المقدمة
تواجه الحريات بصفة عامة، وحرية الصحافة بشكل خاص قمعًا غير مسبوق منذ الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر منتصف عام 2013م، مما وضع تصنيف الحالة الصحفية المصرية في مرتبة متأخرة على مدى عقد من الزمان. وتتذيل مصر في مجال حرية الصحافة والتعبير قوائم الدول، كما تنوعت الانتهاكات ضد الصحفيين ومؤسسات العمل الإعلامي وازدادت قمعاً مع مرور الوقت، ولا يزال بعد قرابة 12 عاماً على الانقلاب الذي وقع في البلاد، يقبع عشرات الصحفيين وآلاف المعتقلين بسبب التعبير عن الرأي في السجون والمعتقلات السياسية، دون حصولهم على أي حق من حقوقهم الإنسانية، كما أن هيمنة الأجهزة الأمنية على المؤسسات وتأميم كافة المؤسسات أدى إلي حالة من الانغلاق الإعلامي التام، الذي لا يعطي أي مجال لأي حرية أو لرأي آخر يخالف الرواية الأمنية.
مراسلون بلا حدود: مصر من أكبر سجون العالم للصحفيين
أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود تقريرها السنوي لعام 2024. أشار التقرير إلى تراجع مصر أربعة مراكز على مؤشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة خلال العام الجاري، لتحتل المركز 170 من أصل 180 دولة شملها التصنيف، مقارنة بالمركز 166 خلال العام الماضي.
ويتم تقييم هذه المؤشرات على أساس الإحصاء الكمي للانتهاكات ضد الصحفيين ووسائل الإعلام، وتحليل نوعي يعتمد على ردود مئات الخبراء في حرية الصحافة الذين اختارتهم منظمة مراسلون بلا حدود، بما في ذلك الصحفيون والأكاديميون والمدافعون عن حقوق الإنسان، لأكثر من 100 سؤال.
وفي تقريرها الأخير، واصلت مراسلون بلا حدود تصنيف مصر ضمن الدول “شديدة الخطورة”، فيما يتعلق بحرية الصحافة، وهي الدول ذات اللون الأحمر الداكن، على خريطة الحريات. وتدرج تصنيف مصر على مدار السنوات العشرة الأخيرة من صعبة إلى صعبة جدًا وصولًا لشديدة الخطورة.
وقال التقرير إن “مصر لا تزال تُعد من أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحفيين، حيث أضحت البلاد بعيدة كل البعد عن آمال الحرية التي حملتها ثورة 2011”.
وندد التقرير بما وصفه بـ “انعدام التعددية في مصر”، مؤكدًا أن الدولة تمتلك الصحف الوطنية الثلاث الأكثر شعبية؛ الأخبار والأهرام والجمهورية، أما وسائل الإعلام المستقلة فهي تئن تحت وطأة الرقابة من جهة، والملاحقات القضائية من جهة ثانية، في حين بات دور الإذاعة والتليفزيون يقتصر على الدعاية السياسية”.
وعلى الصعيد السياسي، أكد التقرير أن وسائل الإعلام المصرية تقريبًا تعمل تحت الأوامر، مضيفًا أنها تخضع للسيطرة المباشرة إما من الحكومة أو المخابرات أو من بعض رجال الأعمال النافذين، الذين يستثمرون في الإعلام خدمة لمصالح دوائر السلطة، وفي المقابل تُحظر وسائل الإعلام التي ترفض الخضوع لسياسة الرقابة”.
وتعاني المئات من المواقع الإخبارية والحقوقية في مصر من الحجب خارج إطار القانون. وانتقدت الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي حول حالة حقوق الإنسان في مصر “فرض قيود على حرية الصحافة”، واستمرار حجب المواقع الصحفية، بما في ذلك مدى مصر والمنصة منذ 2017.
وقالت “مراسلون بلا حدود” في تقريرها السنوي، “أضحت الرقابة وعمليات التفتيش وإغلاق مكاتب وسائل الإعلام والاعتقالات والمحاكمات المفبركة وحالات الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي مشهدًا مألوفًا في الحياة اليومية للصحفيين المصريين. كما بات من الشائع أن تطالهم حملات التنمر والتشهير، بل ويصل الأمر حد التجسس عليهم أحيانًا هذا وقد أصبح من المفروض على المراسلين الحصول على تصاريح خاصة للتنقل إلى مناطق معينة، مثل سيناء وقناة السويس”.
المرصد العربي لحرية الإعلام
وفقًا للتقرير السنوي للمرصد العربي لحرية الإعلام فإنه رغم الحديث المتكرر خلال العام المنصرم عن احتمالات حدوث انفراجه في مجال الحريات وخاصة حرية الإعلام، إلا أن الممارسات العملية سارت عكس ذلك، فبخلاف الإفراج عن 7 صحفيين وصحفيات ضمن قرارات للعفو الرئاسي، إلا أن الأجهزة الأمنية قبضت خلال العام على 4 صحفيين جدد، وليستمر عدد الصحفيين المحبوسين سواء بأحكام قضائية أو بقرارات حبس احتياطي 43 حتى نهاية العام، ورغم قرار السلطات المصرية حذف 7 صحفيين وإعلاميين من قائمة للإرهاب، إلا أن عشرين صحفيا من أعضاء نقابة الصحفيين وعدد مماثل من الإعلاميين العاملين في قنوات ومواقع الكترونية ظلوا ضمن قوائم الإرهاب التي يتم تجديدها بشكل روتيني ودون إجراء أي تحقيقات مع المدرجين، أو تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم.
ووفقًا للتقرير ذاته فإن الأرقام تعلن وبوضوح شديد أن القمع لايزال يسيطر على المجتمع الإعلامي في مصر في ظل قبضة السلطة المستبدة على كافة مفاصل الاعلام من خلال إحكام الرقابة عليها وقمع الصحفيين. وتلخص عام 2024 في الأرقام التالية:
أكثر من 330 انتهاكا يتصدرها تمديد الحبس بلا مبرر، وسوء المعاملة في السجون
أكثر من 50 صحفي خلف القضبان بينهم 4 جدد خلال 2024
20 صحفيا أعضاء بنقابة الصحفيين على قوائم الإرهاب
المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين وتوصياته
عقدت نقابة الصحفيين في ديسمبر الماضي مؤتمرها السادس والذي صدر عنه مجموعة من التوصيات يرى القائمون على الصحافة والاعلام أنها جديرة بحل مشكلات الصحافة والاعلام في مصر تتلخص هذه التوصيات في:
- الإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين، وتبييض السجون من المحبوسين في قضايا النشر والرأي والتعبير، لا سيما مَن جاوزوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي وهو عامان، والامتناع عن توجيه اتهامات جديدة لهم ليستمروا قيد الحبس.
- أن يواصل مجلس النقابة جهوده الحثيثة لمتابعة حالات الصحفيين المحبوسين، وتقديم المساعدة القانونية لهم، ودعم أسرهم.
- يبدي المؤتمر ترحيبه بتوجه الدولة مؤخرًا إلى إخراج المئات من قوائم الإرهاب بعد مراجعة أوضاعهم، ونوصي في هذا الصدد برفع أسماء باقي الزملاء المدرجين على هذه القوائم.
- إصدار قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية، في إطار التنفيذ التشريعي الكامل لنصوص الدستور بحظر توقيع عقوبات سالبة للحرية في الجرائم، التي ترتكب بطريق النشر والعلانية عدا التحريض على العنف والتمييز والطعن في الأعراض.
- التطبيق الكامل والأمين للضمانات الدستورية، التي تكفل حرية الممارسة الصحفية في إطار شامل لحرية الفكر والرأي والتعبير، والإبداع والصحافة والطباعة، وإزالة القيود التشريعية على حرية الصحافة بأنواعها.
- تعديل التشريعات المنظِّمة للصحافة والإعلام، وعلى رأسها “قانون تنظيم الصحافة والإعلام”، بما يرسخ استقلال المؤسسات الصحفية، ويسهّل أداء الصحفيين لواجبهم المهني، ويرفع القيود التي فرضتها بعض مواد تلك القوانين على حرية الرأي والتعبير.
- أعلن المؤتمر دعمه لموقف النقابة من قانون الإجراءات الجنائية، ومطالبة مجلس النقابة بالاستمرار لحين الالتزام الكامل بما أقره الدستور من ضمانات للحرية الشخصية للمواطنين بصفة عامة، وما كفله لعدالة وسلامة إجراءات الاتهام والقبض والمحاكمة، وضرورة انعكاس ذلك على التشريعات المعنية.
- المسارعة إلى تنفيذ الاستحقاق الدستوري لحرية تداول المعلومات كحق أساسي للمواطن معطل منذ إقراره في الدستور قبل أكثر من عشر سنوات، والتوسع في استغلال المعلومات باعتبارها مقومات أساسية للاقتصاد الوطني، مع التأكيد على عدم فرض قيود تعطل الحق باسم التنظيم.
- يرفض المؤتمر الممارسات الاحتكارية في مجالي الصحافة والإعلام، ويطالب بتفعيل دور المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المقرر دستوريًا وتشريعيًا لمنع تلك الممارسات.
- مراجعة القيود والضوابط القانونية المفروضة على حرية الإصدار بالمخالفة للدستور، وضرورة إزالة كل القيود التشريعية والإجرائية، التي تحول دون حرية الإصدار، وتقف حائلًا بين التنوع في المجتمع، والتأكيد على أن ذلك تدعيمًا لحق المواطنين في المعرفة.
- رفع الحجب عن جميع المواقع الصحفية، والمواقع التي تقدم محتوى إعلاميًا، ووقف استخدام الحجب كإجراء احترازي أو عقابي دون مقتضى، وبحيث لا يتم الحجب إلا استنادًا لقرار قضائي.
- وقف الملاحقات الأمنية لمالكي المواقع الإلكترونية ومديريها، والعاملين بها بسبب محتواهم، أو بحجة إدارة المواقع بدون ترخيص.
- سرعة البت في طلبات الترخيص المقدمة من جميع المواقع الصحفية، واعتبار عدم الرد أو المراجعة خلال تسعين يومًا بمثابة موافقة نهائية على منح الترخيص، وعدم التمييز بين المواقع بسبب سياساتها أو اتجاهاتها التحريرية، والتعامل معها جميعًا سواء بسواء، والنظر في طلباتهم بنفس القدر من الاهتمام والسرعة.
- تعديل مواد الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية، التي حولت الإجراء الاحترازي إلى عقوبة تم تنفيذها على العديد من الصحفيين وأصحاب الرأي خلال السنوات الماضية، وبما يضمن عدم تجاوز الحد الأقصى لفترة الحبس الاحتياطي المقرر للجنح والجنايات تحت أي مسمى.