اليوم العالمي لحرية الصحافة
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي لحرية الصحافة في كانون الأول/ ديسمبر 1993، بناء على توصية من المؤتمر العام ليونسكو. ومنذ ذلك الحين يُحتفل بالذكرى السنوية لإعلان ويندهوك في جميع أنحاء العالم في 3 أيار/مايو باعتباره اليوم العالمي لحرية الصحافة.
ويعود تاريخ اليوم العالمي لحرية الصحافة إلى مؤتمر عقدته يونسكو في ويندهوك في عام 1991. وكان المؤتمر قد عُقد في الثالث من أيار/مايو باعتماد إعلان ويندهوك التاريخي لتطوير صحافة حرّة ومستقلّة وتعدديّة.
وفي هذا اليوم نقف لنستعرض معًا واقع حرية الصحافة في مصر، بشكل خاص، وعالمنا العربي بشكل عام.
الأسوأ منذ سنوات
وفقًا لمراسلون بلا حدود، فإن مصر تواصل تراجعها في حرية الصحافة، محتفظة بموقعها بين الدول العشر “الأسوأ عالمياً” بسبب القمع والتضييق الحكومي على تغطية الأحداث والأزمات، واحتلت المرتبة 170 في القائمة.
ولا تزال مصر تُعد من أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحفيين، حيث أضحت البلاد بعيدة كل البعد عن آمال الحرية التي حملتها ثورة 2011.
اعتقال الصحفيين والإخفاء القسري
تعد مصر من أكبر سجون الصحفيين في العالم، حيث احتلت المرتبة السادسة عالمياً في حبس الصحفيين خلال عام 2024، بعدد 17 صحفياً مسجوناً، وفقاً لتقرير لجنة حماية الصحفيين. كما وثقت منظمة مراسلون بلا حدود 37 حالة اعتقال لصحفيين ضمن “حملة قمع متصاعدة تشنها الحكومة المصرية على الحريات الصحفية“.
وقد لاحظت المنظمات الحقوقية أنماطاً متكررة في اعتقال الصحفيين، تشمل:
- المداهمات الليلية للمنازل
- الاختفاء القسري لفترات متفاوتة
- مصادرة الأجهزة الإلكترونية
- توجيه تهم نمطية فضفاضة مثل “الانضمام إلى جماعة إرهابية” و”نشر أخبار كاذبة“
- استخدام الحبس الاحتياطي المطول كعقوبة بديلة دون محاكمة
- التعذيب وسوء المعاملة في بعض الحالات
حصلت مصر على درجات سلبية متدنية في المؤشرات الخمسة التي تضمنها المؤشر (السياق السياسي والإطار القانوني والسياق الاقتصادي والسياق الاجتماعي والثقافي والسياق الأمني)، جعلتها تتذيل ترتيب الدول وتتصدر قائمة العشرة الأواخر بين 180 دولة تضمنها التصنيف.
ففي المؤشر السياسي حصدت مصر 13.63 نقطة، وضعتها في المرتبة 173 من بين 180 دولة على المؤشر، وفي المؤشر الاقتصادي، حصلت على درجة 23.26 نقطة، احتلت بها المرتبة 169، وفي المؤشر القانوني، حصلت على 32.65 نقطة، وجاء ترتيبها في المركز 157، أما في المؤشر الاجتماعي، فحصلت على 25.67 نقطة، وجاء ترتيبها في المركز 169، وفي الأخير فقد حصلت في المؤشر الأمني على 28.49 نقطة، وجاء ترتيبها في المركز 161.
وتحافظ مصر بهذا الترتيب الذي هو ذاته ترتيب العام الماضي 2024 على موقعها المتدني على المؤشر والذي هو بدوره الأسوأ منذ سنوات طويلة، حيث احتلت المرتبة 166 عام 2013 مرورًا بالمرتبة 159 عام 2014، ثم 166 عام 2021 و168 عام 2022، الأمر الذي يعكس حالة التضييق التي عليها واقع الصحافة المصرية.
واقع متدني
يكشف التقرير السنوي لمراسلون بلا حدود” عن انعدام التعددية الإعلامية في مصر، حيث تسيطر 3 صحف وطنية مملوكة للحكومة على الساحة، الأهرام والأخبار والجمهورية، أما بقية وسائل الإعلام الأخرى فهي تئن تحت وطأة الرقابة من جهة والملاحقات القضائية من جهة ثانية، في حين بات دور الإذاعة والتلفزيون يقتصر على الدعاية السياسية.
فعلى مستوى السياق السياسي، يقول التقرير إن جميع وسائل الإعلام المصرية تقريباً تعمل تحت الأوامر، حيث الخضوع للسيطرة المباشرة إما من الحكومة أو المخابرات أو من بعض رجال الأعمال النافذين، الذين يستثمرون في الإعلام خدمة لمصالح دوائر السلطة. وفي المقابل، تُحظر وسائل الإعلام التي ترفض الخضوع لسياسة الرقابة.
التحديات القانونية
يواجه الصحفيون والمؤسسات الإعلامية في مصر تحديات قانونية متعددة:
- الإطار التشريعي المقيد: تستخدم السلطات المصرية قوانين مكافحة الإرهاب وقوانين “نشر أخبار كاذبة” وقانون تنظيم الصحافة والإعلام لملاحقة الصحفيين وتقييد حرية التعبير.
- الحبس الاحتياطي المطول: يستخدم الحبس الاحتياطي كعقوبة بديلة دون محاكمة، حيث يتم تجديده بشكل روتيني لفترات تتجاوز الحدود القانونية.
- غياب الضمانات القضائية: تفتقر المحاكمات للصحفيين إلى ضمانات المحاكمة العادلة، مع عدم احترام الحق في الاستعانة بمحام، واستخدام نيابة أمن الدولة العليا لتوجيه اتهامات للصحفيين دون أدلة كافية.
- وكشف استبيان أجرته نقابة الصحفيين المصريين قبل أشهر أن ما يزيد عن 72% من الصحفيين المصريين فيما دون الحد الأدنى للأجور المُحدد من الدولة بـ 7000 جنيه شهريًا (نحو 138.6 دولارًا أميركيًا) منهم 40% يعيشون بأقل من نصف الحد الأدنى، مقابل 28.2 % يلامسون الحد الأدنى أو يزيدون عليه.
يتزامن هذا التقرير مع فوز نقيب الصحفيين المصريين، الصحفي اليساري، خالد البلشي، بمقعد النقيب لولاية ثانية، وسط أمال معقودة عليه ومجلس نقابته في تحسين مستوى الحريات الصحفية، خاصة وأن برنامجه الانتخابي قد وضع ملف الحريات على رأس الأولويات، وهو ما أكد عليه في تصريحاته الأولى بعد الإعلان عن فوزه رسميًا.
حجب المواقع
وبدأ حجب المواقع المصرية عام 2017، بعضها مواقع إخبارية وأخرى مستقلة أو تابعة لمنظمات حقوقية، فيما تصاعدت الحملة خلال الأسابيع الأولى من عملية الحجب لتصل إلى أكثر من 600 موقع. وغالبية هذه المواقع اتخذت إجراءات ضد الحجب تقديم شكاوى للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام باعتباره المسؤول عن المواقع الإلكترونية، أو إجراءات قضائية أخرى.
رقابة الأعلى للإعلام
وبجانب هذه الانتهاكات التي طالت عدد كبير من العاملين ببلاط صاحبة الجلالة، لم تسلم المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام منها. صدرت العديد من القرارات التي جاءت بمثابة تضييق على عمل الصحفيين بالمواقع الإلكترونية والعاملين بالتلفزيون بسبب تغريم البعض أو إيقاف آخرين عن العمل لمدة محددة.
وفي ضوء هذه النتائج، نقدم التوصيات التالية:
للحكومة المصرية
- الإفراج الفوري عن جميع الصحفيين المحتجزين بسبب عملهم الصحفي
- وقف الملاحقات القضائية ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية
- إلغاء أو تعديل القوانين المقيدة لحرية الإعلام
- رفع الحجب عن المواقع الإعلامية المستقلة
- ضمان استقلالية المؤسسات الإعلامية وحمايتها من التدخلات الأمنية
- احترام التزامات مصر الدولية في مجال حرية التعبير والصحافة
للمجتمع الدولي:
- ممارسة ضغوط دبلوماسية على الحكومة المصرية لوقف انتهاكاتها ضد حرية الإعلام
- ربط المساعدات الاقتصادية والعسكرية باحترام حقوق الإنسان وحرية الصحافة
- دعم الصحفيين المصريين المستقلين والمؤسسات الإعلامية المستقلة
الخاتمة
إن حماية حرية الإعلام في مصر ليست مسؤولية الحكومة المصرية فحسب، بل هي مسؤولية مشتركة للمجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والإعلامية والمجتمع المدني. ولا يمكن تحقيق الديمقراطية والتنمية المستدامة في مصر دون ضمان حرية التعبير والصحافة، باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز المجتمع الديمقراطي.
ومن الثابت أن الدول لا تتقدم بدون حرية التعبير وحرية الصحافة ووسائل الاعلام. وفي زمن السماوات المفتوحة ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح التضييق على حرية الصحافة وسيلة من وسائل الأنظمة المستبدة في الأزمنة الغابرة وتعيدنا إلى زمن ستينيات القرن الماضي، بل إنهم لا يدركون أنه في عصر التواصل الاجتماعي أصبح المواطن هو الصحفي الذي ينقل الخبر وقت حدوثه موثقًا بالصور والفيديوهات، ويثبت ذلك أن النظام المستبد الذي يحكم مصر هو نظام عفي عليه الزمن يحكم مصر في عام 2025 بعقلية نظام ستينيات القرن الماضي.