انتفاضة طلابية تاريخية تمثل علامة فارقة في التاريخ الحديث حيث تشهد الجامعات الأمريكية حاليًا مظاهرات مؤيدة لفلسطين، وذلك احتجاجًا على العدوان الصهيوني على قطاع غزة في أكتوبر عام 2023. تأتي هذه التظاهرات التي تصدع بالحق الفلسطيني على الأرض الأمريكية التي تمثل الداعم الأكبر لدولة الاحتلال والتي أقرت منذ أيام قليلة حزمة مساعدات عسكرية واقتصادية غير مسبوقة لدولة الاحتلال، في الوقت الذي تمنع فيه الأنظمة العربية القمعية أية أنشطة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، وتعتقل كل من يصدع بالحق الفلسطيني وكان آخر هذه الاعتقالات عندما ألقت السلطات المصرية القبض على ناشطات مصريات شاركن في وقفة احتجاجية أمام مكتب الأمم المتحدة بالقاهرة لتسليم عريضة مطالب لدعم المرأة الفلسطينية ضد العدوان الإسرائيلي. هذه المظاهرات تهدف إلى سحب الاستثمارات من إسرائيل ووقف التعاون بين هذه الجامعات وبين إسرائيل، والتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.
بدأت هذه الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية بعد فترة قصيرة من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2023، وفي أبريل 2024، اتسعت رقعة الاحتجاجات في الجامعات المختلفة.
كيف بدأت الحكاية؟
بدأت الأنشطة الطلابية الداعمة للحق الفلسطيني من خلال منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP) وهي منظمة ناشطة للطلاب الجامعيين مؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا. وقامت بحملة لمقاطعة الشركات التي تتعامل مع إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، ونظمت فعاليات تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي وإبادة جماعية. اتهم النقاد أن حزب العدالة والتنمية يروج لمعاداة السامية.
اعتبارًا من عام 2010، كان لدى منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين أكثر من 80 فصلاً في الجامعات الأمريكية. اعتمدت بعض فصول برنامج SJP في الولايات المتحدة على اسم لجنة التضامن مع فلسطين أو الطلاب من أجل حقوق متساوية للفلسطينيين. في كندا، اعتمدت بعض فصول SJP على اسم الطلاب ضد الفصل العنصري الإسرائيلي (SAIA)، أو التضامن من أجل حقوق الإنسان الفلسطيني (SPHR).
بدأت أنشطة الطلاب في جامعة كولومبيا في النصف الثاني من نوفمبر 2023 حينما نظم طلاب منظمة ” طلاب من أجل العدالة في فلسطين” فاعلية تضامنية مع الشباب الفلسطيني أمام المكتبة التذكارية بجامعة كولومبيا طالبوا فيه ولاية كولومبيا بالدعوة علنًا بوقف إطلاق النار وسحب الأوقاف المالية من الشركات الداعمة لإسرائيل وإنهاء البرامج الأكاديمية مع إسرائيل. أوقفت جامعة كولومبيا على إثر هذا الاحتجاج الرمزي قررت إدارة جامعة كولومبيا تعليق أنشطة منظمتين طلابيتين شاركا في الفاعلية. وقال نائب رئيس الجامعة، جيرالد روزبرغ، إنه سيتم تعليق “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” و”الصوت اليهودي من أجل السلام” لفصل الخريف بأكمله. ادعت الجامعة في بيانها أن الجمعيتين انتهكتا بشكلمتكرر قواعد الجامعة بشأن تنظيم أحداث في الحرم الجامعي، ما أدى إلى تنظيم حدث غير مصرح به ( وكأن الجامعة الأمريكية العريقة استعانت بخبرات السادة ضباط الأمن الوطني ومحققي النيابة المصريتين الذين يكتبون في أول تهمة في سجل الناشط السياسي أن التظاهرة لم يكن مصرح بها والانضمام لجماعة إرهابية أُسست على خلاف القانون)
في الوقت ذاته أشادت منظمة “StandWithUS” الإسرائيلية التي تصف نفسها بأنها منظمة تعليمية غير حزبية بقرار جامعة كولومبيا على صفحاتها الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي، هذا بعدما راسلت المنظمة عدة جامعات أميركية لحثهم على محاسبة مثل هذه المجموعات الطلابية، التي بحسبهم “تبث روح الكراهية” في الحرم الجامعي.
بات معلومًا لدى الجميع في كافة أنحاء العالم أن الولايات المتحدة الأمريكية بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية هي الداعم الأكبر لإسرائيل في عدوانها على غزة، وبات أيضًا معلومًا أن اللوبي الصهيوني بذل جهودًا مضاعفة لإخضاع المؤسسات التعليمية الأمريكية للرواية الصهيونية والأمريكية محاولين اسكات أية أصوات مؤيدة للحق الفلسطيني. واحدة من هذه التحركات والجهود قام بها مجلس النواب الأمريكي عندما قام في الخامس من ديسمبر 2023 باستدعاء ثلاثة من رؤساء أفضل الجامعات الأمريكية لجلسة استماع بعنوان معاداة السامية، ولم تكن الجلسة سوى إعطاء دروس لرؤساء الجامعات الثلاث في فرض قيود على أية أنشطة طلابية تؤيد الحق الفلسطيني.
كلودين جاي رئيسة جامعة هارفارد: أول أمريكية أفريقية تتولى منصب رئاسة جامعة هارفارد في يونيو 2023
خلال الجلسة شبهت النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك دعوات بعض الطلاب إلى الانتفاضة بالحض على إبادة جماعية ضد اليهود في إسرائيل والعالم، وطالبت اي بتوضيح ما إذا كان هذا النوع من الشعارات يتعارض مع قواعد السلوك في جامعة هارفارد. وأجابت غاي “نحن نؤيد حرية التعبير حتى لو كان ذلك يتعلق بآراء مرفوضة ومهينة وبغيضة، عندما يتحول الخطاب إلى سلوك ينتهك سياساتنا -بما في ذلك السياسات المرتبطة بالتحرش أو التنمر- نتخذ تدابير. وقد أثار هذا الرد موجة من الانتقادات ضد كلودين غاي، ودعت رسالة موقعة من 70 نائبا في الكونغرس إلى إقالتها من منصبها.
اعتذرت لاحقا عن ردها في جلسة الكونغرس، وأوضحت أن هناك من خلط بين الحق في حرية التعبير وفكرة أن جامعة هارفارد ستتغاضى عن الدعوات إلى العنف ضد الطلاب اليهود، أريد أن أكون واضحة: الدعوات إلى العنف أو الإبادة الجماعية ضد المجتمع اليهودي أو أي مجموعة إثنية أو دينية أخرى هي دعوات مشينة، وستتم محاسبة أولئك الذين يهددون طلابنا اليهود”
الضغوط المتواصلة على كلودين دفعتها إلى الاستقالة في نهاية المطاف بتاريخ الثاني من يناير/كانون الثاني 2024، وقالت في بيان إنها قدمت استقالتها حتى لا يتسبب الجدل بشأن شخصها في إلحاق ضرر بالجامعة.وأشارت إلى أنها اتخذت قرارها كي تتمكن الجامعة من مواصلة أهدافها بعيدا عن السجالات، مضيفة “أصبح من الواضح أنه من مصلحة جامعة هارفارد أن أستقيل، حتى تتمكن من تجاوز هذه المرحلة الصعبة للغاية عبر التركيز على المؤسسة بدلا من الفرد”.وعلى الرغم من استقالتها فإنها أكدت أن الحملة التي استهدفتها كانت قائمة على الأكاذيب، معلقة “هؤلاء الذين قاموا بحملات بدون هوادة لإقالتي منذ الخريف استخدموا في كثير من الأحيان الأكاذيب والإهانات الشخصية وليس الحجج المنطقية”.
رئيسة جامعة بنسلفانيا “ليز ماجيل” قالت في الجلسة ذاتها في مجلس النواب الأمريكي ” إن الدعوة لإبادة اليهود لا تنتهك قواعد سلوك جامعتها، إلا بحسب السياق الذي تأتي به.” وأتت النتيجة مبكرًا أي بعد جلسة الاستماع بثلاثة أيام وفي الثامن من ديسمبر 2023 طالب مجلس كلية وارتون للأعمال التجارية من رئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماجيل بالاستقالة من منصبها في رئاسة الجامعة بعد شهادتها في جلسة الاستماع. وفي العاشر من ديسمبر 2023 استقالت رئيسة الجامعة على اثر الانتقادات التي وجهت لها بعد شهادتها
رئيسة معهد ماساتشوستس MIT السيدة سالي كورنبلوث، واللي تم توجيه الاتهام لها في نفس جلسة الاستماع في ديسمبر 2023 والتي رفضت اعتبار الحراك الداعم لغزة دعوة لإبادة اليهود رئيسة معهد ماساتشوستس MIT السيدة سالي كورنبلوث، وبناء على شهادتها شن اللوبي الصهيوني حملات عليها للمطالبة باستقالتها ومن بينهم الملياردير اليهودي بيل آكمان الذي لايزال يهدد بقطع اي تبرعات لمعهد MIT حتى يتم اقالة سالي كورنبلوث.
هذه الحملات الممنهجة التي شنها الكونجرس الأمريكي ومن بعده اللوبي الصهيوني لا تختلف بأي شكل من الأشكال عن الحملات الممنهجة التي تشنها الأنظمة القمعية العربية التي ترعاها الإدارة الأمريكية. ومن المعلوم أن الأنظمة القمعية العربية شنت ولاتزال حملات قمع ضد طلاب الجامعات ولا تسمح بأية أنشطة طلابية سواء كانت مؤيدة للحق الفلسطيني أم لا.
نعمت شفيق، مصرية الأصل صهيونية الهوى تبطش بالطلاب.
نعمت شفيق وشهرتها مينوش، من مواليد عام 1962، هي مصرية وتحمل الجنسيتين البريطانية والأمريكية. هي رئيسة جامعة كولومبيا العشرين منذ عام 2023، وتولت منصبها كرئيسة للجامعة في يوليو 2023. كانت رئيسة ونائب مستشار كلية لندن للاقتصاد بين العامين 2017-2023، وهي عضوة في المجلس الإداري لمؤسسة بيل ومليندا غيتس. شغلت منصب نائب محافظ بنك إنجلترا المسؤول عن الأسواق والخدمات المصرفية وعضو بنك إنجلترا في لجنة السياسة النقدية بين العامين 2014-2017. وكانت نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، بين العامين 2011 -2014. وأشغلت أيضًا منصب السكرتير الدائم للمملكة المتحدة وزارة التنمية الدولية (DFID) ابتداء من مارس 2008.
على خلاف رؤساء الجامعات الثلاث الذين تم استدعائهم في جلسة استماع لمجلس النواب الأمريكي، دافعت أقرت شفيق بتجاوز الطلاب المدافعين عن الحق الفلسطيني. على عكس ما فعل رؤساء جامعات آخرين في جلسات سابقة، لم تذكر شفيق أي شيء عن حرية التعبير عن الرأي أو سلمية التظاهرات والاحتجاجات، بل أكدت منذ اللحظة الأولى التي وقفت فيها للحديث أنها ملتزمة “بشكل شخصي” بالتصدي بكامل طاقتها لكافة أشكال “معاداة السامية”.
عضو مجلس النواب عن الحزب الجمهوري ريك ألين سأل شفيق قائلاً “إن الله قد أخذ على النبي إبراهيم عهدا بأنه سيباركه إذا بارك إسرائيل وإذا لعنها فإن لعنته ستحل عليه”. “هل تريدين أن يلعن الله جامعة كولومبيا؟” في إشارة للمظاهرات المنددة بالانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة. وردت نعمت شفيق، بأنها “بالطبع، لا ترغب في أن تحل اللعنة على جامعة كولومبيا”، وهكذا استمرت ردود نعمت شفيق طوال الجلسة التي استمرت قرابة 4 ساعات، أكدت فيها أنها تعمل بكل جد لمواجهة التجاوزات داخل الجامعة. وقالت نعمت شفيق، إنها “سمعت هتافات ضد اليهود ومعاداة السامية خلال الاحتجاجات التي ملأت الحرم الجامعي، وهو ما استدعى طلبها لشرطة نيويورك من أجل القبض على الطلاب، الذين عرقلوا سير الحياة العادية، إضافة إلى إقالة عدد من المسؤولين في الجامعة الذين أيدوا موقف الطلاب المتظاهرين ودافعوا عنهم”.
وكان استدعاء شفيق، لشرطة الولاية أثر بالغ، مع عدم تهدئته للتظاهرات بل زادها حدة وصلت حد مطالبتها بالاستقالة إضافة لانتشار الاحتجاجات، في جامعات أخرى مطالبين بالإفراج عن أكثر من 100 طالب اعتقلتهم شرطة الولاية بطلب من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية.
وتزايدت حدة الاعتقالات بعد مثول نعمت شفيق أمام مجلس النواب، فبعد أن كان عدد الموقوفين قليلا في البداية تزايد بعد الاستدعاء، ليزيد عن الـ 100 بينهم ابنة عضو الكونغرس الأمريكي إلهان عمر ذات الـ 21 عاما والتي تم إيقافها عن الدراسة في الجامعة.
تحول الحرم الجامعي لجامعة كولومبيا التي تعد واحدة من أعرق الجامعات في العالم إلى حرم جامعة القاهرة أو جامعة الأزهر حينما كانت تدخل قوات الأمن المصرية لتعتدي على الطلاب وتعتقلهم، وأصبحت الولايات المتحدة تمارس تنكيلًا كانت تنتقده في مصر وبلدان العالم الثالث في تقارير وزارة خارجيتها في السنوات الماضية عن حالة حقوق الإنسان. شجعت الولايات المتحدة الأمريكية أنظمة الدول العربية على قمع الأصوات المدافعة عن فلسطين وخنقت حرية تعبير الجماهير عن أراءهم المؤيدة للحق الفلسطيني فانفجرت الجماهير الأمريكية في وجه السلطات هناك بعدما طالهم القمع الأمريكي.
لم يكن استدعاء نعمت شفيق للشرطة الأمريكية وتسببها في اعتقال 100 من طلاب جامعة كولومبيا للمرة الأولى في التاريخ درع حماية لها ضد الانتقادات وحملات الترهيب التي نالت من رؤساء الثلاث جامعات السابق ذكرهم، بل انقلب السحر على الساحر بأن نالت شفيق من الهجوم والتوبيخ ما وضعها في موقف حرج. لأن موقفها العدائي من الأنشطة الطلابية الداعمة لفلسطين كانت سببًا في اشتعال كرة النار واندلعت التظاهرات الطلابية في 40 جامعة أمريكية، بل وتخطت الحدود الأمريكية لتنتقل إلى فرنسا وكندا وأغلب الجامعات العالمية.
صحيفة نيويورك بوست نشرت في غلاف صفحتها الأولى خبرا رئيسيا قالت فيه لشفيق ” يجب أن ترحلي” لأنها صارت أول رئيس جامعة أمريكية تستدعي الشرطة لاعتقال طلاب الجامعة.
يعتزم مجلس جامعة كولومبيا الأميركية، الجمعة، التصويت على قرار لـ”توبيخ” رئيسة الجامعة، نعمت شفيق، بدلا من “حجب الثقة”، وذلك للتعبير عن الاستياء من قراراتها بعد استدعاء الشرطة لاعتقال الطلاب المحتجين الأسبوع الماضي وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.
تتصاعد كل يوم الانتفاضة الطلابية الاحتجاجية في الجامعات الأمريكية المطالبة بوقف العدوان الصهيوني على غزة ووقف الدعم الأمريكي المُطلق لهذا الكيان الغاصب، لتشمل عشرات الجامعات والمؤسسات التعليمية في مختلف الولايات المتحدة، وذلك ما أثار الفزع والرعُب بين القادة الصهاينة والأمريكيين للدرجة التي قال فيها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني إن هذه المظاهرات مروعة ويجب أن تتوقف ووصفها بأنها معادية للسامية، واعتبر أن المتظاهرين يطالبون بالقضاء على إسرائيل، ويهاجمون الطلاب اليهود، ويهاجمون أعضاء هيئة التدريس اليهود، وقال هذا يذكرنا بما كان يحدث في الجامعات الألمانية في الثلاثينيات.
وواصل طلاب جامعة كولومبيا اعتصامهم لليوم الثامن وأمهلت إدارة الجامعة الطلاب 48 ساعة لإنهاء الاعتصام. وفي جامعة ولاية تكساس اعتقلت الشرطة ما لا يقل عن 10 طلاب احتجوا داخل حرم جامعة أوستن، بينما قامت قوات مكافحة الشغب بالتصدي للمتظاهرين الغاضبين، واستخدم بعضهم الهراوات لتفريقهم. وظهرت صورًا لمتظاهرين من ولاية تكساس من رعاة البقر يتظاهرون على خيولهم متجولين بالعلم الفلسطيني.
وتشهد ولاية تكساس خلافات على مستويات مختلفة، بعد اعتقال الشرطة العشرات من متظاهري الجامعات المؤيدين للفلسطينيين بناءً على أوامر الحاكم، غريج أبوت، الذي وجد نفسه بعدها وسط عاصفة غاضبة من الانتقادات التي وصلت إلى النائب غريغ كاسار، عضو الكونجرس الأميركي، (ديمقراطي من تكساس)، الذي أعلن على حسابه على موقع “إكس” مشاركته الطلاب المحتجين في جامعة تكساس. ومع انتشار أنباء مفادها أن المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين كانوا يخططون لاحتلال حديقة في حرم جامعة تكساس، قام الحاكم غريغ أبوت بخطوة وصفتها صحيفة “واشنطن بوست بالدراماتيكية وهي استدعاء أكثر من 100 من قوات الولاية وإصدار أوامر بإخلائهم. وبهذا القرار، الذي أدى إلى اعتقال العشرات كما ظهر في مقطع فيديو لقوات مكافحة الشغب في الحرم الجامعي، سعى أبوت إلى طمأنة حزبه وبقية البلاد بأن تكساس لن تقبل بتكرار معسكر المتظاهرين الممتد في جامعة كولومبيا في نيويورك.
طلاب جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس اشتبكوا مع عناصر الشرطة خلال محاولتهم إزالة الخيام التي نصبها المحتجون وسط الحرم الجامعي، وتم اعتقال عدد منهم. وبحسب تقرير صحيفة لوس أنجلوس تايمز اعتقلت الشرطة 93 طالبا في الجامعة بسبب المظاهرات المناصرة لغزة التي انتشرت عبر البلاد. كما أعلنت الجامعة إلغاء حفل التخرج الرئيسي في مايو/أيار مع استمرار الاحتجاجات في جامعات الولايات المتحدة ضد هجمات إسرائيل على قطاع غزة.
لم تستثنِ الاحتجاجات المناهضة للحرب على قطاع غزة جامعة هارفارد الأمريكية العريقة، التي شهدت تظاهر الطلاب على ما يحدث في القطاع. وقد برزت احتجاجات الطلبة في الولايات على هذه الحرب في عدد متزايد من الجامعات الأمريكية بعيد اعتقال أكثر من 100 متظاهر في جامعة كولومبيا الأسبوع الماضي. ويدعو طلاب الجامعات على غرار طلبة جامعة هارفارد إلى فصل المؤسسات التعليمية عن أي شركات تنشط في مجال تطوير الجهود العسكرية الإسرائيلية في غزة، وفي بعض الحالات عن إسرائيل نفسها. وقالت لجنة التضامن مع فلسطين لطلبة جامعة هارفارد في بيان، إنه تم تعليقها لأسباب فنية وإن الجامعة لم تقدم توضيحا مكتوبا بشأن سياساتها عندما سُئلت. وكتبت المجموعة في بيان “لقد أظهرت لنا جامعة هارفارد مرارا وتكرارا أن فلسطين تظل استثناء من حرية التعبير”.
وشهدت جامعات أخرى احتجاجات مماثلة الأربعاء ونصب فيها المخيمات، منها جامعة براون في مدينة بروفيدنس، وجامعة ميشيغان في مدينة آن أربور، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبردج وجامعة كاليفورنيا بوليتكنك في مدينة هومبولت.
تخطت انتفاضة الطلاب الدولية حدود الولايات المتحدة الأمريكية لتنطلق في عصر السموات المفتوحة الحدود الأمريكية لتنتقل وتصبغ بالصبغة العالمية. فقد قام طلاب معهد العلوم السياسية بباريس باعتصام داخل المعهد تنديدًا بالانتهاكات والإبادة الجماعية التي ترتكيها دولة الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين.
الولايات المتحدة المصرية
اللافت للنظر أن الولايات المتحدة التي تدعم الأنظمة المستبدة في العالم الثالث بوجه عام، والمنطقة العربية بوجه خاص، والنظام المصري بشكل أكثر خصوصية، قد تحولت بين عشية وضحاها إلى جمهورية مصر العربية، وكأن اسمها قد تحول إلى الولايات المتحدة المصرية تحت شعار الجمهورية الجديدة. نلاحظ ذلك في مانشيت صحيفة وول ستريت جورنال وقالت فيه إن بعض التظاهرات المناهضة لإسرائيل مدفوعة الثمن وكأنك تقرأ خبرًا في إحدى الصحف المصرية ( اليوم السابع أو المصري اليوم ) أو كأنك تستمع إلى حمدي من غمرة الذي ظهر على شاشات التلفزيون الرسمي المصري وهو يقول إنه لا توجد مظاهرات أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في مصر، أو كأنك تستمع إلى الراحل طعلت زكريا حينما قال إن المتظاهرين ” بياكلوا كنتاكي و بيشربوا مخدرات” !!!!!
لم يقتصر الأمر فقط على وول ستريت جورنال، وإنما حذت حذوها صحيفة نيويورك بوست والتي اتهمت في تقرير لها الملياردير الأمريكي، جورج سورس، بدفع أموال للطلاب المتطرفين الذين يؤججون انفجار الاحتجاجات الكارهة لإسرائيل على مستوى البلاد وفقاً لما قالته الصحيفة. وقالت الصحيفة ” يقوم جورج سوروس وأتباعه من اليسار المتشدد بدفع الأموال للمحرضين الذين يغذون انفجار الاحتجاجات المتطرفة المناهضة لإسرائيل في الكليات في جميع أنحاء البلاد”
الخاتمة
تُعد انتفاضة الطلاب التي بدأت شراراتها في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم ما لبثت أن انتقلت إلى أغلب الجامعات العالمية العريقة نقلة تاريخية وحدث سيتوقف أمامه التاريخ طويلًا نظرًا للدلالات الهامة التي يشتمل عليها هذا الاحتجاج النادر.
أولًا : أن الحق لابد له من مناصرين، وأنه لا يشترط أن يكون هؤلاء المناصرون من جلدة المظلوم، فإن الحق بّين ولابد له من مناصرين حتى في الدولة التي تناصر المعتدي والظالم.
ثانيًا: في اللحظات الفارقة يظهر الجوهر الحقيقي للشعارات التي ترفعها الدول، لطالما أعطت الدول الغربية دروسًا في حقوق الإنسان والحضارة الغربية التي تكرس المعني الحقيق للكرامة الإنسانية، وكان أغلب المراقبين والمدافعين عن حقوق الإنسان يؤمنون أن هذه الدول الغربية وفي القيادة منها الولايات المتحدة فقط تكترث لحقوق المواطنين على أرضها أو مواطنيها، وجاءت انتفاضة الطلاب لتكشف لنا زيف هذه الادعاءات، فعندما يتعلق الأمر بالفكر والخداع الصهيوني ودولة الاحتلال الصهيوني والدفاع عنها لضمان بقاءها وتفوقها وضمان ممارستها لهواية اغتصاب كافة الحقوق الفلسطينية، تعبر الولايات المتحدة فوق كافة شعارات المدنية والحضارة وحقوق الإنسان وتدهس مواطنيها في سبيل الدفاع عن الكيان الصهيوني. لقد أصبح الغرب والولايات المتحدة عبيدًا لدى دولة الكيان الصهيوني.
ثالثًا: عملت الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على دعم الأنظمة المستبدة في العالم العربي، وساعدتها بالتدريب و التكنولوجيا على قمع مواطنين هذه الدول، وجففت منابع حرية التعبير متناسية عصر السموات المفتوحة، فانفجر ما عملت على اسكاته في الجدول العربية على الأراضي الأمريكية والأوربية، وجاء طوفان الأقصى ليشعل طوفانًا ضد النفاق السياسي والأخلاقي وليكشف زيف الادعاءات الأمريكية.