
عادت إسرائيل في فجر يوم الثلاثاء 18 مارس 2025، إلى استئناف الحرب على قطاع غزة، من خلال شنِّ ضربات جوية عنيفة وواسعة النطاق، طالت أغلب مواقع وكامل جغرافيا القطاع ثم بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية توغل بري تدريجي بداية من مساء الخميس 20 مارس تحت غطاء من الغارات الجوية وقصف المدفعية.
ما أجبر الآلاف من الشعب الفلسطيني المقيمين بالفعل في خيام وبجوار ركام منازل آيلة للسقوط على النزوح قسرًا مجددا دون أي حماية وتحت القصف العشوائي إلى مناطق تفتقر لأدنى مقومات الحياة بعدما دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي الكثير من المنازل والمباني في القطاع.
تشير الأنباء والمشاهد المروعة الواردة من غزة أن التوغلات البرية الاسرائيلية وعمليات القصف العنيف المستمرة منذ عودة اسرائيل لشن الحرب، تستهدف دون أي مبرر من التكتيك العسكري منازل مأهولة بعائلات من المدنيين، وخيامًا تؤوي نازحين، ومراكز إيواء ومستشفيات، في إطار توجه إسرائيلي ممنهج نحو فرض ظروف حياة غير انسانية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كفعل من أفعال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضدهم بشكل مستمر منذ 18 شهرًا.
خسائر فادحة في الارواح من المدنيين
منذ ان انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين مع حماس، أسفرت عملياتها العسكرية عن استشهاد واصابة الالاف، الأعداد بهذا النهج العسكري الاسرائيلي مرشحة للزيادة والتضاعف بالطبع، هذه الخسائر الفادحة في الأرواح خلال العدوان الإسرائيلي الحالي على القطاع ستضاف الى 50,000 شخصًا على الأقل استشهدوا منذ بدء الحرب في 7 اكتوبر 202
استهداف مباشر واغتيلات للقيادات الأمنية والإدارية والسياسية
قام جيش الاحتلال باستهداف عدد من قيادات العمل الحكومي في قطاع غزة مما أدى الى استشهادهم وهم: رئيس متابعة العمل الحكومي بقطاع غزة وعضو المكتب السياسي لحركة حماس عصام الدعليس، وكيل وزارة العدل المستشار أحمد الحتة، وكيل وزارة الداخلية اللواء محمود أبو وطفة، ومدير عام جهاز الأمن الداخلي اللواء بهجت أبو سلطان وايضا تماغتيال عضو المكتب السياسي في حركة حماس محمد الجماصي، وأفرادًا من عائلته، بينهم أحفاده، أثناء تواجدهم في منزله بمدينة غزة كذلك استشهد عضو مكتب حركة حماس السياسي والنائب بالمجلس التشريعي الفلسطيني صلاح البردويل ومعه زوجته في غارة جوية استهدفت خيمة عائلته في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بالإضافة إلى استشهاد الناطق باسم حركة حـمـــــاس في غزة عبد اللطيف القانوع جراء قصف للاحتلال استهدف خيمته في جباليا بشمال غزة.
وعبر غارة جوية إسرائيلية استناداً إلى معلومات دقيقة على جزء محدد من مستشفى ناصر في قطاع غزة جاء استشهاد إسماعيل برهوم القيادي البارز ومسؤول الشؤون المالية في حركة حماس ومعه مساعد له حيث كان يتلقى برهوم العلاج عقب اصابته في غارة جوية سابقة.
توجهات واهداف اسرائيل المعلنة من العودة للحرب
رغم الربط الإسرائيلي في تبرير استئناف حرب الابادة على القطاع برفض «حماس» المقترح الذي طرحه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، بأن تفرج «حماس» عن الرهائن دون التزام إسرائيلي بوقف دائم لإطلاق النار، وزعمها بوجود تحضيرات لشن هجوم عليها نفته «حماس»، واعتبرت أنه لا أساس له من الصحة.
ويظهر جليًا التصريح الصادر عن وزير الدفاع الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” قي يوم الثلاثاء 18 مارس اهداف اسرائيل من الحرب والذي قال فيه إنّه أصدر أوامره للجيش بالسيطرة على مناطق جديدة في غزة وإجلاء السكان نحو الجنوب، وتصعيد القصف البري والجوي والبحري، واستخدام كافة وسائل الضغط المدني والعسكري.
ويضاف هذا التصريح إلى رسالة “تحذير أخيرة” وجهها ذات الوزير يوم الأربعاء 19 مارس، وقال فيها: “خذوا بنصيحة رئيس الولايات المتحدة. أعيدوا المخطوفين وتخلّصوا من حماس، والخيارات الأخرى ستفتح أمامكم، بما في ذلك إمكان المغادرة إلى أماكن أخرى في العالم لمن يرغب في ذلك.
تصريحات “كاتس” وغيره من القادة السياسيين والعسكريين الاسرائيليين منذ عودة اسرائيل للعدوان مرة اخرى على غزة تعكس بوضوح نية إسرائيل العلنية لفرض التهجير القسري على الفلسطينيين كجزء من رؤية ترامب لحل ازمة غزة واستكمالا لجرائم الحرب الاسرائيلية ضد الانسانية والابادة الجماعية منذ بدء الحرب للشعب الفلسطيني.
وأفادت تقارير أن هناك توجه اسرائيلي نحو السيطرة البرية الكاملة على قطاع غزة وأنه تم تنسيق ذلك مع الجانب الأمريكي وأن جيش الاحتلال سوف يقوم بنشر ما يصل إلى خمس فرق من الجيش خاصة بعد انخفاض تهديدات الجبهة الشمالية.
بذلك يظهر جليًا مشهد لمخطط متكامل يهدف إلى حرمان المقاومة من ميزة الحاضنة الشعبية الكبيرة وذلك بالعمل على تفريغ غزة من شعبها عبر سياسات القتل العشوائي والتدمير الشامل والترويع المستمر والتجويع، وصولًا إلى إجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم تحت وطأة القصف وانعدام سبل الحياة.
الخلاصة
- لا يوجد أي أساس منطقي يمكن به تبرير عودة اسرائيل لاستئناف الحرب المُدمرة على قطاع غزة وكل الاطروحات الاسرائيلية والامريكية في ذلك مجرد ذرائع لاستئناف مهمة حرب الإبادة.
- هروب حكومة نتنياهو للأمام بالعودة للحرب.
تهرب حكومة نتنياهو من الأزمات الداخلية الطاحنة نحو الامام بنقض وقف اطلاق النار والعودة للحرب، ازمات الحكومة الاسرائيلية منها القانوني المُتعلق بمحاكمة نتنياهو، وسط مطالبات واسعة باستقالته بتهمة تورطه في قضايا فساد، وكذلك حاجة نتنياهو لوزن كتلة «عوتسما يهوديت» بزعامة وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير، وكان من شروط بن غفير للعودة للحكومة، استئناف الحرب على غزة والمُطالبة بإقالة رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار، والذي أقاله نتنياهو بالفعل قبل استئناف الحرب على غزة بيوم واحد، ومع بدء استئناف الحرب عاد بن غفير لحكومة نتنياهو، ما يؤكد مصداقية الطرح القائل بالعلاقة بين دوافع الحرب والأزمات الداخلية لحكومة نتنياهو.
- قطع الطريق أمام الطرح العربي الرافض للتهجير
وجدت الحكومة الإسرائيلية أن المشروع أو «الخطة العربية» التي أعدتها مصر لمنع التهجير قد تقف حجر عثرة امام توجهاتها اليمنية، لذلك خشيت اسرائيل من خفوت زخم الوعود الأمريكية ورؤية ترامب المعلنة حول تهجير الشعب الفلسطيني الى اماكن اخرى صالحة للحياة لذلك كان استئناف القتال لقطع الطريق امام اي احتمال ولو ضعيف بقابلية المشروع العربي للتطبيق. - ضوء أخضر أمريكي لا توقفه المذابح البشرية
يتماهى نتنياهو وحكومته مع موقف الرئيس الأمريكي وادارته حيث لم يتوقف منذ وصولهم للبيت الابيض استعراض لغة القوة واستخدام مصطلح « صب الجحيم» على «حماس» والحديث عن تهجير الشعب الفلسطيني من غزة امام العالم اجمع
في هذه المرحلة من الحرب تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتوفّير غطاءً سياسيا وعسكريا وعقائديا كاملا لاستمرار الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، عبر تزويدها بالمساعدات المالية والامداد المستمر بالسلاح، بالاضافة لعرقة تنفيذ اي قرارات أممية او مساعي دولية للحد من الانتهاكات الاسرائيلية، ما يجعل الولايات المتحدة ليست مجرد شريكًا او داعما، بل فاعلًا رئيسياً في استمرار جريمة الإبادة الجماعية ضد المدنيين العزل في قطاع غزة. - تراجع الدور الايراني ومحور المقاومة
إضعاف قدرات جبهات محور المقاومة وتراجع الدور الايراني خاصة بعد تحييد حزب الله وخطورته على جبهة الشمال الاسرائيلية جعل تل أبيب تملك إريحية نقض وقف إطلاق النار، ولم يتبقى من جبهات المحور المقاوم سوى جبهة اليمن لذلك جاء بدء الغارات الإسرائيلية على القطاع بعد بدء العملية العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين مباشرة واستهداف قدراتهم الصاروخية وقيادات الصف الأول لانصار الله.
- الغطاء الأمريكي والصمت الدولي والتخازل العربي الرسمي مكن اسرائيل من تصعيد سقف توجهها العلني واجراءتها العملية نحو التهجير الممنهج وذلك بإنشاء إدارة رسمية تُعنى بتنسيق ما أطلق عليه “المغادرة الطوعية” للفلسطينيين من قطاع غزة، في إطار خطة متكاملة تهدف إلى تسهيل التهجير نحو دول ثالثة.
الخاتمة
عودة اسرائيل للحرب على قطاع غزة واستخدام القدرات العسكرية القصوى نحو استهداف متعمد للمدنيين لتعظيم الخسائر في الارواح مع التجويع المتواصل، والحرمان من مقومات البقاء، والتدمير الشامل للبنية التحتية، كل هذه الأفعال جرائم تاريخية ممنهجة تعكس استراتيجية امريكية-اسرائيلية تهدف إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني واضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة نحو مساعي القضاء على حركة حماس.
هذه الاستراتيجية لا تصنف تحت اعمال الحروب النظامية، بل هدفها هو استثمار في مكتسبات جرائم الحرب الاسرائيلية ضد الانسانية والإبادة الجماعية نحو التهجير القسري للشعب الفلسطيني من قطاع غزة.
وكما يبدو فإن الشعب الفلسطيني ومقاومته أمام تحدي جديد في مواجهة استئناف حرب إبادة ضد الإنسانية، ويرى كثير من الخبراء أن الأمر لن يكون سهلاً علي الشعب الفلسطيني وسط تخاذل عربي ودولي، لكن مخرجات الحرب الأولي أثبتت أن الأمر أيضاً مع المعطيات الميدانية لن يكون سهلاً على الاحتلال وتنفيذ أهدافه في ظل معركة عض الأصابع طويلة الأمد، وتشبث الشعبي الفلسطيني ومقاومته بأرضه ورفض التهجير، مما يجعل التنبؤ بحسم ملف الحرب في غزة ليس بالقريب، وإنما يضع الواقع التحديات الصعبة لمصير القضية الفلسطينية مع تمسك المقاومة بسلاحها ورفض التهجير على المستوي الفلسطيني والعربي ومع الوضع في الاعتبار وجود ادارة ترامب حالياً ونظرته المتطرفة للقضية الفلسطينية وخاصة ملف التهجير.