في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 أعلن النظام الحالى في مصر إلغاء حالة الطوارئ بطريقة استعراضية على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) حيث ذكر فيها :
” يسعدني أن نتشارك معًا تلك اللحظة التي طالما سعينا لها بالكفاح والعمل الجاد، فقد باتت مصر بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء، واحة للأمن والاستقرار في المنطقة؛ ومن هنا فقد قررت، ولأول مرة منذ سنوات، إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. هذا القرار الذي كان الشعب المصري هو صانعه الحقيقي على مدار السنوات الماضية بمشاركته الصادقة المخلصة في كافة جهود التنمية والبناء. وإنني إذ أعلن هذا القرار، أتذكر بكل إجلال وتقدير شهداءنا الأبطال الذين لولاهم ما كنا نصل إلى الأمن والاستقرار. ومعًا نمضي بثبات نحو بناء الجمهورية الجديدة مستعينين بعون الله ودعمه. تحيا مصر. تحيا مصر. تحيا مصر.”
تلا هذا القرار الاستعراضي ثلاث تعديلات أقرها مجلس النواب المصري، الذي هندسته الأجهزة الأمنية ليكون الذراع التشريعي للسلطة العسكرية، تتعلق هذه التعديلات بـ“حماية المنشئات الحيوية” و”مكافحة الإرهاب” و”صون أسرار الدولة”.
وفي الحادي عشر والثاني والعشرين من نوفمبر 2021 صدقت منظومة الحكم الحالية على تعديلات قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، وقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وقانون حماية وتأمين المنشآت الحيوية والعامة رقم 136 لسنة 2014.
يسند التعديل الأول حماية المنشآت العامة والحيوية للجيش وقوات الشرطة بشكل دائم، ويحيل جرائم التعدي على تلك المنشآت إلى القضاء العسكري. بينما يمنح الثاني رئيس الجمهورية صلاحيات لفرض تدابير لمواجهة الإرهاب تشمل حظر التجول في بعض المناطق، أما الثالث فيعاقب بالسجن والغرامة من يحاول جمع المعلومات عن أفراد ومهام القوات المسلحة دون إذنها.
تعديلات قانون مكافحة الإرهاب
تضمنت التعديلات إضافة المادة رقم 32 مكرر، والتي تعد أكثر قسوة من المادة 5 من قانون الطوارئ؛ فبينما لا تتجاوز الغرامة في قانون الطوارئ 4 آلاف جنيه، أجازت التعديلات الجديدة لقانون مكافحة الإرهاب فرض عقوبات تصل للسجن المشدد وغرامة تصل 100 ألف جنيه، كعقوبة على مخالفة التدابير التي يحق لرئيس الجمهورية اتخاذها لمواجهة الأخطار الإرهابية. كما أقرت المادة المستحدثة عقوبة السجن و/أو غرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن 50 ألف جنيه على الإخلال بالتدابير الرئاسية التي لم يحدد الرئيس طبيعة العقوبات عنها، بينما كانت العقوبة المقررة في قانون الطوارئ (المادة 5)؛ حبس مدة لا تزيد على 6 أشهر وغرامة لا تتجاوز 50 جنيه.
أما التعديل الخاص بالمادة (36)، فقد أِكدت منظمات حقوقية ومنها مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان أنهاتتضمن زيادة الغرامة المالية المفروضة كعقوبة على نقل وقائع محاكمات الإرهاب من 100 ألف جنيه إلى 300 ألف جنيه في حال عدم الحصول على إذن من رئيس المحكمة. وتتعارض هذه المادة مع مبدأ علانية الجلسات الذي يقره الدستور المصري في المادة 187، وتوسعها غير الجائز في رخصة سرية الجلسات التي هي استثناءً لا يجوز التوسع فيه، خاصةً وأن نقل وقائع الجلسات هو حق أصيل للرأي العام وكافة وسائل الإعلام؛ لإعمال رقابتها على السلطة القضائية. بذلك لا يعكس هذا التعديل إلا مساعي إضافية لتكثيف التعتيم على ما يحدث داخل أروقة المحاكم من انتهاكات للحق في المحاكمة العادلة، والتي تصاعدت وتيرتها عقب تشكيل دوائر الإرهاب وتوظيف المحاكم العسكرية للتنكيل بكل من له رأي معارض.
تعديلات قانون حماية المنشآت العامة: تأييد ملتف لاستثناء إحالة المدنيين لمحاكم عسكرية
تضمنت التعديلات الأخيرة على قانون حماية المنشآت العامة والحيوية رقم 136 لسنة 2014 إضافة مادة جديدة للقانون المعدل تفيد بـ (إلغاء كل حكم يخالف أحكام هذا القانون)، مما يعني ضمنيًا إلغاء نص المادة الثالثة من قانون حماية المنشآت العامة والحيوية، والتي كانت تنص على أن هذا القانون يطبق- بشكل مؤقت- لمدة عامين فقط. وبموجب هذا التعديل الأخير، يتحول قانون حماية المنشآت العامة من قانون استثنائي مؤقت، لقانون دائم!
وفي 31 أكتوبر 2021، وافق مجلس النواب على تعديل إضافي على القانون، يستهدف تأكيد استمرار معاونة القوات المسلحة لجهاز الشرطة في حماية المنشآت العامة والحيوية دون التقيد بفترة زمنية محددة، واستمرار إحالة جميع القضايا التي ترتكب حال قيام القوات المسلحة بتأمين وحماية تلك المنشآت إلى القضاء العسكري بدلاً من القضاء العادي، دون تحديد نطاق جغرافي أو زمني لهذا الاختصـاص. وقد برر تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي ولجنة الشئون الدستورية والتشريعية هذا التعديل باعتباره (استحقاق دستوري)، ما يعد تضليلا للرأي العام ومغالطة قانونية.
ويتعارض قانون حماية المنشآت العامة والحيوية مع المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ لانتقاصه من حقوق المتهم وعصفه بضمانات المحاكمة العادلة، وإجازته محاكمة المدنيين أمام محكمة استثنائية بدلًا من القاضي الطبيعي. هذا بالإضافة إلى عبارة «المنشآت العامة والحيوية» التي ما زال ينقصها الضبط وتعتريها العمومية والغموض، فتشمل بذلك أي مرفق تصفه السلطات المختصة بأنه «عام وحيوي»، الأمر الذي يؤدي لتوسيع صلاحيات وسلطات القضاء العسكري على حساب القضاء المدني المتهالك على مدى السنوات الـ 8 الأخيرة.
ردًا على القرار بإلغاء حالة الطوارئ، والتعديلات القانونية التي أقرها مجلس النواب على قانون مكافحة الإرهاب والتي كرست حالة الطوارئ وجذرتها في المجتمع، قالت منظمة هيومان رايتس واتش: “منذ أن دبّرت منظومة الحكم الحالية في مصر، الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في 2013، سنّت الحكومة عشرات القوانين التي تمنح قوات الأمن صلاحيات استثنائية وتقيّد الحقوق الأساسية بشكل غير قانوني، حتى دون الاستناد إلى قانون الطوارئ. مثلا، حظَر قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية لعام 2013 فعليًا جميع أشكال التجمعات السلمية تقريبا وأدى إلى اعتقال ومحاكمة عشرات الآلاف.“
وللتدليل على أن القرار بإلغاء حالة الطوارئ في مصر كان ولايزال قراراً استعراضياً بل إنه كرس وجذر من حالة الطوارئ الاستثنائية وحولها إلى حالة دائمة نستعرض في السطور التالية تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية عن حالة حقوق الإنسان في مصر.
منظمة هيومان رايتس واتش قالت في تقريرها عن حالة حقوق الإنسان في عام 2021 التالي:
- في 2021، صعّدت السلطات من استخدام محاكم أمن الدولة – طوارئ التعسفية لمقاضاة النشطاء والمنتقدين السلميين الذين انضموا إلى آلاف المعارضين الموجودين في سجون مصر المكتظة.
- أصدرت المحاكم أحكاما بالإعدام في محاكمات جماعية، مما زاد من أعداد الإعدامات التي تتصاعد بشكل حاد.
- في 2021، اعتقلت الشرطة وعناصر الأمن الوطني بشكل تعسفي العشرات، بسبب نشاطهم السلمي، وأخفت العديد منهم قسرًا لأيام أو أسابيع.
- طلب الأمن الوطني بشكل دوري من النشطاء المفرج عنهم حديثًا إثبات التواجد في مكاتبهم بانتظام، بالإضافة إلى أشكال أخرى من الإكراه والاستدعاء غير القانونيين.
- كما قامت قوات الأمن بترهيب ومضايقة عائلات المعارضين الذين يعيشون في الخارج.
- لا تزال الظروف المتردية في السجون ومراكز الاعتقال المصرية غير خاضعة للرقابة المستقلة.
- غالبًا ما تحرم السلطات السجناء المرضى من الحصول على الرعاية الصحية الكافية.
- بحسب “كوميتي فور جستس”، وهي منظمة مستقلة، توفي 57 سجينًا، معظمهم محتجزين لأسباب سياسية، في الحجز في الأشهر الثمانية الأولى من 2021.
- لجأت السلطات بشكل متزايد إلى محاكم أمن الدولة طوارئ الاستثنائية، التي تعتبر قراراتها قطعيّة، لمحاكمة المعارضين. كانت حكومة الرئيس السابق حسني مبارك قد ألغتها في 2007 لكن حكومة النظام الحالي أعادت العمل بها في 2017.
تقرير الخارجية الأمريكية لعام 2023 عن حالة حقوق الإنسان في مصر
في عام 2023 أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن حالة حقوق الإنسان في مصر وتضمن التقرير التالي:
- لم تطرأ أي تغييرات كبيرة على حالة حقوق الإنسان في مصر خلال العام.
- شملت قضايا حقوق الإنسان الهامة تقارير موثوقة عن: عمليات القتل التعسفي أو غير المشروع، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القضاء؛ وعمليات الاختفاء القسري؛ التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من قبل الحكومة.
- ظروف السجن القاسية والمهددة للحياة. الاعتقال والاحتجاز التعسفيين.
- مشاكل خطيرة في استقلال القضاء. السجناء السياسيون أو المعتقلون.
- القمع العابر للحدود ضد الأفراد في بلد آخر.
- في معظم الحالات، لم تحقق الحكومة بشكل شامل أو تلاحق مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك معظم حوادث العنف على أيدي قوات الأمن، فضلًا عن الفساد، مما ساهم في خلق بيئة من الإفلات من العقاب.
في ديسمبر 2024 واستعدادًا للمراجعة الدورية الشاملة التي تجريها الأمم المتحدة لحالة حقوق الإنسان في مصر، في 17 ديسمبر 2024، نشرت 12 منظمة حقوقية مصرية تقريرًا مشتركًا حول تفاقم أزمة حقوق الإنسان في مصر خلال السنوات الخمس الماضية. التقرير أقر بتصاعد حدة الانتهاكات الحقوقية وفق استراتيجية ممنهجة، تتشارك فيها كافة مؤسسات الدولة، مما أدى لمزيد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواصل العصف بالمصريين.
فنّد التقرير مؤشرات تصاعد حدة الانتهاكات في الفترة من نوفمبر 2019 وحتى منتصف 2024، مركِّزًا بشكل خاص على الانتهاكات المتعلقة بالحق في الحياة ومكافحة الإعدام والحماية من التعذيب والإخفاء القسري والتجمع السلمي والتنظيم، فضلاً عن حقوق النساء ومكافحة العنف ضد المرأة، والحقوق والحريات الإنسانية، وأوضاع حقوق الإنسان في سيناء، وأوضاع أماكن الاحتجاز، والانتهاكات بحق اللاجئين، والإخلاء القسري للسكان، وقمع النشطاء المصريين بالخارج.
قدم التقرير مجموعة من التوصيات التي اعتبر تنفيذها بمثابة خطوات أولى لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر، بدايةً من التعليق الفوري لعقوبة الإعدام تمهيدًا لإلغائها ووقف تنفيذها فورًا، مرورًا بعدة توصيات تتعلق بمنع الاحتجاز التعسفي وتحسين أوضاع السجون، وصولًا إلى توصيات بتعديلات تشريعية تضمن الحماية من توظيف ترسانة القوانين القمعية للانتقام من المعارضين والزج بهم في السجون ومحاكماتهم بتهم مختلقة. إذ تتصدر مصر المنطقة بأكبر عدد من السجناء السياسيين.
المنظمات طالبت الحكومة بإطلاق سراح عشرات الآلاف من سجناء الرأي، ووضع حد لممارسات التعذيب والإخفاء القسري الممنهجة ومحاسبة المتورطين فيها. والسماح للمنظمات الحقوقية المستقلة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بتفقد أوضاع السجون. كما طالبت بالتوقف عن ممارسة “إعادة تدوير” المحتجزين على ذمة قضايا جديدة لتمديد فترات احتجازهم، ووضع حد لتوظيف جرائم الإرهاب لاحتجاز المعارضين تعسفيًا بتهم مكررة وبلا أدلة.
جديرٌ بالذكر أن المنظمات قدمت نسخة من هذا التقرير للأمم المتحدة في يوليو الماضي، في إطار الإعداد للدورة الرابعة من الاستعراض الدوري الشامل للملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة، والتي عُقدت في يناير 2025.
أعد التقرير: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، جمعية عنخ، المنبر المصري لحقوق الإنسان، لجنة العدالة، المفوضية المصرية للحقوق والحريات، مركز النديم، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، منصة اللاجئين في مصر، ايجيبت وايد، مؤسسة دعم القانون والديمقراطية، إلى جانب منظمتين فضلتا عدم ذكر اسميهما خوفًا من الأعمال الانتقامية.
تقرير العفو الدولية 2024
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها السنوي عن حالة حقوق الإنسان في مصر لعام 2024 وقالت فيه:
- واصلت السلطات قمع الانتقاد، وخنق المجتمع المدني، وفرض قيود على المظاهرات في الشوارع.
- نفَّذت السلطات عمليات قبض واسعة لمنع مظاهرات مناهضة للحكومة كان مُخططًا القيام بها، وفرَّقت بالقوة المظاهرات السلمية القليلة والصغيرة التي خرجت.
- أفرجت السلطات عن 934 سجينًا احتُجزوا لأسباب سياسية، ولكنها قبضت على 1,594 آخرين. وكان من بين الذين استُهدفوا صحفيون، ومحامون، ومعارضون، وسياسيون معارضون، وأشخاص انتقدوا سجل الحكومة الحقوقي، وتعاملها مع الأزمة الاقتصادية.
- تعرَّض عشرات الأشخاص للاختفاء القسري. وظلَّ التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أمرًا مُعتادًا.
- فُرضت أحكام بالإعدام إثر محاكمات جائرة بشكل فج، بما في ذلك للمعاقبة على جرائم بخلاف “القتل العمد”، ونُفِّذت عمليات إعدام.
- ساد الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكبت في عام 2024، والأعوام السابقة. واستمر تعرُّض النساء والفتيات، والأقليات الدينية للتمييز المُجحف، والعنف، والمقاضاة بسبب ممارستهم لحقوقهم الإنسانية.
- تقاعست السلطات عن حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خلال الأزمة الاقتصادية، أو تعديل تدابير الضمان الاجتماعي على نحوٍ كافٍ، أو ضمان التزام الشركات الخاصة بشرط الحد الأدنى للأجور.
الخاتمة
يثبت الواقع الذي يعيشه المصريون، والذي ترصده التقارير الدولية التي عرضنا جزءًا يسيرًا منها أن منظومة الحكم الحالية في مصر حينما ألغت حالة الطوارئ، لم تنته حالة الطوارئ في البلاد، بل تحولت من حالة استثنائية إلى حالة دائمة من خلال التعديلات التشريعية التي أٌقرها البرلمان الذي شكلته السلطة الحالية ومن خلال الممارسات التي تقوم بها ا على أرض الواقع. كما تثبت التقارير الدولية والمحلية وما يعانيه الشعب المصري أن السلطة الحالية ليست سلطة سياسية، بل تكره السياسة ، وإنما هي سلطة مستبدة تغتصب حقوق المصريين الأساسية كممارسة طبيعية.
وبعد تعديل قانون الطوارئ في مصر، يمكن القول إن حالة الاستثناء التي كانت قائمة لم تنتهِ تمامًا، بل إن مظاهر الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والحبس الاحتياطي لا تزال متجذرة وتُمارس بشكل مستمر، مع استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.