بقلم: داليا العقاد
أنهى انتصار مرشح جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، على رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق ـ بنسبة مئوية ضئيلة للغاية ـ حالة من الارتباك الذي استمر لأيام عديدة، بعدما ادَّعى كلٌّ من المرشحين ـ قبل الإعلان الرسمي للنتيجة النهائية للانتخابات ـ بفوزه على الآخر.
فاز مرسي بكرسى الرئاسة بنسبة 51.7% من إجمالي عدد الأصوات الانتخابية، في ظل أول انتخابات ديمقراطية حقيقية، جاءت نتاج ثورة شعبية اندلعت في مصر قبل ثمانية عشر شهرًا، أنْهَتْ معها حقبةً مدتها ثلاثون عامًا من الحكم الاستبدادي للرئيس السابق محمد حسني مبارك.
حصل الرئيس المنتخب – البالغ من العمر ستين عامًا – على شهادة البكالوريوس، ثم الماجيستير في الهندسة من جامعة القاهرة. وسافر مرسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لاستكمال دراسة الدكتوراه في علوم المواد بجامعة جنوب كاليفورنيا، ثم أصبح ـ في وقت لاحق ـ أستاذًا مساعدًا للهندسة في جامعة ولاية كاليفورنيا في نورث ريدج.
مرشح الإخوان المسلمين
عاد مرسي إلى مصر بعد ثلاث سنوات من حصوله على الدكتوراه، حيث ترأس قسم علوم المواد بجامعة الزقازيق، في مسقط رأسه بمحافظة الشرقية، في الفترة من 1985 حتى عام 2010. ونشر مرسي عشرات الأوراق البحثية حول معالجة أسطح المعادن الدقيقة.
التحق مرسي بجماعة الإخوان المسلمين بعد عودته من الولايات المتحدة بفترة قصيرة. وفي عام 2000، انتخب عضوًا بالبرلمان المصري، قبل أن يُقبَض عليه ويُعتقَل من قِبَل نظام مبارك مرتين، كانت الثانية في أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.
تحَدَّث حافظ عبد العظيم، الذي كان مرسي أحد طلابه أثناء دراسته بجامعة القاهرة، عن البراعة الأكاديمية للرئيس المنتخب، قائلاً: “كان مرسي طالبًا ممتازًا، وتخرَّج في الجامعة بتفوق كبير.” وأضاف: “في هذه الأثناء، لم تكن لمرسي ميول سياسية أو إسلامية، كما لم تكن له أية صلة – على الإطلاق – بجماعة الإخوان المسلمين.”
يتذكر فرغلي محمد، الذي يعمل حاليًا مهندسًا كيميائيًّا بجامعة كاليفورنيا فى إيرفين، مرسى عندما كان يدرس بالجامعة، قائلاً: “كان أداؤه جيدًا جدًّا في برامج تخرّجه”، ويضيف قائلاً: “وعلى حد علمي، كان مرسي باحثًا ممتازًا، حيث نشر خمس أوراق بحثية ضمن أطروحة الدكتوراه، ثلاث منها ظهرت في أفضل المجلات العالمية في الخزف.”
ويتابع فرغلي محمد قوله: “لم ألحظ عليه ـ في أي وقت من الأوقات ـ أية إشارات تقول بأنه كان صاحب آراء قوية تتعلق بالدين. ومن خلال احتكاكي به، لم أكن أتوقع أن يكون ـ في يوم من الأيام ـ أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين.”
ويضيف فرغلي محمد: “بعد عودته إلى مصر، يبدو أنه لم يستمر في متابعة جهوده البحثية، على الأرجح، كنتيجة لتغيُّر اهتمامه من العلوم إلى السياسة.”
النهضة العلمية
وفقًا لوعوده الانتخابية، يخطط مرسي لزيادة الإنفاق على الأبحاث العلمية تدريجيًّا؛ ليصل إجمالي الإنفاق عليها إلى 2.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، كما سيربط بين المؤسسات البحثية والصناعة، وسيقوم بتعزيز حماية الملكية الفكرية، باعتبارها حجر زاوية لجَعْل البحث العلمي منتجًا جاذبًا للاستثمار فيه.
وعد مرسي أيضًا بإصلاح التعليم العالي، من خلال الإنفاق عليه بما يتماشى مع المعايير الدولية. ويهدف مرسى أيضًا إلى إفساح المجال للجامعات لتحسين أجور أعضاء هيئة التدريس العاملين بها.
وبحسب ما قال مرسي في تصريح صحفي له : “رؤيتي هي أن يكون العِلْم بداية النهضة في مصر، وأن تكون البحوث العلمية سلاحنا في مجابهة كل المشاكل الكبرى التي تواجه بلادنا.”
يقول فرغلي محمد: “من الممكن جدًّا أن تسهم الخلفية العلمية لمرسي، وما يمتلك من خبرة تدريبية في مجال البحث العلمي في دفع عجلة العلوم والتكنولوجيا في مصر، إذا ما أصبح رئيسًا للبلاد.”
ويضيف فرغلي محمد قائلاً: “مما لا شك فيه، أن هذا يتوقف على تحقيق حالة من الاستقرار في مصر؛ تسمح للأفكار الجديدة بالظهور، وللعلماء بالعمل الدؤوب.”
يعلِّق بهي الدين عرجون، أستاذ هندسة الفضاء في جامعة القاهرة، على هذا الأمر بقوله: ” أنْ يكون لدينا رجل علم كرئيس للجمهورية؛ لهو أمر سينطوي على فوائد عظيمة لمصر، خاصة بعد حكم مبارك الاستبدادي، طبقًا لما تم في تجارب كل من الهند، وماليزيا.” وأضاف قائلاً: “كلتا الدولتين نجحتا في تحقيق قاعدة علمية واقتصادية ترتكز على إصلاح التعليم، وتركز على البحث العلمي.”
يعتقد عرجون أن تعليم مرسي في الولايات المتحدة في مناخ من التفكير النقدي والحريات العلمية أمر جوهري لنشر ثقافة أكاديمية جديدة في مصر، ولكن أية نهضة ستعتمد على قدرة مرسي على قطع علاقته مع جماعة الإخوان المسلمين من جانب، ومواجهة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يقود البلاد حاليًا من جانب آخر.”
وأضاف عرجون قائلاً: “عليه أن ينشئ فريقًا جيدًا ومستقلاً من الاستشاريين العلميين، وأن يعين وزيرًا للبحث العلمى ذا قدرات قوية”.
وتابَع عرجون بقوله: “لا أتوقع أن علاقته بجماعة الإخوان سيكون لها تأثير سلبي على الحريات الأكاديمية والبحث العلمي في البلاد.”