الأهداف والمالات

قامت مجموعات مسلحة تابعة للنظام السوري السابق في 6 مارس 2025 بشن العديد من الهجمات في مدن وقرى الساحل السوري استهدفت تمركزات ومقرات لقوى الأمن ومؤسسات عامة، هذه الهجمات تعد هي الأكبر من نوعها منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024
جاء رد الفعل الأولي للنظام السوري الجديد على الهجوم بدفع آلاف من قوات الأمن مدعومة بفرق من الجيش في اتجاه الساحل المضطرب. وسعت الحكومة السورية إلى التعامل مع التمرد المسلح باعتبارها سلطة شرعية تقاتل بقايا نظام وحشي.
ثم انتشر العنف وسقط الضحايا بمعدل كبير وسط حالة من الاتهامات باستهداف المدنيين العزل في محافظتي اللاذقية وطرطوس على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهما يعدا موطنًا لمعظم الأقلية العلوية في البلاد، والتي ينتمي إليها الرئيس المخلوع.
على مدار ثلاثة ايام من التطورات المتلاحقة بدى أن هذا التمرد المسلح يشكل تحديًا خطيراً للنظام السوري الجديد وهو يحاول فرض سلطته وتوحيد بلد ممزق بعد أكثر من 13 عاما من الحرب الأهلية.
مسار الأحداث
بدأت الهجمات المسلحة بنصب كمائن على الطريق العام اللاذقية- جبلة بانياس، أدت لقطع الطريق، ثم مهاجمة مواقع عسكرية منها قيادة القوات البحرية والكلية البحرية في جبلة وكذلك مقرات الأمن باللاذقية وجبلة والمستشفى الوطني بجبلة
ثم ايضا قطع العديد من الطرق الرئيسية منها طريق دريكيش وطريق القسطل اللاذقية وطريق بيت ياشوط، وطريق مطار سطامو العسكري والجسر المؤدي إلى قاعدة حميميم وميناء طرطوس.
لتسفر هذه الهجمات كتقدير أولي معلن عن مقتل 16 عنصراً من الأمن العام وخطف 47 آخرين تمت محاصرتهم واعتقالهم.
مجلس عسكري من فلول نظام الأسد
تزامن الهجوم مع إعلان تشكيل مجلس عسكري بقيادة العميد غياث دلا أحد قادة الفرقة الرابعة في النظام السابق وهو من المقربين من ماهر الأسد؛ والذي دعا في بيان منسوب له لحمل السلاح ومواجهة قوات الحكومة الجديدة
تحركات محدودة للقوى الكردية
من جانب آخر تزامنت هذه الهجمات المسلحة مع اضطرابات في السويداء وقبلها في جرمانا، ومع تحرُّك تعزيزات عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في جبهات سد تشرين ومسكنة، مع تحرك وحدات الحماية الكردية في حلب التي قامت بالسيطرة ليلاً على دوار الليرمون وتراجعت فجراً.
رد فعل أجهزة النظام السوري
أعلنت وزارة الداخلية السورية رفع أعلى درجات الاستعداد، وأطلقت عملية عسكرية للقضاء على التمرد العسكري، ودفعت بالتنسيق مع وزارة الدفاع بقوات ضخمة نحو مدن الساحل.
تمكنت القوات السورية من إيقاف تمدد التمرد المسلح، واستطاعت اعادة السيطرة على المقرات والتمركزات الأمنية والمنشئات الحكومية التى سقطت في أيدي التمرد في مدن الساحل السوري.
حملة تمشيط واسعة
قامت السلطة السورية بعد ذلك بحملة تمشيط واسعة في جبال وقرى الساحل لإكمال عملية التتبع لقوات الفلول والقضاء على تهديدهم مستفيدة من رفع حالة الطوارئ والأمداد العسكري الكبير لمنطقة الساحل ووصول قوات تقدر بما يقرب من 20 ألف مقاتل.
تقديرات الضحايا وحديث استهداف المدنيين
أسفرت ثلاثة أيام متوالية من الاشتباكات عن مقتل المئات منهم أعداد من المدنيين، وفقا لمنظمتين لرصد الحرب، اللتين أفادتا يوم السبت أن العديد منهم قتلوا على يد القوات الحكومية.
حيث أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يراقب الصراع السوري منذ عام 2011 إن أكثر من 500 شخص قتلوا منذ يوم الخميس في محافظتي طرطوس واللاذقية الساحليتين، منهم أكثر من 300 مدنيون، معظمهم قتلوا على أيدي مقاتلين حكوميين او داعمين لهم.
وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن الموالين للأسد قتلوا أكثر من 100 من قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة وأن قوات الأمن الحكومية قتلت نحو 125 آخرين. وأضافت أن من بين الضحايا رجال من جميع الأعمار، وأن القوات لم تميز بين المدنيين والمقاتلين.
رد الفعل الرسمي على استهداف القوات الحكومية للمدنيين
قال مسؤولون في وزارة الإعلام السورية، رداً على مزاعم قتل المدنيين، إنهم يرفضون “الادعاءات غير الموثقة التي تتهم القوات الحكومية بارتكاب انتهاكات”. لكنهم قالوا أيضاً إن الحكومة ملتزمة بإجراء تحقيقات شاملة وستحاسب أولئك الذين ثبت تورطهم في إيذاء المدنيين.
وقالت الوزارة في بيان لها إن الحكومة السورية تؤكد أن قواتها تعمل وفق معايير صارمة تحترم القانون الإنساني الدولي وتحرص على حماية المدنيين أثناء عملياتها.
اللجوء لقاعدة حميميم
في الساعات الأولى من يوم السبت 8 مارس 2025 قام عدد كبير من عائلات سورية تنتمي للطائفة العلوية باللجوء إلى قاعدة “حميميم” الروسية في اللاذقية، بالتوازي مع استمرار الحملة الأمنية في الساحل السوري.
حيث اظهرت الصور القادمة من “حميميم” أن الجنود الروس فتحوا ابواب القاعدة لمئات اللاجئين من عائلات وافراد مدنيون، بينهم مسنين ونساء وأطفال.
حدث اللجوء للقاعدة الروسية جرى توازياً مع انتشار عشرات المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تنعى مقتل أفراد عائلات علوية بكاملها في قرى ومدن الساحل السوري، من بينهم قاصرون وأطفال، وهو ما تكرر ظهوره في صور ومقاطع فيديو انتشرت كالنار قي الهشيم مع نشر مكثف عن هذا الامر في وسائل الاعلام العالمية.
تقدير الموقف
– التحركات المسلحة المتزامنة مع الإعلان عن قيادة للتشكيلات العسكرية في الساحل السوري بالتوازي مع التحشيد الشعبي والإعلامي تشير إلى أن التمرد المسلح هو عملية مخططة ومدروسة ومدعومة من جهات خارجية في البداية وإن تحولت إلى عمليات كر وفر واحتماء بالحاضنة الشعبية والبيئة الجغرافية في المراحل التالية.
– بصمات إيران واضحة في دعم هذا الهجوم لتغيير خريطة السيطرة في سوريا وتعويض خسارتها بعد سقوط النظام، بحيث تستعيد جزءاً من نفوذها السابق في سوريا عن طريق ادخال مناطق نفوذها العلوية ضمن المباحثات المرتقبة مع الولايات المتحدة حول برنامجها النووي.
– الهدف من مسار اللجوء المدني العلوي إلى القواعد الروسية هو ادخال ناعم للثقل الروسي السياسي ومكونه العسكري التاريخي في سوريا داخل بؤرة الأحداث وتجاذباتها القادمة بحيث العمل على تحقيق مكتسبات من التقارب بين بوتين وترامب لخلق متغير سياسي ما في منطقة الساحل وتطويره بغطاء دولي لحماية الأقلية العلوية بحماية روسية.
– التحرك المسلح يتقاطع مع التوجهات الإسرائيلية نحو سيادة منقوصة للنظام السوري على البلاد، ودعمها المعلن للأصوات الانفصالية سواء الاكراد في شمال شرق سوريا أو الدروز في الجنوب، حيث إن قيادة الفلول الاسدية عملت نحو الاستفادة من هذه التوجهات وإلحاق الساحل السوري والمناطق العلوية بمشروع التقسيم.
– سرعة استجابة الحكومة السورية افشلت هدف المهاجمين من استكمال السيطرة على أهداف حيوية وذات رمزية للدولة في مدن الساحل طرطوس وجبلة واللاذقية.
– لا يمكن إنكار أن هناك استفادة حدثت لخطة الفلول وقيادة الحاضنة العلوية من اندفاع كبير غير منضبط لمكونات عسكرية تابعة للنظام السوري حيث حدث تجاوزات كبيرة ضد المدنيين العزل في منطقة الساحل السوري في مشهد دموي متداخل الأطراف يوحي للعالم ان هناك استهداف منهجي للأقليات.
– يظهر جليا من مسار الاحداث أن الهدف الرئيس من التحرك المسلح وسط هذه الحاضنة الشعبية هو تكوين حالة من البلبلة الضخمة في اتجاه استهداف الأقلية العلوية وبالتالي ازدياد عامل الخوف لدى الأقليات الاخرى الدرزية والكردية وإلى الدفع أكثر نحو التمسك بالسلاح ومسار سوريا مجزئة.
الخاتمة
إن مالات هذا التمرد الساحلي المسلح هو أكبر تحدي سيواجه النظام السوري الجديد في المرحلة القادمة، فهو وإن تم السيطرة عليه بنسبة كبيرة عسكريًا وأمنيًا لكن سيكون له توابع قوية ومؤثرة ليس فقط على الساحل السوري ولكن في مناطق الأقليات الاخرى على اطراف الجغرافيا السورية..