محمد شريف كامل
لقد رحل الرئيس محمد مرسي! ولم يكن رحيله مفاجئا، فقد اختار هو ذلك الطريق.. اختار ألا يستسلم للظلم وألا ينحني أمام الصغار، فاختار أن يكون شهيدا للحق.. اختار أن يكون ذلك الشهيد يوم رفض أن يخون ورفض أن يفرط ورفض أن يستسلم، يوم قبل أن يدفع حياته ثمنا لخيانة يهوذا القرن الذي عبر على أجسادنا من خلال 30 حزيران/ يونيو.
ومنذ رحيل الرئيس لم تخلُ مدينه عربية من الصلاة والدعاء له، بل وأدعي أنه لم تخلُ دولة في العالم من الصلاة والدعاء له، وقد كانت تلقائية الصلاة والدعاء مثلا حيا لقوة الحدث الذي لم يحتج لمن يتبناه أو يخطط له، فقد كانت عاطفة الحزن والرغبة في إسماع صوت الرفض للقاتل أكبر من أن يستوعبها أي تنظيم أو أي كيان، سواء من صفق لمرسى أو من صفق لجلاده.. لقد كانت عفوية الرغبة في البكاء موجهة لضمائرنا وليست بكاء لمرسى، فكل منا بكى ثورة فرّطنا فيها وحقا لم نتصدَ له، وديمقراطية وحرية لم نحفظهما أو ندافع عنهما.
وبدأ تداول السؤال غير المنطقي، هل قُتل مرسى؟ ومن قتله؟ والسؤال في حد ذاته غير منطقي، فالرئيس قد اغتيل يوم احتجزته عصابة السيسي، فإن كان قد قُتل بطريق غير مباشر، كالإهمال أو بطريق مباشر في محبسه، فقد قُتل. وقاتله معلوم، وليس من السؤال رجاء إلا محاولة البعض تبرئة القاتل، وهو مدان منذ 3 تموز/ يوليو ومن قبل ذلك؛ مدان بقوله وفعله.
وإن كان الآلاف من المتعطشين للحق والحرية والثورة قد تغنوا باسم الرئيس محمد مرسى وصموده، فقد خرج صوتهم تلقائيا وطبيعيا، إلا أنه قد امتزج بالكثير من الأصوات النشاز، فقد خرج معهم بعض ممن فرطوا في الرئيس وفي الثورة وفي الديمقراطية وفرّطوا في حقوقهم يوم تخلوا عنه وعن وطنهم، وخرجوا اليوم ينعون مرسى ولا يدرون أنه هو من ينعيهم.. خرجوا يتحدثون عن وحدة الصف لنصرة الثورة، وهم لم يقبلوا وحدة الصف للدفاع عن الشرعية وعودة الحق، ولا عجب أن تجد بعضا ممن هم في ما يسمى معسكر الثورة يتنفسون الصعداء لرحيل الرئيس، حتى أن منهم من كان يدعي أنه يتحاشى ذكر اسم الرئيس أو صفته حرصا على الاصطفاف، فرحيل الرئيس بالنسبة لبعضهم قد أزال نقطة الخلاف حول ضرورة دعم الشرعية وعودتها.
ويتناسى هؤلاء أن الشرعية ليست ملكا للرئيس وليست حكرا عليه، وإنما الشرعية هي ملك لنا وحقنا الذي دافع عنه مرسى، فالرئيس مرسى لم يرفض الاستسلام تمسكا بكرسي، بل رفض الاستسلام دفاعا عنا وعن ثورتنا، لذا فالشرعية لا تسقط برحيله ولا ترتبط به وحده، بل إن الواقع المحيط بمصر والمنطقة يستدعي من أصحاب العقول أن يزدادوا تمسكا بالشرعية التي ستظل عاملا لإنقاذ الثورة واستردادها.
وعما قريب ينفض سرادق العزاء وتجف كلمات الرثاء ويبدأ توزيع الإرث، وسيظهر كل يوم وريث من عائلة الثورة ومن الدخلاء عليها يطالبون بنصيبهم من إرث الرئيس، ولكن ما هي ثروته التي سيسعى البعض لاقتناصها وتقمصها؟ وقد يُصَور للبعض أن تراث الرئيس هو الطريق لاعتلاء زعامة الثورة، وسيسعى البعض لأن يتناسى وينسينا أن الرئيس لم يترك من الإرث إلا استحقاقات وتضحيات لم نقدر نحن عليها، وأنه إرث وتراث لا يورث إلا لثوار لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبداً على رأي الفسدة، ولا يعطون الدنية أبداً من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم.
وأعتقد أنه من الواجب أن نسأل أنفسنا: هل سيكون استشهاد الرئيس رسالة يقظه، أم نحن اخترنا أن نكون أمة ميته لا تستيقظ إلا لتندب حظها وتتلقى العزاء، ثم تعود إلى ثباتها العميق؟ وسنظل نتساءل: كيف تتحقق الثورة؟ ومتى يتحقق الاصطفاف المشروع اللازم لإنجاح الثورة؟ أسئلة نتداولها من باب الرفاهية ولا نعيشها أو نتعايش معها.
فهنيئا للرئيس أن يرحل عن عالم لا قيم له.. أن يرحل عن أرض النفاق، ولا يحق لنا أن نبكيه لأنه هو من يبكينا ويبكي وطنا أضعناه واستشهد هو في سبيله.. يبكي أمة استجابت لإرهاب الظالم وصمتت لقتل الأبرياء، وتنتظر أن تولد منها الثورة! ولم يدركوا بعد أن الثورات لا تولد من رحم الخنوع، ولكنها بلا شك ستولد من جديد عندما يسكن الأرض من يستحقها.