مقدمة
تُعتبر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي حجز الزاوية الثاني في حقوق الإنسان الأساسية التي نصت عليها المعاهدات والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ويتمثل الهدف الأساسي لإقرار وضمانة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المواثيق الدولية والدساتير هو تأمين تحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين ضد الفقر والمرض والعجز عن العمل والقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل المناسبة للأفراد لتمكينهم من حياة كريمة.
وعلى الرغم من أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه من الملاحظ أن الاهتمام بها من الناحية القانونية والعملية قد جاء متأخراً، على العكس من الاهتمام بالحقوق السياسية والمدنية، وذلك باعتبار أن الاعتراف للفرد بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية من شأنه أن يحررهم من الهيمنة المادية لأية جهة، ويمكنهم من أن يعيشوا حياة كريمة ويؤدون دورهم في المجتمع على نحو أفضل. إذ أنه من المؤكد أن الإرادة السياسية للفرد سوف تكون أكثر حرية عندما يتحرر من مخاوف البطالة والجهل والمرض. كما أن حصول الأفراد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يحقق لهم بطبيعة الحال المساواة الحقيقية لا النظرية التي يمكن أن تحققها لهم الحقوق والحريات السياسية والمدنية.
العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
لم تكتفِ الأمم المتحدة بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تشمل ضمان حقوق اقتصادية واجتماعيّة مثل الحق في التملك والحق في العمل والحق في الصحة والحق في التعليم، بل وأصدرت العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الي يكرس كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية لحياة كريمة للأفراد. تضمن العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحقوق التالية:
الحق في العمل: لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق. والحق في التدريب والتوجيه. كما يوفر العهد الدولي حق الفرد في شروط عمل عادلة مثل التمتع بأجر عادل ومكافآت متساوية بين الجميع دون تمييز والمساواة في حقوق العمل بين الرجل والمرأة وعدم التمييز بينمها طبقًا للجنس. كما أن من حق الأفراد التمتع بظروف عمل تكفل الصحة والسلامة. كما يضمن حقوق الجميع في فرص ترقية مساوية وعادلة دون تمييز.
الحق في تكون النقابات: حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفى الانضمام إلى النقابة التي يختارها، حق النقابات في ممارسة نشاطها بحرية، دونما قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم. حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعنى.
كما يتضمن العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق في الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية.
حقوق الأسرة: وجوب منح الأسرة، التي تشكل الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، أكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة. وجوب توفير حماية خاصة للأمهات خلال فترة معقولة قبل الوضع وبعده. وينبغي منح الأمهات العاملات، أثناء الفترة المذكورة، اجازة مأجورة أو اجازه مصحوبة باستحقاقات ضمان اجتماعي كافية. وجوب اتخاذ تدابير حماية ومساعدة خاصة لصالح جميع الأطفال والمراهقين، دون أي تمييز
الحق في مستوى معيشة كريم: لكل فرد في المجتمع الحق في مستوى معيشة كافٍ له ولأسرته مما يوفر لهم حاجتهم من الغذاء والكساء والمأوي الملائم.
الحق في الصحة الجسدية والعقلية والنفسية: تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه. العمل علي خفض معدل موتي المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحّياً، تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية، الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.
الحق في التعليم: لكل فرد الحق في تعليم جيد يقوم على تنمية كافة جوانب الشخصية والحس بكرامتها وتوطيد احترام حقوق الإنسان، وتمكين كل فرد في الاسهام الفعّال بدور نافع في المجتمع. جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته مجانا للجميع، تعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، بما في ذلك التعليم الثانوي التقني والمهني، وجعله متاحا للجميع بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم، جعل التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة، تبعا للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم، العمل بنشاط على إنماء شبكة مدرسية على جميع المستويات، وإنشاء نظام منح واف بالغرض، ومواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس.
الحق في الثقافة والعلم: لكل فرد الحق في المشاركة في الحياة الثقافية، والتمتع بفوائد التقدم العليمي.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدستور المصري:
ملاحظة: ننوه أن النصوص الأتية من الدستور هي لدستور ما بعد الإنقلاب العسكري والمطعون في شرعيته الدستورية والشعبية ومع هذا يتم انتهاكه أيضًا من سلطة لا تحترم حتى الدساتير والقوانين التي فصلتها بعيداً عن إرادة الشعب..
نص الدستور المصري والذي أعدته سلطة الانقلاب لعام 2014 والمعدل في عام 2019 على مجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مواده المختلفة نرصد منها التالي:
ينص الدستور في المادة رقم 8 منه على كفالة حق المواطنين في التكافل الاجتماعي وتلزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية بما يضمن حياة كريمة لكافة المصريين. كما يلزم الدستور الدولة في نص المادة التاسعة منه على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين المصريين دون تمييز. كما أقرت الدولة في الدستور في مادته العاشرة بأن الأسرة هي أساس المجتمع. كفلت المادة الحادية عشر تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية.
كما نص ذات الدستور المصري في الحق في الحصول علي العمل وكذلك حق العمال فنص في المادة رقم 12 على الحق في العمل وحظر العمل قسرًا، وألزم الدستور الدولة في المادة رقم 13 بالحفاظ على حقوق العمال وكفلت سبل التفاوض الجماعي وكفلت حماية العمال من مخاطر العمل وتوفير شروط الأمن والسلامة. وفيما يخص الوظائف العامة، نصت المادة رقم 14 على أن شغل الوظائف العامة يكون وفق معايير الكفاءة دون محاباة أو واسطة وحظرت المادة فصل العاملين بغير الطريق التأديبي.
ملاحظة:
إذا كنا أقررنا أن الدستور المصري طوال تاريخه حتى ما بعد الانقلاب انحاز لحقوق المصريين الاقتصادية والاجتماعية، فإن المشكلة تكمن في تطبيق الدستور وتغول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية لتنفيذ أجندات سياسية تخدم مصالح النظام الحاكم، وليس عموم المصريين. في عام 2021 أصدر السيسي القانون رقم 135 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1972 في شأن الفصل بغير الطريق التأديبي وقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، والمعروف إعلاميًا بفصل الإخوان. وبموجب قانون الفصل بغير الطريق التأديبي فإن سلطة لرئيس السلطة أو من يفوضه بناء على عرض الوزير المختص، الحق في فصل أي موظف عامل بالجهاز الإداري للدولة، بعد سماع أقواله، حال ما أخل بواجباته الوظيفية بما من شأنه الإضرار الجسيم بمرفق عام بالدولة أو بمصالحها الاقتصادية، أو إذا قامت بشأنه قرائن جدية على ارتكابه ما يمس الأمن القومي للبلاد وسلامتها ــ ويُعد إدراج العامل على قائمة الإرهابيين وفقا لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين قرينة جديةــ أو إذا فقد الثقة والاعتبار، أو إذا فقد سببا أو أكثر من أسباب صلاحية شغل الوظيفة التي يشغلها، وذلك عدا الأسباب الصحية. الخبراء وصفوا القانون بأنه مخالف للدستور في مادته الرابعة عشر، كما أن مواده ونصوصه غير واضحة وقد تحمل أكثر من معنى، كما أنها قد تُستخدم للتخلص من بعض الموظفين في المؤسسات الحكومية. يهدف القانون للتنكيل بالموظفين ذوي الآراء السياسية المعارضة للحكومة، كما أنه يهدف لخفض عدد موظفي الجهاز الإداري للدولة المصرية، الذين أصبحوا عبئًا كبيرًا في نظر بعض المسؤولين. هذا القانون يفتقد مبدأ التدرج في العقاب قبل الفصل، ويعتمد في العقاب على أسباب خارج مهام وشروط الوظيفة ذاتها، بالإضافة إلى أن بعض الموظفين قد يُحذفون من قوائم الإرهابيين في وقت لاحق، لكنهم لن يتمكنوا من العودة إلى وظائفهم، إلا بعد إجراءات تُقاضي الجهة الإدارية.
الإضراب بين حق في الدستور وتجريم في الواقع
في الوقت الذي ينص الدستور المصري بعد الانقلاب والمعدل عام 2019 في المادة رقم 15 أن الإضراب السلمي حق ينظمه القانون، إلا أنه وبالتطبيق على أرض الواقع نجد أن العديد من العاملين تم عقابهم بسبب دعواتهم للإضراب الذي كفله القانون. في سبتمبر 2020 أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمًا بتجريم الإضراب. وتضمن الحكم مبدأ حظر الإضراب في المرافق العامة، حيث قالت المحكمة إن جميع الدساتير المصرية منذ عام 1923 خلت من النص على الإضراب سوى دستور 2012 الذي نقل عنه دستور 2014 وهو غير قابل للتطبيق بذاته، بحسب ما ذكرت في الحيثيات. تناقضًا مع هذا الحكم، كانت نفس المحكمة، المحكمة الإدارية العليا قد أصدرت حكمًا في ديسمبر 2015 أقرت فيه بأن الاضراب السلمي حق دستوري مشروع لكافة الموظفين.
الرعاية الاجتماعية والصحية بين الدستور والواقع
ومن العجيب أن الدستور المصري بعد الانقلاب كفل في المادة رقم 17 حق المواطنين في الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي بما يضمن لهم حياة كريمة. وكفل أيضًا في المادة رقم 18 الحق في الصحة والرعاية الصحية وألزم الدستور الحكومة بإنفاق نسبة 3% من الناتج القومي على الصحة.
لم تلتزم السلطة القمعية، منذ إقرار دستور 2014، بعد الانقلاب بالنسب الدستورية في الإنفاق على التعليم والصحة، والمحددة بـ 4% من الناتج المحلي للإنفاق على التعليم، و3% للإنفاق على الصحة. وأكد ذلك رأس السلطة القمعية، عبد الفتاح السيسي والذي أقر في تصريح رسمي خلال مؤتمر الشباب، في 14 يونيو 2023، على عدم الالتزام بالنسبة الدستورية للإنفاق على التعليم والصحة، وعلل ذلك بقدرات الدولة الضعيفة. وقال السيسي: “الدولة دي عشان تصرف كويس عايزة 2 تريليون دولار في السنة، معاك المبلغ ده؟ هتعمل استحقاق دستوري إزاي للتعليم؟ مش بتقولوا كده؟ أنتم عاوزني أضحك عليكم كلكم؟ تقول لي استحقاق دستوري للصحة؟ هو أنا معايا فلوس للكلام ده.. الأرقام المطلوبة مش موجودة يا جماعة، ولازم إحنا كلنا نبقى موجودين على أرض الواقع “. وبلغت مخصصات التعليم في الموازنة العامة الجديدة 2023/ 2024 نحو 229 مليار و891 مليون جنيه، وهو ما يمثل حوالي 2.3% من الناتج المحلي البالغ 9.8 تريليون جنيه، وبالتالي لم تصل إلى النسبة المقررة دستوريًا بـ4%. كما بلغت مخصصات الصحة في الموازنة العامة الجديدة 2023/ 2024 نحو 147 مليار و864 مليون جنيه، وهو ما يمثل حوالي 1.5% من الناتج المحلي البالغ 9.8 تريليون جنيه، وبالتالي لم تصل هي أيضًا إلى النسبة الدستورية المحدد ب 3%.
كيف تخدع الحكومة المواطنين بادعاء استيفاء النسب الدستورية؟
ينص دستور 2012 الشرعي والمعدل بعد الانقلاب في العام 2014 والمعدل ثانيا في 2019 في المادة 18: “تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”، وفي المادة 19: “تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيًا أيضًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية” .ونصت المادة 238 من الدستور على أن “تضمن الدولة تنفيذ التزامها بتخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومي على التعليم المقررة في الدستور تدريجيًّا اعتبارًا من تاريخ العمل به، على أن تلتزم به كاملًا في موازنة الدولة للسنة المالية 2016/ 2017”.
ولكن الدولة منذ العام 2016/ 2017 وحتى الموازنة الجديدة 2023/ 2024، لم تلتزم بتلك النسب، وكانت نسب الإنفاق على التعليم على سبيل المثال: –
- عام 2017/ 2018 كانت نسبة الإنفاق على التعليم 2.5% –
- عام 2018/ 2019 كانت نسبة الإنفاق على التعليم 2.2% –
- عام 2019/ 2020 كانت نسبة الإنفاق على التعليم 2.1%
- عام 2021/ 2022 كانت نسبة الإنفاق على التعليم 2.7%
- عام 2022/ 2023 كانت نسبة الإنفاق على التعليم 1.6%
- عام 2023/ 2024 كانت نسبة الإنفاق على التعليم 2.3%
تضع الحكومة في البيان المالي المقدم لمجلس النواب الموالي للسلطة لإقرار الموازنة أرقامًا للتعليم والصحة تتعدى النسب المقررة دستوريًا، ولكن في البيان التحليلي للموازنة، تظهر أرقام مغايرة أقل في مخصصات وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة لا تتفق مع مواد الدستور، وهي الأرقام الحقيقية للإنفاق الفعلي على كلا الوزارتين. على سبيل المثال، في عام 2022/ 2023، جاء في البيان المالي للموازنة المقدم لمجلس النواب أن الحكومة خصصت مبلغ 317 مليار جنيه للإنفاق على التعليم ما قبل الجامعي، وهو الرقم الذي يمثل 4.01% من الناتج المحلي للعام السابق البالغ 7.9 تريليون جنيهًا. ولكن على النقيض، جاء البيان التحليلي لنفس الموازنة، بأن الميزانية المخصصة للتعليم فقط 131 مليار جنيه، وهذا الرقم لا يمثل سوى 1.6% فقط من إجمالي الناتج المحلي.
أين يذهب الفارق بين الرقمين؟
كشفت وزارة التخطيط في تقريرها السنوي للموارد البشرية لعام 2021، أن الحكومة تضيف قسماً إلى مصروفات التعليم والصحة في البيان المالي، تسميه بمخصصات البنود ذات الصلة، وتسدد من خلالها جزءًا من بند خدمة الدين “فؤاد القروض” والنفقات على البنية التحتية وخدمات توصيل الإنارة والتليفونات والصرف الصحي. أي أن الدولة تضيف جزء من التزاماتها لسداد القروض إلى ميزانية التعليم والصحة لتكمل النسبة الدستورية “صوريًا” أمام مجلس النواب، فيما يكون الإنفاق الفعلي على التعليم والصحة هو المدرج في ميزانية الوزارتين، والذي لا يصل بأي شكل من الأشكال للنسب المقررة في الدستور.
في تصريح لموقع مدى مصر، يقول سعيد صديق، المشرف على قطاع الموازنة بوزارة التربية والتعليم “مكانش في اهتمام من القيادة السياسية بموضوع التعليم أوي، ومش هقدر أفسر أكتر من كده”.
كيف تورط مجلس النواب في خداع المواطنين؟
في العام 2016/ 2017، وهو العام الأول الذي أقره الدستور لتنفيذ النسب الدستورية، وافقت لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان؛ على إضافة تلك البنود ذات الصلة على موازنة التعليم والصحة في البيان المالي، وتتمثل في نسبة من بند خدمة الدين وفوائد القروض، وجزء من البنية التحتية مثل خدمات توصيل الإنارة والتليفونات والصرف الصحي للمدارس، ونقل ميزانية المعاهد الأزهرية من باب الشؤون الدينية إلى باب التعليم، وذلك حتى تكتمل نسبة الإنفاق إلى 4% والصحة إلى 3%. بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فإنه بإمكان الحكومة الالتزام بالنسب الدستورية للصحة والتعليم في حال أحسنت إدارة الموارد وترتيب أولويات الإنفاق. على سبيل المثال، تلك الفجوة بين الإنفاق الفعلي على التعليم قبل الجامعي والإنفاق الصوري، تقترب قيمتها من قيمة مخصصات بناء مباني وزارات وأجهزة إدارية بالدولة، في موازنة العام 2023-2024، بحسب ما أوردته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في تقريرها.
التفريط في حق المصريين في مورد المياه الأساسي” نهر النيل”
بتوقيع السيسي لاتفاق المبادئ مع إثيوبيا عام 2015 بخصوص سد النهضة فقد فرط في حق المصريين وخالف الدستور المصري كما هو موضح تاليًا:
المادة 1
جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية.
المادة 44
تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه أو تلويثها. كما تلتزم الدولة بحماية مياهها الجوفية، واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائي ودعم البحث العلمي في هذا المجال. وحق كل مواطن في التمتع بنهر النيل مكفول، ويحظر التعدي على حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية، وتكفل الدولة إزالة ما يقع عليه من تعديات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون.
المادة 45
تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. ويحظر التعدي عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن في التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر، والحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية والسمكية، وحماية المعرض منها للانقراض أو الخطر، والرفق بالحيوان، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون.
المادة 151
يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة.
إن سد النهضة يمثل خطر وجودي على مصر بحيث في حالة استمرار تلك الممارسات على التوازي مع فترة جفاف مطوّل، قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون ومائة ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من 15 في المائة من الرقعة الزراعية في مصر، ومضاعفة فاتورة واردات مصر الغذائية. فقطاع الزراعة يمثل مصدر الرزق لأكثر من 50 في المائة من السكان، وأن مصر لديها عجز مائي يصل إلى 55 في المائة من احتياجاتها المائية التي تبلغ 120 مليار متر مكعب.
التفريط في جزيرتي تيران وصنافير
فرط السيسي في أمن مصر القومي بتنازله عن جزيرتي تريان وصنافير للمملكة العربية الصعودية مخالفًا صريح الدستور المصري كما سنوضح لاحقًا:
المادة 1
“جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية. ”
مادة 151
يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة.
وتثبت الخرائط والوثائق سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير. خريطة مصر التي صدرت طبعتها الأولى سنة 1912 وطبعتها الثانية 1913. وموضّح في الخريطة أسماء الجزر المصرية ومن ضمنها تيران وصنافير، بينما تظهر الجزر السعودية دون أسماء.
قبل التنازل عن تيران وصنافير، كانت المساحة الإجمالية لمصر حوالي 1,001,449 كيلومتر مربع. وشمل ذلك شبه جزيرة سيناء، التي تغطي مساحة تبلغ حوالي 61100 كيلومتر مربع. وبعد التنازل عن تيران وصنافير، انخفضت المساحة الإجمالية لمصر إلى حوالي 995,458 كيلومتر مربع. ويمثل ذلك انخفاضًا بنحو 6000 كيلومتر مربع (2300 ميل مربع) أو 0.6% من إجمالي مساحة مصر.
التفريط في ثروات مصر في غاز شرق المتوسط
باتفاقه مع كل من قبرص واليونان فرط السيسي في ثروات المصريين في غاز شرق المتوسط وأضاع علي المصريين ثروات تقدر بمئات المليارات من الدولارات وخالف صريح نص الدستور
المادة 1
جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون.
الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية.
المادة 32
موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها. كما تلتزم الدولة بالعمل على الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها، وتشجيع البحث العلمي المتعلق بها. وتعمل الدولة على تشجيع تصنيع المواد الأولية، وزيادة قيمتها المضافة وفقاً للجدوى الاقتصادية. ولا يجوز التصرف في أملاك الدولة العامة، ويكون منح حق استغلال الموارد الطبيعية أو التزام المرافق العامة بقانون، ولمدة لا تتجاوز ثلاثين عاماً. ويكون منح حق استغلال المحاجر والمناجم الصغيرة والملاحات، أو منح التزام المرافق العامة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر عاماً بناء على قانون. ويحدد القانون أحكام التصرف في أملاك الدولة الخاصة، والقواعد والإجراءات المنظمة لذلك.
المادة 34
للملكية العامة حرمة، لا يجوز المساس بها، وحمايتها واجب وفقاً للقانون.
المادة 45
تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. ويحظر التعدي عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن في التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر، والحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية والسمكية، وحماية المعرض منها للانقراض أو الخطر، والرفق بالحيوان، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون.
المادة 151
يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة.
النظام الاقتصادي بين حقوق دستورية نظرية وحقوق مهدرة في الواقع
يكفل الدستور المصري في المادة 27 تحقيق الرخاء للمواطنين عن طريق الأنشطة الاقتصادية المختلفة ورفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد ورفع مستوى المعيشة. وفي المادة 28 من الدستور التي تنص على توفير مناخ جاذب للاقتصاد وزيادة الإنتاج. في حين تكفل المادة 29 حماية الزراعة كنشاط اقتصادي وحماية الرقعة الزراعية.
أثبتت السياسات الاقتصادية لنظام عبد الفتاح السيسي فشلها بحيث تمر مصر بأزمة اقتصادية عميقة تهدد بتعطيل سياساتها الداخلية والاقتصادية والخارجية، وهي ليست الأولى من نوعها، لكن تزامنها وتحديات أخرى دفعت المراقبين لعدّها مختلفة. يعد شح الدولار أحد أبرز التحديات الاقتصادية في مصر الآن، خاصة أنها تعتمد على الاستيراد، وخلال الأشهر السبعة الأولى من العام الماضي انخفضت فاتورة الاستيراد بنسبة 20.1 في المائة، مسجلة 46.3 مليار دولار، وفقاً للإحصاءات الرسمية. وترتبط الأزمة بتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية٬ حيث خرج نحو 20 مليار دولار بين يناير (كانون الثاني) وسبتمبر (أيلول) 2022. وبدأت الحكومة تقييد الوصول إلى العملة الصعبة، وهي سياسة عدّها مراقبون محفوفة بالمخاطر.
معاناة المصريين مع الدولار بدأت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 عقب قرار البنك المركزي بتحرير جزئي لسعر صرف الجنيه، ليقفز الدولار من 7.8 جنيه إلى 18.7 جنيه، قبل أن يستقر ما بين 15 و16 جنيهاً. وفي أكتوبر 2021، أصدر البنك المركزي قراراً بالانتقال إلى سعر صرف مرن، لتتراجع قيمة الجنيه بشكل متسارع، ويتجاوز الدولار في يناير 2022 نحو 27 جنيهاً، قبل أن يرتفع مرة أخرى في مارس (آذار) من العام نفسه، ويستقر سعره الرسمي في البنوك عند 30.85 جنيه للدولار الواحد، وإن ظل سعره يرتفع في السوق الموازية مع نقص النقد الأجنبي حتى تجاوز أخيراً حاجز الـ 50 جنيهاً للدولار. نقص الدولار والضغوط على السوق الموازية واقعان دفعا نحو موجة غلاء تزامنت مع ارتفاع نسب التضخم بمعدلات غير مسبوقة، حيث وصل في سبتمبر الماضي إلى 38 في المائة، قبل أن يتراجع على أساس سنوي إلى33.7 في المائة في شهر ديسمبر (كانون الأول)، وإن ظل معدلاً مرتفعاً يضع عبئاً هائلاً على السكان الذين يعيش ما يقرب من ثلثهم بالفعل تحت خط الفقر. توسعت مصر خلال السنوات العشر الأخيرة في الاقتراض لتتجاوز ديونها الخارجية الآن 160 مليار دولار، تنفق على سدادها أكثر من 40 في المائة من إيراداتها. ولم يحقق قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، التأثير المأمول لجهة الحد من الأزمة الاقتصادية، ويرجع خبراء ذلك إلى أنه قرض مشروط بتعويم سعر الصرف وتقليص الدولة لدورها بشكل كبير في الاقتصاد. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد هي الأعلى حالياً بين الاقتصادات الناشئة، وتقدر بنحو 92.7 في المائة. وتتوقع موازنة مصر 2023 – 2024 أن تستوعب مدفوعات السداد 56 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي. وعد مراقبون الديون سبباً رئيسياً في دق ناقوس الخطر. لكن المسؤولين في مصر عادة ما يوجهون رسائل طمأنة بقدرتهم على سداد التزاماتهم المالية.
معظم المشروعات التي أعلن عنها السيسي خلال العام الأول من حكمه، وبقية السنوات الثلاثة اللاحقة، أثبتت أنه شخص يبحث عن مشروعات لافتتاحها حتى لو كانت قليلة الأهمية، ولا تليق بمقام مشروعات حقيقية للدولة، أو مشروعات كان يجرى العمل فيها قبل أن يتبوأ منصبه الذي اغتصبه بالانقلاب بسنوات! وحتى مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة (37 كيلو متراً)، والتي كانت في الأصل مشروعاً مخططاً له لدى هيئة قناة السويس، على أن تتم خلال ثلاث سنوات، فإن التكليف منه بضرورة إنجازها فى سنة واحدة، حتى لو كلف الأمر أن تتضاعف التكاليف ثلاثة أضعاف وتؤثر سلباً على المتاح من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، ومن الفائض المحول من حسابات هيئة قناة السويس لصالح الخزانة العامة، فقد كانت مدفوعة بتثبيت دعائم حكمه بإنجاز من نوع ما، حتى لو كانت جدواه الاقتصادية لا تتطلب ذلك.
الخبير الاقتصادي، عبد الخالق فاروق لخص، في دراسة له أبرز الخطايا للسيسي في بعض النقاط نذكر منها:
- في مجال التعليم تحدث عن حاجتنا إلى بناء 20 ألف مدرسة وتعيين 200 ألف مدرس، بما يحتاج في المتوسط إلى 500 مليار جنيه، ولكنه لم يقدم خطة أو تصوراً لإعادة بناء تلك المنظومة، التي ضاعت وتاهت معها مصر لثلاثة أو أربعة عقود سابقة، فجاء الخطاب بمثابة عذر تعجيزي من ناحية، وخلواً من أي تصور لاقتحام تلك المشكلة، التي يتوقف عليها مستقبل البلاد كلها.
- وبالمقابل تحدث عن أن الموارد المتاحة لا تسمح بتحسين ظروف المعلم الآن، بما يؤكد مرة ثانية بأنه لا يمتلك رؤية، ولم يطلع على الأفكار والدراسات، التي تناولت وسائل إنقاذ التعليم في مصر في ضوء رد الاعتبار لمجانية التعليم وعودة المدرسة العامة لتكون قيادة في النظام التعليمي بدلاً من تركه نهباً لمفهوم الربح والتجارة والقطاع الخاص.
- لم يقترب الجنرال السيسي من موضوع كيفية تعظيم الموارد وبناء سياسات ضريبية عادلة، بل إنه ناشد في صيغة مكررة ومبتذلة رجال المال والأعمال بالتبرع بالمال، دون أن يرنو بالبصر إلى تجارب الدول الكبرى في إعادة بناء نظامها الضريبي ليوازن بين الأرباح الهائلة لفئة من الناس والأعباء الضريبية الكفيلة بإعادة بناء الدولة.
- ولم يتطرق الرجل إلى مهمة إعادة بناء قطاعات الإنتاج المهملة مثل قطاع الثروة المعدنية وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، وكذلك مراجعة نظم العمل والتشغيل في قطاع البترول والغاز الحافل بالفساد ونهب الموارد العامة.
- وبالمثل لم يتطرق أبداً لموضوع الصناديق والحسابات الخاصة، التي ظلت لسنوات طويلة ركيزة من ركائز دولة الفساد في عهد حسنى مبارك، بل المصيبة أن الرجل قد بدأ عهده بإنشاء صندوق وحساب خاص تحت مسمى “صندوق تحيا مصر”.
- لم يتطرق الجنرال السيسي إلى موضوع استرداد الأموال المنهوبة والمهربة من أركان نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ومن أموال أسرة حسنى مبارك.
- عندما تحدث الجنرال السيسي عن آليات السيطرة على الأسعار والأسواق، قال كلاماً ساذجاً لا يصلح في إدارة دولة، حيث أشار إلى أنه سوف يوفر- بالتعاون مع القوات المسلحة – ألف سيارة تجوب شوارع المدن المصرية لبيع السلع بأسعار أقل من مثيلتها لدى التجار، وبصرف النظر عن تحويل جزء من الجيش إلى تجار في الأسواق، فإن هذا الحديث يعكس جهلاً فاضحاً بأسس إدارة الاقتصاد، وفى القلب منها السيطرة على الأسواق عبر حزمة من السياسات المتكاملة، تأتى في مؤخرتها منافذ التوزيع.
- ثم انتقل إلى خطته لاستزراع واستصلاح أربعة ملايين فدان – هبط بها بعد عدة شهور إلى 1.5 مليون فدان فقط – وبرغم أن هذا الهدف مفيد من الناحية الاستراتيجية، إلا أنه يفتقر إلى الأسس العلمية المرتبطة بالمخزون المائي المتاح لدى مصر، خصوصاً بعد شروع أثيوبيا في بناء سد النهضة ومجموعة سدود أخرى على النيل الأزرق، مما سيحرم مصر من جريان مائي مناسب، إن لم يحرمها من حصتها المائية في النهر، يضاف إلى ذلك فقر الدراسات الجادة بشأن المخزون المائي الجوفي. وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من حكم الرجل لم يتقدم سوى بضعة آلاف من الفدادين فى مناطق واحة الفرافرة ومناطق أخرى لم تزد كلها عن 50 ألفاً إلى 100 ألف فدان.
- وعند حديثه عن الطاقة، أكد على أن الطاقة الشمسية هي الأساس، وعدم اللجوء إلى محطات توليد الكهرباء بالوقود التقليدي، وسوف يعمل على توفير 4 آلاف ميجاوات مع الاستخدام المكثف للمبات الموفرة.
كان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قد أعلن عن ارتفاع معدل الفقر في البلاد خلال العام المالي 2017-2018 إلى 32.5 في المائة مقارنة بـ 27.8 في المائة خلال العام المالي 2015-2016. كما ارتفعت نسبة المواطنين القابعين تحت خط الفقر إلى 6.2 في المائة مقابل 5.3 في المائة، ما يمثل أكثر من 6 ملايين مصري. تأتي تلك الإحصاءات استنادا إلى نتائج بحث الدخل والإنفاق عن العام المالي 2017-2018، الذي أكد ارتفاع متوسط الإنفاق الكلي للأسرة من 36 ألف جنيه إلى 51 ألف جنيه سنويا. وكان البنك الدولي ذكر في تقرير له في مايو/أيار 2022 أن أكثر من 30 بالمائة من المصريين يرزحون تحت خط الفقر، وأن 60 بالمائة منهم إما فقراء أو معرضون له.
وأظهر مسح أجراه موقع عربي21، طفرة غير مسبوقة في أسعار السلع منذ تولي السيسي السلطة في حزيران/يونيو 2014، لدرجة أن نسبة الزيادة بلغت في بعض السلع أكثر من 2000 بالمئة، وذلك بالتزامن مع رفع الدعم عن الطاقة والوقود، وانهيار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار من 7 جنيهات إلى نحو 31 جنيهاً في البنوك، وما يناهز 73 جنيهاً في السوق الموازية. ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري فقد ارتفعت ديون مصر من 45.2 مليار دولار عند تولي السيسي السلطة إلى 164.5 مليار دولار، في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، أي بزيادة نسبتها 264 بالمئة. وأثقلت الفواتير لاستهلاك الكهرباء والغاز الطبيعي ومياه الشرب الأعباء المعيشية على المصريين، إذ ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 1038% منذ عام 2014، وأسعار الغاز بنسبة تصل إلى 2400%، رضوخاً لاشتراطات صندوق النقد الدولي بشأن تحرير أسعار بيعها. وفيما يخص السلع الاستراتيجية الأساسية فقد كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن سعر عبوة زيت الطعام قفز من 6.50 جنيهات في 2014 إلى متوسط 85 جنيهاً بزيادة 1207%، والسكر الأبيض من 3 جنيهات إلى 45 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 1400%، والأرز المعبأ من 3.75 جنيهات إلى 40 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 966%، والدقيق “الطحين” من 3.50 جنيهات إلى 30 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 757%.
وعلى صعيد المواد الغذائية زاد سعر الفول المعبأ من 5 جنيهات إلى متوسط 52 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 940%، والعدس من 7 جنيهات إلى 78 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 1014%، والألبان المعبأة من 5.5 جنيهات إلى 42 جنيهاً للتر، بزيادة نسبتها 663%، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. وتتعرض الطبقة الوسطى في مصر إلى ضغوط شديدة، دفعت قطاعاً كبيراً منها للانحدار إلى الفقر. وقفز عدد الفقراء في البلاد إلى نحو 60 مليوناً من أصل 105 ملايين نسمة في الداخل، وفق تقديرات البنك الدولي، وسط توقعات بارتفاع العدد مع الزيادات المستمرة في أسعار السلع الأساسية، بأضعاف ما كانت عليه قبل سنوات قليلة.
في العاشر من أكتوبر 2023 أصدر البنك الدولي تقرير حالة عن الاقتصاد المصري ننقل نصه ” وتقاطعت التحديات التي تواجهها مصر منذ فترة طويلة مع صدمات عالمية متعددة تسببت في أزمة صرف أجنبي وتضخم تاريخي وضغوط أدت إلى تفاقم حسابات المالية العامة والخارجية المنهكة بالفعل. على الرغم من أن اختلالات الاقتصاد الكلي المتزايدة في مصر ناجمة عن الأزمة العالمية المتعددة، إلا أنها تعكس التحديات المحلية الموجودة مسبقًا، بما في ذلك تباطؤ الصادرات غير النفطية والاستثمار الأجنبي المباشر، ونشاط القطاع الخاص المقيد وخلق فرص العمل (لا سيما للشباب والنساء)، فضلاً عن ارتفاع الدين الحكومي وارتفاعه. وتؤدي تعبئة الإيرادات الأقل من الإمكانات إلى الحد من الحيز المالي المطلوب لتعزيز رأس المال البشري والمادي لسكان مصر الذين يتجاوز عددهم 105 ملايين نسمة، يعيش 30% منهم تقريبًا تحت خط الفقر، وفقًا للتقديرات الرسمية لعام 2019. واستجابة للصدمات المتزامنة، قامت السلطات المصرية بسلسلة من التعديلات على سياساتها. ويشمل ذلك رفع أسعار الفائدة الرئيسية، والسماح لسعر الصرف بالانخفاض بشكل كبير منذ مارس/آذار 2022 لإزالة التشوهات في سوق الصرف الأجنبي، وإدخال تدابير التخفيف الاجتماعية (بما في ذلك زيادات المعاشات التقاعدية، ودعم المواد الغذائية، والتوسع في تغطية ومخصصات برامج التحويلات النقدية). لحماية الضعفاء جزئيًا. ومن المتوقع أن يدعم تسهيل الصندوق الممدد لصندوق النقد الدولي لمدة 46 شهرا (الذي تمت الموافقة عليه في ديسمبر 2022) الاستعادة التدريجية لاستقرار الاقتصاد الكلي ودعم الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك تلك المبينة في سياسة ملكية الدولة لتعزيز الحياد التنافسي لتحسين مشاركة القطاع الخاص. وتأثر النشاط الاقتصادي سلباً بالصدمات العالمية المتداخلة وكذلك اختناقات العرض المحلي، مع تراجع النمو إلى 4.2% خلال السنة المالية 2023 (يوليو/تموز 2022 – يونيو/حزيران 2023) من 6.6% قبل عام. علاوة على ذلك، كان معدل التضخم في خانة العشرات منذ مارس 2022، وتسارع إلى 37.4 في المائة (تضخم الغذاء 71.7 في المائة) في أغسطس 2023. وفي حين انخفض إجمالي موارد النقد الأجنبي (بما في ذلك “الاحتياطيات الرسمية” و”أصول العملات الأجنبية الأخرى”) ومع بدء التعافي من انخفاضها الحاد في مارس/آذار 2022 (تم الإبلاغ آخر مرة عند 42.9 مليار دولار أمريكي في نهاية أغسطس/آب 2023)، يظل عرض العملة الصعبة يمثل تحديًا رئيسيًا. بيئة الاقتصاد الكلي الشاملة في مصر خلال السنة المالية 2023.
خطايا التغول العسكري في الاقتصاد المصري
أشار تقرير للبنك الدولي عن مصر في عام 2020 إلى التالي:
- إن نسبة الاستثمارات الخاصة لا تزال أقل من المتوسط وأقل كثيرًا مما هي عليه في الدول المناظرة.
- القدرة التنافسية للصادرات المصرية مازالت ضعيفة، كما أن حصيلة الصادرات لازالت أضعف من الدول النظيرة.
- عدد الشركات المصدر ضعيف جدا، بحيث تبلغ فقط 9%.
- تعد مشاركة مصر في سلاسل القيمة العالمية ضعيفة جدًا وأحد أدني المعدلات بين نظيراتها. إذ تتركز صادرتها في الأساس على السلع الأولية والمنتجات الأقل تطورًا.
- لم تجتذب مصر بعد تدفقات قوية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة للاستفادة من سوقها المحلي الكبير أو لربط مصر في التجارة الدولية.
- تسهم ضعف خدمات النقل والخدمات اللوجستية ضعف أداء الصادرات المصرية والاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير الاستراتيجية.
- في السنوات الأخيرة ظهرت تخوفات بسبب الدول المتنامي للدولة والامتيازات التي تتمتع بها في الأنشطة الاقتصادية، كما أدي تنامي المخاوف حول غياب المنافسة العادلة وتكافؤ الفرص إلى عرقلة الاستثمار الأجنبي المباشر.
- لا يوجد إلزام على الشركات المملوكة للدولة لفصل أنشطتها التجارية عن غير التجارية أو أنشطة الخدمة العامة.
- غياب الفصل الواضح بين هيئات الدولة الرقابية والتنفيذية وتلك المعنية بوضع السياسات في بعض الأسواق يخلق تضاربًا أصيلًا في المصالح.
لقد بات واضحًا من خلال الممارسات على أرض الواقع، ومن خلال التقارير والتوصيات التي قدمتها جهات دولية مانحة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أنه على الحكومة المصرية، إذا كانت جادة في عملية الإصلاح الاقتصادي الحدّ من تدخّل المؤسسة العسكرية في الاقتصاد لأن هذا التدخل يتسبّب بنفور المستثمرين الخارجيين الذين لا يستطيعون التنافس مع امتيازات القوات المسلحة المتأصلة، ما يُرغم مصر على سدّ فجوتها التمويلية بأموال ساخنة، ويخفّض الحوافز لزيادة الصادرات من أجل رفع الربحية. ولكن في الوقت الراهن، يؤجّل صندوق النقد التعاطي مع المشكلة.
مكن الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي المؤسسة العسكرية من بسط نفوذها، ليس فقط على صعيد إدارة البلاد، بل حول المؤسسة العسكرية إلى طرف اقتصادي فاعل يهيمن على صناعة القرارات والسياسات الاقتصادية في البلاد، وانتقلت المؤسسة العسكرية من اللعب من وراء جدران أو عامل محرك للدمى الاقتصادية في عهد مبارك، حولها إلى اللاعب الرئيسي في الاقتصاد المصري.
تقوم المؤسسة العسكرية على تنفيذ مشروعات بنى تحتية كبرى، وتُنتج سلعاً استهلاكية تتراوح من المواد الغذائية إلى الأدوات المنزلية، وتصنع كيماويات صناعية وأجهزة نقل، وتستورد سلعاً أساسية للأسواق المدنية. وهي تمتد إلى قطاعات جديدة بالغة التنوّع كالتنقيب عن الذهب، وإنتاج الصلب، وإدارة الأوقاف الدينية والحج. وفي موازاة ذلك، يستفيد آلاف كبار الضباط المتقاعدين من النفوذ السياسي الكاسح للمؤسسة العسكرية لاحتلال مناصب عليا في كافة أرجاء الجهاز المدني للدولة وشركات القطاع العام، مُكملين بذلك دائرة الاقتصاد العسكري الرسمي، فيما ينتفعون في الوقت عينه.
إذا أرادت مصر حل مشكلاتها البنيوية في الاقتصاد وإعادة تشكيل هيكلته، فعليها تقنين وضع الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية ووضعها في إطار واحد تحت سلطة مدنية لأن الاستثناءات التي توليها للدولة للأنشطة الاقتصادية العسكرية تقضى على التنافسية مع القطاع الخاص وتشل قدرته على الإنتاج والاستثمار، وتقوّض ديناميكيات السوق، وتشوّه نمو القطاع الخاص. والواقع أن أي حكومة مصرية لن تستطيع ممارسة الإدارة الاقتصادية الفعّالة، إلى أن يتم وضع حد لشبكات الضباط غير الرسمية في كلٍ من الجهاز البيروقراطي المدني، وشركات القطاع العام، ودوائر الحكم المحلي.
يعتمد الاقتصاد العسكري على قدرة القوات المسلحة المصرية على الاستفادة من دورها الرسمي الأساسي في الدفاع عن الوطن، والسلطات التي تتمتع بها داخل الدولة المصرية. ويتم ترسيخ هذه القوة والسلطة عبر القوانين ولوائحها التنفيذية والمراسيم الرئاسية وغيرها من الصكوك التي تفوِّض وزارة الدفاع والهيئات التابعة لها (بما في ذلك القوات المسلحة وفروعها المختلفة)، ووزارة الإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع من الانخراط في أشكال متنوعة من النشاط الاقتصادي خارج المجال المحدد والأضيق من الإنتاج العسكري. وهذا الإطار القانوني والتنظيمي يسبغ على الفاعلين في الاقتصاد العسكري ثلاث امتيازات بالغة الأهمية: الجواز القانوني، والسلطات الاستنسابية أو التقديرية، ونقص الشفافية.
زاد من ضبابية وغموض النشاط الاقتصادي العسكري في مصر قدرة المؤسسة العسكرية على حجب أنشطتها الاقتصادية بحجة الحفاظ على الأمن القومي المصري، ما يفسّر تصنيف مصر السيئ في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، حيث انخفض ترتيب مصر إلى 117 من بين 180 دولة في عام 2017 (بعد أن كان 94 في عام 2014). إلا أن غياب الشفافية لعب دوراً مؤثراً في تطور الاقتصاد العسكري الجانح بشكل خاص. فالقطاع الاقتصادي العسكري الرسمي قد يطلق ادّعاءات تتعلق بكفاءته مقارنةً بالمنافسين المدنيين في القطاع العام أو الخاص، لكن هذه الادّعاءات لا يمكن تأكيدها أو الطعن فيها بشكل مستقل. كما أن غياب الشفافية قد أسهم في إحداث بيئة يمكن أن يجري فيها المتاجرة الداخلية وتحويل موارد الدولة وعمليات إجرامية.
في الوقت الذي فتحت أطلقت سياسات السيسي العنان للاقتصاد العسكري في مصر، نجد أن الدولة تخلت عن جزء كبير من واجبها تجاه المواطنين إلى القطاع الخاص. فقد خفضت الحكومة بشكل كبير الإنفاق على دعم الطاقة والغذاء وأجور القطاع العام، ووافق مجلس النواب على بيع الشركات المملوكة للدولة التي تتعرض إلى خسائر تزيد على نصف رأس مالها. في الوقت الذي تدّعي فيه المؤسسة العسكرية أنها تقوم بتوظيف خمسة ملايين مواطنًا مصريًا في مشروعاتها، لكن جميعهم تقريبًا يعملون في الواقع من قبل المقاولين المدنيين من القطاع الخاص الذين يعملون لصالح المؤسسة العسكرية.
تقنين التغول العسكري على الاقتصاد المصري
يمتلك الجيش المصري القدرة على استخدام المجنّدين كأيدي عاملة رخيصة. كما أن أرباحه معفاة من الضرائب ومتطلّبات الترخيص التجاري وفقاً للمادة 47 من قانون ضريبة الدخل لعام 2005. فضلًا عن ذلك، تنصّ المادة الأولى من قانون الإعفاءات الجمركية لعام 1986 على إعفاء واردات وزارة الدفاع ووزارة الدولة للإنتاج الحربي من أي ضريبة. كل هذه العوامل تعطي مزايا كبيرة للجيش المصري في أنشطته التجارية، ويجعل من الصعب على الشركات المملوكة للدولة والقطاع الخاص منافسته. تقليديًا، يُكنّ المصريون قدرًا كبيرًا من الاحترام والتقدير للمؤسّسة العسكرية، باعتبارها رمزًا للكبرياء الوطني وإبرازًا لقوة مصر الإقليمية. إلا أنه -وفيما يتجاوز دوره كحامٍ للدولة ومدافع عنها-، استثمر الجيش المصري على مدى عقود في العديد من المشاريع الاقتصادية التي تقوم بتصنيع المعدات العسكرية والمنتجات المدنية. وتلعب ثلاث مؤسسات متخصّصة وشركاتها، دوراً مباشراً في المشاريع الاقتصادية للقوات المسلحة.
في تاريخ 24 يونيو/حزيران 2014 منحت وزارات الصحة والنقل والإسكان والشباب وزارة الدفاع المصرية عقودًا عدة تزيد قيمتها عن مليار دولار لتنفيذ مشاريع بنية تحتية كبيرة. وتتراوح هذه المشاريع بين بناء الطرق السريعة الجديدة، وإسكان لذوي الدخل المنخفض، وترميم وتجديد بعض المستشفيات العامة ومراكز الشباب. وقد برّر مجلس الوزراء المصري تفضيله القوات المسلحة على الشركات الخاصة لتنفيذ هذه المشاريع على أساس كفاءة الجيش وانضباطه في تنفيذ المشاريع بسرعة ومعايير عالية.
تكليف الجيش بتنفيذ مشاريع البنية التحتية في مصر ليس بالأمر الجديد على السلطات المصرية. غير أن تجدّد دور الجيش في الشؤون الداخلية، وخاصة منذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/تموز 2013 وتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد بشكل غير شرعي في يوينو/حزيران 2014، إلى جانب العديد من التعديلات القانونية والتشريعية، تثير تساؤلات عديدة وأساسية حول دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري، خصوصاً فيما يتعلّق بالعدالة والشفافية. وأيضا ثمّة تساؤلات حول عدة عقود كبرى جديدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة. إذ تعزّز هذه الاتفاقيات، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، الاتجاه المثير للجدل نحو تكليف الجيش المصري القيام بدور أكبر في الشؤون الاقتصادية المدنية في مصر.
ثمّة مصدر آخر للقلق يتمثّل في مستوى مساءلة الجيش أمام الجمهور. وبكل ببساطة فإن الحصول على معلومات أساسية حول حجم المجمع العسكري-الصناعي في مصر أمر في غاية الصعوبة. إذ تتراوح تقديرات الباحثين المستقلين حول الحصة التي يسيطر عليها الجيش من الاقتصاد الوطني بين 5 و40 في المئة. ففي مقابلة مع وكالة رويترز جرت في 15 مايو/آيار 2014، حاول السيسي، المرشح الرئاسي آنذاك، التقليل من هذه الأرقام، مؤكّداً أن” هناك كلام عن أن الجيش يملك 40 في المئة من الاقتصاد. هذا ليس صحيحاً. النسبة لا تتجاوز اثنين في المئة“.
أدّى صدور تعديلين تشريعيين وقانون جديد عن طريق السلطة التنفيذية، في غياب برلمان منتخب، إلى زيادة القلق بشأن نزاهة وشفافية الحكومة المصرية والجيش بصورة خاصة.
في أيار/مايو 2011، عدّل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي كان يتولّى حكم البلاد آنذاك، قانون القضاء العسكري. أضاف المجلس العسكري مادّة تعطي النيابة والقضاة العسكريين وحدهم الحق في التحقيق في الكسب غير المشروع لضباط الجيش، حتى لو بدأ التحقيق بعد تقاعد الضابط. وبالتالي تجعل هذه المادة الضباط المتقاعدين بمنأى عن أي محاكمة أمام القضاء المدني.
في أيلول/سبتمبر 2013، أصدر المستشار عدلي منصورالمعين من الانقلابيين في مصر، الذي شغل منصب الرئيس المؤقّت بعد الانقلاب علي الرئيس المنتخب محمد مرسي -رحمه الله-، مرسوماً بتعديل القانون الصادر في عام 1998 بشأن المناقصات والمزايدات العامة، يسمح للمسؤولين الحكوميين بتخطّي إجراءات المناقصة العامة في الحالات العاجلة، إلا أنه لم يحدد هذه الحالات. ويرفع التعديل قيمة الخدمات أو الممتلكات التي يمكن للمسؤولين في الدولة شراؤها وبيعها بالأمر المباشر. وليس من الواضح ما إذا كان الجيش قد استفاد من هذا البند الخاص في العقود الأخيرة.
وفي نيسان/أبريل 2014، وافقت الحكومة على القانون الذي يقيّد حق الأطراف الأخرى في الطعن على العقود التجارية والعقارية الموقّعة مع الدولة. وقد أصبح هذا الحق الآن محفوظًا للحكومة والمؤسّسات المشاركة في الصفقة والشركاء التجاريين. وعلى الرغم من أن الحكومة برّرت هذا القانون بوصفه وسيلة لتشجيع الاستثمار الأجنبي، إلا أنه من المحتمل أن يؤدّي هذا الإجراء إلى تقليص الرقابة والمساءلة الشعبية للحكومة.
بعد رحيل مبارك وتولى المجلس العسكري زمام الأمور بقيادة المشير حسين طنطاوي فإن المجلس عمل بكل ما لديه من قوة على حماية تلك المصالح الاقتصادية المربحة والتي جعلت من الجيش إمبراطورية تجارية وأحد أهم العوامل المؤثرة في اقتصاد البلاد. يمتلك الجيش المصري المئات من الفنادق والمستشفيات ومصانع التعليب والنوادي والمخابز بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العاملين فيما لا يقل عن 26 مصنعا تقوم بتصنيع السلع الاستهلاكية للمصريين مثل الثلاجات والتلفزيونات والحواسيب بالإضافة إلى تصنيع عربات القطار الجديدة للسكك الحديد وأيضا سيارات الإطفاء كما يعمل على توفير محطات حرق النفايات ومياه الصرف الصحي إذا تطلب الأمر وكل ذلك يصب في النهاية عند الجيش.
صار الجيش أشبه بالإمبراطورية التي تشغل مئات الآلاف من المدنيين وتجني مليارات الدولارات وأصبح كالشركة التي لا تخوض حروبًا في الخارج ولكن تعمل على سد استهلاك المدنيين كما أن وزير الدفاع أصبح يعمل كمدير لتلك الشركة وبدلاً من التفكير في المسائل العسكرية أصبح وزير الدفاع مشغولاً طول الوقت بإدارة أعماله التجارية.
حتى المستثمرون الراغبون في الاستثمار في القطاع الخاص سواء في الاستثمارات العقارية أو المنتجعات السياحية علي طول البحر الأحمر مثلاً عليهم تأجير مساحات الأراضي المطلوبة من وزير الدفاع.
قام الباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، يزيد صايغ بتأصيل تغول المؤسسة العسكرية المصرية في الدولة المصرية وليس الاقتصاد فقط، بل امتدت إلى كافة مجالات الحياة في دراسته فوق الدولة جمهورية الضباط في مصر نلخص أهم ما جاء فيها:
ظهرت جمهورية الضباط في مصر بعد حركة الضباط الـأحرار في يوليو 1952 وتثبيت العقيد جمال عبد الناصر رئيسًا لمصر عن طريق الاستفتاء الشعبي عام 1956.
في عهد السادات تم نزغ الصبغة العسكرية عن مجلس الوزراء. واستمر تهميش دور القوات المسلحة في عهد مبارك في ثمانينات القرن الماضي.
بدايةً من عام 1991، انطلق نظام المحسوبية في عهد مبارك من خلال بدل الولاء الذي يحصل عليه كبار قادة القوات المسلحة حين تقاعدهم مقابل امتناعهم عن الانخراط في أية أعمال سياسية. لم يكن بدل الولاء مقابلًا ماديًا فقط، بل امتد إلى التعيين في الجهاز الإداري المدني للدولة ومن هنا بدأ التغول العسكري في الوظائف المدنية بعد احالتهم للتقاعد لتصبح عسكرة الوظائف المدنية هي البوابة الرسمية للحكم العسكري وتحكم الفكر العسكري في كافة مفاصل الدولة المصرية.
كان الدافع في نظام المحسوبية في عهد مبارك ثلاثة عوامل:
الأول: تصميم مبارك على عدم المجازفة بصعود رجل عسكري قوي يمكن ان يشكل تهديدًا لسلطته. يثبت هذا العامل الأساسي في تفكير مبارك تعيينه للمشير محمد حسين طنطاوي وزيرًا للدفاع خلفًا ليوسف صبري أبوطالب الذي عُين موقتًا خلفًا لرجل مصر القوي المشير محمد عبد الحليم أبوغزالة الذي كان يعتبره المراقبون المنافس الحقيقي لمبارك على السلطة في مصر. عين مبارك طنطاوي الرجل الضعيف الضي وصفه ضباط كبار بأنه ” كلب مبارك ” حسب ما نُقل عنهم في برقية للسفارة الأمريكية عام 2008 نشرها موقع ويكيليس. وبهذا القرار استقطب مبارك القيادة العسكرية المصرية برمتها إلى المحسوبية المدنية في عهده.
العامل الثاني: أدي الصراع مع الجماعات المسلحة إلي زيادة ضم سلك ضباط القوات المسلحة إلى نظام مبارك. كما أدى ذلك الصراع إلى تنامي دور الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية التي تشير تقديرات أنها وصلت إلى 1.4 مليون وقت تنحي مبارك عن السلطة في 2011. بهذا شاع الاعتقاد بأن ظهور نجم الدولة الأمنية قد همش دور القوات المسلحة، لكن هذا لم يكن صحيحًا لأن القوات المسلحة كانت لاتزال تلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على النظام وفي هيكلية الدولة المصرية من خلال المتقاعدون العسكريون الذين كانوا يشغلون مناصب في جميع مستويات الحكم المحلي، حيث عملوا كذراع أمنية وتنفيذية موازية تتبع في نهاية المطاف رئيس الجمهورية من خلال المحافظين.
العامل الثالث:
بعد عام 1991 أطلق مبارك مشروع الخصخصة الذي أدي إلى تعيين كبار ضباط القوات المسلحة المتقاعدين في مجالس إدارات الشركات الاقتصادية مما در عليهم ثروات طائلة وليس هذا فقط، بل وضع لهم قدما في الاقتصاد المصري.
التوصيات التي قدمتها الجهات المانحة الدولية للنظام في مصر للقضاء على الأزمة الاقتصادية
قدم صندوق النقد الدولي مجموعة من التوصيات إلى الحكومة المصرية منها
- تقليص بصمة الدولة على الاقتصاد، وتعزيز الشفافية والحوكمة في الشركات المملوكة للدولة
- تحقيق تكافؤ الفرص أمام جميع الجهات الاقتصادية من خلال الغاء المعاملات التفضيلية للشركات المملوكة للدولة.
- بناء إطار واضح ينظم العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص عبر الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
- يُشترط على كل الشركات المملوكة للدولة أن تقدم حسابات مالية إلى وزارة المالية على أساس نصف سنوي، وأن تضمن وزارة المالية إتاحة المجال للاطلاع على هذه البيانات، إلى جانب المعلومات عن الدعم المقدم إلى الشركات المملوكة للدولة.
- قيام الجهاز المركزي للمحاسبات بنشر تقارير مراجعة حسابات المالية العامة.
- نشر كل عقود المشتريات التي تتجاوز قيمتها 20 مليون جنيه مصري في بوابة المشتريات على شبكة الإنترنت.
- نشر تقرير سنوي شامل عن التخفيف الضريبي والإعفاءات والحوافز الضريبية.
- قيام وزارة المالية بنشر تقارير عن المدفوعات متأخرة السداد.
- نشر نتائج الموازنة الشهرية خلال 60 يوما بعد نهاية شهر الإبلاغ.
- أولويات مصر تتمثل في إصلاح الإطار التنظيمي وتعزيز المنافسة وتسحين فرص الحصول على التمويل والأراضي وتحسين الحوكمة والشفافية والمساءلة في المؤسسات المملوكة للدولة وزيادة مشاركة النساء والشباب في سوق العمل.
خاتمة
إن الاقتصاد والسياسة هما وجهان لعملة واحدة، فلا يمكن لدولة أن تحقق تقدمًا اقتصاديًا أو رفع مستوى معيشة مواطنيها سوى من خلال حكم ديمقراطي مدني رشيد يعتمد على حرية التعبير ويكفل الحقوق الأساسية للمواطنين. يقلص الحكم الفردي المستبد المدعوم بالقوة العسكرية الغاشمة الذي ابتليت به مصر منذ عام 2013 ويمنع أية فرص لتحقيق الرخاء وحقوق المواطنين في الحياة الكريمة. بناء على ما سبق لابد للمصريين في البداية أن يعملوا جاهدين على التخلص من الحكم العسكري المستبد، وتأسيس جمهورية مدنية ديمقراطية عادلة وحديثة. بتلك الطريقة فقط يستطيع أبناء البلد ان يبدأوا عملية بناء اقتصادي يهدف إلى تحقيق الرفاه وتحسين معيشة المصريين ونقلهم من مصاف الدول المدينة وضعيفة الاقتصاد إلى مصاف الدول المتقدمة التي يتمتع مواطنيها بكافة حقوقهم المنصوص عليها في المواثيق الدولية ودستور البلاد.