
في هذه الأيام تستعد (نيالا) عاصمة ولاية جنوب دارفور لبدء الإجراءات التنفيذية لإعلان الحكومة الجديدة الموازية في السودان والموالية لقوات الدعم السريع، حيث افادت مصادر مقربة من تحالف سودان السياسي (تأسيس) اليوم الأحد 16 مارس 2025 بوصول وفد من التحالف إلى مدينة نيالا، وذلك في إطار التحضيرات لإعلان الحكومة الموازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. يأتي هذا التطور في وقت حساس، حيث يسعى التحالف إلى تعزيز وجوده السياسي على أرض الواقع كحكومة سلطة تنفيذية في المنطقة..
وفد (تأسيس السياسي) يتضمن مجموعة من رموز قادة التحالف من بينهم محمد حسن التعايشي، الذي كان عضواً في مجلس السيادة السوداني السابق.
ومن المتوقع أن تقوم الحكومة الموازية بالإعلان عن مستجداتها خلال الأيام القادمة من شهر مارس الجاري من مدينة نيالا.
حيث إنه في الشهر الماضي وفي مناورة جديدة صبت في اتجاه محاولات تقسيم السودان أعلنت قوات الدعم السريع ومجموعات عسكرية وسياسية متحالفة معها عن تشكيل لحكومة سودانية موازية يكون حيز عملها على الأراضي السودانية التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع.
والهدف أن تكون لهذه الحكومة الموازية رمزية سياسية كبداية تكوين نظام حكم محتمل في مواجهة الحكومة التابعة للجيش السوداني والتي مقرها مدينة بورتسودان في الشرق السوداني.
هذه الخطوة من جانب الدعم السرع وحلفاؤه تزيد التوتر والانقسامات داخل السودان، وتؤكد التحليلات التي ذهبت ان الداعم الخارجي المحرك لقوات الدعم السريع هدفه النهائي هو وجود رأسين للحكم وبالتالي زيادة تعقيدات التحلافات ما بين طرفي النزاع المسلح واطالة أمد الحرب قدر الامكان تمهيدًا لفرض واقع التقسيم على أرض السودان.
ميثاق تأسيسي لحكومة سلام ووحدة سودانية جديدة
تم توقيع قوات الدعم السريع وعدة قوى متحالفة معها في 22 فبراير 2025 في نيروبي على ميثاق إنشاء حكومة سلام ووحدة سودانية يكون نطاق عملها في مناطق سيطرة الدعم السريع، وبنص بنود الميثاق أن السودان تكون “دولة علمانية ديمقراطية“ وكذلك أن للجماعات المسلحة الأخرى الحق في الوجود والعمل في منطاق تمركزاتها على الأراضي السودانية.
على أن تكون من أولويات مهام هذه الحكومة هي “إنهاء حالة الحرب وتوحيد السودان”، وهو طبقاً للقائمين على الحكومة الجديدة ما لم تتمكن الحكومة التابعة للجيش والتي تعمل من مدينة بورتسودان من تحقيقه.
جاء أيضًا في البنود التأسيسية للحكومة الجديدة العمل على إنشاء جيش وطني جديد وموحد له عقيدة عسكرية تراعي التعدد والتنوع اللذين تتسم بهما الدولة السودانية، بالإضافة إلى إنشاء أجهزة أمنية ومخابراتية مستقلة.
أكدت بنود ميثاق الحكومة الجديدة أيضًا ضرورة إنهاء حالة الحرب والالتزام بالعدالة والمحاسبة التاريخية وعدم الإفلات من العقاب بمحاكمة كل من ارتكب جرائم بحق الوطن والمواطنين السودانيين، وكذلك حل وتفكيك حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية.
استضافة كينيا لتوقيع ميثاق الحكومة الموازية
استضافت كينيا رموز قوات الدعم السريع والقوى المتحالفة معها في 22 فبراير الماضي لتوقيع ميثاق لتشكيل الحكومة الجديدة، وتأسيس هياكل تنظيمية للإدارة المستهدفة مكونة من مجلس وزراء ومجلس تشريعي ومجلس سيادة.
قبول كينيا إستضافة إنطلاق الحكومة الجديدة لقوات الدعم السريع السودانية في نيروبي أثار جدلًا واسعًا، حيث انتقدت الحكومة السودانية بشده هذا الموقف واعتبرته دعمًا مباشرًا للدعم السريع ويساهم في استمرار الأزمة السودانية.
واتهمت الخارجية السودانية الرئيس الكيني وليام روتو، بالتحرك بناء على مصالح شخصية معلومة مع قائد المليشيا حميدتي والرعاة الخارجيين.
بينما دافعت الخارجية الكينية عن موقف بلادها، مؤكدة في بيان أن هذه الاستضافة تأتي ضمن دورها التقليدي كوسيط إقليمي يسعى إلى إنهاء النزاعات عبر الحوار، وليس من منطلق الانحياز لأي طرف.
حكومة انتقالية وأخرى موازية
تحرك الدعم السريع مع تحالف (تأسيس) نحو التوقيع في نيروبي على ميثاق لحكومة موازية، جاء بعد أسابيع قليلة من إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، عن نيته تشكيل حكومة انتقالية من “كفاءات وطنية مستقلة”، وذلك في ظل تحقيق قواته مكاسب ميدانية في العاصمة والمناطق الوسطى من البلاد.
وفي كلمة له من مدينة بورتسودان، أكد البرهان، مطلع فبراير الجاري، أن الحكومة الجديدة “ستعمل على وضع أسس لاستكمال المرحلة الانتقالية أو التأسيسية تمهيداً للانتخابات”، مستبعداً إجراء مفاوضات مع قوات الدعم السريع ما لم تنسحب من مواقعها في الخرطوم وغرب كردفان ودارفور.
موقف الحركات والاحزاب المدنية السودانية
أثارت خطوة تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، في ظل وجود حكومة يقودها الجيش في بورتسودان جدلا كبيرا وأدت إلى انقسام في التحالف المدني المؤيد لوقف الحرب الذي كان يعرف بتحالف “تقدم”، وتشكيل تحالف جديد سمي بتحالف “صمود” بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك الذي أعلن وقوف التحالف الجديد في موقف الحياد.
أوجد التباين داخل “تقدم” موقفين يرى أحدهما مواصلة النضال بوسائل العمل المدني الديمقراطي دون تشكيل حكومة وتبنته المجموعة التي انضوت تحت “صمود”، وتحالف آخر يرى أن تشكيل حكومة جديدة هو أحد الأدوات المطلوبة وهو الموقف الذي تبنته المجموعة التى اجتمعت في نيروبي تحت مسمى (تأسيس).
مخاوف تقسيم السودان
زاد التحرك نحو إنشاء حكومة جديدة موازية لحكومة الجيش في بورتسودان، من مخاوف الشعب السوداني، من أن يؤدي هذا التحرك من قوات الدعم السريع والقوى الموالية له نحو تفاقم القتال وتهيئة المناخ السياسي الأفريقي والدولي نحو تقسيم السودان.
حيث إن الواقع يوضح أنه هناك انقساماً حاداً في أراضي البلاد، بين ولايات الوسط والشمال والشرق حيث يسيطر الجيش، وبين مناطق غرب البلاد وجنوبها حيث تسيطر قوات الدعم السريع، خصوصاً في مناطق دارفور وكردفان وجنوب النيل الأزرق.
الخاتمة
إن تشكيل حكومتين في مناطق سيطرة كلاً من طرفي النزاع السوداني المسلح، يفاقم الانقسام السياسي والشعبي في السودان، ويؤكد بوضوح تباطؤ الجهود الدولية نحو إيقاف الحرب، فمع ظهور حكومتين يعكسان وجود نظامي حكم على جزئين من الاراضي السودانية، سيزداد صعوبة إيجاد أرضية مشتركة للحوار أو الوصول إلى حلول سلمية على المدى المنظور، مما يؤدي الى إطالة أمد الحرب، وأزدياد مخاطر تقسيم السودان.
ويبدو أن الموقف بعض الدول الغربية مع التدخلات من دول عربية موالية لمليشيا حميدتي تتجه نحو التقسيم بعدما حقق الجيش السوداني منجزات غير مسبوقة لتوحيد البلاد ومواجهة ميليشيا انقلابية تعمل ضد الجيش وعموم الشعب السوداني الذي واجهها في مناطق مختلفة من البلاد، وهو الأمر الذي يجعل المعركة مستمرة بين نتيجتين إما التقسيم أو المواجهة خاصة وأن الجيش السوداني لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة في هذه المعركة، رغم الدعم الذي يصل لمليشيا حميدتي من جهات خارجية.