في الرابع والعشرين من نوفمبر 2013 أصدر عدلي منصور -المعين من قبل الانقلاب العسكري كرئيس مؤقت في الثالث من يوليو 2013- أصدر القانون رقم 107 لعام 2013 والذي سُمي ( قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية رقم 107 لسنة 2013)
قبيل إصدار القانون، أصدرت منظمة هيومان رايتس ووتش بيانًا قالت فيه إن القانون من شأنه منح الشرطة صكًا على بياض لحظر المظاهرات في مصر. القانون يحظر كافة المظاهرات قرب المباني الرسمية، ويمنح الشرطة سلطة تقديرية مطلقة لحظر أية مظاهرة أخرى، والسماح لرجال الأمن بتفريق المظاهرات السلمية في الأغلب الأعم بالقوة، إذا قام متظاهر واحد بإلقاء حجر.
تم بموجب هذا القانون سجن عشرات الآلاف من المصريين بتهم تتعلق بالتظاهر بدون تصريح وتهديد الأمن القومي المصري من خلال التظاهر.
يتعارض هذا القانون مع الدستور المصري المادة رقم 14 والتي تنص على “للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أي نوع، بإخطار على النحو الذي ينظمه القانون، وحق الاجتماع الخاص سلميًا مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه”
نسرد فيما يلي بعض الآثار السلبية التي عاناها المصريون من تطبيق قانون التظاهر الغير دستوري في نظر محامين ومشرعين مصريين ودوليين، وذلك منذ عام 2013 وحتى كتابة هذه الأسطر:
- الحرمان من الحقوق الأساسية في التعبير والتظاهر، والحرمان من الحياة الكريمة والأمان النفسي، وزعزعة السلم المجتمعي: فبسجن عشرات الآلاف من المصريين الذين عبروا عن آرائهم بالتظاهر بتهمة خرق قانون التظاهر، تدهورت الأحوال الاقتصادية والنفسية والمعيشية لمئات الآلاف من المصريين نتيجة فقدان العائل، وحُرم عشرات الآلاف من الأطفال من آبائهم، وبذلك أدى سلب حق واحد هو “حق التعبير والتظاهر” إلى سلب حقوق أخرى حيوية لاستقرار المجتمعات ومستقبلها ومستقبل أفرادها.
- ضياع المال العام والسطو على الحقوق الاقتصادية الفردية للمواطنين بالإكراه ودون تعويض مع انعدام قدرة المصريين على مساءلة السلطات: حرم قانون التظاهر المصريين من حق الاعتراض على المظالم الاجتماعية والاقتصادية دون التعرض لبطش وتنكيل السلطة؛ مثال ذلك ما يعانيه مواطني جزيرة الوراق و مثلث ماسبيرو ونزلة الهرم، وكذلك ضياع الممتلكات العامة للمصريين مثل شركات القطاع العام وجزيرتي تيران وصنافير ورأس الحكمة وأمثالها مع عدم قدرة المصريين على الاعتراض وتقويم السلطة أو محاسبتها.
- تدهور الأحوال المعيشية للمصريين مع التراجع الاقتصادي إلى حد الانهيار: أدى غياب قدرة المصريين على الاعتراض على السلطات ومساءلتها إلى تراجع الاستثمارات الاقتصادية الجادة وشيوع الفساد.
- خلق بيئة لنمو التطرف والعنف مع انعدام الحوار المجتمعي: أدى غياب حرية التعبير والتظاهر إلى غياب النقاش العام وتبادل الأفكار والآراء؛ ما أدى إلى جمود الفكر السياسي والاجتماعي وتزايد مشاعر الغضب والاحتقان مع غياب قنوات التعبير السلمية والتي بغيابها تزداد احتمالات لجوء البعض إلى العنف أو الأشكال المتطرفة من المعارضة، وتتوفر أرض خصبة للأفكار المتطرفة لتنمو وأن يتم استغلالها من قبل الأطراف المعادية بما يهدد الأمن القومي.
- تراجع التأثير السياسي لمصر ومكانتها الدولية: فحرمان المصريين من التعبير عن رأيهم في القضايا الدولية صيانةً لأمنهم القومي ورعايةً لمصالحهم الدولية ودعمًا لأشقائهم في غزة والسودان وليبيا؛ كان أخطر نتائجه أن كمن الكيان المحتل الاسرائيلي التوسعي للمصريين على حدودهم مهددًا باحتلال أجزاء واسعة من وطنهم على لسان مسؤوليه الرسميين دون رد من سلطات الاستبداد التي رأت بقاءها السياسي مع أعداء مصر لا مع المصريين. وكذلك حوصرت مصر بميليشيات
هل أنتج قانون التظاهر استقرارًا في مصر؟
على الرغم من سجن عشرات الآلاف والتنكيل بملايين المصريين اقتصاديًا لصالح المؤسسة العسكرية المنقلبة وحلفائها، خرج المصريون في عامي 2019 و2020 في تظاهرات عدة ضد رئيس السلطة عبد الفتاح السيسي، ووصلت التظاهرات إلى صعيد مصر حتى أسوان التي يندر فيها التظاهرات.
ومن شواهد غياب الاستقرار ما حواه آخر تقرير للخارجية الأمريكية -حليف النظام العسكري المنقلب على الديمقراطية في مصر- عن حالة حقوق الإنسان في مصر:
“واصلت الحكومة المصرية احتجاز المنتقدين والناشطين السلميين ومعاقبتهم بشكل ممنهج، وتجريم المعارضة السلمية فعليا، ومساواتها بـ “الإرهاب” غالبا. اعتقلت السلطات وحاكمت عشرات المتظاهرين والناشطين المشاركين في مظاهرات التضامن مع فلسطين في أكتوبر/تشرين الأول، وكذلك في احتجاجات أخرى. في الوقت نفسه، بقي آلاف المحتجزين في ظروف مزرية رهن الحبس الاحتياطي المطول أو مسجونين بموجب أحكام قضائية جائرة. ظل الحيز المدني مقيدا بشدة.”
كذلك قالت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في أبريل/نيسان، في ملاحظاتها الختامية، إنها قلقة “إزاء استخدام القوانين الجنائية التقييدية استخدامًا غير سليم لتقييد وقمع حرية التعبير المشروعة، بما في ذلك حرية الصحفيين”.
هل حصل المصريون على الرفاه مقابل حقهم في التظاهر؟
اعتاد رأس النظام المصري المنقلب عبد الفتاح السيسي القول بأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أكثر أهمية من الحقوق السياسية، فيما يحكي الواقع المشاهَد في مصر أن القمع السياسي وتجريم حرية التعبير هو الوجه الآخر لسلب الحقوق الاجتماعية والتعدي على الحقوق الاقتصادية للشعب المصري، وأن ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي عماد واحد؛ يمكن رؤية ذلك جليا في تدهور العملة المحلية والاقتصاد المصري والارتفاع الغير مسبوق في الدين الخارجي والداخلي على الرغم من الأموال الطائلة التي ضخها داعمي الانقلاب العسكري للنظام المنقلب، وكذلك التعدي على ممتلكات المصريين وانتزاعها منهم بدون تعويض، والتنكيل بمن يطالب بحقه. كذلك واصل البنك الدولي خفض توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد المصري للمرة الثالثة خلال العام المالي الجاري 2024-2025 بنسبة 0.7% مقارنة بتوقعات سابقة، وفق تقرير “النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” المنشور على موقعه الإلكتروني. وغير ذلك مما لا تعبر عنه نسب النمو والأرقام الكلية من انهيار الطبقة الوسطى المصرية وارتحال الثروات والقوة الشرائية ناحية الطبقة المنتفعة المحيطة بالانقلاب العسكري واتساع نطاق الفقر.
وبعيدًا عن التقارير الرسمية المحلية والدولية ونزولًا إلى أرض الواقع المصري نجد أن غالبية المصريين يعانون من توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم، في ظل آلة إعلامية رسمية جرى عسكرتها تروج شكرًا مزيفًا للمصريين على تحملهم مع غياب قدرتهم على التعبير عن أنفسهم، ويتذكر المصريون وعودًا كاذبة بالاستقرار والوفرة الاقتصادية والتقدم بعد القضاء على المتظاهرين الذين -حسب السلطة- يتسببون في إرهاق اقتصاد البلاد وتعطيل مسيرتها التقدمية، تلك الوعود التي أطلقها رأس السلطة المنقلب على مدار السنوات الماضية منذ قام بسحق حريات المصريين التي انتزعوها بثورتهم في الخامس والعشرين من يناير 2011.
أحد عشر عامًا من إصدار قانون التظاهر رزحت فيها مصر تحت الحكم العسكري بلا مظاهرات ولا احتجاجات ذات قيمة، يأتي معها سؤال المصريين؛ طالما استطاع الحاكم العسكري القضاء على التظاهر والمتظاهرين فما الذي منع الوفرة الاقتصادية؟ ولماذا تنجر البلاد من سيٍء إلى أسوء؟ ولماذا ينذر المخلصون بانفجار شعبي يدمر الأخضر واليابس؟
ثبت للجميع في مصر وخارجها من جديد ما ثبت قديمًا أن الاستبداد وإسكات المطالبات بالحقوق لا ينتج عنه تقدم أو صعود اقتصادي، وأنه يعود بالسلب على حقوق الشعب الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما تعاني منه مصر والمصريون حاليا.