الكاتب: الدكتور أسامة رشدي
أصدرت عائلة الشاعر عبد الرحمن القرضاوي الأربعاء 15 يناير بيانا يعبر عن بالغ استياء العائلة عن عزل عبدالرحمن بشكل كامل عن العالم الخارجي منذ اختطافه للإمارات بواسطة طائرة خاصة من بيروت في 8 يناير الماضي، ومنعه من التواصل مع عائلته أو محاميه، وسط انباء سلبية متعددة عن تعرضه للتعذيب، وأن هناك مخاطر صحية تهدد حياته، وأنهم عاجزون عن تأكيد أو نفي أيا من هذه المعلومات، وأعربت العائلة أن عبدالرحمن غير مدان في الإمارات بأي قضية، وأن ما قدم في حقه هو مجرد بلاغ من النيابة الإماراتية وكان ينبغي أن يظهر وأن يتم عرضه على النيابة.
وجرى توقيف عبد الرحمن يوسف في نقطة مرور المصنع بين سوريا ولبنان يوم السبت 28 ديسمبر عند عودته من سوريا التي زارها لأيام قليلة للاحتفال بانتصار الثورة السورية، حيث قام بتسجيل فديو قصير على صفحته الشخصية وجه فيها انتقادات لكل من النظام المصري والإماراتي والسعودي.
وفي يوم 7 يناير وبشكل سريع وبعد عقد صفقة بين حكومة نجيب ميقاتي ونظام أبوظبي، قيل أن يتضمن شق مالي يتعلق بتمويل إعادة الإعمار في لبنان وإعادة فتح سفارة الإمارات في بيروت بعد أن كانت مغلقة منذ أكتوبر 2021 عندما سحبت الإمارات دبلوماسييها من لبنان تضامنا مع السعودية بعد تصريحات إعلامية أغضبت السعودية نسبت لوزير الإعلام في حينه جورج قرداحي.
قرار حكومة نجيب ميقاتي الذي مر عبر صفقة قذرة، لتسليم مواطن دخل البلاد بجواز سفر تركي لبلد لا يحمل جنسيتها ولم يرتكب أي جريمة على أرضها وهي الإمارات هو عمل يرقى لمستوى القرصنة والاختطاف ولا يستند لأي قانون أو معاهدة، وكل ما ينسب لعبدالرحمن في الأوراق التي سلمت للإمارات أنها مذكرة توقيف صادرة من النيابة العامة الإماراتية يوم 29 ديسمبر تتضمن اتهامات مطاطة تتحدث عن التحريض على زعزعة الأمن في الإمارات العربية المتحدة، ، أي بعد ساعات من توقيفه في لبنان، ومن المفارقة أن مذكرة منسوبة لمجلس وزراء الداخلية العرب صادرة أيضا في نفس اليوم 29 ديسمبر، أي أن كل الصفقة القذرة أعدت على عجل ولا توجد أي أحكام صادرة على عبدالرحمن في الإمارات.
عبدالرحمن القرضاوي هو شاعر وسياسي ويلاحق على خلفية قصائده التي ينتقد فيها الأنظمة المستبدة التي قمعت شعوبها، بينما تواطأت في نفس الوقت مع الإبادة التي مارسها الصهاينة في حرب غزة التي ستضع الآن أوزارها بعد أكثر من 467 يوما من الحصار والتدمير والمجاعة والقمع، بينما شكلت دولا كالإمارات ومصر جسرا بريا وبحريا لدعم الكيان الصهيوني الذي يقتل ويحاصر الشعب الفلسطيني.
لم يكن اختطاف عبدالرحمن القرضاوي سوى حلقة في سلسلة طويلة من الملاحقات التي استهدفت عائلة فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي رحمه الله، للانتقام من الشيخ على خلفية مواقفه في دعم الربيع العربي وحرية الشعوب، وخاصة بعد أن أم بنفسه 2 مليون مصري في جمعة النصر في ميدان التحرير بعد تنحي مبارك مما جلب عليه حقد كل هذه الأنظمة الاستبدادية، فحكم على الشيخ القرضاوي بالإعدام غيابيا في مصر ، وفي سوريا أيضا من قبل نظام بشار الأسد، بل وذهبوا بعيدا في الانتقام عندما قاموا باختطاف السيدة علا القرضاوي ابنة الشيخ يوسف القرضاوي وزوجها المهندس حسام خلف، وكانوا في عطلة في الساحل الشمالي يوم 30 يونيه 2017، ورغم أن السيدة علا هي أم وجدة وليست لها أي أنشطة سياسية، وهي موظفة في السفارة القطرية في القاهرة التي تحمل جنسيتها أيضا، وجرى حبسها انفراديا بدون الحق في زيارة عائلتها ومحاميها لمدة أربعة أعوام ونصف ولم يفرج عنها إلا في ديسمبر 2021 بعد أن جرى لحلحة العلاقات المصرية القطرية، ولايزال زوجها معتقلا لقرابة ثمان سنوات حتى الآن بلا محاكمة.
ما حدث مع عبدالرحمن القرضاوي هو إرهاب عابر للحدود لكل النشطاء السياسيين العرب، فلم تكتف هذه الأنظمة بالقمع الذي تمارسه داخل حدودها ضد مواطنيها، ولكن ذهبوا بعيدا في تصدير هذا القمع في كل الإقليم الموبوء بالاستبداد، لتخويف السياسيين والكتاب وأصحاب الرأي لرفع كلفة العمل السياسي السلمي، المطالب باستعادة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان في بلادنا.
ما حدث لعبدالرحمن القرضاوي وغيره من النشطاء العرب ممن جرى اختطافهم وترحيلهم قسريا لدول يتعرضون فيها للتعذيب والمعاملة المهينة والسجن الطويل، وربما الإعدام، بالمخالفة للقانون الدولي لحقوق الانسان، وحتى بالمخالفة لاتفاقيات التعاون القضائي بين الدول العربية التي تستثني التسليم في القضايا ذات الطابع السياسي. كما أن دستور الانتربول الدولي قد نص في مادته الثالثة على أنه “يحظر على المنظمة حظرا باتا أن تنشط أو تتدخل في مسائل أو شئون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري” وهذا المبدأ هو من المحددات التي تنظم التعاون القضائي الدولي وخلاف ذلك فهي عمليات اختطاف سياسية.
هذا الواقع الصعب يستدعي جهودا أكبر من المنظمات الحقوقية الدولية ومن الأمم المتحدة المطالبة الآن ببذل جهودا اكبر تتعدى بيانات الإدانة التي تصدر للتنديد بمثل هذه الخطوات، إننا في حاجة ماسة الآن لتنفيذ التوصيات التي سبق المطالبة بها كتعيين مقرر خاص للأمم المتحدة معني بالقمع العابر للحدود، والمطالبة بفرض عقوبات على الأشخاص والدول الذين تورطوا في هذه الممارسات التي تهدد الحريات الأساسية لعدد كبير من النشطاء السياسيين والصحفيين، ومن حقنا أن نسأل الولايات المتحدة، أين مبدأ “حظر جمال خاشقجي” الذي أقرته الولايات المتحدة بعد اختطاف وقتل الصحفي السعودي الشهيد جمال خاشقجي، والذي يفرض عقوبات على كل من يشارك في تهديد منشقين أو معارضين في الخارج، من المختطفين من المعارضين عندنا وآخرهم الشاعر عبدالرحمن القرضاوي؟.