المقال من موقع عربي 21
قبل عام مضى، فوجئ العالم بخبر استشهاد الرئيس محمد مرسي، رحمه الله وتقبله في الصالحين، بعد أكثر من ست سنوات ظل الرجل في محبسه وحيدا، بلا زيارات، وبلا أي معاملة إنسانية تذكر، في حالة لا يتصورها حتى أكثر خصومه، فمن يتحمل الحبس الانفرادي لسنوات، ينام ويصبح وحده، ويصلي وحده، ويصوم ويفطر في رمضان وحده، ويقضي العيد وحده، حتى لو كان يعامل أفضل معاملة، فيكفي السجن أنه سجن، ويكفي الوحدة أنها وحدة!
كان الشهيد محمد مرسي، يستطيع أن ينعم بأفضل معاملة كرئيس سابق، تم الانقلاب عليه، كما فعل غيره ممن نهبوا أموال الشعب، وممن خانوا الأمة في كل مقدساتها، ولكنه أبى إلا أن يظل على عهده مع ربه بالوفاء لاختيار الناس.
مات مرسي وهو معدود في الشهداء، منعت صلاة الجنازة عليه، ليصلي عليه الناس في ربوع المعمورة، لاهجة ألسنتهم بالدعاء له، والترحم عليه، وقد كانت وفاته شهادة على أن من أحبه الله فقد كفاه هذا الحب، رضي الحاكم أم سخط، فلا قيمة لسخط البشر، وقد ختم الله له بالوفاة في سجون الظلمة.
لقد تعرض مرسي رحمه الله لظلم العدو والصديق، البعيد والقريب للأسف، وللإهمال حيا وميتا أيضا، فقد ظل طوال سنوات سجنه، لم يتم أي تحرك دولي قانوني حقوقي لصالحه، فقد وجد الحكام السابقون الظلمة ممن قامت عليهم ثورات الربيع العربي من يبحث عن راحتهم، بل من يبحث عن وفاة هانئة لهم، فمبارك منذ عزله وحتى وفاته، رأينا كيف سعت دول وحكومات لينقل إليها ضيفا، ورفض مبارك لأنه لم يجد أي تضييق، ولا أي نيل منه في مصر، البلد الذي قام بثورة عليه.
لكن مرسي رحمه الله، وجد من ينهش في لحمه، وينهش في كرسيه، وهو حي، حتى بعد وفاته، تم نهشه، ونهش آله، فقد مات ابنه عبد الله بعده سريعا، في ظروف ظاهرها غامض، ولكن الحقيقة واضحة للناس، إنه الانتقام الذي يمارسه الحكم العسكري من كل خصومه، بداية من محمد نجيب، ونهاية بكل من يقول لهم: لا، أو يقف ضد مشروعهم.
وحتى بعد وفاته لم نجد تحركا دوليا ينادي بالتحقيق في وفاته، بل رأينا بعض تحركات على استحياء من البعض، ولكنها وقفت لأسباب غامضة، تحتاج لتوضيح، وادعاء أن الأمر صعب، وأن القوانين الدولية لا تسعف، وأنه لا توجد إرادة عند الدول الغربية للتحرك في ملف حقوقي لصالح مرسي، هو كلام ينطلي على خداع ممن يقوله، أو يأس، أو عدم إرادة للتحرك.
فنحن نرى الآن الأستاذ محمد صلاح سلطان، يقوم برفع دعوى على حازم الببلاوي رئيس وزراء مصر بعد الانقلاب، وأيا كانت نتيجة التحرك، فيكفي أن يظل المجرم خائفا من مطاردة الجريمة له، ومطاردة المظلوم له، وقد حدثت مقابلة أيام حكم مبارك مع المستشار طارق البشري مع الإعلامية منى الشاذلي، وسألته: سعادة المستشار لقد أصدرت أحكاما على مسؤولين، ولم تنفذ، ولن تنفذ، فلماذا؟ فقال: أنا قمت بدوري، ويكفي أن يظل المسؤول يعيش مرعوبا من أنه عند فقد منصبه، أو فقد جاهه، أن حكما ينتظره، سيطبق عليه، عندما تتغير الأحوال، وكلها ليست مستحيلة.
على مدار ست سنوات، رأينا من يتاجرون بشرعية مرسي، كلما حدث أي حديث عن اصطفاف بين قوى الثورة، أو الحديث عن ماذا بعد السيسي؟ وهناك أناس صادقون بلا شك في تمسكهم بشرعية مرسي رحمه الله، لكن اللافت للنظر أن هناك من استخدم قميص الرئيس مرسي رحمه الله شماعة يعلق عليها كل مزايداته، وهو أبعد الناس عن الرجل، بل لم يبذلوا أي جهد يذكر والرجل حي يعاني كل ألوان المرار في السجن.
ولم يبذلوا بعد وفاته أي جهد يذكر كذلك، سوى وضع صورته على بروفايل صفحة على الفيس بوك، وسيجعلون من ذكراه ملطمة ونواحا، دون فعل شيء يرد اعتبار الرجل، سواء من حيث مسيرته، ونضاله، وجهاده، وشهادته في محبسه.
أو من حيث استرداد بعض حق الرجل ممن ظلموه، وممن قتلوه داخل محبسه، بل لم نجد منهم أي تحرك يذكر، نحو آلاف المساجين ممن يعانون نفس معاناة الشهيد مرسي.
يا سادة إذا كنتم ستجعلون ذكرى الشهيد مرسي، مجرد حديث بكاء ولطم، وإعداد كلمات جوفاء لا تغني ولا تسمن من جوع، كما فعلتم في حياته، فيمكنكم أن توفروا هذه الأموال التي ستنفق، لجعلها في أي صدقة جارية على روح الرجل، فهي أكثر نفعا وفائدة من هذا الفعل.
أما إن كانت ستتحول لمناسبة ترد بعض حقه، وتضمن صيانة أرواح إخوانه وأبنائه في السجون، فمرحبا بحراككم وجهودكم، لعل ما حدث معه يكون جرس إنذار لنا جميعا أن أحدنا كان يمكن أن يكون في السجن، ويلقى نفس المصير، وهو ما يلقاه كثيرون في سجون الظملة.