مقدمة
تستحوذ الانتخابات الأمريكية على القدر الأكبر من المتابعة من الأوساط العربية والشرق الأوسطية لما لها تأثير كبير على السياسات داخل المنطقة الأكثر التهابًا في العالم وهي الشرق الأوسط. ويقوم السياسيون والباحثون بدراسة التأثيرات الإيجابية أو السلبية لاحتمالية فوز المرشح الجمهوري، وكذا أيضًا في حال احتمالية فوز مرشح الحزب الديمقراطي.
نستعرض في السطور القادمة التأثيرات المحتملة جراء الانتخابات الأمريكية التي سوف تعقد في الخامس من نوفمبر القادم حين ينتخب الأمريكيون رئيسًا ونائبًا لمدة أربع سنوات قادمة. نستعرض التأثيرات المحتملة لهذه الانتخابات على منطقة الشرق الأوسط المشتعلة.
ما الفرق أيدولوجيًا بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري؟
الحزب الديمقراطي
تأسس الحزب الديمقراطي الحالي، الذي ترجع أصوله إلى الحزب الجمهوري الديمقراطي بقيادة كل من توماس جيفرسون وجيمس ماديسون، في عام 1828 على يد أنصار أندرو جاكسون، مما يجعله أقدم حزب سياسي في العالم.
ينتهج الحزب الديمقراطي فلسفة الليبرالية الحديثة التي تجمع بين مفاهيم الحرية المدنية والمساواة الاجتماعية من جهة ودعم الاقتصاد المختلط من جهة أخرى. يتمتع الحزب في الكونجرس بأجنحة محافظة، وتقدمية، ووسط. ويشكل إصلاح حوكمة الشركات، والحفاظ على البيئة، ونقابات العمّال المنظمة، والمحافظة على البرامج الاجتماعية وتوسيعها، ورسوم التعليم الجامعي المعقولة، وضمان الرعاية الصحية الشاملة، وتكافؤ الفرص، وقانون حماية المستهلك جوهر أجندة الحزب الاقتصادية. وفيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، فإنه يؤيد إصلاح تمويل الحملات الرئاسية، ويدعم المثليين، والعدالة الجنائية، وإصلاح سياسة الهجرة، وقوانين السلاح الأكثر صرامة، وحقوق الإجهاض، وتشريع الماريجوانا.
الحزب الجمهوري:
تأسس الحزب الجمهوري في عام 1854 على يد معارضي قانون كانساس نبراسكا، الذي سمح بانتشار العبودية في بعض الأراضي الأمريكية. دعَم الحزبُ الليبراليةَ الكلاسيكية والإصلاح الاقتصادي وعارض انتشار العبودية في البلاد. كان أبراهام لينكِن أول رئيس أمريكي من الحزب الجمهوري. في عام 1865 تحت قيادة لينكن والكونجرس الجمهوري، حُظرت العبودية في الولايات المتحدة. كان الحزب على نحو عام مهيمنًا خلال فترة النظام الحزبي الثالث والنظام الحزبي الرابع. بعد عام 1912، شهد الحزب تحولًا أيديولوجيًا نحو اليمين. وبعد سن قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965، تغير الجوهر الأساسي للحزب، وأصبحت الولايات الجنوبية أكثر جدارة بالثقة في السياسة الرئاسية. تشمل قاعدة دعم الحزب في القرن الحادي والعشرين الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية، والرجال، وأبناء الجيل الصامت، والأمريكيين البيض، والمسيحيين الإنجيليين.
تتبنى أيديولوجية الحزب الجمهوري في القرن الواحد والعشرين توجه المُحافظة الأمريكيّة، الذي يجمع ما بين السياسات الاقتصادية المُحافظة والقيم الاجتماعية المُحافظة. يدعم الحزب الجمهوري تخفيض الضرائب، ورأسمالية السوق الحر، وفرض قيود على الهجرة، وزيادة الإنفاق العسكري على القوات المسلحة، وحقوق حيازة وحمل السلاح للأمريكيين، وفرض قيود على الإجهاض والحد من النقابات العمالية، بالإضافة إلى إلغاء القرارات والمراسيم الحكومية المقيدة والسماح للسوق بالعمل بحرية أكبر. بعد قرار المحكمة العليا عام 1973 في قضية رو ضد ويد، عارض الحزب الجمهوري الإجهاض في برنامجه السياسي المُعلن وزادت شعبيته بين الإنجيليين. كان الحزب الجمهوري ملتزمًا بالسياسة الحمائية والرسوم الجمركية عند تأسيسه ولكنه أصبح أكثر دعمًا للتجارة الحرّة في القرن العشرين.
مواقف الحزبين تجاه قضايا الشرق الأوسط
تنقسم اتجاهات الرأي العام داخل الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية إلى 3 اتجاهات: الأول الاتجاه الداعم المطلق لإسرائيل، والثاني الداعم لفلسطين، والثالث المنعزل الذي يفضل عدم التدخل في قضايا الشرق الأوسط.
أحد أهم التحولات التي شهدها الرأي العام الأمريكي تجاه إسرائيل وفلسطين فى السنوات الأخيرة هو تراجع التوجه الداعم لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطى، خاصة فى أوساط الشباب والأقليات العرقية والحركات التقدمية، حيث تشير استطلاعات الرأى التى أجريت فى السنوات الأخيرة إلى اتساع الفجوة داخل الحزب الديمقراطي بين الأجيال الأكبر سنا والأجيال الأصغر سنًا تجاه الموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية. وقد أشار استطلاع للرأى – أجرى فى مارس 2021 إلى أنه لأول مرة تتجاوز نسب الدعم لفلسطين تلك الداعمة لإسرائيل بين أنصار الحزب الديمقراطي بنسبة 49 % لمصلحة فلسطين مقارنة بـ %38 لمصلحة إسرائيل. وقد أدى هذا التطور إلى حدوث حالة انقسام واستقطاب داخل الحزب الديمقراطي بين القوى الديمقراطية المحافظة المسيطرة على قيادة الحزب التي يمثلها الرئيس بايدن وإدارته من ناحية، وقطاعات صاعدة داخل الحزب، وفي مقدمتها الشباب والأقليات العرقية والقوى التقدمية، وذلك فى ضوء العدوان الإسرائيلى على غزة عقب السابع من أكتوبر.
أما من ناحية الحزب الجمهوري، فقد شهد الحزب فى العقود الأخيرة تصاعد نفوذ القوى الداعمة لإسرائيل على أرضية عقائدية داخل الحزب، خاصة في أوساط التيار المسيحي الإنجيلي الذي يسمى أحيانًا التيار المسيحي-الصهيوني الذي يمثل -وفقا لبعض التقديرات- ثلث الهيئة الناخبة فى الولايات المتحدة، ونحو 40% من القاعدة الانتخابية للحزب الجمهورى. فى العقود الأخيرة، أصبح التيار المسيحى الإنجيلى أهم فاعل داخل الحزب الجمهورى وأكبر داعم لليمين الإسرائيلي وسياساته المتشددة في واشنطن، وتزايدت أهميته مقارنة بكل القوى الأخرى الداعمة لإسرائيل مما عزز بدوره من تصاعد دور ونفوذ اليمين المتطرف داخل إسرائيل. مع تراجع شعبية إسرائيل داخل الحزب الديمقراطى وتصاعد شعبيتها داخل الحزب الجمهورى، ترسخت وتوسعت الفجوة بين الحزبين الرئيسيين فيما يخص الموقف من تل أبيب وأصبحت القضية الفلسطينية جزءًا أساسيًا من الاستقطاب والصراع السياسي بين اليمين واليسار فى الولايات المتحدة.
ومع اختلاف الرؤي تجاه الشرق الأوسط وتناقضها بين الحزبين، شهدت السنوات الأخيرة داخل الحزبين تصاعد حجم التيارات المطالبة بتبني سياسة خارجية انعزالية وموقف أمريكى محايد تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية. وتوضح استطلاعات الرأى أن نسبة كبيرة من الأمريكيين المستقلين تتجاوز الـ50 % يرون أن الولايات المتحدة يجب أن تتبنى موقفًا محايدًا تجاه الصراع في فلسطين والصراعات الخارجية بشكل عام.
دور الشرق الأوسط تاريخيًا في الانتخابات الأمريكية ومواقف الحزبين تجاهه
يسود اعتقاد -أثبتت الوقائع التاريخية عدم صحته- بأن الديمقراطيين مؤمنين بالديمقراطية والحرية ومؤيدين لحقوق الشعوب في انتزاع حريتها واستقلالها وبأنهم داعمين للحق الفلسطيني. الوقائع التاريخية حين استعراضها ستثبت كذب هذا الادعاء تمامًا، فقد كان الشرق الأوسط حاضرًا وبقوة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أُجريت عام 1948، حيث شهد هذا العام إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي والتي اعترف بها الرئيس الديمقراطي ترومان بعد 11 دقيقة من إعلانها.
يرى الأكاديمي الإسرائيلي، مايكل كوهين، في كتابه ترومان وإسرائيل أن اعتراف إدارة ترومان بإسرائيل بعد 11 دقيقة من إنشائها في مايو/أيار 1948، رغم معارضة مسؤولين بارزين في وزارة الخارجية لهذا القرار، جاء في الأساس تطبيقاً لحسابات انتخابية لجذب أصوات الناخبين اليهود في الانتخابات التي كانت ستجرى بعد أشهر، خاصة في ولاية نيويورك، التي كان الناخبون اليهود يشكلون أكثر من 10 في المئة من سكانها.
في المقابل، يذهب فريق آخر من المؤرخين إلى أن قرار ترومان جاء في الأساس بسبب تعاطفه مع الحركة الصهيونية، كما يقول الكاتب الأمريكي إيه جيه بايمي (AJ Baime) مؤلف كتاب رئيس عن طريق الخطأ، الذي يتناول سيرة حياة ترومان.
وبغض النظر عن دوافع ترومان، فإن الانتخابات أسفرت عن فوزه، ما مثل مفاجأة للكثير من المراقبين الذين توقعوا فوز المرشح الجمهوري توماس ديوي، لدرجة أن صحيفة في مدينة شيكاغو تسرعت ونشرت خبراً عن فوزه، ليظهر الرئيس ترومان في اليوم التالي حاملاً نسخة من الصحيفة وهو مبتسم.
ولم يكن حصول ترومان على أغلب أصوات اليهود الأمريكيين حدثاً استثنائياً؛ وكان ذلك يجسد توجهاً بدأ قبل تلك الانتخابات بنحو 25 عامًا، واستمر حتى الانتخابات الرئاسية الأساسية الأخيرة 2020؛ إذ حصل مرشحو الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية على أكبر عدد من أصوات الناخبين من يهود الولايات المتحدة منذ عام 1924 -بحسب الأكاديمي الأمريكي هربرت إف وايزبرج- في دراسته عن تصويت اليهود في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
كثيراً ما يتبنى جمهوريون أفكارًا هي أقرب لأفكار الديمقراطيين، في حين يكون الديمقراطيون بدورهم في مثل تشدد الجمهوريين.
من أمثلة ذلك أن الضغوط على إيران بسبب الملف النووي لم تقل حدتها في عهد الديمقراطيين -كما كانت تشير رؤى المتابعين-، الأمر الذي ولّد إحساسًا بأن ما حدث إبان فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما من تقارب بين واشنطن وطهران وتوقيع اتفاق مشهود لم يكن سوى محطة استثنائية.
كيف سيتعامل كلًا من هاريس وترامب مع قضايا الشرق الأوسط؟
ترامب رئيسًا
اهتم ترامب كثيرا بالشرق الأوسط أثناء رئاسته، وكانت زيارته الخارجية الأولى في منصب الرئيس إلى المملكة العربية السعودية، وقد لعبت العلاقات الشخصية لترامب ولصهره ومستشاره جاريد كوشنر مع قادة المنطقة دورًا أساسيًا في أساليب التواصل، بل وفي صياغة قرارات كبرى.
ينظر ترامب اليوم إلى الشرق الأوسط مرة أخرى باعتباره منطقة رئيسية للاهتمام والتأثير، إذ يقول للأمريكيين أن حرب غزة ما كانت لتندلع لو كان هو رئيسًا لأمريكا، فقد أدت سياسة الضغط الأقصى على إيران التي اتبعها في عهده إلى إضعاف إيران اقتصاديًا إلى درجة ما كان سيكون لها أن تدعم حركة حماس إلى درجة تؤدي إلى شن هجوم السابع من أكتوبر 2023.
ويشير ترامب دائما إلى اتفاقات تطبيع العلاقات التي رعتها إدارته بين إسرائيل وأربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان باعتبارها إنجازا دبلوماسيًا كبيرًا ودليلًا على أن اتفاقات أخرى مشابهة ستأتي إذا عاد إلى الرئاسة.
أما إيران فقد كانت القضية الأكثر التهابًا وتوترًا في عهد ترامب. -وعلى عكس المقولة الراسخة في قناعة أوساط في العالم العربي- بأن السياسية الخارجية الأمريكية لا تتغير بتغير الرؤساء؛ فقد غير ترامب السياسة الأمريكية إزاء إيران، فانسحب من الاتفاق النووي الذي عملت إدارة سلفه أوباما لسنوات من أجل التوصل إليه، واتبع ترامب سياسة الضغط الأقصى اقتصاديًا عبر فرض وتشديد العقوبات على طهران.
وأصدر أوامر بقتل قاسم سليماني قائد وحدة القدس في الحرس الثوري الإيراني في ضربة هي الأقوى التي تتلقاها إيران من أمريكا على طول سنوات التوتر بينهما. وفي الوقت الذي تتوتر فيه الأوضاع اليوم بين إيران من جهة وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى، فإن عودة ترامب قد لا تعني بالضرورة حربا أمريكية مع إيران بل إن ترامب يلمح إلى أنه قد يتوصل إلى اتفاق مع إيران ولكن بشروطه هو.
ستكون هناك أهمية كبيرة للدول التي تمثل ساحات مواجهة مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. عودة ترامب إلى الرئاسة قد تفتح أبوابًا لخطوات حادة في تلك الدول. يقول بول سالم المدير التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط إن ترامب قد يقدم على الانسحاب من سوريا وربما من العراق، ويذكر بأن ترامب قد أعلن فعلًا عن قرار الانسحاب من سوريا عندما كان رئيسًا لكنه تراجع عن ذلك تحت ضغط القادة العسكريين.
هاريس رئيسًا
لم تتحدث كمالا هاريس أثناء خدمتها في منصب نائب الرئيس عن سياسات ومبادرات استراتيجية في الشرق الأوسط، لكنها ستجد نفسها -إن فازت بالرئاسة- في موقع يحتم عليها التعامل مع الشرق الأوسط. وقد بدأت هاريس فعلًا في الشهور الماضية في اتخاذ خطوات تميزها قليلا عن الرئيس جو بايدن. فقد كانت هي المسؤول الأمريكي الرفيع الأول الذي دعا إلى وقف لإطلاق النار في غزة بعد أن اصطفت واشنطن لشهور طويلة مؤيدة لإسرائيل في معارضة فكرة وقف إطلاق النار حتى تحقق حملة إسرائيل أهدافها.
وعندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، واشنطن في تموز/يوليو 2024، كان حديث هاريس أمام نتنياهو والعالم أكثر وضوحًا وحسمًا عندما قالت إنه يجب وقف إطلاق النار فورًا. لم يتحقق ذلك طبعًا حتى الآن، ولا يتوقع أن تشهد سياسة أمريكا الداعمة لإسرائيل تغيرًا جذريًا دراماتيكيًا إذا تولت هاريس الرئاسة، لكنّ تغيرًا جزئيًا في التحركات والأساليب قد يتحقق وهو أمر لم يحققه بايدن.
القضية الفلسطينية أصبحت جزءًا من الصراع الداخلي داخل حزب هاريس وبايدن الديمقراطي. فالجناح اليساري لحزبها يطالب بقوة بتغييرات في السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل كما يطالب به الناخبون الأمريكيون العرب والمسلمون. وقد وجدت هاريس نفسها وجهًا لوجه مع ذلك التحدي في حادثة مهمة لفتت الأنظار في حملتها الانتخابية.
حدث ذلك أثناء تجمع انتخابي في ولاية ميشيغان عندما قاطعها ناشطون مؤيدون لغزة مرددين هتافاتهم ومعربين عن احتجاجهم على سياسة إدارتها. جابهتهم هي بالقول إن طريقهم هذا في عدم تأييدها سيؤدي إلى فوز دونالد ترامب وإن عليهم أن يدركوا ذلك ويدعوها تتحدث.
قد تؤدي الطريقة التي تحسم فيها الانتخابات بين هاريس وترامب إلى نتائج فعلية على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. فاستطلاعات الرأي تشير إلى نسب تأييد متقاربة بين ترامب وهاريس، وهذا يجعل من بعض الولايات التي تتقارب فيها نسب تأييد الحزبين مهمة جدًا بل وحاسمة في تحديد من يفوز ومن يخسر.
وسيكون التنافس شديدًا على كل صوت في تلك الولايات المتأرجحة انتخابيًا من أجل الفوز بالرئاسة، وتلك الولايات تحتوي نسبة مهمة من الناخبين العرب والمسلمين، وقد يؤدي تجاهلهم إلى دفعهم لعدم التصويت أو التصويت لمرشح من غير الحزبين الرئيسيين وبالتالي تزداد فرص ترامب في الفوز. لذلك فمن المرجح أن تبذل حملة هاريس مزيدًا من الجهود، وربما الوعود من أجل كسب هؤلاء.
أما بالنسبة لإيران فقد كانت هاريس جزءا من إدارة بايدن التي حاولت العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. يُتوقع أن تسير هاريس -إن أصبحت رئيسة- على نفس ذلك التوجه، لكن سيكون عليها وعلى فريقها تقديم مبادرات جديدة لتحريك الموقف.
وسواء كان الرئيس المقبل ترامب أو هاريس فإن أمريكا قد تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ قرار كبير يتعلق بمستقبل إيران وفكرة امتلاكها للسلاح النووي.
أما بالنسبة لسياسة هاريس إزاء دول الخليج وتحديدًا السعودية، فستأتي هاريس بعد عهد بايدن الذي بدأ بتوجه متشدد ضد السعودية، ثم انتهى إلى العودة إلى سياسة التحالف التقليدية مع الرياض. لذلك فمن المرجح أن تتعزز العلاقات بين إدارة هاريس والسعودية، ولا سيما أن هناك أسسًا وتاريخا ومصالح مشتركة بين البلدين. ولأن هاريس ليست من المختصين في السياسة الخارجية، ولم تحتل تلك السياسة حيزًا في مسارها المهني على عكس بايدن وترامب، فسيكون اختيارها لمن يشغل منصب وزير الخارجية خيارًا مهما وكبيرًا. فقد كان وزير الخارجية الحالي، أنتوني بلينكن، مساعدًا مقربًا لبايدن، لذلك أتى إلى المنصب وهو مطلع على الشرق الأوسط وشخصياته ومعادلاته.
وقد تختار هاريس أن تبقيه في منصبه. أما ترامب فمهما كانت الشخصية التي سيختارها وزيرًا للخارجية فسيبقى هو اللاعب الأكبر، ومن المتوقع أن يعود زوج ابنته ومستشاره كوشنر الى لعب دور مؤثر مرة أخرى.
الخاتمة
نتوقع أن السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط سوف تتغير إلى حد ما بعد الانتخابات القادمة، إلا أننا لا نتوقع أن تنحاز السياسة الخارجية الأمريكية تجاه تأييد المصالح الفلسطينية أو رغبات الشعوب في التحرر. بات من المؤكد من خلال وقائع التاريخ أن الشعوب فقط هي من تملك حق تقرير مصيرها وليست الدول الكبرى، على الرغم من مساهمة القوى الكبرى في السياسات الداخلية للبلدان الصغيرة ولكن تعود الكلمة الأولى والأخيرة للشعب إذا أراد ذلك حقًا.
السياسة الخارجية هي أقل العوامل تأثيرًا على الناخب الأمريكي، فهو بطبيعة الحال منشغل بمواقف المرشحين من القضايا الداخلية والاقتصادية منها بالخصوص، وقلة قليلة من الأمريكيين هم من يفكرون في سياسات المرشحين الخارجية.
في ظل حكومات عربية تسارع الخطى تجاه التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، نجد من الصعب حصول تغير جوهري في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية.