يحيي الفلسطينيون ذكرى يوم الأسير الفلسطيني في السابع عشر من أبريل من كل عام. وتأتى خلفية يوم الأسير الفلسطيني حينما أقر المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، خلال دورته العادية يوم السابع عشر من أبريل، يومًا وطنيًا للوفاء للأسرى الفلسطينيين وتضحياتهم، باعتباره يوماً لشحذ الهمم وتوحيد الجهود، لنصرتهم ومساندتهم ودعم حقهم بالحرية، ولتكريمهم وللوقوف بجانبهم وبجانب ذويهم، وأيضاً بهدف إثبات الوفاء لشهداء الحركة الأسيرة. ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم يتم إحياء هذا اليوم من كل عام، حيثُ يحيه الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات سنويًا بوسائل وأشكال متعددة.
ويحيي الفلسطينيون يوم الأسير هذا العام في ظل حرب الإبادة الجماعية وحملات اعتقال واسعة، اعتقلت خلالها القوات الإسرائيلية آلاف الفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية والقدس، ووضعتهم في ظروف اعتقال قاسية، في معتقلات أسوأ من المعتقلات النازية، ولاسيما بعد طوفان الأقصى وتولي المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي، وأصبح مسؤولاً عن إدارة مصلحة السجون التي اتخذت تدابير تسببت في الإضرار بأوضاع الأسرى الفلسطينيين، جرى استصدار سلسلة من القوانين والسياسات العنصرية والقمعية لاستهداف الأسرى، لتمنح الصبغة القانونية للممارسات الإجرامية بحق الأسرى. وحولت السجون وحياة الأسرى الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق، تشير إفادات أسرى مفرج عنهم، وتقارير مؤسسات حقوقية، إلى أوضاع الأسرى هي الأسوأ على الإطلاق بعد 7 أكتوبر 2023، غلب عليها التعذيب والتجويع والإهمال الطبي. تهدف هذه الممارسات النيل من عزيمتهم وثنيهم عن مواصلة الكفاح ضد الاستيطان وسلطات الاحتلال.
ووفقًا لمؤسسات فلسطينية معنية بقضية الأسرى، فإن قضية الأسرى قد شكلت وجهاً آخر من أوجه الإبادة، نتيجة لمستوى الجرائم –غير المسبوقة- التي تم رصدها وتوثيقها منذ بدء حرب الإبادة، وهي كذلك تشكّل أساسا لجرائم انتهجها الاحتلال بحقّ الأسرى على مدار عقود طويلة، إلى جانب محاولته المستمرة الانقضاض على ما تبقى للأسرى من حقوق، وبقي الأسرى طوال العقود الماضية في حالة مواجهة دائمة ومتواصلة من أجل الحفاظ على أدنى شروط الحياة داخل المعتقلات التي تمكنوا من فرضها بالنضال وخوض العديد من الإضرابات والمعارك واستشهد خلالها أسرى.
وشكّلت جرائم التّعذيب بكافة مستوياتها، وجريمة التّجويع، والجرائم الطبيّة، والاعتداءات الجنسية منها الاغتصاب، الأسباب الأساسية التي أدت إلى استشهاد أسرى ومعتقلين بوتيرة أعلى مقارنة مع أي فترة زمنية أخرى، وذلك استناداً لعمليات الرصد والتوثيق التاريخية المتوفرة لدى المؤسسات.
وعكست الشهادات والإفادات من الأسرى داخل سجون الاحتلال التي نقلتها الطواقم القانونية والشهادات التي جرى توثيقها من المفرج عنهم، مستوى صادم ومروع لأساليب التّعذيب الممنهجة، تحديداً في روايات معتقلي غزة، وتضمنت هذه الشهادات إلى جانب عمليات التّعذيب، أساليب الإذلال – غير المسبوقة- لامتهان الكرامة الإنسانية، والضرب المبرح والمتكرر، والحرمان من أدنى شروط الحياة داخل المعتقلات ، ونجد أنّ الاحتلال عمل على مأسسة جرائم بأدوات وأساليب معينة، تتطلب من المنظومة الحقوقية الدولية النظر إليها كمرحلة جديدة تهدد الإنسانية جمعاء وليس الفلسطيني فحسب، وهذا ما ينطبق أيضا على قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التّصعيد من عمليات الاعتقال الممنهجة، والتي يرافقها جرائم، أبرزها:
- عمليات الإعدام الميداني.
- التحقيق الميداني.
- تنكيل واعتداءات بالضرب المبرّح.
- تهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم.
- عمليات التّخريب والتّدمير الواسعة في منازل المواطنين، ومصادرة المركبات، والأموال، ومصاغ الذهب.
- عمليات التدمير الواسعة التي طالت البُنى التّحتية كما جرى في جنين وطولكرم.
- هدم منازل تعود لعائلات أسرى.
- استخدام أفراد من عائلاتهم رهائنا.
- استخدام معتقلين دروعاً بشرية.
وقد بلغت حصيلة حالات الاعتقال منذ بدء الإبادة (16400) حالة اعتقال، من بينهم أكثر من (510) من النساء، ونحو (1300) من الأطفال.
وشكّلت جريمة الإخفاء القسري أبرز الجرائم التي مارسها الاحتلال بحقّ معتقلي غزة وما يزال. وقد عمل الاحتلال على استحداث معسكرات خاصّة لاحتجاز معتقلي غزة والضفة، مع تصاعد أعداد المعتقلين، إلى جانب السّجون المركزية، وكان من أبرزهم معسكر (سديه تيمان) الذي شكل العنوان الأبرز لجرائم التعذيب، وسجن (ركيفت) إضافة إلى معسكر (عناتوت) ومعسكر (عوفر)، ومعسكر (نفتالي)، ومعسكر (منشة) وهي معسكرات تابعة لإدارة جيش الاحتلال، وهي فقط المعسكرات التي تمكنت المؤسسات من رصدها وقد يكون هناك سجون ومعسكرات سرّية. وقد استخدمت دولة الاحتلال جملة من الأدوات لترسيخ جريمة الإخفاء القسري، وذلك من خلال تطويع القانون بفرض تعديلات على ما يسمى بقانون (المقاتل غير الشرعي)، وكذلك منع اللجنة الدّولية للصليب الأحمر من زيارتهم، وعدم الإفصاح عن أعدادهم وأماكن احتجازهم، وظروف اعتقالهم، أو أي شيء يتعلق بمصيرهم، وتعمد الاحتلال بالتعامل معهم كأرقام، ولاحقا تمكّنت الطواقم القانونية في ضوء التعديلات التي تمت الكشف عن مصير آلاف المعتقلين من غزة
المعتقلين الإداريين
وقد شكّلت قضية المعتقلين الإداريين التّحول الأبرز إلى جانب جملة الجرائم الممنهجة التي نفّذها الاحتلال منذ بدء حرب الإبادة، وقد تصاعد أعداد المعتقلين الإداريين ليكون الأعلى تاريخيا، فقد وصل عدد المعتقلين الإداريين حتى بداية أبريل، (3498) من بينهم أكثر من (100) طفل، و(4) أسيرات، مع العلم أنّ عدد المعتقلين الإداريين قبل الحرب، بلغ نحو (1320) معتقل، وهذا التصاعد ترافق مع قدوم حكومة الاحتلال المتطرفة، أي قبل بدء الإبادة.
وبالعودة إلى السياق التاريخي لجريمة الاعتقال الإداري، بات من الثابت والموثق أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية استخدمت سياسة الاعتقال الإداري التعسفي بحق الفلسطينيين، وعلى مدار كل تلك الأعوام اعتقل عشرات الآلاف من الفلسطينيين إدارياً. وإلى جانب جريمة الاعتقال الإداريّ صعّد الاحتلال من الاعتقال على خلفية حرية الرأي والتعبير بذريعة (التحريض)، حيث استخدم منصات التواصل الاجتماعي أداة مركزية للقمع واعتقال المزيد بين صفوف المواطنين.
احصائيات كاشفة
إجمالي الأسرى: يبلغ اليوم عدد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، أكثر من 9900 أسير/ ة، وهذا المعطى لا يشمل كافة معتقلي غزة الذين يخضعون لجريمة (الاختفاء القسري).
الأسيرات: يبلغ عددهنّ اليوم (29) أسيرة، بينهن أسيرة من غزة، وطفلة.
الأطفال: يبلغ عدد الأسرى الأطفال ممن تقل أعمارهم عن (18 عامًا) – نحو (400) طفل موزعين على سجون (مجدو، عوفر).
المعتقلون الإداريون- (المعتقلين الذين تحتجزهم سلطات الاحتلال تحت ذريعة وجود ملف سري): ارتفع عدد المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ منذ بدء الإبادة بوتيرة غير مسبوقة تاريخيًا، حتى وصل عددهم إلى أكثر من (3498) معتقلًا إداريًا (حتى بداية نيسان) من بينهم (4) من النساء، وأكثر من (100) طفل، غالبية المعتقلين الإداريين هم أسرى سابقون أمضوا سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، بالإضافة إلى فئات أخرى شملت: طلبة مدارس وجامعات، وصحفيين، وحقوقيين، ومحامين، ومهندسين، وأطباء، وأكاديميين، ونواب، ونشطاء، وعمال، وأقارب من الدرجة الأولى لشهداء وأسرى في سجون الاحتلال، منهم شقيقات شهداء وزوجات أسرى.
يبلغ عدد المعتقلين الذين صنفهم الاحتلال (بالمقاتلين غير الشرعيين) وفقًا لمعطى إدارة السّجون، (1747) وهذا المعطى حتى بداية نيسان 2025.
تصاعدت أعداد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، فهناك المئات من المرضى والجرحى، وأعدادهم في تصاعد مستمر جراء الجرائم والسياسات والإجراءات الانتقامية الممنهجة التي فرضها الاحتلال على الأسرى، وأبرزها التّعذيب والجرائم الطبيّة.
أما أسرى غزة لا أحد يعلم عددهم، ولكن ما هو موثق من معتقلين في السجون الإسرائيلية يصل إلى 9500 أسير. ويقول رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس-وهو رئيس هيئة شؤون الأسرى الذي صدر قرار رئاسي بإحالته إلى التقاعد لانتقاده القرار بشأن مخصصات الأسرى والشهداء-: قبل 7 أكتوبر بلغ عدد الأسرى في السجون نحو 5 آلاف، اليوم نتوقع أن يصل الرقم إلى 12 ألفاً إذا ما أخذنا بالحسبان أسرى قطاع غزة. ومنذ السابع من أكتوبر استشهد 20 أسيراً وهذا المعلن عنه رسمياً، بالإضافة إلى المئات من أسرى القطاع، حيث بدأت إسرائيل بالاعتراف التدريجي باستشهاد 48 أسيراً من أسرى القطاع، منهم 36 أسيراً في سجن «سديه تيمان» وحده، ولكن الرقم أكثر بكثير من الذي أعلنت عنه إسرائيل في 30 يوليو2024.
ومن بين الأسرى بحسب قدورة فارس، نحو 80 سيدة وأكثر من 200 طفل، ونحو 4 آلاف أسير إداري. وتؤكّد المؤسسات الحقوقية أنّ مستوى عمليات الاعتقال الإداريّ مستمرة في التّصاعد، هذه النسبة في أعداد المعتقلين الإداريين لم نشهدها على مدار عقود طويلة، حتى في أوج الانتفاضات الشعبية، وقد ساهمت المحاكم العسكرية بشكل أكبر منذ بدء الإبادة في ترسيخ هذه الجريمة، عبر جلسات المحاكم الشكلية المستمرة منذ عقود.
وفي هذا الإطار، كشفت القناة 12 العبرية عن رسالة لرئيس جهاز الشابك الإسرائيلي رونين بار في 2 تموز/ يوليو2024، تفيد بأن الاحتلال يعتقل 21 ألف أسير فلسطيني، وهو رقم أعلى بكثير من الرقم الرسمي المعلن في 31 مارس، على الرغم من أن المعيار يسمح بسجن 14500 فقط. وحذر بار من الاكتظاظ داخل السجون. وهذه صورة مصغرة عن قطاع غزة الذي تحول إلى معتقل كبير حُكم على كل سكانه بالإعدام، وينفذ الحكم النازي بالعشرات من الفلسطينيين كل 24 ساعة.
التعذيب سياسة الاحتلال المعلنة لقتل الأسرى
أظهرت وجهها الحقيقي عبر تعذيب المعتقَلين الفلسطينيين بصورة هستيرية، وإن كانت دولة الاحتلال تمارس التعذيب الممنهج بكل أشكاله بحق الفلسطينيين منذ سنة 1948، إلاّ إنها صعّدت من ممارستها، وبصورة جماعية، خلال حرب الإبادة الجماعية المتواصلة. بحيث تقوم بممارسة التعذيب الجماعي بحق الفلسطينيين علناً، وبسلطاته الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وذلك لتكريس ممارسة جريمة التعذيب وإضفاء الشرعية على مرتكبيه. فمن جهة، تقوم الجهات التشريعية بالتعديل على القوانين والأوامر العسكرية لفرْض عزل تام على المعتقَلين من قطاع غزة والمصنَفين كـمقاتلين غير شرعيين بِمَنْعِهِم من لقاء محاميهم لمدة 6 أشهر متواصلة، وهو ما يعني عدم قدرة المحامين على لقاء المعتقَلين وتوثيق جرائم التعذيب الممارَسة بحقهم. أمّا السلطة التنفيذية، والمتمثلة في جنود الجيش وضباطه، وضباط الشاباك والاستخبارات، وقوات مصلحة السجون، فَهُم المسؤولون عن ارتكاب جرائم التعذيب وسوء المعاملة بحق المعتقَلين الفلسطينيين، سواء أكان ذلك في السجون التابعة لإدارة مصلحة السجون، أم في المعسكرات التابعة للجيش، أم في مراكز التحقيق المتعددة التابعة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الشاباك). وفيما يتعلق بالسلطة القضائية المتمثلة في المحاكم العسكرية والمحاكم المدنية الإسرائيلية، فإنها تعمل بصورة ممنهجة على تمديد توقيف المعتقَلين الذين تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة، وتعقد جلسات غيابية للمعتقَلين غير القادرين على حضور الجلسة بسبب وضعهم الصحي الصعب نتيجة للتعذيب الذي تعرضوا له.
وكل جرائم التعذيب هذه تمارَس في العلن، وفق المفهوم القانوني فإن سلطات الاحتلال تقدّم الدليل الواضح ضد نفسها. وليست المقاطع التي ينشرها جنود جيش الاحتلال وضباطه وهم يمارسون التعذيب وسوء المعاملة بحق المعتقَلين الفلسطينيين إلاّ دليلاً على تمتُع الاحتلال بثقافة الإفلات من العقاب. وما كان يمارسه سابقاً من تعذيب بحق الفلسطينيين تحت غطاء قضائي وقانوني، أصبح يُمارَس الآن أمام كاميرات هواتف الجنود، ويُنشر على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ولقد نشروا العشرات من مقاطع الفيديوهات والصور وهم يقومون بضرْب المعتقَلين الفلسطينيين وتعذيبهم وإذلالهم، وتعمّدوا نشْر معظم المقاطع للمعتقَلين وهم عُراة، وقاموا بالاستهزاء بهم، وأجبروهم على حمْل العَلَم الإسرائيلي ووضْع أغاني باللغة العبرية مع رقص الجنود حولهم وَهُم مقيدو الأيدي ومعصوبو الأعين، كما نشروا مقاطع لسحْل المعتقَلين الفلسطينيين وهم مقيَّدون، مع ضرْبهم على الوجه والرأس ببساطير الجنود، وكلّها مقاطع فظيعة جداً تُظهر:
أولاً، إجرام الكيان الصهيوني عبْر تفاخُره بارتكاب التعذيب من جانب، وثانياً، الحصانة التي يتمتع بها جنوده من جانب آخر. فتصوير مشاهد لتعذيب المعتقَلين ونشْرها يشكّل دليلاً ربما يقدَّم ضد مرتكبيه إلى المحاكمة والإدانة، ومع ذلك، فإنه لم يأبه أي من مرتكبي هذه الجرائم لهذه الأدلة، ولم تأتِ ثقة الجنود هذه من فراغ، إنما أتت نتيجة لسنوات طويلة من الحصانة التي تمتَّعوا بها، والإفلات الدائم من العقاب على الجرائم التي ارتكبوها. وفي ظل غياب كامل للمساءلة، وانتظار صدور أوامر الاعتقال من جانب المحكمة الجنائية الدولية بحق قادة الاحتلال، تبقى هذه الأدلّة شاهدة على تقاعُس العالم أجمع عن محاسبة منظومة الاحتلال على جرائمها الفظيعة.
المنع من السفر
تمثل حرّية الحركة والتنقل في فلسطين التاريخية إحدى أكثر القضايا تعقيداً عالمياً، وذلك نتيجة السياسات الاحتلالية التي تعيق حياة السكان الأصليين. فمنذ سنة 1948، ومع احتلال ما تبقّى من فلسطين سنة 1967، بدأ الاحتلال تنفيذ استراتيجيات طويلة الأمد تهدف إلى السيطرة على الأرض الفلسطينية وتقويض الديموغرافيا، وتُظهر هذه السياسات ممارسات كعزل الضفة الغربية عن القدس، ومحاصرة قطاع غزة، الذي يُعَد اليوم سجناً كبيراً، وصاحب أعلى كثافة سكانية في العالم، إلى جانب مئات الحواجز العسكرية الثابتة والمتحركة داخل الضفة الغربية، والتي تعيق حرّية التنقل داخلياً وخارجياً. وبلغت هذه الانتهاكات ذروتها في منْع السفر الجماعي، كما حدث سنة 2014، عندما مُنع سكان محافظة الخليل بالكامل من السفر.
ويُعَد منع السفر أحد أبرز أشكال العقاب الجماعي، إذ يُستخدم لتقييد الأسرى الفلسطينيين المحرَرين، وهو ما يجعل السجن امتداداً لمعاناتهم بعد الإفراج. ويُحرم هؤلاء من السفر لاستكمال تعليمهم أو تلقّي العلاج الطبي، ويُمنَعون من التواصل مع المجتمع الدولي لعرض قضاياهم أو مواجهة انتهاكات الاحتلال. كما يؤدي حظر السفر إلى تضييق اقتصادي كبير، إذ يُحرم المحرَرون من فرص العمل والعلاج خارج فلسطين.
العمل في المؤسسات الأجنبية “NGO“
يفرض الاحتلال قيوداً صارمة على الأسرى الفلسطينيين المحرَرين، أبرزها منْعهم من العمل في المؤسسات الأجنبية، وتُستخدم هذه السياسة لتعزيز التضييق الاقتصادي والسياسي عليهم، ومنْعهم من المساهمة في فضح ممارسات الاحتلال أو دعْم المجتمع الفلسطيني.
ويأتي منْع المحرَرين من العمل ضمن المؤسسات ذات التمويل الأجنبي ضمن استراتيجيا الاحتلال لإضعاف الاقتصاد الفلسطيني وإنشاء تبعية مستمرة. كما تواجه المؤسسات الأجنبية والفلسطينية ضغوطاً تمنعها من توظيف المحرَرين تحت ذرائع أمنية، وهو ما يزيد من صعوبة اندماجهم المهني.
وتنعكس هذه السياسات في آثار اقتصادية تُفاقم معاناة المحرَرين وتحد من فرص العمل، وآثار نفسية واجتماعية تُشعرهم بالعزلة والاضطهاد، إلى جانب آثار سياسية تُضعف قدرتهم على التفاعل الدولي لدعم القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن تحويل هذا التحدي إلى فرصة لبناء مؤسسات وطنية قوية تعتمد على الذات، وتستثمر في خبرات الأسرى المحرَرين لتحقيق استدامة وعدالة مجتمعية.
مصادرة الأملاك الخاصة
يتبع الاحتلال الإسرائيلي سياسة ممنهجة لمصادرة أملاك الأسرى الفلسطينيين المحرَرين، متجاوزاً العقوبات الفردية لتشمل عائلاتهم ومجتمعهم. وتحت ذرائع إجراءات أمنية أو قوانين عسكرية، تهدف هذه السياسة إلى فرض ضغوط اقتصادية ونفسية وسياسية طويلة الأمد على المحرَرين، وهو ما يعمق عزلتهم عن بيئتهم الاجتماعية ودورهم في المقاومة. وتشمل هذه الإجراءات مصادرة رواتب الأسرى المحرَرين المقدمة من السلطة الفلسطينية بحجة دعم الإرهاب، إلى جانب الاستيلاء على المركبات الخاصة، وهدْم المنازل كعقوبات جماعية، وهذا كله من أجل تعقيد الحياة اليومية للمحرَرين وعائلاتهم، وتوجيه رسالة تحذيرية بأن أي نشاط سياسي أو مقاوم ستترتب عليه أثمان اقتصادية باهظة.
وفي هذا السياق، ننقل شهادة الأسير المحرر بدر أبو عياش حيث يقول ” بعد التحرر من سجون الاحتلال، تفاجأتُ بعد عدة أيام بعودة الجيش إلى المنزل، لكن هذه المرة، قاموا بمصادرة مركبتي، وقال لي الجيش إن المركبة تشكّل خطراً على أمن المنطقة، لكن بحسب تجربتي الطويلة مع الاحتلال، فقد كنت أعلم أن هذا إجراء عقابي لتضييق الحياة على عائلتي، وخصوصاً أن المركبة هي مصدر رزق للعائلة:
الملاحقة الأمنية الحواجز المدمرة
يسعى الاحتلال الإسرائيلي لفرض سلسلة من العقوبات والقيود على الأسرى الفلسطينيين المحرَرين بهدف السيطرة على حياتهم ومنْع عودتهم إلى حياة طبيعية أو تأدية دور فعال في مجتمعهم، وتشمل هذه العقوبات الاعتقال الاحترازي، والاعتقال الإداري الذي يُستخدم بصورة متزايدة في ظل التوترات الأمنية، بالإضافة إلى استدعاءات دورية للمحرَرين تحت مبررات أمنية.
كما يمارس أيضاً سياسات ترهيبية؛ كالاقتحامات الليلية التي تثير القلق الدائم لدى المحرَرين، والتفتيش الاستفزازي، والاحتجاز على الحواجز لفترات طويلة بهدف الإيحاء بأنهم مراقَبون باستمرار، وخصوصاً عبر تطبيق “الذئب الأزرق”، ويهدف الاحتلال بهذه الإجراءات إلى دمج مفهوم الحواجز والمراقبة في سيكولوجية المحرَرين.
وتسعى هذه السياسات لتعطيل اندماج الأسرى المحرَرين في المجتمع، وتقييد نشاطهم السياسي والاجتماعي، لمنعهم من أداء دورهم كرموز للنضال الفلسطيني، وإضعاف تأثيرهم الإيجابي في الأجيال الجديدة.
الخاتمة
يوم الأسير الفلسطيني 17ابريل مناسبة لتسليط الضوء على معاناة الأسرى وما يرتكب بحقهم من جرائم في سجون النازية الجديدة، وإبراز قضية الأسرى من خلال مواجهة إسرائيل، والضغط عليها لوقف انتهاكاتها بحقهم، والتنديد بالصمت الدولي على الجرائم المرتكبة، واستنكار عدم وجود رد فعل حقيقي من قبل المؤسسات الحقوقية.
وعلى المؤسسات الدولية والعالم الضغط على إسرائيل وإلزامها بالضوابط القانونية ومعاملة الأسرى معاملة إنسانية.