عندما يحكم بالإعدام على الضحية.
أصدرت محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ المصرية حكمها بالإعدام شنقا على الأستاذ الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين (80 عاما) والقائم بأعمال المرشد السابق الأستاذ الدكتور محمود عزت (79 عاما) و6 قيادات أخرى هم الأستاذ الدكتور محمد البلتاجي والمهندس عمرو محمد زكي والدكتور أسامة ياسين والدكتور صفوت حجازي والمهندس عاصم عبد الماجد والأستاذ الدكتور محمد عبد المقصود في القضية المعروفة إعلاميًا بـ “أحداث المنصة”.
ما هي مجزرة الحرس الجمهوري؟
في فجر يوم 8 يوليو 2013 فتحت قوات الجيش في محيط دار الحرس الجمهوري المصري النار علي معتصمين مؤيدين للرئيس محمد مرسي -رحمه الله- رافضين الانقلاب العسكري. أدى ذلك لاستشهاد 61 شخصًا وفقًا لتقرير أخير لمصلحة الطب الشرعي، وأصيب أكثر من 435 آخرين أثارت هذه الأحداث ردود فعل منددة من التيارات الإسلامية كافة، كما أدانتها القوى السياسية الأخرى. لم يتم محاكمة أو محاسبة أي مسئول من قوات الأمن والجيش على هذه المذبحة، بل وعلى النقيض من ذلك تم اعتقال مشاركين في هذا الاعتصام الذين يعتبرون من الضحايا ومحاكمتهم وسجنهم منذ عام 2013 حتى وقت كتابة هذا التقرير. وحكمت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بالإعدام على قيادات الإخوان في هذه القضية التي قتلت فيها قوات الجيش المدنيين العزل ثم قدمت قادتهم للمحاكمة والإعدام.
مقدمة
الإعدام هو قتل شخص بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام والمنع. وتعرف الجرائم التي تؤدي إلى هذه العقوبة بجرائم الإعدام أو جنايات الإعدام. وقد طبقت عقوبة الإعدام في كل المجتمعات تقريبًا، ما عدا المجتمعات التي لديها قوانين مستمدة من الدين الرسمي للدولة وتمنع هذه العقوبة. وتعد هذه العقوبة قضية جدلية رائجة في العديد من البلاد، ومن الممكن أن تتغاير المواقف في كل مذهب سياسي أو نطاق ثقافي. ترى منظمة العفو الدولية أن معظم الدول مؤيدة لإبطال هذه العقوبة. مما أتاح للأمم المتحدة أن تعطي صوتًا بتأييد صدور قرار غير ملزم لإلغاء عقوبة الإعدام. لكن أكثر من 60% من سكان العالم يعيشون في دول تطبق هذه العقوبة حيث أن الأربعة دول الأكثر سكانًا وهي جمهورية الصين الشعبية والهند والولايات المتحدة الأمريكية وإندونيسيا تطبق عقوبة الإعدام.
الإعدامات في مصر
تحتل مصر المركز الثالث عالميًا في تنفيذ عقوبة الإعدام ومازالت المنظومة التشريعية المصرية هي الأكثر توسعًا في تطبيق عقوبة الإعدام في 104 جريمة وما زلنا نواجه المحاكمات الجماعية للمتهمين والتنفيذ الجماعي لعقوبة الإعدام، بل والأكثر من ذلك ارتكبت الدولة انتهاكات جديدة كتدوير المتهمين في العديد من القضايا وإحالة المتهمين لمحاكم أمن الدولة والتي لا تمكن المتهم من الطعن على أحكامها وعقب الضغط الداخلي والدولي في مصر وصدور العديد من التقارير الصادرة من المنظمات الغير حكومية الوطنية والدولية.
تقارير منظمة العفو الدولية
ووفقًا لما ذكرته منظمة العفو الدولية، في تقريرها عن أحكام الإعدام حول العالم عام 2022م٬ قالت إن تنفيذ أحكام الإعدام في مصر خلال عام 2022 انخفض بنبة 71% عن مثيلاتها في عام 2021م، إلا أنه في ذات الوقت ارتفعت نسبة الأحكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم المصرية في نفس العام 2022م بنسبة تصل إلى 51%. بلغ عدد أحكام الإعدام التي قامت مصر بتنفيذها في عام ٬2022 24 حكم إعدام مما يعني تنفيذ حكم الإعدام في 24 مواطنًا مصريًا.
حسب منظمة العفو الدولية “أمنستي” في تقريرها السنوي عن حالات الإعدام حول العالم، تصدرت مصر والسعودية قائمة الدول العربية الأكثر تنفيذا لأحكام الإعدام في عام 2021. وذكر التقرير أن “عدد أحكام الإعدام المنفذة في عام 2021 بلغت 579 في 18 دولة، بزيادة قدرها 20% عن الإجمالي المسجل لعام 2020، حيث تم تسجيل 483 حالة إعدام”.
وفقًا لتقرير العفو الدولية، احتلت مصر المرتبة الأولى عربيا في تطبيق أحكام الإعدام بما لا يقل عن 83 حالة إعدام، تلتها السعودية بـ 65 حالة إعدام”. كما حلت سوريا في المرتبة الثالثة بما لا يقل عن 24 حالة، بعدها الصومال بأكثر من 21، ثم العراق بأكثر من 17، فاليمن بأكثر من 14، وعمان بما لا يقل عن حالة واحدة.
مع وصول عبد الفتاح السيسي، لسدة الحكم في مصر عام 2014، توسع القضاء المصري في استخدام عقوبة الإعدام بشكل جماعي، وتزايدت أيضًا وتيرة تنفيذ الأحكام، ما اعتبرته مصادر متعددة تحول في عقيدة عقوبة الإعدام في القانون المصري من الردع والمنع إلى الانتقام السياسي.
يمثل عدد الإعدامات التي نُفذت خلال العقد الماضي وحده ما يقرب من نصف عدد أحكام الإعدام النهائية التي أصدرها القضاء المصري خلال القرن الماضي، وفقًا للإحصاءات المحدودة المتاحة.
لا توجد دراسات دقيقة أو رسمية متاحة لمعدلات الإعدام خلال العقود السابقة، لكن بعض الإحصائيات، نقل عنها تقرير سابق لجريدة ـ«المصري اليوم»، أشارت إلى أن 1429 حكمًا نهائيًا بالإعدام قد صدر منذ عام 1906، وحتى 2014، ولا نعرف على وجه الدقة كم حكمًا منهم تم تنفيذه بالفعل. الجرائم الجنائية استحوذت على أغلب تلك الأحكام بـ 1168 حكمًا، تبعها 182 حكمًا فى جرائم سياسية، منها اغتيال، وتجسس، وتخابر مع دولة أجنبية، وتأسيس وعضوية وقيادة تنظيمات سرية غير مشروعة، إلى جانب جرائم الإرهاب٬ وبالطبع هناك قضايا سياسية للقمع ضد المعارضة كما في الحالة المصرية بعد الإنقلاب العسكري في ٢٠١٣م.
ذكر تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2021 عن حالة حقوق الإنسان في العالم فيما يخص عقوبة الإعدام في مصر أنه صدرت أحكام بالإعدام بعد محاكمات جماعية جائرة أمام المحاكم المصرية بما في ذلك المحاكم العسكرية ودوائر مختصة بالإرهاب، وتم تأييد هذه الأحكام في دوائر الاستئناف. وفي مارس/آذار، أصدرت محكمة جنايات أحكامًا بالإعدام ضد 37 شخصاً بعد محاكمة جماعية جائرة. وكان كثيرون منهم قد اختفوا قسراً لشهور، وتعرضوا للضرب والصعق بصدمات كهربائية أو للتعليق لفترات طويلة قبل محاكمتهم. ونـُفـِّذ عدد من الإعدامات، بما في ذلك إعدام أشخاص أُدينوا في محاكمات فادحة الجور، شابتها ادعاءات بالاختفاء القسري وقبول “اعترافات اٌنتـُزعت تحت التعذيب باعتبارها أدلة. ففي شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، أُعدم في مصر عدد يقارب ضعف الذين أُعدموا خلال عام 2019 كله.
المفوض السامي لحقوق الإنسان
صرحت المتحدثة باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان، ليز ثروسيل، في يناير/كانون الثاني 2018، والذي أعربت فيه عن قلقها من حالات الإعدام الجماعية في مصر، وأنها تمثل صدمة عميقة، مشددة على أن حالات كثيرة في مصر أعدم أصحابها بناءً على إجراءات قانونية غير كافية، رافضة في الوقت ذاته استخدام مصر عمليات الإعدام كوسيلة لمكافحة الإرهاب.
اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة
في الرابع عشر من أبريل \ نيسان 2023 أصدرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة تقريرها الختامي بشأن الوضع في مصر بعد استعراض سجل الحكومة المصرية في مجال الحقوق المدنية والسياسية للمرة الأولى منذ 21 عامًا. جاء فيه ” لا تزال اللجنة تشعر بقلق بالغ لأن القانون المحلي يعاقب بعقوبة الإعدام على عدد كبير من الجرائم، بما فيها الجرائم غير العنيفة التي لا ترقى إلى مستوى “أشد الجرائم خطورة” بالمعنى المقصود في المادة 6(2) من العهد، ولأن عقوبة الإعدام إلزامية على جرائم معينة. ويساور اللجنة قلق بالغ أيضاً إزاء الادعاءات المتعلقة بحالات صدرت فيها أحكام إعدام على أساس اعترافات انتزعت بالإكراه أو التعذيب، أو في سياق محاكمات لم تف بمعايير المادة 14 من العهد، بما في ذلك المحاكمات الجماعية والمحاكمات في المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة طوارئ، وهذه الأخيرة يمكن أن تصدر عقوبة الإعدام دون منح المحكوم عليه الحق في الاستئناف. ورغم التأكيدات الشفوية التي قدمها الوفد بأن عقوبة الإعدام لم تفرض على الأطفال، فإن اللجنة تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن أطفالاً قد حكم عليهم بالإعدام في سياق محاكمات جماعية كمدعى عليهم مع بالغين في ظروف تتطلب محاكمتهم معاً. ويساور اللجنة القلق أيضاً إزاء التقارير التي تفيد بأن عدداً من عمليات الإعدام في مصر نُفذت سراً ودون السماح بزيارات عائلية للمحكومين بالإعدام أو دون إشعارهم بتاريخ إعدامهم في الوقت المناسب. وعلاوة على ذلك، يساور اللجنة قلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بارتفاع وتزايد عدد الحالات التي تفرض فيها عقوبة الإعدام وتواتر تطبيقها (المواد 6 و7 و14).
وأصدرت اللجنة في تقريرها مجموعة من التوصيات طالبت الحكومة المصرية الالتزام بها وهي:
ينبغي أيضاً أن تقوم الدولة الطرف بما يلي:
- ضمان أن تتاح إمكانية الاستفادة من العفو، أو تخفيف الأحكام، في جميع الحالات بصرف النظر عن الجريمة المرتكبة؛
- ضمان عدم فرض عقوبة الإعدام أبداً على نحو ينتهك أحكام العهد، بما في ذلك على نحو ينتهك إجراءات المحاكمة العادلة، وتوفير المساعدة القانونية دائماً، وعدم قبول المحكمة للأدلة المنتزعة بالإكراه أو تحت التعذيب؛
- ضمان عدم تعرض أي شخص كان دون الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة لعقوبة الإعدام، وضمان أن يكون للمتهمين بارتكاب جريمة يعاقَب عليها بالإعدام إمكانية الوصول إلى عملية فعالة ومستقلة لتحديد السن ومعاملتهم كأطفال إذا ظلت هناك شكوك حول سنهم وقت ارتكاب الجريمة؛
- ضمان الإخطار المسبق للسجناء المحكوم عليهم بالإعدام وعائلاتهم ومحاميهم بتاريخ تنفيذ الحكم؛
- إيلاء الاعتبار الواجب لفرض وقف اختياري لعقوبة الإعدام بهدف إلغائها والنظر في الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
وفيما يتعلق بعقوبة الإعدام في مصر تلقت مصر في الاستعراض الدولي الشامل لحالة حقوق الإنسان سبتمبر 2019 عدد 28 توصية وملاحظة تخص عقوبة الإعدام تدور أغلبها حول الوقف الاختياري العاجل لتنفيذ عقوبة الإعدام خصوصا في القضايا ذات الطابع السياسي ووقف التنفيذ الجماعي والمحاكمات الجماعية للمتهمين وتوفير ضمانات حقيقة لتنفيذ عقوبة الإعدام والوقف النهائي لتنفيذ الإعدام على من هم دون ال 18 عام وأخيرا التوقيع على البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المتعلق بعقوبة الإعدام.
وفي الفترة من يناير 2019 حتى 2021 رصدت تقارير حقوقية تم رصد اجمالًا احكام وقرارات احالة للمفتي من محاكم الجنايات وقرارات (سواء بإقرار العقوبة او تخفيضها) وعمليات تنفيذ لعقوبة اعدام متعلقة ب 1977 متهم في 877 قضية مختلفة من بينهم 816 قضية في وقائع جنائية و61 قضية على خلفية سياسية. تم رصد تنفيذ اجمالي 253 حكم اعدام خلال الفترة التي يغطيها التقرير حيث تم اعدام 187 متهم في 145 قضائية جنائية بجانب اعدام 66 متهم في قضايا سياسية في 13 قضية على خلفية سياسية من بينهم 8 قضايا صدرت الاحكام من القضاء المدني و5 قضايا صدرت الاحكام من القضاء العسكري. تم تنفيذ 43 حكم اعدام خلال عام 2019 من بينها 18 على خلفية سياسية، وتم إصدار 126 حكم في عام 2020 من بينها 30 على خلفية سياسية، و82 حكم بالإعدام خلال عام 2021 من بينها 18 على خلفية سياسية.
من الأسباب القوية التي تجعل المنظمات الدولية تشكك في نزاهة أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المصرية هي عدم نزاهة أو عدالة المحاكمات. وفي مثال صارخ لضرب العدالة في مقتل هي قضية كتائب حلوان التي بسببها أصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا قالت فيه، “حكم اليوم بمثابة إهانة للعدالة. كانت هذه محاكمة جماعية لأكثر من 200 شخص، وقد اعتُقل بعضهم قبل فترة طويلة من الأحداث التي أدينوا بسببها. وشابت القضية حالات اختفاء قسري وتعذيب تعرض لهما أشخاص، بينهم أطفال. ومنعت السلطات المصرية المتهمين من الاتصال بمحاميهم طوال الإجراءات السابقة للمحاكمة وخلال المحاكمة نفسها، حتى أنّ بعضهم مُنعوا من رؤية عائلاتهم منذ عام 2016. وقد احتُجز معظمهم في سجن العقرب وسجن طرة المشدد الحراسة في ظروف قاسية ولاإنسانية تصل إلى مستوى التعذيب”. ““يجب على السلطات التحقيق في جميع مزاعم الاختفاء القسري والتعذيب، والسماح فورًا لجميع المحتجزين بزيارات عائلاتهم ومحاميهم، وتلقي الرعاية الطبية الكافية. بالنظر إلى الانتهاكات الصارخة لإجراءات المحاكمة العادلة في هذه القضية، يجب على السلطات إلغاء الحكم والأمر بالإفراج عن المحتجزين، الذين ظل معظمهم محتجزين على ذمة المحاكمة لأكثر من عامين بما يخالف القانون المصري. وإذا وُجهت إليهم تهم بارتكاب جرائم معترف بها دوليًا، فيجب أن تُعاد محاكماتهم محاكمة عادلة من دون اللجوء إلى عقوبة الإعدام”.
في 24 مارس \ آذار 2014 فوجئ المراقبون بسابقة هي الأولي من نوعها في القضاء المصري، وربما القضاء العلمي بأسره، حين قرر القاضي سعيد يوسف، رئيس محكمة جنايات المنيا بالحكم بإحالة أوراق 529 متهمًا لمفتي الديار المصرية لاستطلاع الرأي الشرعي بإعدامهم. الحكم، الذي وصفته منظمة العفو الدولية بالحكم الشاذ جعلها تُصدر بيانًا خاصًا بالحكم قالت فيه: “إن أحكام الإعدام الجماعية التي أصدرتها محكمة مصرية اليوم تعتبر مثالاً شاذاً على مثالب نظام العدالة المصري وطبيعته الانتقائية. فوفقاً لتقارير وسائل إعلام تابعة للدولة، أصدرت محكمة جنايات المنيا، في جلسة استماع واحدة، أحكاماً بالإعدام على 529 شخصاً من أنصار الرئيس السابق محمد مرسي بسبب دورهم في أعمال العنف التي أعقبت الإطاحة به في يوليو/تموز من العام الماضي. وقالت حسيبة الحاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن هذا ظلم صراح، وينبغي إلغاء أحكام الإعدام. وإن فرض هذا العدد الضخم من أحكام الإعدام في قضية واحدة يجعل مصر متفوقةً على معظم البلدان التي تستخدم عقوبة الإعدام في سنة واحدة.” إن هذه هي أكبر دفعة من أحكام الإعدام التي تُتخذ في وقت واحد والتي شهدناها في السنوات الأخيرة، لا في مصر وحدها، بل في العالم بأسره. إن محاكم مصر سريعة في معاقبة أنصار محمد مرسي، ولكنها تتجاهل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الأمن. ففي الوقت الذي يقبع آلاف الأشخاص من مؤازري مرسي في السجن، فإن السلطات لم تُجر أية تحقيقات كافية في وفاة مئات المحتجين. ويواجه شرطي واحد فقط حكماً بالسجن بسبب مقتل 37 معتقلاً. وبدون اتِّباع عملية مستقلة ومحايدة من شأنها أن تكشف الحقيقة وتحقق العدالة للجميع، فإن العديد من الناس سيتساءلون عمَّ إذا كان لنظام العدالة الجنائية المصري أية علاقة بإحقاق العدالة. وعلى أية حال، فإن اللجوء إلى عقوبة الإعدام يعتبر أمراً جائراً بطبيعته، ويتعين على الحكومة المصرية أن تصدر إعلاناً بوقف تنفيذ عمليات الإعدام تمهيداً لإلغاء عقوبة الإعدام كلياً. وعلى الرغم من مطالبة منظمة العفو الدولية المتكررة على مدى أعوام، فإن السلطات المصرية لا تنشر أرقاماً عن عمليات الإعدام وأحكام الإعدام.
الحكم في هذه القضية قد صدر بعد جلستين، لم تستغرق أولاهما سوى 20 دقيقة، فيما أصدر القاضي حكمه في الجلسة الثانية دون حضور المتهمين أو هيئة الدفاع عنهم. ليصبح ذلك هو أسرع حكم بالإعدام في تاريخ القضاء المصري، حسب نقيب محامي المنيا طارق فودة. أشار محامو المتهمين إلى أن الحكم قد صدر دون السماع لدفاع المتهمين أو شهود النفي أو حتى فض أحراز القضية، كما أن الحكم قد صدر دون الفصل في طلب الدفاع رد المحكمة.
لم يحظ المتهمون الذين صدرت ضدهم أحكام بالإعدام بمحاكمات علنية وعادلة وفقًا لما ينص عليه الدستور المصري والقانون. منعت السلطات بشكل روتيني ممثلي المجتمع المدني ووسائل الإعلام والسفارات الأجنبية وأفراد الأسرة من حضور جلسات المحاكمة والاحتجاز السابق للمحاكمة. وذكرت جماعات حقوق الإنسان أن المتهمين المحتجزين أو المسجونين يُحرمون بانتظام من مقابلة المحامين. وزعمت الجماعات الحقوقية حدوث انتهاكات روتينية للإجراءات القانونية الواجبة، حيث لم يُسمح للمُدعَى عليهم باستدعاء الشهود أو استجوابهم أو تقديم الأدلة، كما يقتضي القانون. وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان، واجه المدعى عليهم أحياناً: صعوبات في الحصول على معلومات كافية بشأن التهم والاتهامات في قضيتهم، وتأخيرات طويلة قبل بدء المحاكمة، وجلسات استماع أولية تحد من قدرتهم على تقديم دفاع فعال، والتواصل المحدود مع محاميهم أثناء الاعتقال. وأشار المراقبون القانونيون والمنظمات الحقوقية إلى أن المحامين حُرموا في أحيان كثيرة من الوصول الكافي إلى موكليهم المحتجزين، ولم يكن لديهم دائماً إمكانية الوصول المطلوب إلى الأدلة والملفات التي ضد المتهمين. كما زعمت جماعات حقوقية أن أفراد الأسرة وأفراد الفرق القانونية مُنعوا في بعض الأحيان من حضور جلسات محاكم طوارئ أمن الدولة والمحاكمات، وأن المحتجزين يفتقرون إلى الوصول الكامل إلى المحامين والوثائق المتعلقة بتهمهم. وثق محامو حقوق الإنسان أن الأدلة في كثير من الأحيان لم تكن مرتبطة بشكل واضح أو كافية لإثبات التهم الموجهة إلى موكليهم، مثل المجموعة المحظورة التي اتهم أحد العملاء بالانضمام إليها أو “الأخبار الكاذبة” التي يُزعم أن المتهم ينشرها. وانتقدت العديد من المنظمات جلسات المحكمة الشكلية، لا سيما فيما يتعلق بتجديد الحبس الاحتياطي، حيث يستمع القضاة إلى عشرات أو مئات طلبات تجديد الحبس مع عدم كفاية الوقت لتقديم دفاع. بالإضافة إلى ذلك، ذكر محتجزون سابقون أنهم في بعض الأحيان لم يكونوا في قاعة المحكمة أثناء تلك الجلسات بسبب التأخير في الوصول إلى المحكمة أو بسبب مشاكل بيروقراطية أخرى.
قضية اقتحام قسم شرطة كرداسة
تعتبر هذه القضية من الأمثلة الصارخة لاستخدام القانون والمحاكمات الجائرة كأداة للانتقام السياسي من المعارضين. حيث قامت مصلحة السجون في سجن وادي النطرون في 28 ابريل\ نيسان 2021، بتنفيذ عقوبة الإعدام على سبعة محكومين في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية اقتحام قسم شرطة كرداسة، بعد يومين فقط من تنفيذ عقوبة الإعدام في تسعة محكومين آخرين في نفس القضية. وفي ظل تعتيم اعلامي على هذه الاعدامات الأخيرة. خالف تنفيذ حكم الإعدام العرف المستقر بعدم تنفيذ الإعدام في شهر رمضان. ووفقًا لدفاع المتهمين؛ فإن القضية شابها العديد من الانتهاكات، منها؛ بطلان إجراءات القبض والتفتيش لعدد من المتهمين، كما استند الحكم لتحريات أجهزة الأمن مجهولة المصدر دون سواها من أدلة في ظل شيوع الاتهام وعدم بيان الأدلة تفصيلاً. كذلك فإن استجواب المتهمين تم في منطقة عسكرية وأجبر العديد منهم على تقديم اعترافات انتزعت تحت التعذيب، وبدون حضور محاميهم، كما لم يتمكن المحامين من التواصل معهم أثناء التحقيقات والمحاكمة مما لم يمكنهم من تقديم الدفوع الكافية.
القضاء العسكري وأحكام الإعدام
فيما يتعلق بالأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية (الغير مختصة بمحاكمة المدنيين) فإن كافة الدلائل تشير إلى عدم استقلالية هذه المحاكم. المحاكم العسكرية ليست مفتوحة للجمهور. ويتمتع المُدعَى عليهم في المحاكم العسكرية اسمياً بنفس ضمانات المحاكمة العادلة التي يتمتع بها أولئك الموجودون في المحاكم المدنية، لكن القضاء العسكري يتمتع بسلطة تقديرية واسعة لتقييد هذه الحقوق لأسباب تتعلق بالأمن العام، وقد استخدم هذه السلطة بانتظام. وغالباً ما حاكمت المحاكم العسكرية المدعى عليهم في غضون ساعات، وفي كثير من الأحيان في مجموعات، وأحياناً دون الوصول إلى محام، مما دفع المحامين والمنظمات غير الحكومية إلى التأكيد على أن المحاكم العسكرية لا تفي بالمعايير الأساسية للإجراءات القانونية الواجبة وقوضت ضمانات المحاكمة العادلة. وللمُدعَى عليهم في المحاكم العسكرية الحق في استشارة محام، لكن غالب الأحيان منعتهم السلطات من الاتصال بمحام في الوقت المناسب. ووفقاً لمنظمات حقوقية، سمحت السلطات للمدعى عليهم في المحاكمات العسكرية بزيارات محاميهم مرة واحدة فقط كل ستة أشهر، على عكس نظام المحاكم المدنية، حيث سمحت السلطات للمحامين المحتجزين بزيارات كل 15 يوما.
وفقا لتوثيق مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين”، لم تتوقف الأحكام الصادرة بالإعدام من المحاكم العسكرية ضد المدنيين بعد قضية “خلية عرب شركس”، حيث أصدرت المحكمة العسكرية بالإسكندرية حكمًا بالإعدام فى2 مارس 2016 ضد 7 مدنيين في القضية رقم22 لسنة ٫2015 جنايات عسكرية طنطا والمعروفة إعلاميًّا بقضية إستاد كفر الشيخ، وأعقبها حكم آخر بالإعدام ضد 8 مدنيين في 29 مايو 2016 في القضية رقم 2015/174 جنايات عسكرية غرب والمعروفة إعلاميًّا باسم العمليات النوعية.
وتوالت أحكام الإعدام عسكريًّا ضد المدنيين حتى فوجئنا في 17 يناير 2017، بصدور حكمٍ بالإعدام عن المحكمة العسكرية جنايات غرب القاهرة العسكرية ضد 35 مدنيًّا، فى القضية رقم 264/2015 والمعروفة إعلاميًّا باسم اقتحام مركز شرطة طامية.
ولأن تاريخ إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية عبارة عن سلسلة متواصلة منذ 2011، فقد حكمت محكمة النقض العسكرية في 11 إبريل 2017 برفض طلب النقض المقدم لإعادة المحاكمة فى القضية رقم 93/2011 جنايات كلي عسكري/ الإسماعيلية 55/2011 جنايات جزئي عسكري/ الإسماعيلية والصادر فيها حكم بالإعدام ضد ثلاثة مدنيين في مارس 2011، كانت قد جرت محاكمتهم داخل إستاد الإسماعيلية، وبات حكم الإعدام الصادر ضدهم واجب النفاذ وهو ما يجعل حياتهم فى خطر، مع احتمال تنفيذ الحكم في أي لحظة.
قضية عرب شركس وظلم القضاء العسكري
في السابع عشر من مايو 2015 نفذت مصلحة السجون المصرية حكم الإعدام في ستة مواطنين كانت المحكمة العسكرية قد أصدرت حكمًا بإعدامهم في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية عرب شركس. كانت القضية رقم 43 لسنة 2014 جنايات عسكرية شمال القاهرة والمعروفة إعلاميًّا باسم قضية “خلية عرب شركس”، قد بدأت إثر اشتباك ومداهمة أمنية لمنطقة عرب شركس بمحافظة القليوبية في 19 مارس 2014 حيث تم الإعلان عن مصرع 6 أشخاص من داخل المبنى وضابطين أثناء عملية اقتحامه. وبالرغم من أن الدعوى الرسمية تفيد بأنه قد تم القبض على 8 مواطنين إثر تلك المداهمة _من ضمنهم المواطنون الستة الذين جرى تنفيذ حكم اﻹعدام بحقهم_ فإن هناك ما يفيد بأن اثنين على اﻷقل من هؤلاء قد تم القبض عليهما وإخفاؤهما قسريًّا في أماكن مختلفة، وكانوا قيد الاحتجاز أثناء تنفيذ تلك المداهمة.
يذكر أن المحاكمة وتنفيذ حكم الإعدام أخذ أقل من عام واحد، فقد بدأت المحاكمة في منتصف عام 2014، وقامت المحكمة العسكرية بالحكم على المتهمين الستة بالإعدام في أكتوبر من نفس العام، ثم تم رفض نقض الحكم في مارس 2015 وتنفيذ الإعدام في مايو 2015، في اليوم التالي على جريمة اغتيال ثلاثة قضاة في العريش فيما بدا كاستخدام سياسي لعقوبة الإعدام، وذلك مع عدم التحقيق بشكل جدي في بلاغات الإخفاء القسري والتعذيب التي تقدم بها أهالي بعض المتهمين في القضية.
قضية شباب المنصورة
أحدث هذه القضايا المعروفة إعلاميًا بمقتل الحارس بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، رقم 16850 لسنة 2014 جنايات المنصورة، المقيدة برقم 781 لسنة 2014 كلي جنوب المنصورة 26 لسنة 2014 جنايات أمن الدولة العليا، وأيّدت محكمة النقض بالقاهرة الأربعاء 7 يونيو 2017 حكم الإعدام النهائي لستة شباب مصريين، وخفّفت حكم الإعدام لاثنين آخرين إلى مؤبد.
بدأت قصة الشباب في 28 فبراير عام 2014؛ حيث أعلنت السلطات الأمنية المصرية مقتل رقيب الشرطة «عبد الله متولي علي الحملي»، حارس منزل المستشار حسين قنديل، قاضي اليمين بهيئة محاكمة الدكتور محمد مرسي؛ إثر إطلاق ملثمين الرصاص الحي عليه، لم يُتعرّف عليهما وفرّا هاربين. أكد أهالي الشباب أن الداخلية مارست ضد أبنائهم تهديدات باغتصاب ذويهم؛ لإجبارهم على الاعتراف بالتهم الملفقة ضدهم. وعقب ذلك شنت الداخلية حملات أمنية أول مارس 2014، على جميع مراكز محافظة الدقهلية، أسفرت عن القبض العشوائي على21 شابًا، تعرضوا بعدها لاختفاء قسري بمدد متفاوتة لاقوا فيها – بحسب جبهة الدفاع عن المعتقلين – جميع أصناف التعذيب الجسدي والنفسي، الذي بلغ حد صعقهم بالكهرباء في أماكن حساسة بأجسادهم، وهتك عرض أحدهم بإدخال عصا خشبية بدبره، وتهديدهم باغتصاب ذويهم لإكراههم على الاعتراف بجريمة قتل الرقيب المذكور، مؤكدين ذلك جميعًا خلال تحقيقات النيابة. ظهر بعض الشباب فيما بعد بفيديو بثته أجهزة الأمن بتاريخ 12 مارس 2014، سجلوا فيه اعترافاتهم بالتهم الموجهة إليهم وقد بدت عليهم آثار التعذيب الواضحة، وظهرت أمامهم ترسانة أسلحة نفى الدفاع علاقتها بالأحراز المقيدة لاحقًا في محضر القضية؛ مؤكدًا فبركة الأجهزة الأمنية لها. في 15 يونيو 2014 قرّر النائب العام إحالة القضية إلى محكمة الجنايات بتهم منها قتل رقيب الشرطة وحيازة أسلحة ومفرقعات وذخائر وتشكيل خلية إرهابية والانضمام إلى جماعة أُسّست على خلاف القانون. واستمرّت جلسات المحكمة حتى 9 يوليو 2015؛ حيث أحالت أوراق ثمانية من الشباب حضوريًا إلى المفتي، الذي صدّق على أحكام إعدامهم؛ فأقرت المحكمة في 7 سبتمبر 2015 أحكامها حضوريًا بإعدامهم والمؤبد لـ 13 آخرين. ثم طعن دفاع المعتقلين ضد الحكم أمام محكمة النقض بالقاهرة (أعلى محكمة مدنية مصرية)، التي أيّدت الأربعاء الماضي 7 يونيو أحكام الإعدام ضد ستة من الشباب، وخففت حكم الإعدام ضد اثنين آخرين إلى مؤبد، بينما أيّدت أحكام المؤبد لسبعة معتقلين، وخففت المؤبدات ضد ثلاثة آخرين إلى الحبس ثلاث سنوات، وقضت ببراءة أربعة معتقلين.
الشباب الستة
إبراهيم يحيى عبد الفتاح محمد عزب 27 عامًا
تخرّج في كلية الصيدلة بجامعة المنصورة. تقول والدته إنه قبل اعتقاله كان دائمًا في أعمال الخير والبر وعون غيره، على خلق ودين ويحفظ كتاب الله، وكان يحلم بتصنيع الأدوية بمصر بدلًا من استيرادها؛ إلا أن الأجهزة الأمنية اعتقلته في 6 مارس 2014 من شارع بالمنصورة، وانقطعت أخباره عن أسرته ولم يعرفوا مكان احتجازه، وبعد يومين من اعتقاله فوجئوا بوزارة الداخلية تبث مقطعًا مصورًا له مع آخرين يبدو عليهم جميعًا آثار التعذيب ويعترفون فيه بتكوين خلية إرهابية بالمنصورة تقوم بأعمال تخريبية بالبلاد وتعتنق أفكارًا تكفيرية. وبحسب دفاعه، صُوّرت هذه المشاهد وبثت قبل العرض على النيابة ودون إذن منها، وهي مخالفة للقاعدة القانونية أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته؛ مطالبًا التحقيق في الواقعة. وفي جلسة تحقيق يوم 10 مارس 2014، سرد العزب لنيابة أمن الدولة العليا ما جرى له بمقر الأمن الوطني بلاظوغلي قائلًا: «هناك ناس قعدت تحقق معي ويعذبوني وكان كلامهم يدور عن إني قتلت مخبرا وعسكريا وأنا معملتش كدة، فقعدوا يضربوا فيا ويكهربوني وأنا متغمي، وكنت باحس بكهرباء أسفل بطني وبين فخذي وأسفل ظهري والضرب في كل جسمي، وجابولي كاميرا وخلوني أسجل اعترافا… قلت فيه إن ليا علاقة بقتل المجند وفرد الشرطة؛ لكن أنا ماليش علاقة بالموضوع ده… كانوا عايزيني أعترف إني فجرت مديرية الأمن وكمين كوبري الجامعة بالمنصورة، وطبعًا لما جيت النيابة ماقلتش الكلام ده لأنه ماحصلش»؛ رغم ذلك لم تحقق النيابة في وقائع التعذيب ولم تبطل الاعترافات الناتجة عنها.
2 أحمد الوليد السيد السيد الشال 28 عامًا
طبيب امتياز بكلية الطب بجامعة المنصورة. بحسب والدته، اعتقلته الأجهزة الأمنية في 6 مارس 2014 من شارع بالمنصورة وأخفته الأجهزة الأمنية قسريًا لمدة عشرة أيام؛ تعرّض فيها إلى التعذيب بمقر أمن الدولة بالمنصورة والركل والصعق بالكهرباء وتعليقه على الباب وحرق السجائر في جسده. وأقرّ في جلسة 8 سبتمبر 2014 بتعرضه إلى التعذيب بعد اعتقاله، الذي بلغ حد هتك عرضه؛ بإدخال عصا خشبية في دبره، مؤكدًا في الجلسة نفسها ذكره لإصاباته أمام النيابة في أول تحقيق، متهمًا النيابة بتأخير عرضه على الطب الشرعي ولم تخطر محاميه رغم طلبه. كما تعرّض إلى التهديد باغتصاب والدته؛ لإجباره على تصوير فيديو يعترف فيه بارتكاب جريمة القتل نشرته الداخلية في 12 مارس من العام نفسه، وتمكّنت أسرته من زيارته لأول مرة بسجن العقرب في 27 مارس من العام نفسه، وعند محاولة والدته المحامية إثبات واقعة هتك العرض وفتح تحقيق بها حُوّلت الدعوى إلى الجنايات ولم تتداول حتى الآن، ونُقل إلى عنبر الإعدام بسجن العقرب قبل النطق بالحكم النهائي عليه، في مخالفة للقانون.
3 خالد رفعت جاد عسكر 27 عامًا:
خريج كلية العلوم وطالب دراسات عُليا بجامعة المنصورة. بحسب رواية أسرته، اعتقل في 6 مارس 2014 من شارع بالمنصورة، وتعرّض إلى الإخفاء القسري لمدة عشرة أيام حينها دون أن يعرف ذووه مكان احتجازه، حتى بعد ظهوره في مقطع الفيديو الذي بثته الداخلية في 12 مارس من العام نفسه. وفي جلسة تحقيق يوم 20 مارس 2014 أقرّ خالد بتعرضه إلى التعذيب بعد اعتقاله بالصعق بالكهرباء في أذنه وفي أعضاء الذكورة وبالضرب على قدمه؛ ورغم ذلك لم تحقق النيابة في أقواله ولم تبطل اعترافاته الناتجة عن التعذيب، بحسب دفاعه. وتمكّنت أسرته من زيارته لأول مرة بسجن طرة يوم 20 مارس من العام نفسه. وتحكي والدته عن أول عرض له على النيابة فتقول: «عُرض على النيابة في التجمع الخامس دون محامٍ، وهدده وكيل النيابة ليعترف أمامه بأنه اشترك في قتل الحارس؛ فعندما رفض خالد ذلك أمر وكيل النيابة بأخذ خالد إلى دهاليز النيابة السفلية وضربه الضابط في وجهه حتى يقول ما يريده وكيل النيابة. « أحيل مؤخرًا إلى محكمة الجنايات، وسرد على القاضي ما حدث له من تعذيب من السلطات الأمنية بالضرب والصعق بالكهرباء والتعليق وحرق السجائر بجسده؛ لإجباره على الاعتراف بالتهم المنسوبة إليه، وخلع أمام القاضي قميصه ليريه آثار التعذيب الباقية على جسده حتى بعد مرور أكثر من عام وخمسة أشهر على اعتقاله وقتها؛ لكن دون جدوى.
4 محمود ممدوح وهبة عطية أبوزيد 23 عامًا
يظهر في الفيديو وهو يغني ويضحك مع زملائه، اعتبره القضاء المصري إرهابيًا خطيرًا شارك في جريمة قتل؛ مؤيدًا حكم إعدامه. وهو طالب بالفرقة الثانية بكلية هندسة المنصورة وأحد أوائل دفعته، كما تقول أسرته، كان يخطط للسفر إلى ألمانيا ليكمل دراسته وبعدها يحصل على جائزة نوبل في الفيزياء في سن الـ 25؛ قبل اعتقاله في الثاني من مارس 2014 بشارع بالمنصورة، ولم يعرف أهله عنه شيئًا طوال فترة إخفائه قسرًا التي استمرت عشرة أيام. وبحسب دفاع المعتقلين، أبلغ محمود وهبة النيابة أثناء التحقيقات بإجبار ضباط أمن الدولة له على الاعتراف بالتهم الملفقة ضده تحت وطأة التعذيب وتهديده بوالدته، ورغم تعرّفه على الضابط الذي عذّبه وذكر اسمه؛ إلاّ أن النيابة لم تلتفت إلى ذلك جملة ولم تحقق فيه، ولم تبطل الاعترافات الناتجة عن التعذيب.
5 باسم محسن حسن الخريبي 30 عامًا:
كان يعمل مهندسًا بشركة تابعة لهيئة السكك الحديدية قبل اعتقاله في الرابع من مارس 2014 من شارع بالمنصورة، واستطاع الاتصال بأهله ليخبرهم أنه أُلقي القبض عليه؛ لكنه اختفى بعد ذلك تمامًا، ولم تعلم أسرته عنه شيئًا لثلاثة أشهر، كان مُحتجزًا أثناءها في سجن العازولي بالإسماعيلية. وبحسب جبهة الدفاع، ثبت تعرّض باسم إلى الإخفاء القسري قبل إصدار إذن النيابة بثلاثة أشهر، ومُثْبت تاريخ اعتقاله ببرقيات أسرته للمحامي الأول بالدقهلية والنائب العام فور اعتقاله، ومثبت ذلك أيضًا بالمحضر رقم 2661 لسنة 2014؛ وكل هذا يخالف محضر الضبط الذي ادّعى القبض عليه يوم 2 يونيو، بعد إذن النيابة بيوم واحد؛ أي إن ضبطه واحتجازه طيلة هذه المدة مخالف للقانون بما يبطله مطلقًا وما يترتّب عليه من إجراءات. وفي أوائل جلسات التحقيق معه في 3 و9 يونيو 2014، أقرّ باسم بإصابته إثر التعذيب وحبسه بسجن العزولي، وتعرضه إلى الإخفاء القسري، وطلب محاميه عرضه على الطب الشرعي، ولم تلب النيابة طلبه ولم تحقق في ادعاءاته، ولم تبطل أقواله الناتجة عن التعذيب، -بحسب دفاعه -.
6 عبدالرحمن محمد عبده عطية:
طالب بالفرقة الرابعة بكلية الطب جامعة الأزهر، والأول على دفعته بطب الأزهر لمدة ثلاث سنوات. اعتقلته السلطات الأمنية في 8 مارس 2014 أثناء استقلاله مترو الأنفاق بالقاهرة؛ ليظل رهن الإخفاء القسري لأيام تعرض فيها إلى التعذيب بالسحل والتعليق والصعق بالكهرباء والتهديد بالأهل كي يعترف بالتهم المنسوبة ضده. وبحسب جبهة الدفاع، أقرّ عبد الرحمن بتعرّضه إلى التعذيب بمقر أمن الدولة بلاظوغلي في جلسة تحقيق 20 مارس 2014؛ ورغم ذلك لم تحقق النيابة في ادعائه ولم تعرضه على الطب الشرعي.
أثبت دفاع المعتقلين في مذكرات دفاعه أمام محكمة النقض خروقات قانونية في حكم جنايات المنصورة ضد الشباب؛ أبرزها كالتالي:
- بطلان إجراءات الضبط والتفتيش؛ لوقوعها قبل إصدار إذن النيابة العامة بمدد طويلة، وصلت ثلاثة أشهر من الإخفاء القسري لبعضهم، مثل باسم الخريبي؛ ما يخالف القانون، الذي يوجب عرض المتهمين على النيابة في أثناء مدة لا تزيد على 24 ساعة؛ وبالتالي بطلان الاحتجاز غير القانوني للمعتقلين وما ترتب عليه من تحقيقات.
- بطلان التحقيقات التي تمّت مع معتقلين من دون محامٍ، وذلك وفق المادة (54/3) من الدستور المصري التي تنص على أنه «لا يجوز التحقيق مع المتهم إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام نُدب له محامٍ»، وببطلان التحقيقات يُبطل ما استمد منها من أدلة إدانة؛ ولم تلتفت محكمة الجنايات إلى هذا العوار، ولم تقسطه ما يجب من التحقيق والبحث؛ ما أخلّ بحق الدفاع.
- بطلان أقوال المعتقلين لإصدارها نتيجة الإكراه المادي والمعنوي (التعذيب)، وفق المادة (55) من الدستور المصري التي تنص على أن «كل من يُقبض عليه… لا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه… وكل قول صدر تحت وطأة التعذيب أو التهديد بشيء منه يُهدر ولا يعول عليه.
- أبلغَ المعتقلون جميعًا النيابة في أثناء التحقيقات بإجبار ضباط أمن الدولة لهم على الاعتراف بالتهم الملفقة ضدهم تحت وطأة التعذيب، وتهديدهم باغتصاب أمهاتهم وأخواتهم.
- وصلت شدة تعذيب المعتقلين إلى صعقهم بالكهرباء في أماكن حساسة وهتك عرض أحدهم (أحمد الوليد) بإدخال عصا خشبية في دبره، ولم تحقق النيابة في ذلك ولم تُبطل الاعترافات الناتجة عنه.
- رغم تعرّف بعضهم (محمود وهبة) على الضابط الذي عذّبه وذكر اسمه؛ إلاّ أن النيابة لم تلتفت إلى ذلك جملة ولم تحقق فيه، كما تجاهلت طلبات بعضهم بالعرض على الطب الشرعي لإثبات تعذيبهم، وتجاهلت تقارير الطب الشرعي لآخرين في القضية أثبتت جميعها وجود إصابات بالمتهمين.
ودفع محامي إبراهيم العزب ببطلان استجوابه بعد تعرضه للتعذيب والاحتجاز غير القانوني على النحو الآتي:
- ثبوت تعذيبه أثناء القبض عليه من أجهزة الأمن بالمنصورة وقبل العرض على نيابة أمن الدولة العليا.
- ثبوت تكرار التعدي البدني عليه وهو في حوزة نيابة أمن الدولة ورقابتها عليه.
- ثبوت تقاعس نيابة أمن الدولة عن حمايته من الاعتداء عليه ودون التحقيق مع المسؤولين عن احتجازه.
- قصور تحقيقات النيابة العامة وخروجها عن الحيادية؛ حيث استمر التحقيق معه في جلسات 8 و9 و10 مارس وبه إصابات جسيمة دون عرضه على الطبيب أو إحالته إلى الطب الشرعي فورًا.
- ثبوت طلب الدفاع بكل جلسة تحقيق بوقف التحقيق وسرعة نقل المتهم إلى المستشفى وعرضه على الطب الشرعي والتحقيق في وقائع التعذيب.
- ثبوت احتجازه في غير أماكن الاحتجاز القانونية، تحديدًا بمقر الأمن الوطني، بعلم نيابة أمن الدولة وإقرارها.
- انعدام الدليل على التهم المنسوبة للمعتقلين جميعًا؛ فالأدلة الوحيدة المقدمة للمحكمة على هذه التهم جميعًا لا تعدو أن تكون اعترافات أمام النيابة عند سؤالهم أول مرة، وتحريات ضباط الأمن الوطني. أما الاعترافات فهي باطلة بناءً على النقاط السابق ذكرها؛ فلا يُستفاد منها بدليل إدانة على أي حال. وأما تحريات الأمن الوطني فأثبت الدفاع أنها فاسدة متهافتة مجهلة ومتناقضة لا يجوز الاستناد إليها في إدانة بريء؛ حيث ورد بشهادات ضباط الأمن الوطني استنادهم على «التحريات السرية»، واستند حكم المحكمة على ذلك دون أي دليل آخر يعزز هذه التحريات؛ وقضاء النقض مستقر على أن هذه التحريات لا تصلح بذاتها دليلًا وحيدًا على الإدانة.
- فبركة الاعترافات التي أمليت على المعتقلين في القضية وتلفيقها؛ حيث خلت أحراز القضية من ترسانة الأسلحة التي ظهرت أمام المتهمين في الفيديو، مما يؤكد فبركتها.
- استحالة ارتكاب «الوليد» لجريمة القتل، وأرفقت جبهة الدفاع مع مذكراتها للمحكمة تقارير طبية تثبت استحالة قيامه بجريمة القتل لأنه يعاني من اضطرابات سمعية اتزانيه والتهاب وريدي بسبب عملية استئصال ورم بالمخيخ أجراها عام 2002 ومرة أخرى عام 2006، وكان تحت العلاج الدوائي وأدوية الصرع قبل اعتقاله؛ ما يجعله عاجزًا عن التحكم في اتزانه؛ وهي مستندات قاطعة الدلالة على استحالة ارتكابه إطلاق النار وإصابة المجني عليه الإصابات القاتلة -التي أوردتها التقارير الطبية- وهو على جسم متحرك، رغم رد فعل السلاح المزعوم استخدامه
- تناقض الدليل الفني في الدعوى مع بعضه البعض، وتناقضه مع التحريات ومع واقعات الدعوى بما يوجب إهداره وألا يعوّل عليه. ومنه ما استند إليه الحكم بإثبات تقرير الطب الشرعي أن الطبنجة المُدعى ضبطها عيار 9 مم حلوان هي السلاح ذاته المستخدم في القتل، في حين أثبت تقرير الأدلة الجنائية أن الفارغ الذي عثر عليه بجوار المجني عليه يعود إلى سلاح ناري عيار 9 مم طويل صناعة أجنبية؛ وهذا التناقض يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال ويوجب نقضه. كذلك، التناقض بين تقرير الطب الشرعي الذي ذكر بعد تشريح جثة المجني عليه أن الطلقات أطلقت بالوضع القائم المعتدل للجسم، ويتناقض ذلك مع جماع الدليل القولي الذي انتهى إلى أن المجني عليه أُطلق عليه الرصاص وهو في وضع الجلوس على دراجته البخارية، وأعرضت المحكمة حتى عن الرد على الدفاع في هذا التناقض، رغم تعلقه بالأدلة الأساسية للإدانة؛ لذا فالحكم يشوبه الفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع يوجب نقضه.
- تحقيقات النيابة العامة شابها القصور في عشرات المواضع على نحو يجعل الأدلة المقدمة إلى المحكمة لا تُمكنها من الفصل في الدعوى عن بصر وبصيرة.
- الإخلال بحق الدفاع؛ حيث أغفلت المحكمة الرد على أوجه الدفاع الجوهرية ولم تُقسط الدفوع حقها إيرادًا وردًا؛ وهو ما يخلّ بمقومات الأدلة التي استندت إليها المحكمة، كما هو ثابت بقضاء النقض.
الأحكام وتنفيذ الإعدام في شباب قضية المنصورة جعل مركز كارنيجي للشرق الأوسط يٌصدر بيانًا قال فيه” تقوم أغلب تلك القضايا على تحريات الأمن الوطني – وهو الجهاز الذي كان يعرف مسبقاً قبل ثورة كانون الثاني/يناير 2011 بمسمى أمن الدولة واشتهر بكونه الذراع الأساسية للنظام في محاربة كافة أشكال المعارضة السياسية – التي تعتمد غالباً على مصادر سرية، يصر ضباط الأمن الوطني على عدم كشفها حتى خلال المراحل النهائية من المحاكمة. مما يعني في النهاية إصدار أحكام تغلب عليها الصفة المشددة إذ تتضمن أحكاماً بالإعدام والسجن المؤبد، وذلك استناداً على شهادة مُجهلة لمصادر غير معروفة لأي أحد – بما في ذلك القضاة الذين أصدروا تلك الأحكام – سوى لضباط الأمن الوطني أنفسهم. كانت هذه الحالة النموذجة في القضية التي تم تداولها مؤخراً في مصر، وهي القضية المعروفة بقضية شباب المنصورة (القضية رقم 781 لسنة 2014 كلي جنايات المنصورة)، والتي قامت محكمة النقض – أعلى مستوى من التقاضي في البلاد – في يوم 7 حزيران/يونيو 2017 بتأكيد حكم الإعدام بحق ستة من الشباب ليصبح حكماً نهائياً. وقد تضمنت هذه القضية ثمانية أنماط مختلفة من الانتهاكات رصدها تقرير حقوقي مفصل صادر عن لجنة العدالة بسويسرا، وهي الانتهاكات التي ثبتت بالأوراق الرسمية للقضية وذلك بدءاً من شكاوي الاختفاء القسري التي صرّح بها عدد من المتهمين لنيابة أمن الدولة العليا التي باشرت التحقيقات معم. واختلاف ملابسات وتواريخ القبض عليهم عما هو مثبت في المحاضر الرسمية، ومروراً بوقائع التعذيب والإجبار على سرد اعترافات تحت الإكراه تراجعوا عنها تماماً مع التأكد من حبسهم في السجون العمومية بعد فترة من التحقيقات وليست أماكن الاحتجاز غير الرسمية التابعة للأمن الوطني والتي يتم احتجاز الكثير من المختفين قسرياً فيها، حتى يتم إعداد الاتهامات الملفقة لهم، وحيث يكون التعذيب متفشياً بدرجة أكبر من السجون العمومية. وتصوير الاعترافات تحت الضغط مسبقاً ونشرها من قبل وزارة الداخلية قبل اكتمال تحقيقات النيابة، وغياب حضور المحامين مع المتهمين أثناء جلسات التحقيق، والاعتماد في الأحكام على تحريات الأمن الوطني كدليل رئيسي اكتفت به المحكمة المدنية في الإدانة، رغم استناد كل تلك التحريات على مصادر سرية لم يتم الإعلان عنها في أي مرحلة من مراحل التقاضي.
خاتمة
تثبت كافة التقارير الصادرة عن أحكام الإعدام في مصر منذ عام 2014 وحتى اللحظة الراهنة أن الحكومة المصرية استخدمت القضاء في التصفية والانتقام السياسي من المعارضين للنظام المستبد في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي. افتقدت المحاكمات إلى معايير العدالة التي كفلها الدستور المصري وكافة الاتفاقات والقوانين الدولية التي وقعت عليها مصر.
تتعدى المشكلة الخلل في إجراءات سير المحاكمات ذلك لكونها أنماط شائعة جداً في القضايا من هذا النوع من بعد 3 يوليو/تموز 2013 سواء أمام المحاكم المدنية أو المحاكم العسكرية التي توسعت بشدة أيضاً منذ 2014 في محاكمة الآلاف من المدنيين أمامها وأغلب هذه القضايا أيضاً يفتقد إلى الحد الأدنى من الأدلة وبالرغم من ذلك تتم إدانتهم. بحيث تكون قضية المنصورة ما هي إلا مثال ونموذج لمئات القضايا غيرها. فعلى سبيل المثال في القضية المعروفة بتفجير أتوبيس الكلية الحربية في استاد مدينة كفر الشيخ، قامت المحكمة العليا للطعون العسكرية بالقاهرة بتأييد الحكم بالإعدام بحق سبعة متهمين وبذلك يصبح حكماً نهائياً وذلك في 19 يونيو/حزيران 2017، على الرغم من أن التحريات العسكرية التي أجرتها المنطقة الشمالية العسكرية بخصوص الواقعة، أقرت بأنها “لم تتوصل لمرتكب الواقعة نظرًا لعدم وجود كاميرات بمكان الحادث، وأن الكاميرا رقم 1 … يصعب من خلالها تحديد مرتكبي الواقعة نظرًا لبعد المسافة ووجود عوائق رؤية.” ومن ضمن المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام فكيه عبد اللطيف الذي يعمل مدرس علوم بمدرسة الشهيد أحمد سعد الديهي الإعدادية بشنو بمحافظة كفر الشيخ، وأثبتت إفادة رسمية مختومة بختم النسر من ديوان المحافظة والإدارة التعليمية بها أنه كان متواجدًا بالمدرسة يوم الحادث 15 إبريل/نيسان 2015، وقام بجميع أعماله المدرسية ولم يغادر المدرسة في ذلك اليوم، وهو ما يخالف ما جاء في قرار الاتهام من نيابة طنطا العسكرية للمواطن فكيه، والذي ادعت فيه تواجده في موقع الحادثة ومشاركته في التفجير. ومما يزيد من الإحساس بانعدام الثقة بمنظومة العدالة في مصر، هو كون إعدام شباب القضية المعروفة باسم عرب شركس، جاء بعد أن أثبتت عدة منظمات حقوقية محلية وقوع ثلاثة على الأقل من الشباب الستة ضحايا للاختفاء القسري، وكونهم محبوسين من قبل وزارة الداخلية وقت وقوع المداهمة الأمنية التي على أساسها تم الحكم عليهم بالإعدام.
إن العصف بمعايير المحاكمة العادلة في قضايا تتضمن اتهامات خطيرة تؤدي إلى آلاف من الأحكام المشددة، وأخطرها الحكم بالإعدام. وما يتضح من تسييس سواء في تشكيل هذه القضايا وجهات التحري التي يقوم بها الأمن الوطني، وتستند في الأغلب على مصادر سرية، مروراً بإصرار القضاء على إصدار أحكام الإعدام الجماعية دون النظر في الانتهاكات الشديدة التي تعرّض لها المتهمون. وصولاً إلى الاستعجال في تنفيذ تلك الأحكام وأحياناً دون الإبلاغ المسبق للأهالي بتاريخ وموعد التنفيذ مثلما حدث في إعدام الشباب الستة في القضية المعروفة باسم عرب شركس. كل ذلك يعكس شبهات تسييس واضحة للمحاكمات في مصر والتي تتضمن تهماً خطيرة بالإرهاب، وتنتهي في العديد منها بأحكام إعدام. كل ذلك لا يعني سوى مزيد من تكريس الظلم وغياب العدل، ونقص الثقة في السلطة القضائية بعد أن صمدت لعقود بشكل كبير مقارنة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية منذ عهد مبارك قبل الثورة.
.
الإعدامات السياسية في مصر….. سلاح للانتقام وليس لتطبيق القانون.
عندما يحكم بالإعدام على الضحية.
أصدرت محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ المصرية حكمها بالإعدام شنقا على الأستاذ الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين (80 عاما) والقائم بأعمال المرشد السابق الأستاذ الدكتور محمود عزت (79 عاما) و6 قيادات أخرى هم الأستاذ الدكتور محمد البلتاجي والمهندس عمرو محمد زكي والدكتور أسامة ياسين والدكتور صفوت حجازي والمهندس عاصم عبد الماجد والأستاذ الدكتور محمد عبد المقصود في القضية المعروفة إعلاميًا بـ “أحداث المنصة”.
ما هي مجزرة الحرس الجمهوري؟
في فجر يوم 8 يوليو 2013 فتحت قوات الجيش في محيط دار الحرس الجمهوري المصري النار علي معتصمين مؤيدين للرئيس محمد مرسي -رحمه الله- رافضين الانقلاب العسكري. أدى ذلك لاستشهاد 61 شخصًا وفقًا لتقرير أخير لمصلحة الطب الشرعي، وأصيب أكثر من 435 آخرين أثارت هذه الأحداث ردود فعل منددة من التيارات الإسلامية كافة، كما أدانتها القوى السياسية الأخرى. لم يتم محاكمة أو محاسبة أي مسئول من قوات الأمن والجيش على هذه المذبحة، بل وعلى النقيض من ذلك تم اعتقال مشاركين في هذا الاعتصام الذين يعتبرون من الضحايا ومحاكمتهم وسجنهم منذ عام 2013 حتى وقت كتابة هذا التقرير. وحكمت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بالإعدام على قيادات الإخوان في هذه القضية التي قتلت فيها قوات الجيش المدنيين العزل ثم قدمت قادتهم للمحاكمة والإعدام.
مقدمة
الإعدام هو قتل شخص بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام والمنع. وتعرف الجرائم التي تؤدي إلى هذه العقوبة بجرائم الإعدام أو جنايات الإعدام. وقد طبقت عقوبة الإعدام في كل المجتمعات تقريبًا، ما عدا المجتمعات التي لديها قوانين مستمدة من الدين الرسمي للدولة وتمنع هذه العقوبة. وتعد هذه العقوبة قضية جدلية رائجة في العديد من البلاد، ومن الممكن أن تتغاير المواقف في كل مذهب سياسي أو نطاق ثقافي. ترى منظمة العفو الدولية أن معظم الدول مؤيدة لإبطال هذه العقوبة. مما أتاح للأمم المتحدة أن تعطي صوتًا بتأييد صدور قرار غير ملزم لإلغاء عقوبة الإعدام. لكن أكثر من 60% من سكان العالم يعيشون في دول تطبق هذه العقوبة حيث أن الأربعة دول الأكثر سكانًا وهي جمهورية الصين الشعبية والهند والولايات المتحدة الأمريكية وإندونيسيا تطبق عقوبة الإعدام.
الإعدامات في مصر
تحتل مصر المركز الثالث عالميًا في تنفيذ عقوبة الإعدام ومازالت المنظومة التشريعية المصرية هي الأكثر توسعًا في تطبيق عقوبة الإعدام في 104 جريمة وما زلنا نواجه المحاكمات الجماعية للمتهمين والتنفيذ الجماعي لعقوبة الإعدام، بل والأكثر من ذلك ارتكبت الدولة انتهاكات جديدة كتدوير المتهمين في العديد من القضايا وإحالة المتهمين لمحاكم أمن الدولة والتي لا تمكن المتهم من الطعن على أحكامها وعقب الضغط الداخلي والدولي في مصر وصدور العديد من التقارير الصادرة من المنظمات الغير حكومية الوطنية والدولية.
تقارير منظمة العفو الدولية
ووفقًا لما ذكرته منظمة العفو الدولية، في تقريرها عن أحكام الإعدام حول العالم عام 2022م٬ قالت إن تنفيذ أحكام الإعدام في مصر خلال عام 2022 انخفض بنبة 71% عن مثيلاتها في عام 2021م، إلا أنه في ذات الوقت ارتفعت نسبة الأحكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم المصرية في نفس العام 2022م بنسبة تصل إلى 51%. بلغ عدد أحكام الإعدام التي قامت مصر بتنفيذها في عام ٬2022 24 حكم إعدام مما يعني تنفيذ حكم الإعدام في 24 مواطنًا مصريًا.
حسب منظمة العفو الدولية “أمنستي” في تقريرها السنوي عن حالات الإعدام حول العالم، تصدرت مصر والسعودية قائمة الدول العربية الأكثر تنفيذا لأحكام الإعدام في عام 2021. وذكر التقرير أن “عدد أحكام الإعدام المنفذة في عام 2021 بلغت 579 في 18 دولة، بزيادة قدرها 20% عن الإجمالي المسجل لعام 2020، حيث تم تسجيل 483 حالة إعدام”.
وفقًا لتقرير العفو الدولية، احتلت مصر المرتبة الأولى عربيا في تطبيق أحكام الإعدام بما لا يقل عن 83 حالة إعدام، تلتها السعودية بـ 65 حالة إعدام”. كما حلت سوريا في المرتبة الثالثة بما لا يقل عن 24 حالة، بعدها الصومال بأكثر من 21، ثم العراق بأكثر من 17، فاليمن بأكثر من 14، وعمان بما لا يقل عن حالة واحدة.
مع وصول عبد الفتاح السيسي، لسدة الحكم في مصر عام 2014، توسع القضاء المصري في استخدام عقوبة الإعدام بشكل جماعي، وتزايدت أيضًا وتيرة تنفيذ الأحكام، ما اعتبرته مصادر متعددة تحول في عقيدة عقوبة الإعدام في القانون المصري من الردع والمنع إلى الانتقام السياسي.
يمثل عدد الإعدامات التي نُفذت خلال العقد الماضي وحده ما يقرب من نصف عدد أحكام الإعدام النهائية التي أصدرها القضاء المصري خلال القرن الماضي، وفقًا للإحصاءات المحدودة المتاحة.
لا توجد دراسات دقيقة أو رسمية متاحة لمعدلات الإعدام خلال العقود السابقة، لكن بعض الإحصائيات، نقل عنها تقرير سابق لجريدة ـ«المصري اليوم»، أشارت إلى أن 1429 حكمًا نهائيًا بالإعدام قد صدر منذ عام 1906، وحتى 2014، ولا نعرف على وجه الدقة كم حكمًا منهم تم تنفيذه بالفعل. الجرائم الجنائية استحوذت على أغلب تلك الأحكام بـ 1168 حكمًا، تبعها 182 حكمًا فى جرائم سياسية، منها اغتيال، وتجسس، وتخابر مع دولة أجنبية، وتأسيس وعضوية وقيادة تنظيمات سرية غير مشروعة، إلى جانب جرائم الإرهاب٬ وبالطبع هناك قضايا سياسية للقمع ضد المعارضة كما في الحالة المصرية بعد الإنقلاب العسكري في ٢٠١٣م.
ذكر تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2021 عن حالة حقوق الإنسان في العالم فيما يخص عقوبة الإعدام في مصر أنه صدرت أحكام بالإعدام بعد محاكمات جماعية جائرة أمام المحاكم المصرية بما في ذلك المحاكم العسكرية ودوائر مختصة بالإرهاب، وتم تأييد هذه الأحكام في دوائر الاستئناف. وفي مارس/آذار، أصدرت محكمة جنايات أحكامًا بالإعدام ضد 37 شخصاً بعد محاكمة جماعية جائرة. وكان كثيرون منهم قد اختفوا قسراً لشهور، وتعرضوا للضرب والصعق بصدمات كهربائية أو للتعليق لفترات طويلة قبل محاكمتهم. ونـُفـِّذ عدد من الإعدامات، بما في ذلك إعدام أشخاص أُدينوا في محاكمات فادحة الجور، شابتها ادعاءات بالاختفاء القسري وقبول “اعترافات اٌنتـُزعت تحت التعذيب باعتبارها أدلة. ففي شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، أُعدم في مصر عدد يقارب ضعف الذين أُعدموا خلال عام 2019 كله.
المفوض السامي لحقوق الإنسان
صرحت المتحدثة باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان، ليز ثروسيل، في يناير/كانون الثاني 2018، والذي أعربت فيه عن قلقها من حالات الإعدام الجماعية في مصر، وأنها تمثل صدمة عميقة، مشددة على أن حالات كثيرة في مصر أعدم أصحابها بناءً على إجراءات قانونية غير كافية، رافضة في الوقت ذاته استخدام مصر عمليات الإعدام كوسيلة لمكافحة الإرهاب.
اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة
في الرابع عشر من أبريل \ نيسان 2023 أصدرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة تقريرها الختامي بشأن الوضع في مصر بعد استعراض سجل الحكومة المصرية في مجال الحقوق المدنية والسياسية للمرة الأولى منذ 21 عامًا. جاء فيه ” لا تزال اللجنة تشعر بقلق بالغ لأن القانون المحلي يعاقب بعقوبة الإعدام على عدد كبير من الجرائم، بما فيها الجرائم غير العنيفة التي لا ترقى إلى مستوى “أشد الجرائم خطورة” بالمعنى المقصود في المادة 6(2) من العهد، ولأن عقوبة الإعدام إلزامية على جرائم معينة. ويساور اللجنة قلق بالغ أيضاً إزاء الادعاءات المتعلقة بحالات صدرت فيها أحكام إعدام على أساس اعترافات انتزعت بالإكراه أو التعذيب، أو في سياق محاكمات لم تف بمعايير المادة 14 من العهد، بما في ذلك المحاكمات الجماعية والمحاكمات في المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة طوارئ، وهذه الأخيرة يمكن أن تصدر عقوبة الإعدام دون منح المحكوم عليه الحق في الاستئناف. ورغم التأكيدات الشفوية التي قدمها الوفد بأن عقوبة الإعدام لم تفرض على الأطفال، فإن اللجنة تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن أطفالاً قد حكم عليهم بالإعدام في سياق محاكمات جماعية كمدعى عليهم مع بالغين في ظروف تتطلب محاكمتهم معاً. ويساور اللجنة القلق أيضاً إزاء التقارير التي تفيد بأن عدداً من عمليات الإعدام في مصر نُفذت سراً ودون السماح بزيارات عائلية للمحكومين بالإعدام أو دون إشعارهم بتاريخ إعدامهم في الوقت المناسب. وعلاوة على ذلك، يساور اللجنة قلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بارتفاع وتزايد عدد الحالات التي تفرض فيها عقوبة الإعدام وتواتر تطبيقها (المواد 6 و7 و14).
وأصدرت اللجنة في تقريرها مجموعة من التوصيات طالبت الحكومة المصرية الالتزام بها وهي:
ينبغي أيضاً أن تقوم الدولة الطرف بما يلي:
- ضمان أن تتاح إمكانية الاستفادة من العفو، أو تخفيف الأحكام، في جميع الحالات بصرف النظر عن الجريمة المرتكبة؛
- ضمان عدم فرض عقوبة الإعدام أبداً على نحو ينتهك أحكام العهد، بما في ذلك على نحو ينتهك إجراءات المحاكمة العادلة، وتوفير المساعدة القانونية دائماً، وعدم قبول المحكمة للأدلة المنتزعة بالإكراه أو تحت التعذيب؛
- ضمان عدم تعرض أي شخص كان دون الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة لعقوبة الإعدام، وضمان أن يكون للمتهمين بارتكاب جريمة يعاقَب عليها بالإعدام إمكانية الوصول إلى عملية فعالة ومستقلة لتحديد السن ومعاملتهم كأطفال إذا ظلت هناك شكوك حول سنهم وقت ارتكاب الجريمة؛
- ضمان الإخطار المسبق للسجناء المحكوم عليهم بالإعدام وعائلاتهم ومحاميهم بتاريخ تنفيذ الحكم؛
- إيلاء الاعتبار الواجب لفرض وقف اختياري لعقوبة الإعدام بهدف إلغائها والنظر في الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
وفيما يتعلق بعقوبة الإعدام في مصر تلقت مصر في الاستعراض الدولي الشامل لحالة حقوق الإنسان سبتمبر 2019 عدد 28 توصية وملاحظة تخص عقوبة الإعدام تدور أغلبها حول الوقف الاختياري العاجل لتنفيذ عقوبة الإعدام خصوصا في القضايا ذات الطابع السياسي ووقف التنفيذ الجماعي والمحاكمات الجماعية للمتهمين وتوفير ضمانات حقيقة لتنفيذ عقوبة الإعدام والوقف النهائي لتنفيذ الإعدام على من هم دون ال 18 عام وأخيرا التوقيع على البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المتعلق بعقوبة الإعدام.
وفي الفترة من يناير 2019 حتى 2021 رصدت تقارير حقوقية تم رصد اجمالًا احكام وقرارات احالة للمفتي من محاكم الجنايات وقرارات (سواء بإقرار العقوبة او تخفيضها) وعمليات تنفيذ لعقوبة اعدام متعلقة ب 1977 متهم في 877 قضية مختلفة من بينهم 816 قضية في وقائع جنائية و61 قضية على خلفية سياسية. تم رصد تنفيذ اجمالي 253 حكم اعدام خلال الفترة التي يغطيها التقرير حيث تم اعدام 187 متهم في 145 قضائية جنائية بجانب اعدام 66 متهم في قضايا سياسية في 13 قضية على خلفية سياسية من بينهم 8 قضايا صدرت الاحكام من القضاء المدني و5 قضايا صدرت الاحكام من القضاء العسكري. تم تنفيذ 43 حكم اعدام خلال عام 2019 من بينها 18 على خلفية سياسية، وتم إصدار 126 حكم في عام 2020 من بينها 30 على خلفية سياسية، و82 حكم بالإعدام خلال عام 2021 من بينها 18 على خلفية سياسية.
من الأسباب القوية التي تجعل المنظمات الدولية تشكك في نزاهة أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المصرية هي عدم نزاهة أو عدالة المحاكمات. وفي مثال صارخ لضرب العدالة في مقتل هي قضية كتائب حلوان التي بسببها أصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا قالت فيه، “حكم اليوم بمثابة إهانة للعدالة. كانت هذه محاكمة جماعية لأكثر من 200 شخص، وقد اعتُقل بعضهم قبل فترة طويلة من الأحداث التي أدينوا بسببها. وشابت القضية حالات اختفاء قسري وتعذيب تعرض لهما أشخاص، بينهم أطفال. ومنعت السلطات المصرية المتهمين من الاتصال بمحاميهم طوال الإجراءات السابقة للمحاكمة وخلال المحاكمة نفسها، حتى أنّ بعضهم مُنعوا من رؤية عائلاتهم منذ عام 2016. وقد احتُجز معظمهم في سجن العقرب وسجن طرة المشدد الحراسة في ظروف قاسية ولاإنسانية تصل إلى مستوى التعذيب”. ““يجب على السلطات التحقيق في جميع مزاعم الاختفاء القسري والتعذيب، والسماح فورًا لجميع المحتجزين بزيارات عائلاتهم ومحاميهم، وتلقي الرعاية الطبية الكافية. بالنظر إلى الانتهاكات الصارخة لإجراءات المحاكمة العادلة في هذه القضية، يجب على السلطات إلغاء الحكم والأمر بالإفراج عن المحتجزين، الذين ظل معظمهم محتجزين على ذمة المحاكمة لأكثر من عامين بما يخالف القانون المصري. وإذا وُجهت إليهم تهم بارتكاب جرائم معترف بها دوليًا، فيجب أن تُعاد محاكماتهم محاكمة عادلة من دون اللجوء إلى عقوبة الإعدام”.
في 24 مارس \ آذار 2014 فوجئ المراقبون بسابقة هي الأولي من نوعها في القضاء المصري، وربما القضاء العلمي بأسره، حين قرر القاضي سعيد يوسف، رئيس محكمة جنايات المنيا بالحكم بإحالة أوراق 529 متهمًا لمفتي الديار المصرية لاستطلاع الرأي الشرعي بإعدامهم. الحكم، الذي وصفته منظمة العفو الدولية بالحكم الشاذ جعلها تُصدر بيانًا خاصًا بالحكم قالت فيه: “إن أحكام الإعدام الجماعية التي أصدرتها محكمة مصرية اليوم تعتبر مثالاً شاذاً على مثالب نظام العدالة المصري وطبيعته الانتقائية. فوفقاً لتقارير وسائل إعلام تابعة للدولة، أصدرت محكمة جنايات المنيا، في جلسة استماع واحدة، أحكاماً بالإعدام على 529 شخصاً من أنصار الرئيس السابق محمد مرسي بسبب دورهم في أعمال العنف التي أعقبت الإطاحة به في يوليو/تموز من العام الماضي. وقالت حسيبة الحاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن هذا ظلم صراح، وينبغي إلغاء أحكام الإعدام. وإن فرض هذا العدد الضخم من أحكام الإعدام في قضية واحدة يجعل مصر متفوقةً على معظم البلدان التي تستخدم عقوبة الإعدام في سنة واحدة.” إن هذه هي أكبر دفعة من أحكام الإعدام التي تُتخذ في وقت واحد والتي شهدناها في السنوات الأخيرة، لا في مصر وحدها، بل في العالم بأسره. إن محاكم مصر سريعة في معاقبة أنصار محمد مرسي، ولكنها تتجاهل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الأمن. ففي الوقت الذي يقبع آلاف الأشخاص من مؤازري مرسي في السجن، فإن السلطات لم تُجر أية تحقيقات كافية في وفاة مئات المحتجين. ويواجه شرطي واحد فقط حكماً بالسجن بسبب مقتل 37 معتقلاً. وبدون اتِّباع عملية مستقلة ومحايدة من شأنها أن تكشف الحقيقة وتحقق العدالة للجميع، فإن العديد من الناس سيتساءلون عمَّ إذا كان لنظام العدالة الجنائية المصري أية علاقة بإحقاق العدالة. وعلى أية حال، فإن اللجوء إلى عقوبة الإعدام يعتبر أمراً جائراً بطبيعته، ويتعين على الحكومة المصرية أن تصدر إعلاناً بوقف تنفيذ عمليات الإعدام تمهيداً لإلغاء عقوبة الإعدام كلياً. وعلى الرغم من مطالبة منظمة العفو الدولية المتكررة على مدى أعوام، فإن السلطات المصرية لا تنشر أرقاماً عن عمليات الإعدام وأحكام الإعدام.
الحكم في هذه القضية قد صدر بعد جلستين، لم تستغرق أولاهما سوى 20 دقيقة، فيما أصدر القاضي حكمه في الجلسة الثانية دون حضور المتهمين أو هيئة الدفاع عنهم. ليصبح ذلك هو أسرع حكم بالإعدام في تاريخ القضاء المصري، حسب نقيب محامي المنيا طارق فودة. أشار محامو المتهمين إلى أن الحكم قد صدر دون السماع لدفاع المتهمين أو شهود النفي أو حتى فض أحراز القضية، كما أن الحكم قد صدر دون الفصل في طلب الدفاع رد المحكمة.
لم يحظ المتهمون الذين صدرت ضدهم أحكام بالإعدام بمحاكمات علنية وعادلة وفقًا لما ينص عليه الدستور المصري والقانون. منعت السلطات بشكل روتيني ممثلي المجتمع المدني ووسائل الإعلام والسفارات الأجنبية وأفراد الأسرة من حضور جلسات المحاكمة والاحتجاز السابق للمحاكمة. وذكرت جماعات حقوق الإنسان أن المتهمين المحتجزين أو المسجونين يُحرمون بانتظام من مقابلة المحامين. وزعمت الجماعات الحقوقية حدوث انتهاكات روتينية للإجراءات القانونية الواجبة، حيث لم يُسمح للمُدعَى عليهم باستدعاء الشهود أو استجوابهم أو تقديم الأدلة، كما يقتضي القانون. وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان، واجه المدعى عليهم أحياناً: صعوبات في الحصول على معلومات كافية بشأن التهم والاتهامات في قضيتهم، وتأخيرات طويلة قبل بدء المحاكمة، وجلسات استماع أولية تحد من قدرتهم على تقديم دفاع فعال، والتواصل المحدود مع محاميهم أثناء الاعتقال. وأشار المراقبون القانونيون والمنظمات الحقوقية إلى أن المحامين حُرموا في أحيان كثيرة من الوصول الكافي إلى موكليهم المحتجزين، ولم يكن لديهم دائماً إمكانية الوصول المطلوب إلى الأدلة والملفات التي ضد المتهمين. كما زعمت جماعات حقوقية أن أفراد الأسرة وأفراد الفرق القانونية مُنعوا في بعض الأحيان من حضور جلسات محاكم طوارئ أمن الدولة والمحاكمات، وأن المحتجزين يفتقرون إلى الوصول الكامل إلى المحامين والوثائق المتعلقة بتهمهم. وثق محامو حقوق الإنسان أن الأدلة في كثير من الأحيان لم تكن مرتبطة بشكل واضح أو كافية لإثبات التهم الموجهة إلى موكليهم، مثل المجموعة المحظورة التي اتهم أحد العملاء بالانضمام إليها أو “الأخبار الكاذبة” التي يُزعم أن المتهم ينشرها. وانتقدت العديد من المنظمات جلسات المحكمة الشكلية، لا سيما فيما يتعلق بتجديد الحبس الاحتياطي، حيث يستمع القضاة إلى عشرات أو مئات طلبات تجديد الحبس مع عدم كفاية الوقت لتقديم دفاع. بالإضافة إلى ذلك، ذكر محتجزون سابقون أنهم في بعض الأحيان لم يكونوا في قاعة المحكمة أثناء تلك الجلسات بسبب التأخير في الوصول إلى المحكمة أو بسبب مشاكل بيروقراطية أخرى.
قضية اقتحام قسم شرطة كرداسة
تعتبر هذه القضية من الأمثلة الصارخة لاستخدام القانون والمحاكمات الجائرة كأداة للانتقام السياسي من المعارضين. حيث قامت مصلحة السجون في سجن وادي النطرون في 28 ابريل\ نيسان 2021، بتنفيذ عقوبة الإعدام على سبعة محكومين في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية اقتحام قسم شرطة كرداسة، بعد يومين فقط من تنفيذ عقوبة الإعدام في تسعة محكومين آخرين في نفس القضية. وفي ظل تعتيم اعلامي على هذه الاعدامات الأخيرة. خالف تنفيذ حكم الإعدام العرف المستقر بعدم تنفيذ الإعدام في شهر رمضان. ووفقًا لدفاع المتهمين؛ فإن القضية شابها العديد من الانتهاكات، منها؛ بطلان إجراءات القبض والتفتيش لعدد من المتهمين، كما استند الحكم لتحريات أجهزة الأمن مجهولة المصدر دون سواها من أدلة في ظل شيوع الاتهام وعدم بيان الأدلة تفصيلاً. كذلك فإن استجواب المتهمين تم في منطقة عسكرية وأجبر العديد منهم على تقديم اعترافات انتزعت تحت التعذيب، وبدون حضور محاميهم، كما لم يتمكن المحامين من التواصل معهم أثناء التحقيقات والمحاكمة مما لم يمكنهم من تقديم الدفوع الكافية.
القضاء العسكري وأحكام الإعدام
فيما يتعلق بالأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية (الغير مختصة بمحاكمة المدنيين) فإن كافة الدلائل تشير إلى عدم استقلالية هذه المحاكم. المحاكم العسكرية ليست مفتوحة للجمهور. ويتمتع المُدعَى عليهم في المحاكم العسكرية اسمياً بنفس ضمانات المحاكمة العادلة التي يتمتع بها أولئك الموجودون في المحاكم المدنية، لكن القضاء العسكري يتمتع بسلطة تقديرية واسعة لتقييد هذه الحقوق لأسباب تتعلق بالأمن العام، وقد استخدم هذه السلطة بانتظام. وغالباً ما حاكمت المحاكم العسكرية المدعى عليهم في غضون ساعات، وفي كثير من الأحيان في مجموعات، وأحياناً دون الوصول إلى محام، مما دفع المحامين والمنظمات غير الحكومية إلى التأكيد على أن المحاكم العسكرية لا تفي بالمعايير الأساسية للإجراءات القانونية الواجبة وقوضت ضمانات المحاكمة العادلة. وللمُدعَى عليهم في المحاكم العسكرية الحق في استشارة محام، لكن غالب الأحيان منعتهم السلطات من الاتصال بمحام في الوقت المناسب. ووفقاً لمنظمات حقوقية، سمحت السلطات للمدعى عليهم في المحاكمات العسكرية بزيارات محاميهم مرة واحدة فقط كل ستة أشهر، على عكس نظام المحاكم المدنية، حيث سمحت السلطات للمحامين المحتجزين بزيارات كل 15 يوما.
وفقا لتوثيق مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين”، لم تتوقف الأحكام الصادرة بالإعدام من المحاكم العسكرية ضد المدنيين بعد قضية “خلية عرب شركس”، حيث أصدرت المحكمة العسكرية بالإسكندرية حكمًا بالإعدام فى2 مارس 2016 ضد 7 مدنيين في القضية رقم22 لسنة ٫2015 جنايات عسكرية طنطا والمعروفة إعلاميًّا بقضية إستاد كفر الشيخ، وأعقبها حكم آخر بالإعدام ضد 8 مدنيين في 29 مايو 2016 في القضية رقم 2015/174 جنايات عسكرية غرب والمعروفة إعلاميًّا باسم العمليات النوعية.
وتوالت أحكام الإعدام عسكريًّا ضد المدنيين حتى فوجئنا في 17 يناير 2017، بصدور حكمٍ بالإعدام عن المحكمة العسكرية جنايات غرب القاهرة العسكرية ضد 35 مدنيًّا، فى القضية رقم 264/2015 والمعروفة إعلاميًّا باسم اقتحام مركز شرطة طامية.
ولأن تاريخ إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية عبارة عن سلسلة متواصلة منذ 2011، فقد حكمت محكمة النقض العسكرية في 11 إبريل 2017 برفض طلب النقض المقدم لإعادة المحاكمة فى القضية رقم 93/2011 جنايات كلي عسكري/ الإسماعيلية 55/2011 جنايات جزئي عسكري/ الإسماعيلية والصادر فيها حكم بالإعدام ضد ثلاثة مدنيين في مارس 2011، كانت قد جرت محاكمتهم داخل إستاد الإسماعيلية، وبات حكم الإعدام الصادر ضدهم واجب النفاذ وهو ما يجعل حياتهم فى خطر، مع احتمال تنفيذ الحكم في أي لحظة.
قضية عرب شركس وظلم القضاء العسكري
في السابع عشر من مايو 2015 نفذت مصلحة السجون المصرية حكم الإعدام في ستة مواطنين كانت المحكمة العسكرية قد أصدرت حكمًا بإعدامهم في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية عرب شركس. كانت القضية رقم 43 لسنة 2014 جنايات عسكرية شمال القاهرة والمعروفة إعلاميًّا باسم قضية “خلية عرب شركس”، قد بدأت إثر اشتباك ومداهمة أمنية لمنطقة عرب شركس بمحافظة القليوبية في 19 مارس 2014 حيث تم الإعلان عن مصرع 6 أشخاص من داخل المبنى وضابطين أثناء عملية اقتحامه. وبالرغم من أن الدعوى الرسمية تفيد بأنه قد تم القبض على 8 مواطنين إثر تلك المداهمة _من ضمنهم المواطنون الستة الذين جرى تنفيذ حكم اﻹعدام بحقهم_ فإن هناك ما يفيد بأن اثنين على اﻷقل من هؤلاء قد تم القبض عليهما وإخفاؤهما قسريًّا في أماكن مختلفة، وكانوا قيد الاحتجاز أثناء تنفيذ تلك المداهمة.
يذكر أن المحاكمة وتنفيذ حكم الإعدام أخذ أقل من عام واحد، فقد بدأت المحاكمة في منتصف عام 2014، وقامت المحكمة العسكرية بالحكم على المتهمين الستة بالإعدام في أكتوبر من نفس العام، ثم تم رفض نقض الحكم في مارس 2015 وتنفيذ الإعدام في مايو 2015، في اليوم التالي على جريمة اغتيال ثلاثة قضاة في العريش فيما بدا كاستخدام سياسي لعقوبة الإعدام، وذلك مع عدم التحقيق بشكل جدي في بلاغات الإخفاء القسري والتعذيب التي تقدم بها أهالي بعض المتهمين في القضية.
قضية شباب المنصورة
أحدث هذه القضايا المعروفة إعلاميًا بمقتل الحارس بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، رقم 16850 لسنة 2014 جنايات المنصورة، المقيدة برقم 781 لسنة 2014 كلي جنوب المنصورة 26 لسنة 2014 جنايات أمن الدولة العليا، وأيّدت محكمة النقض بالقاهرة الأربعاء 7 يونيو 2017 حكم الإعدام النهائي لستة شباب مصريين، وخفّفت حكم الإعدام لاثنين آخرين إلى مؤبد.
بدأت قصة الشباب في 28 فبراير عام 2014؛ حيث أعلنت السلطات الأمنية المصرية مقتل رقيب الشرطة «عبد الله متولي علي الحملي»، حارس منزل المستشار حسين قنديل، قاضي اليمين بهيئة محاكمة الدكتور محمد مرسي؛ إثر إطلاق ملثمين الرصاص الحي عليه، لم يُتعرّف عليهما وفرّا هاربين. أكد أهالي الشباب أن الداخلية مارست ضد أبنائهم تهديدات باغتصاب ذويهم؛ لإجبارهم على الاعتراف بالتهم الملفقة ضدهم. وعقب ذلك شنت الداخلية حملات أمنية أول مارس 2014، على جميع مراكز محافظة الدقهلية، أسفرت عن القبض العشوائي على21 شابًا، تعرضوا بعدها لاختفاء قسري بمدد متفاوتة لاقوا فيها – بحسب جبهة الدفاع عن المعتقلين – جميع أصناف التعذيب الجسدي والنفسي، الذي بلغ حد صعقهم بالكهرباء في أماكن حساسة بأجسادهم، وهتك عرض أحدهم بإدخال عصا خشبية بدبره، وتهديدهم باغتصاب ذويهم لإكراههم على الاعتراف بجريمة قتل الرقيب المذكور، مؤكدين ذلك جميعًا خلال تحقيقات النيابة. ظهر بعض الشباب فيما بعد بفيديو بثته أجهزة الأمن بتاريخ 12 مارس 2014، سجلوا فيه اعترافاتهم بالتهم الموجهة إليهم وقد بدت عليهم آثار التعذيب الواضحة، وظهرت أمامهم ترسانة أسلحة نفى الدفاع علاقتها بالأحراز المقيدة لاحقًا في محضر القضية؛ مؤكدًا فبركة الأجهزة الأمنية لها. في 15 يونيو 2014 قرّر النائب العام إحالة القضية إلى محكمة الجنايات بتهم منها قتل رقيب الشرطة وحيازة أسلحة ومفرقعات وذخائر وتشكيل خلية إرهابية والانضمام إلى جماعة أُسّست على خلاف القانون. واستمرّت جلسات المحكمة حتى 9 يوليو 2015؛ حيث أحالت أوراق ثمانية من الشباب حضوريًا إلى المفتي، الذي صدّق على أحكام إعدامهم؛ فأقرت المحكمة في 7 سبتمبر 2015 أحكامها حضوريًا بإعدامهم والمؤبد لـ 13 آخرين. ثم طعن دفاع المعتقلين ضد الحكم أمام محكمة النقض بالقاهرة (أعلى محكمة مدنية مصرية)، التي أيّدت الأربعاء الماضي 7 يونيو أحكام الإعدام ضد ستة من الشباب، وخففت حكم الإعدام ضد اثنين آخرين إلى مؤبد، بينما أيّدت أحكام المؤبد لسبعة معتقلين، وخففت المؤبدات ضد ثلاثة آخرين إلى الحبس ثلاث سنوات، وقضت ببراءة أربعة معتقلين.
الشباب الستة
إبراهيم يحيى عبد الفتاح محمد عزب 27 عامًا
تخرّج في كلية الصيدلة بجامعة المنصورة. تقول والدته إنه قبل اعتقاله كان دائمًا في أعمال الخير والبر وعون غيره، على خلق ودين ويحفظ كتاب الله، وكان يحلم بتصنيع الأدوية بمصر بدلًا من استيرادها؛ إلا أن الأجهزة الأمنية اعتقلته في 6 مارس 2014 من شارع بالمنصورة، وانقطعت أخباره عن أسرته ولم يعرفوا مكان احتجازه، وبعد يومين من اعتقاله فوجئوا بوزارة الداخلية تبث مقطعًا مصورًا له مع آخرين يبدو عليهم جميعًا آثار التعذيب ويعترفون فيه بتكوين خلية إرهابية بالمنصورة تقوم بأعمال تخريبية بالبلاد وتعتنق أفكارًا تكفيرية. وبحسب دفاعه، صُوّرت هذه المشاهد وبثت قبل العرض على النيابة ودون إذن منها، وهي مخالفة للقاعدة القانونية أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته؛ مطالبًا التحقيق في الواقعة. وفي جلسة تحقيق يوم 10 مارس 2014، سرد العزب لنيابة أمن الدولة العليا ما جرى له بمقر الأمن الوطني بلاظوغلي قائلًا: «هناك ناس قعدت تحقق معي ويعذبوني وكان كلامهم يدور عن إني قتلت مخبرا وعسكريا وأنا معملتش كدة، فقعدوا يضربوا فيا ويكهربوني وأنا متغمي، وكنت باحس بكهرباء أسفل بطني وبين فخذي وأسفل ظهري والضرب في كل جسمي، وجابولي كاميرا وخلوني أسجل اعترافا… قلت فيه إن ليا علاقة بقتل المجند وفرد الشرطة؛ لكن أنا ماليش علاقة بالموضوع ده… كانوا عايزيني أعترف إني فجرت مديرية الأمن وكمين كوبري الجامعة بالمنصورة، وطبعًا لما جيت النيابة ماقلتش الكلام ده لأنه ماحصلش»؛ رغم ذلك لم تحقق النيابة في وقائع التعذيب ولم تبطل الاعترافات الناتجة عنها.
2 أحمد الوليد السيد السيد الشال 28 عامًا
طبيب امتياز بكلية الطب بجامعة المنصورة. بحسب والدته، اعتقلته الأجهزة الأمنية في 6 مارس 2014 من شارع بالمنصورة وأخفته الأجهزة الأمنية قسريًا لمدة عشرة أيام؛ تعرّض فيها إلى التعذيب بمقر أمن الدولة بالمنصورة والركل والصعق بالكهرباء وتعليقه على الباب وحرق السجائر في جسده. وأقرّ في جلسة 8 سبتمبر 2014 بتعرضه إلى التعذيب بعد اعتقاله، الذي بلغ حد هتك عرضه؛ بإدخال عصا خشبية في دبره، مؤكدًا في الجلسة نفسها ذكره لإصاباته أمام النيابة في أول تحقيق، متهمًا النيابة بتأخير عرضه على الطب الشرعي ولم تخطر محاميه رغم طلبه. كما تعرّض إلى التهديد باغتصاب والدته؛ لإجباره على تصوير فيديو يعترف فيه بارتكاب جريمة القتل نشرته الداخلية في 12 مارس من العام نفسه، وتمكّنت أسرته من زيارته لأول مرة بسجن العقرب في 27 مارس من العام نفسه، وعند محاولة والدته المحامية إثبات واقعة هتك العرض وفتح تحقيق بها حُوّلت الدعوى إلى الجنايات ولم تتداول حتى الآن، ونُقل إلى عنبر الإعدام بسجن العقرب قبل النطق بالحكم النهائي عليه، في مخالفة للقانون.
3 خالد رفعت جاد عسكر 27 عامًا:
خريج كلية العلوم وطالب دراسات عُليا بجامعة المنصورة. بحسب رواية أسرته، اعتقل في 6 مارس 2014 من شارع بالمنصورة، وتعرّض إلى الإخفاء القسري لمدة عشرة أيام حينها دون أن يعرف ذووه مكان احتجازه، حتى بعد ظهوره في مقطع الفيديو الذي بثته الداخلية في 12 مارس من العام نفسه. وفي جلسة تحقيق يوم 20 مارس 2014 أقرّ خالد بتعرضه إلى التعذيب بعد اعتقاله بالصعق بالكهرباء في أذنه وفي أعضاء الذكورة وبالضرب على قدمه؛ ورغم ذلك لم تحقق النيابة في أقواله ولم تبطل اعترافاته الناتجة عن التعذيب، بحسب دفاعه. وتمكّنت أسرته من زيارته لأول مرة بسجن طرة يوم 20 مارس من العام نفسه. وتحكي والدته عن أول عرض له على النيابة فتقول: «عُرض على النيابة في التجمع الخامس دون محامٍ، وهدده وكيل النيابة ليعترف أمامه بأنه اشترك في قتل الحارس؛ فعندما رفض خالد ذلك أمر وكيل النيابة بأخذ خالد إلى دهاليز النيابة السفلية وضربه الضابط في وجهه حتى يقول ما يريده وكيل النيابة. « أحيل مؤخرًا إلى محكمة الجنايات، وسرد على القاضي ما حدث له من تعذيب من السلطات الأمنية بالضرب والصعق بالكهرباء والتعليق وحرق السجائر بجسده؛ لإجباره على الاعتراف بالتهم المنسوبة إليه، وخلع أمام القاضي قميصه ليريه آثار التعذيب الباقية على جسده حتى بعد مرور أكثر من عام وخمسة أشهر على اعتقاله وقتها؛ لكن دون جدوى.
4 محمود ممدوح وهبة عطية أبوزيد 23 عامًا
يظهر في الفيديو وهو يغني ويضحك مع زملائه، اعتبره القضاء المصري إرهابيًا خطيرًا شارك في جريمة قتل؛ مؤيدًا حكم إعدامه. وهو طالب بالفرقة الثانية بكلية هندسة المنصورة وأحد أوائل دفعته، كما تقول أسرته، كان يخطط للسفر إلى ألمانيا ليكمل دراسته وبعدها يحصل على جائزة نوبل في الفيزياء في سن الـ 25؛ قبل اعتقاله في الثاني من مارس 2014 بشارع بالمنصورة، ولم يعرف أهله عنه شيئًا طوال فترة إخفائه قسرًا التي استمرت عشرة أيام. وبحسب دفاع المعتقلين، أبلغ محمود وهبة النيابة أثناء التحقيقات بإجبار ضباط أمن الدولة له على الاعتراف بالتهم الملفقة ضده تحت وطأة التعذيب وتهديده بوالدته، ورغم تعرّفه على الضابط الذي عذّبه وذكر اسمه؛ إلاّ أن النيابة لم تلتفت إلى ذلك جملة ولم تحقق فيه، ولم تبطل الاعترافات الناتجة عن التعذيب.
5 باسم محسن حسن الخريبي 30 عامًا:
كان يعمل مهندسًا بشركة تابعة لهيئة السكك الحديدية قبل اعتقاله في الرابع من مارس 2014 من شارع بالمنصورة، واستطاع الاتصال بأهله ليخبرهم أنه أُلقي القبض عليه؛ لكنه اختفى بعد ذلك تمامًا، ولم تعلم أسرته عنه شيئًا لثلاثة أشهر، كان مُحتجزًا أثناءها في سجن العازولي بالإسماعيلية. وبحسب جبهة الدفاع، ثبت تعرّض باسم إلى الإخفاء القسري قبل إصدار إذن النيابة بثلاثة أشهر، ومُثْبت تاريخ اعتقاله ببرقيات أسرته للمحامي الأول بالدقهلية والنائب العام فور اعتقاله، ومثبت ذلك أيضًا بالمحضر رقم 2661 لسنة 2014؛ وكل هذا يخالف محضر الضبط الذي ادّعى القبض عليه يوم 2 يونيو، بعد إذن النيابة بيوم واحد؛ أي إن ضبطه واحتجازه طيلة هذه المدة مخالف للقانون بما يبطله مطلقًا وما يترتّب عليه من إجراءات. وفي أوائل جلسات التحقيق معه في 3 و9 يونيو 2014، أقرّ باسم بإصابته إثر التعذيب وحبسه بسجن العزولي، وتعرضه إلى الإخفاء القسري، وطلب محاميه عرضه على الطب الشرعي، ولم تلب النيابة طلبه ولم تحقق في ادعاءاته، ولم تبطل أقواله الناتجة عن التعذيب، -بحسب دفاعه -.
6 عبدالرحمن محمد عبده عطية:
طالب بالفرقة الرابعة بكلية الطب جامعة الأزهر، والأول على دفعته بطب الأزهر لمدة ثلاث سنوات. اعتقلته السلطات الأمنية في 8 مارس 2014 أثناء استقلاله مترو الأنفاق بالقاهرة؛ ليظل رهن الإخفاء القسري لأيام تعرض فيها إلى التعذيب بالسحل والتعليق والصعق بالكهرباء والتهديد بالأهل كي يعترف بالتهم المنسوبة ضده. وبحسب جبهة الدفاع، أقرّ عبد الرحمن بتعرّضه إلى التعذيب بمقر أمن الدولة بلاظوغلي في جلسة تحقيق 20 مارس 2014؛ ورغم ذلك لم تحقق النيابة في ادعائه ولم تعرضه على الطب الشرعي.
أثبت دفاع المعتقلين في مذكرات دفاعه أمام محكمة النقض خروقات قانونية في حكم جنايات المنصورة ضد الشباب؛ أبرزها كالتالي:
- بطلان إجراءات الضبط والتفتيش؛ لوقوعها قبل إصدار إذن النيابة العامة بمدد طويلة، وصلت ثلاثة أشهر من الإخفاء القسري لبعضهم، مثل باسم الخريبي؛ ما يخالف القانون، الذي يوجب عرض المتهمين على النيابة في أثناء مدة لا تزيد على 24 ساعة؛ وبالتالي بطلان الاحتجاز غير القانوني للمعتقلين وما ترتب عليه من تحقيقات.
- بطلان التحقيقات التي تمّت مع معتقلين من دون محامٍ، وذلك وفق المادة (54/3) من الدستور المصري التي تنص على أنه «لا يجوز التحقيق مع المتهم إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام نُدب له محامٍ»، وببطلان التحقيقات يُبطل ما استمد منها من أدلة إدانة؛ ولم تلتفت محكمة الجنايات إلى هذا العوار، ولم تقسطه ما يجب من التحقيق والبحث؛ ما أخلّ بحق الدفاع.
- بطلان أقوال المعتقلين لإصدارها نتيجة الإكراه المادي والمعنوي (التعذيب)، وفق المادة (55) من الدستور المصري التي تنص على أن «كل من يُقبض عليه… لا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه… وكل قول صدر تحت وطأة التعذيب أو التهديد بشيء منه يُهدر ولا يعول عليه.
- أبلغَ المعتقلون جميعًا النيابة في أثناء التحقيقات بإجبار ضباط أمن الدولة لهم على الاعتراف بالتهم الملفقة ضدهم تحت وطأة التعذيب، وتهديدهم باغتصاب أمهاتهم وأخواتهم.
- وصلت شدة تعذيب المعتقلين إلى صعقهم بالكهرباء في أماكن حساسة وهتك عرض أحدهم (أحمد الوليد) بإدخال عصا خشبية في دبره، ولم تحقق النيابة في ذلك ولم تُبطل الاعترافات الناتجة عنه.
- رغم تعرّف بعضهم (محمود وهبة) على الضابط الذي عذّبه وذكر اسمه؛ إلاّ أن النيابة لم تلتفت إلى ذلك جملة ولم تحقق فيه، كما تجاهلت طلبات بعضهم بالعرض على الطب الشرعي لإثبات تعذيبهم، وتجاهلت تقارير الطب الشرعي لآخرين في القضية أثبتت جميعها وجود إصابات بالمتهمين.
ودفع محامي إبراهيم العزب ببطلان استجوابه بعد تعرضه للتعذيب والاحتجاز غير القانوني على النحو الآتي:
- ثبوت تعذيبه أثناء القبض عليه من أجهزة الأمن بالمنصورة وقبل العرض على نيابة أمن الدولة العليا.
- ثبوت تكرار التعدي البدني عليه وهو في حوزة نيابة أمن الدولة ورقابتها عليه.
- ثبوت تقاعس نيابة أمن الدولة عن حمايته من الاعتداء عليه ودون التحقيق مع المسؤولين عن احتجازه.
- قصور تحقيقات النيابة العامة وخروجها عن الحيادية؛ حيث استمر التحقيق معه في جلسات 8 و9 و10 مارس وبه إصابات جسيمة دون عرضه على الطبيب أو إحالته إلى الطب الشرعي فورًا.
- ثبوت طلب الدفاع بكل جلسة تحقيق بوقف التحقيق وسرعة نقل المتهم إلى المستشفى وعرضه على الطب الشرعي والتحقيق في وقائع التعذيب.
- ثبوت احتجازه في غير أماكن الاحتجاز القانونية، تحديدًا بمقر الأمن الوطني، بعلم نيابة أمن الدولة وإقرارها.
- انعدام الدليل على التهم المنسوبة للمعتقلين جميعًا؛ فالأدلة الوحيدة المقدمة للمحكمة على هذه التهم جميعًا لا تعدو أن تكون اعترافات أمام النيابة عند سؤالهم أول مرة، وتحريات ضباط الأمن الوطني. أما الاعترافات فهي باطلة بناءً على النقاط السابق ذكرها؛ فلا يُستفاد منها بدليل إدانة على أي حال. وأما تحريات الأمن الوطني فأثبت الدفاع أنها فاسدة متهافتة مجهلة ومتناقضة لا يجوز الاستناد إليها في إدانة بريء؛ حيث ورد بشهادات ضباط الأمن الوطني استنادهم على «التحريات السرية»، واستند حكم المحكمة على ذلك دون أي دليل آخر يعزز هذه التحريات؛ وقضاء النقض مستقر على أن هذه التحريات لا تصلح بذاتها دليلًا وحيدًا على الإدانة.
- فبركة الاعترافات التي أمليت على المعتقلين في القضية وتلفيقها؛ حيث خلت أحراز القضية من ترسانة الأسلحة التي ظهرت أمام المتهمين في الفيديو، مما يؤكد فبركتها.
- استحالة ارتكاب «الوليد» لجريمة القتل، وأرفقت جبهة الدفاع مع مذكراتها للمحكمة تقارير طبية تثبت استحالة قيامه بجريمة القتل لأنه يعاني من اضطرابات سمعية اتزانيه والتهاب وريدي بسبب عملية استئصال ورم بالمخيخ أجراها عام 2002 ومرة أخرى عام 2006، وكان تحت العلاج الدوائي وأدوية الصرع قبل اعتقاله؛ ما يجعله عاجزًا عن التحكم في اتزانه؛ وهي مستندات قاطعة الدلالة على استحالة ارتكابه إطلاق النار وإصابة المجني عليه الإصابات القاتلة -التي أوردتها التقارير الطبية- وهو على جسم متحرك، رغم رد فعل السلاح المزعوم استخدامه
- تناقض الدليل الفني في الدعوى مع بعضه البعض، وتناقضه مع التحريات ومع واقعات الدعوى بما يوجب إهداره وألا يعوّل عليه. ومنه ما استند إليه الحكم بإثبات تقرير الطب الشرعي أن الطبنجة المُدعى ضبطها عيار 9 مم حلوان هي السلاح ذاته المستخدم في القتل، في حين أثبت تقرير الأدلة الجنائية أن الفارغ الذي عثر عليه بجوار المجني عليه يعود إلى سلاح ناري عيار 9 مم طويل صناعة أجنبية؛ وهذا التناقض يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال ويوجب نقضه. كذلك، التناقض بين تقرير الطب الشرعي الذي ذكر بعد تشريح جثة المجني عليه أن الطلقات أطلقت بالوضع القائم المعتدل للجسم، ويتناقض ذلك مع جماع الدليل القولي الذي انتهى إلى أن المجني عليه أُطلق عليه الرصاص وهو في وضع الجلوس على دراجته البخارية، وأعرضت المحكمة حتى عن الرد على الدفاع في هذا التناقض، رغم تعلقه بالأدلة الأساسية للإدانة؛ لذا فالحكم يشوبه الفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع يوجب نقضه.
- تحقيقات النيابة العامة شابها القصور في عشرات المواضع على نحو يجعل الأدلة المقدمة إلى المحكمة لا تُمكنها من الفصل في الدعوى عن بصر وبصيرة.
- الإخلال بحق الدفاع؛ حيث أغفلت المحكمة الرد على أوجه الدفاع الجوهرية ولم تُقسط الدفوع حقها إيرادًا وردًا؛ وهو ما يخلّ بمقومات الأدلة التي استندت إليها المحكمة، كما هو ثابت بقضاء النقض.
الأحكام وتنفيذ الإعدام في شباب قضية المنصورة جعل مركز كارنيجي للشرق الأوسط يٌصدر بيانًا قال فيه” تقوم أغلب تلك القضايا على تحريات الأمن الوطني – وهو الجهاز الذي كان يعرف مسبقاً قبل ثورة كانون الثاني/يناير 2011 بمسمى أمن الدولة واشتهر بكونه الذراع الأساسية للنظام في محاربة كافة أشكال المعارضة السياسية – التي تعتمد غالباً على مصادر سرية، يصر ضباط الأمن الوطني على عدم كشفها حتى خلال المراحل النهائية من المحاكمة. مما يعني في النهاية إصدار أحكام تغلب عليها الصفة المشددة إذ تتضمن أحكاماً بالإعدام والسجن المؤبد، وذلك استناداً على شهادة مُجهلة لمصادر غير معروفة لأي أحد – بما في ذلك القضاة الذين أصدروا تلك الأحكام – سوى لضباط الأمن الوطني أنفسهم. كانت هذه الحالة النموذجة في القضية التي تم تداولها مؤخراً في مصر، وهي القضية المعروفة بقضية شباب المنصورة (القضية رقم 781 لسنة 2014 كلي جنايات المنصورة)، والتي قامت محكمة النقض – أعلى مستوى من التقاضي في البلاد – في يوم 7 حزيران/يونيو 2017 بتأكيد حكم الإعدام بحق ستة من الشباب ليصبح حكماً نهائياً. وقد تضمنت هذه القضية ثمانية أنماط مختلفة من الانتهاكات رصدها تقرير حقوقي مفصل صادر عن لجنة العدالة بسويسرا، وهي الانتهاكات التي ثبتت بالأوراق الرسمية للقضية وذلك بدءاً من شكاوي الاختفاء القسري التي صرّح بها عدد من المتهمين لنيابة أمن الدولة العليا التي باشرت التحقيقات معم. واختلاف ملابسات وتواريخ القبض عليهم عما هو مثبت في المحاضر الرسمية، ومروراً بوقائع التعذيب والإجبار على سرد اعترافات تحت الإكراه تراجعوا عنها تماماً مع التأكد من حبسهم في السجون العمومية بعد فترة من التحقيقات وليست أماكن الاحتجاز غير الرسمية التابعة للأمن الوطني والتي يتم احتجاز الكثير من المختفين قسرياً فيها، حتى يتم إعداد الاتهامات الملفقة لهم، وحيث يكون التعذيب متفشياً بدرجة أكبر من السجون العمومية. وتصوير الاعترافات تحت الضغط مسبقاً ونشرها من قبل وزارة الداخلية قبل اكتمال تحقيقات النيابة، وغياب حضور المحامين مع المتهمين أثناء جلسات التحقيق، والاعتماد في الأحكام على تحريات الأمن الوطني كدليل رئيسي اكتفت به المحكمة المدنية في الإدانة، رغم استناد كل تلك التحريات على مصادر سرية لم يتم الإعلان عنها في أي مرحلة من مراحل التقاضي.
خاتمة
تثبت كافة التقارير الصادرة عن أحكام الإعدام في مصر منذ عام 2014 وحتى اللحظة الراهنة أن الحكومة المصرية استخدمت القضاء في التصفية والانتقام السياسي من المعارضين للنظام المستبد في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي. افتقدت المحاكمات إلى معايير العدالة التي كفلها الدستور المصري وكافة الاتفاقات والقوانين الدولية التي وقعت عليها مصر.
تتعدى المشكلة الخلل في إجراءات سير المحاكمات ذلك لكونها أنماط شائعة جداً في القضايا من هذا النوع من بعد 3 يوليو/تموز 2013 سواء أمام المحاكم المدنية أو المحاكم العسكرية التي توسعت بشدة أيضاً منذ 2014 في محاكمة الآلاف من المدنيين أمامها وأغلب هذه القضايا أيضاً يفتقد إلى الحد الأدنى من الأدلة وبالرغم من ذلك تتم إدانتهم. بحيث تكون قضية المنصورة ما هي إلا مثال ونموذج لمئات القضايا غيرها. فعلى سبيل المثال في القضية المعروفة بتفجير أتوبيس الكلية الحربية في استاد مدينة كفر الشيخ، قامت المحكمة العليا للطعون العسكرية بالقاهرة بتأييد الحكم بالإعدام بحق سبعة متهمين وبذلك يصبح حكماً نهائياً وذلك في 19 يونيو/حزيران 2017، على الرغم من أن التحريات العسكرية التي أجرتها المنطقة الشمالية العسكرية بخصوص الواقعة، أقرت بأنها “لم تتوصل لمرتكب الواقعة نظرًا لعدم وجود كاميرات بمكان الحادث، وأن الكاميرا رقم 1 … يصعب من خلالها تحديد مرتكبي الواقعة نظرًا لبعد المسافة ووجود عوائق رؤية.” ومن ضمن المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام فكيه عبد اللطيف الذي يعمل مدرس علوم بمدرسة الشهيد أحمد سعد الديهي الإعدادية بشنو بمحافظة كفر الشيخ، وأثبتت إفادة رسمية مختومة بختم النسر من ديوان المحافظة والإدارة التعليمية بها أنه كان متواجدًا بالمدرسة يوم الحادث 15 إبريل/نيسان 2015، وقام بجميع أعماله المدرسية ولم يغادر المدرسة في ذلك اليوم، وهو ما يخالف ما جاء في قرار الاتهام من نيابة طنطا العسكرية للمواطن فكيه، والذي ادعت فيه تواجده في موقع الحادثة ومشاركته في التفجير. ومما يزيد من الإحساس بانعدام الثقة بمنظومة العدالة في مصر، هو كون إعدام شباب القضية المعروفة باسم عرب شركس، جاء بعد أن أثبتت عدة منظمات حقوقية محلية وقوع ثلاثة على الأقل من الشباب الستة ضحايا للاختفاء القسري، وكونهم محبوسين من قبل وزارة الداخلية وقت وقوع المداهمة الأمنية التي على أساسها تم الحكم عليهم بالإعدام.
إن العصف بمعايير المحاكمة العادلة في قضايا تتضمن اتهامات خطيرة تؤدي إلى آلاف من الأحكام المشددة، وأخطرها الحكم بالإعدام. وما يتضح من تسييس سواء في تشكيل هذه القضايا وجهات التحري التي يقوم بها الأمن الوطني، وتستند في الأغلب على مصادر سرية، مروراً بإصرار القضاء على إصدار أحكام الإعدام الجماعية دون النظر في الانتهاكات الشديدة التي تعرّض لها المتهمون. وصولاً إلى الاستعجال في تنفيذ تلك الأحكام وأحياناً دون الإبلاغ المسبق للأهالي بتاريخ وموعد التنفيذ مثلما حدث في إعدام الشباب الستة في القضية المعروفة باسم عرب شركس. كل ذلك يعكس شبهات تسييس واضحة للمحاكمات في مصر والتي تتضمن تهماً خطيرة بالإرهاب، وتنتهي في العديد منها بأحكام إعدام. كل ذلك لا يعني سوى مزيد من تكريس الظلم وغياب العدل، ونقص الثقة في السلطة القضائية بعد أن صمدت لعقود بشكل كبير مقارنة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية منذ عهد مبارك قبل الثورة.
.