنصب رئيسة وزراء بنغلاديش، لتصبح ضمن قائمة القيادات النسائية البارزة الأطول مكوثا في الحكم على مستوى العالم.
الحركة الطلابية وفرار المرأة الحديدية
في الخامس من أغسطس\ آب 2024 وعلى خلفية احتجاجات عارمة، قدمت رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة واجد استقالتها وغادرت البلاد إلى الهند على متن مروحية عسكرية، بالتزامن مع إعلان الجيش محادثات لتشكيل حكومة مؤقتة. وتأتي هذه التطورات المثيرة في أعقاب يوم دامٍ، الأحد، الرابع من أغسطس \ آب 2024 الذي شهد مقتل زهاء 100 شخص، من بينهم 13 فردا من قوات الشرطة، وإصابة مئات آخرين في مواجهات عنيفة في مناطق مختلفة من البلاد، في أكبر حصيلة يومية للضحايا منذ نشوب الانتفاضة الحالية.
كانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد اندلعت في الخامس من يونيو/حزيران 2024 في أعقاب قرار المحكمة العليا في بنغلاديش إحياء العمل بنظام الحصص “الكوتا”، وعكس التدابير الإصلاحية التي ألغت النظام في أعقاب احتجاجات جماهيرية عام 2018. ويمنح نظام “الكوتا” عائلات قدامى المحاربين في حرب الاستقلال ضد باكستان مطلع السبعينيات نسبة كبيرة (يراها المُحتجون غير عادلة) من وظائف الخدمة المدنية، إضافة إلى امتيازات استثنائية أخرى، وهو ما أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق، كسرت خطوطا حمراء غير مسبوقة منذ صعود رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد إلى السلطة للمرة الأولى عام 1996، وعودتها إليها مُجددا عام 2008.
تصدَّرها الطلاب مشهد الاحتجاجات، التي عُرفت إعلاميا باسم “احتجاجات الحصص” وجذبت اهتماما عالميا كبيرا، خاصة بعد أن اختار النظام مواجهتها بقبضة قمعية حديدية، متسببا في سقوط ما لا يقل عن 300 قتيل. وفي حين أن قرار القضاء البنغالي في 21 يوليو/تموز الحالي بخفض العمل بنظام الحصص من 30% إلى 5% فقط، والذي نُظر إليه على أنه استجابة واضحة لمطالب المحتجين، قد جلب هدوءا مشوبا بالحذر إلى الشارع البنغالي، فإن ذلك الهدوء أثبت أنه مؤقت وغير مستدام، حيث أعطي الحكومة الوقت الكافي لمواصلة حملتها القمعية وهو تسبب في تفاقم المظالم والاحتجاجات في الشارع البنغالي.
من احتجاجات الطلاب.. إلى ثورة الشعب
خلال حملتها لقمع الانتفاضة بصورة وحشية، اعتقلت الحكومة البنغالية ما لا يقل عن 5500 شخص، ونشرت 27 ألف جندي في جميع أنحاء البلاد، مع فرض حظر التجوال وقطع خدمات الإنترنت وزعمت الحكومة في البداية أن سبب القطع هو تخريب المتظاهرين لكابلات وموصلات الخدمة. وفي حين تعهدت الحكومة خلال فترة الهدوء المؤقتة بعد إلغاء القضاء لنظام الحصص بإجراء تحقيق قضائي برئاسة أحد قضاة المحكمة العليا في البلاد للوقوف على الانتهاكات التي أدت إلى سقوط هذا العدد المرتفع من الضحايا، والتزمت بألا يتعرض الطلاب الذين قاموا بالانتفاضة لأي مضايقات أو إجراءات، فإنها سرعان ما حنثت بكل عهودها وسارعت لاستهداف قادة الحراك الطلابي الذين أشعلوا الشرارة الأولى للانتفاضة وكانوا وقودا لها على مدار الأسابيع الماضية، وفي مقدمتهم ناهد إسلام الذي اعتُقل بصحبة آخرين من داخل مستشفى أثناء تلقيهم العلاج.
في غضون ذلك، ومع عودة خدمات الإنترنت إلى البلاد، تسلل إلى مواقع التواصل طوفان من المقاطع الملتقطة عبر الهواتف المحمولة، التي تُظهر مشاهد القتل والضرب التي مارستها الأجهزة الأمنية ضد المحتجين، ما حفَّزهم على تصعيد مطالبهم من خلال الدعوة إلى الإغلاق الكامل لجميع المصانع ووسائل النقل العام وحث الناس على الامتناع عن دفع الضرائب أو فواتير المرافق. بالإضافة إلى ذلك، دعا المحتجون نحو 10 ملايين من مواطنيهم المقيمين في الخارج إلى وقف التحويلات المالية التي تُقدَّر قيمتها بنحو مليارَيْ دولار سنويا.
وقد تأججت مشاعر الغضب خصوصا بسبب تقارير اليونيسف التي أفادت بمقتل 32 طفلا على الأقل أثناء المظاهرات، حيث أطلقت قوات الأمن النار على العديد منهم داخل منازلهم، كما أطلقت ميليشيات تابعة لحزب رابطة عوامي الحاكم النار عشوائيا على النوافذ. وفي حين أن المجتمع البنغالي اعتاد إلى حدٍّ كبير حالات الاختفاء الغامضة، حيث أُبلغ عما يقرب من 2500 حالة قتل خارج نطاق القضاء بين عامي 2009-2022، فإن المذبحة “الوقحة” بحق المدنيين في وضح النهار، حسب تعبير مجلة “تايم”، كانت أكبر من تجاهلها، خاصة أنها جاءت وسط ركود اقتصادي واتهامات بالفساد واسع النطاق.
وهكذا تحولت الاحتجاجات الطلابية إلى انتفاضة جماهيرية عارمة اجتاحت جميع أنحاء البلاد، وركزت جام غضبها على رئيسة الوزراء حسينة واجد ونظامها، بل إن والدها مجيب الرحمن، بطل الاستقلال الذي طالما نُظر إليه بتبجيل واسع في جميع أنحاء البلاد، قد ناله نصيب من السخط بعدما طُمست العديد من تماثيله وصوره أثناء الاحتجاجات، في إشارة رمزية إلى رفض المحتجين للطريقة التي تعاملت بها حسينة واجد مع إرث والدها بوصفه مطية للبقاء في السلطة. وهكذا تدحرجت كرة الثلج البنغالية خلال أسابيع قليلة لتطيح بساكنة “جانابهابان”، وتضع بنغلاديش على مفترق طرق، وهو ما يدفعنا للتساؤل: كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ وكيف اتسعت الحركة التي بدأت بمظاهرات طلابية معتادة إلى انتفاضة شعبية أطاحت بحكم المرأة الحديدية؟
ظل الاستياء يتراكم من نظام الحصص، خاصة في ظل مواجهة البلاد معدلات عالية للبطالة بين الشباب، فضلا عن ارتفاع في التضخم، الأمر الذي أثمر موجة من الاحتجاجات الطلابية المتتالية (الفرنسية)
احتجاجات الطلاب.. أبعد من “الكوتا“
كان نظام الحصص الكوتا ما أشعل الاحتجاجات في البداية، وهو ما يدعونا للتعرف إلى هذا النظام، وسر رفض البنغاليين له بهذه الشدة. لقد تأسس نظام الحصص لأول مرة قبل أكثر من خمسة عقود على يد رئيس الوزراء آنذاك الشيخ مجيب الرحمن، والد الشيخة حسينة، وذلك بهدف ضمان فرص العمل لقدامى المحاربين في حرب التحرير وأُسرهم، وكذلك للأشخاص القاطنين في المناطق الجغرافية النائية والفئات الأكثر ضعفا. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى النظام باعتباره وسيلة لتكريم أولئك المحاربين، لكنه أخذ يفقد قيمته تدريجيا مع ظهور أجيال جديدة لم تشهد الحرب من الأساس، وبمرور الوقت تحول النظام إلى طريقة لتمويل المحسوبية السياسية لحزب رابطة عوامي الحاكم.
ففي الوقت الراهن، لا يُشكِّل أحفاد المقاتلين من أجل الحرية سوى جزء صغير من سكان بنغلاديش يُقدَّر بما بين 0.12% إلى 0.2%، وفقا لصحيفة “بروثوم ألو” المحلية، لذلك فإن حصة مقاتلي الحرية كانت تذهب بلا شك لشعب حسينة واجد المختار، وفق تعبير نافيدا خان، عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة جونز هوبكنز. من جانبها، كانت رئيسة الوزراء جريئة في دعمها لنظام الحصص فيما سبق، محتجة بأن أولئك الذين شاركوا وضحّوا في حرب الاستقلال ضد باكستان، والنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب في تلك الحرب -بحسبها-، لا بد أن يُمنحوا وذووهم أعلى درجات التقدير في المجتمع، بل واتهمت الشيخة حسينة المنتفضين ضد نظام الكوتا بأنهم من “الرازكار”، وهو مصطلح يُطلق على مَن تعاونوا مع الجيش الباكستاني خلال حرب 1971.
ظل الاستياء يتراكم من نظام الحصص، خاصة في ظل مواجهة البلاد معدلات عالية للبطالة بين الشباب، فضلا عن ارتفاع في التضخم، الأمر الذي أثمر موجة من الاحتجاجات الطلابية عام 2018 أسفرت عن إلغاء الكوتا التي حصرت 30% من الوظائف الحكومية الجديدة في أبناء وأحفاد مَن شاركوا في حرب استقلال بنغلاديش ضد باكستان، و26% من الوظائف للفئات المهمشة في نظر النظام مثل النساء وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، تاركة أقل من نصف الوظائف ليتنافس عليها باقي المؤهلين للعمل من سكان بنغلاديش البالغ عددهم 171 مليون شخص.
كان إصلاح عام 2018 إحدى ثمرات الاحتجاجات الطلابية المتكررة في بنغلاديش التي كثيرا ما أثمرت تصحيحا لمسيرة البلاد السياسية. فحتى قبل استقلال البلاد، اشتعلت مظاهرات الطلاب البنغال عام 1952 بسبب رفض باكستان آنذاك الاعتراف باللغة البنغالية لغةً وطنيةً، ضمن ما عُرف آنذاك بـ”بهاشا أندولان” أي حركة اللغة. وقد بلغت الاحتجاجات الطلابية ذروتها خلال حرب استقلال بنغلاديش قبل عقدين من الزمان، وكان الطلاب من بين أول مَن قُتلوا على يد القوات الباكستانية في عام 1971 خلال تلك الحرب.
لاحقا في عام 1987، تصدَّر الطلاب حركة المقاومة ضد الديكتاتورية العسكرية للرئيس الأسبق حسين محمد إرشاد، ما أدى إلى استقالته في النهاية عام 1990. وفي عام 2013، احتج آلاف الطلاب في دكا، مطالبين بعقوبة أشد قسوة على أولئك الذين تعاونوا مع باكستان أثناء الحرب. وتبع ذلك المزيد من الاحتجاجات في عام 2015 ضد الضرائب، وفي عام 2018 من أجل سلامة الطرق.
تُعَد الاحتجاجات الحالية إذن في جزء منها استمرارا للمشهد الاحتجاجي في بنغلاديش الذي يتصدَّره الطلبة بالأساس، بما يشمل طلاب الجامعات الحكومية والخاصة والمدارس، الذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لجلب المزيد من الزخم إلى المشهد الاحتجاجي. ومع انضمام أحزاب وفصائل المعارضة والفئات الاجتماعية الأخرى إلى الطلاب، تحولت التظاهرات بسرعة من احتجاجات على نظام الكوتا فقط إلى انتفاضة واسعة غير مسبوقة منذ الإطاحة بالحكم العسكري سقط فيها المئات من الضحايا.
وقد حدث هذا التحول بحسب مجلة “إيكونوميست” حين خرجت الشرطة ومعها “الطلاب البلطجية” من “رابطة تشاترا”، التابعون للحزب الحاكم، بحسب تعبير المجلة البريطانية، لقمع الطلاب المحتجين بعنف بالغ، وقد انتهت تلك المعركة بسيطرة الطلاب الثائرين على شوارع العاصمة “دكا”، واقتحام هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية، وعدد من مقار الشرطة وحتى السجون، وامتد النشاط الثوري ليشمل نصف مقاطعات بنغلاديش تقريبا.
في البداية، حقق المحتجون انتصارا جزئيا مع قرار المحكمة العليا الأخير بأن تصبح 93% من الوظائف الحكومية الجديدة مطروحة على أساس الجدارة وليس الحصص، وأن تحصل أُسر المحاربين القدامى على 5% فقط من تلك الوظائف، و2% أخرى للمهمشين والأقليات. لكن الحكومة لم تتخذ الخطوات الكافية لتحمل المسؤولية عن ضحايا الاحتجاجات، مُفضِّلة توجيه الاتهامات لـ61 ألف شخص بإسالة الدماء على رأسهم بالطبع معارضو الشيخة حسينة ونظامها، وقادة الاحتجاجات، في استمرار لتقليد طويل الأجل لدى الشيخة حسينة ونظامها بتحميل المعارضة المسؤولية عن جميع المشكلات التي تصيب الدولة، بحسب تعبير “إيكونوميست”. وقد تسبب هذا النهج في النهاية في توسيع الاحتجاجات بدلا من احتوائها، انتهاء إلى المشهد الأيقوني لفرار حسينة واجد إلى الهند.
نهاية المرأة الحديدية
رغم ذلك، فإن نظام الحصص وحده لا يكفي لفهم جذور الانتفاضة الحالية في بنغلاديش، التي تغَّذت بفعل ديكتاتورية متنامية وركود اقتصادي بالغ وفساد واسع النطاق. في الحقيقة، فإن “نظام الحصص” لم يكن أكثر من رمز احتشد حوله الشباب المحتجون والعديد من فئات الشعب الغاضبة ضد المظالم المتراكمة والمشكلات الأكثر عمقا التي ولَّدت في النهاية كل هذا الغضب.
بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، لطالما نجحت الشيخة حسينة واجد في رواية حكاية جميلة ومقنعة للجميع حول نفسها، فهي تلك المرأة العلمانية قوية الشخصية التي ترتدي لباس بلادها التقليدي المبهج في ألوانه، وفي الوقت نفسه تحكم بلدا مسلما كبيرا وتحارب “التطرف الديني”، وتنتشل الملايين في بلادها من الفقر، كما أنها استطاعت في الوقت نفسه أن تُشكِّل علاقات قوية مع جيرانها، خاصة الصين والهند، رغم الخصومة بينهما، لكن الحقيقة أن خلف تلك الصورة الخلابة تقبع حقيقة دميمة وقاسية.
فالشيخة حسينة -بحسب نيويورك تايمز- اعتمدت خلال فترة حكمها على تقسيم سكان بلادها إلى شطرين، الشطر الأول يشمل المؤيدين لها الذين كافأتهم رئيسة الوزراء وتعهَّدتهم بالرعاية، ومنحت البارزين منهم النفوذ وحق الإفلات من العقاب، والشطر الثاني هم المعارضون الذين قادت الشيخة حسينة واجد حملات قمع عنيفة ضدهم وعاقبتهم بالسجن دائما، وقد أثبتت ردة فعلها العنيفة على الاحتجاجات الأخيرة الطبيعة القمعية لنظامها، وهي الطبيعة التي ربما كانت أحد الأسباب العميقة لانطلاق تلك الانتفاضة من الأساس.
منذ سنوات، يتهم المعارضون الشيخة حسينة بأنها حولت البلاد إلى أرض يسكنها الخوف، حيث يخشى معارضوها من المكوث في بيوتهم خوفا من زوار الفجر، ويقول هؤلاء المعارضون أيضا إنها لا تُفرِّق في قمعها بين إسلامي وعلماني، فلديها دائما مسوغات جاهزة تعطيها للإعلام لتبرير القمع الذي تمارسه ويسعى في الحقيقة إلى تحقيق هدف واحد فقط: ضمان بقائها في الحكم لأطول فترة ممكنة.
وحتى صورة القائدة التي تحكم بلدا ديمقراطيا بعد حقبة قاسية من الحكم العسكري أصبحت مزينة بالكثير من الخروق. فبعد كل شيء، يعتقد المعارضون أن الشيخة حسينة لم تكن لتحكم كل هذه الفترة دون مباركة من الجيش، خاصة وهي تقوض النظام الديمقراطي يوما بعد يوم. وفي الانتخابات الأخيرة التي جرت في يناير/كانون الثاني الماضي، التي فازت بها الشيخة حسينة بولايتها الرابعة على التوالي، وولايتها الخامسة عموما، قاطعت جماعات المعارضة الرئيسية الانتخابات، إذ أعلن الحزب الوطني البنغالي اعتقال 20 ألفا من أعضائه ومؤيديه خلال فترة الحملة الانتخابية، وكانت تلك هي المرة الثانية التي تقاطع فيها المعارضة الانتخابات كُليًّا بعد عام 2014، في حين جرت انتخابات عام 2018 تحت أجواء بوليسية وتبعتها اتهامات واسعة النطاق بالتزوير.
وكان تقرير لمجلة “إيكونوميست” العام الماضي قد رصد “ضيق صدر” المرأة الحديدية على نحو استثنائي تجاه أي إشارة، ولو من بعيد، لنقد سجلها في الحكم. وذكر التقرير حينها أن فترة حكم حسينة تتسم بالتضييق والتخويف الممنهج ضد وسائل الإعلام، وتتميز أيضا بالسيطرة التامة على الشرطة والقضاء اللذين أصبحا أكثر الهيئات فسادا في البلاد، بحسب التقرير.
لم تكن الأمور على هذا النحو بالنسبة إلى زعيمة بنغلاديش في البداية. وبحسب تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية، فإن حسينة واجد نُظر إليها في البداية بوصفها بطلة الديمقراطية البنغالية، حين انتُخبت رئيسة للوزراء سنة 1996، بعد فترة طويلة من الحكم العسكري، لكن في المرة الثانية التي عادت فيها للحكم عام 2008 بعد خسارتها عام 2001، تحولت إلى شخصية جديدة، بعد أن وجدت وصفتها الخاصة للبقاء في السلطة. وتكمن هذه الوصفة ببساطة في تصوير أي شكل من أشكال المعارضة السياسية في البلاد على أنه “معارضة إسلامية متطرفة”، وهو الأمر الذي ساعد حسينة على اكتساب دعم الهند والدول الغربية. ويُعَد دعم الهند تحديدا واحدا من الأسباب العميقة للغضب الشعبي ضد رئيسة الوزراء، لأن موالاة ناريندرا مودي ونظامه القومي الهندوسي الذي اشتهر بقمعه للمسلمين في الهند بات عاملا محفزا للغضب داخل الشارع البنغالي.
بعد أكثر من 15 عاما متتالية في السلطة، لم يسلم أحد من القمع في دولة حسينة واجد، بمَن في ذلك رجل في مكانة البروفيسور محمد يونس الحائز على جائزة نوبل، الذي يواجه سلسلة من القضايا التي يقف وراءها الحزب الحاكم داخل البلاد، بجانب هجوم مستمر على لسان رئيسة الوزراء. وفي العام الماضي (2023)، وقَّع 170 شخصية عالمية رسالة مفتوحة تطالب بوقف اضطهاد يونس، حيث يظن عدد من المراقبين أن الشيخة حسينة ترغب في تقويض سمعة البروفيسور خوفا من شعبيته الكبيرة التي تناهز شعبية والدها الراحل الشيخ مجيب الرحمن.
يُعَد قمع الاحتجاجات الأخيرة إذن تتويجا لنظام بوليسي كان يتشكَّل على مدار قرابة عقد ونصف. لكنَّ عاملا فارقا ساهم في خروج القمع بتلك الصورة الوحشية هذه المرة، وهو أن هذه الاحتجاجات (الاقتصادية في طابعها الأولي) ضربت في مقتل آخر الصور المشرقة لحسينة واجد باعتبارها “بطلة اقتصادية” أنقذت شعبها من الفقر. وتشير التقديرات إلى أن معدلات الفقر في بنغلاديش انخفضت من نحو 12% عام 2010 إلى 5% عام 2022، كما تمكنت البلاد من تحقيق متوسط سنوي للنمو بلغ 6.6% على مدار العقد الماضي، مع توقعات بخروجها من تصنيف “البلدان الأقل نموا” في الأمم المتحدة بحلول عام 2026.
لكن تلك الأرقام المضيئة أخفت بين طياتها مشكلات هيكلية عميقة، فمن بين كل 8 شباب في البلاد هناك شاب واحد على الأقل عاطل عن العمل، كما أن ربع الباحثين عن عمل في البلاد تتراوح أعمارهم بين 15-29 عاما، في حين يشتكي ثلثا الشباب في البلاد من عدم الحصول على وظيفة ثابتة منتظمة، ويتنافس 400 ألف خريج جامعي كل عام على 3000 وظيفة حكومية فقط، في ظل سوق عمل محفوف بالمخاطر.
كذلك يشكو الشباب في بنغلاديش من استشراء الفساد والمحسوبية، في الوقت الذي استخدم فيه النظام الوظائف الحكومية بوصفها غنائم يوزعها على مؤيديه على أساس المحسوبية السياسية وليس الكفاءة. لذلك، لم يكن “إصلاح” نظام الكوتا وحده كافيا لمعالجة المظالم طويلة الأمد بين صفوف البنغال وخاصة الشباب، ومع استمرار القمع الحكومي، توسعت دائرة الاحتجاجات وخرجت عن نطاق السيطرة، دافعةً الجيش البنغالي لرفع دعمه عن رئيسة الوزراء. ومع فرار المرأة الحديدية إلى الهند، تُفتح صفحة جديدة في تاريخ بنغلاديش السياسي المكدس بالاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية. وفي هذه المرة يأمل البنغال أن تسفر احتجاجاتهم عن نظام سياسي عادل تغلفه ديمقراطية حقيقة، لكن المؤكد أن مسيرتهم نحو ذلك لن تكون مفروشة بالورود.
حكومة مؤقتة
أعلنت الرئاسة في بنغلاديش في السابع من أغسطس 2024 أن محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام سيرأس حكومة انتقالية، بعد حل البرلمان وفرار رئيسة الوزراء الشيخة حسينة إلى الخارج.
وذكر بيان للرئاسة أن قرار تشكيل حكومة انتقالية برئاسة يونس اتخذ خلال لقاء بين رئيس الجمهورية محمد شهاب الدين وكبار ضباط الجيش وقادة مجموعة “طلبة ضد التمييز”، الحركة التي نظمت المظاهرات في مطلع يوليو/تموز الماضي.
وجاء في البيان أن الرئيس طلب من الشعب مساعدته في تجاوز الأزمة، وأكد أن التشكيل السريع لحكومة انتقالية ضروري لتحقيق ذلك. ورسم يونس أولوياته في حديث لصحيفة “فايننشال تايمز”، وقال “من الضروري إعادة الثقة في الحكومة بسرعة، نحتاج للتهدئة ونحتاج لخريطة طريق لإجراء انتخابات جديدة، ونحتاج إلى العمل لإعداد قيادة جديدة. في الأيام المقبلة سأتحدث مع كل الأطراف المعنية بشأن الكيفية التي يمكننا بها العمل معا لبناء بنغلاديش وكيف يمكنهم المساعدة في ذلك”.
وأكد أنه لا يسعى لشغل منصب لا بالانتخاب ولا بالتعيين بعد الفترة الانتقالية.
خسائر الاستبداد في بنغلادش
أعلنت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني أن الأزمة السياسية في بنغلاديش قد زادت من المخاطر السلبية على النمو الاقتصادي والأداء المالي والمؤشرات الخارجية للبلاد.
أشارت الوكالة إلى أن الأضرار على المؤشرات الائتمانية قد تكون محدودة إذا عادت الأوضاع الاجتماعية والسياسية إلى طبيعتها قريبًا في أعقاب هروب واستقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة.
ومع تراجع الاحتياطات النقدية، قالت ستاندرد آند بورز إنها لا تتوقع ضغوطًا قوية على التصنيفات الائتمانية في الوقت الحالي.
تراجع التصنيف الائتماني
ووفقا لبلومبيرغ، فقد خفضت الوكالة تصنيف بنغلاديش الائتماني إلى “بي بي سالب” في يوليو/تموز الماضي بسبب التراجع المستمر في احتياطات النقد الأجنبي.
الخاتمة
إن الاستقرار الذي يدّعيه الحاكم المستبد لهو ركود الماء الذي يستحيل معه استخدام البشر له، واذا استخدم البشر الإنسان الماء الراكد منذ سنوات سيعود ذلك عليه بالسلب في صحته. كذلك هي الحياة السياسية في البلدان المختلفة. حولت الشيخة حسيبة نظام الكوتا اذلي كان في بدايته عاملًا تمييزا ايجابيًا إلى رشاوى تُعطي للمديدين وتمنع عن المعارضين. يبقى الأمل دائما في الشباب وفي القلب منهم الطلاب. طلاب بنغلادش استطاعوا أن يقتلعوا جذور الحكم المستبد من خلال نضالهم المستمر والمتراكم. إن التعليم هو ببوابة الفهم، والفهم بوابة التغيير للأفضل لذلك يتعمد المستبد دومًا إلى إخراج التعليلم من المعادلة الوطنية لأنه من السهل حكم شعب جاهل ومن العسير حكم شعب متعلم وواع.