قطر في مرمى النار
الهجوم الأخير الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة ومحاولة اغتيال وفد المقاومة هناك، لم يكن مجرد تطور عابر، بل خطوة خطيرة تكشف طبيعة المشروع الإسرائيلي التوسعي الذي أعلن عنه نتنياهو أكثر من مرة، وهو مشروع لا يكتفي بغزة أو الضفة الغربية فحسب، بل ينظر إلى كامل المنطقة العربية والإسلامية لإعادة تشكيلها، باعتبارها ساحة مفتوحة للهيمنة والعدوان.
استهداف قطر، الدولة التي لعبت دور الوسيط وساندت الجهود السياسية والإنسانية لإنقاذ غزة، يحمل في طياته رسائل مباشرة: لا حصانة لأي عاصمة عربية، حتى لو كانت بعيدة عن خطوط المواجهة.
سلسلة الاعتداءات.. من اليمن إلى غزة
قطر لم تكن الأولى في الاعتداء الصهيوني، فقد سبقها استهداف دول عربية أخرى:
- اليمن: شنّ الطيران الإسرائيلي غارات على مواقع حكومية تابعة لجماعة أنصار الله “الحوثي” كما استهدف رئيس وزرائهم وعددًا من أعضاء حكومته الذين قضوا نتيجة القصف.
- سوريا ولبنان: تعرضتا لاعتداءات جوية متكررة، غايتها تثبيت معادلة الردع لصالح الاحتلال، ومنع أي دعم مباشر للمقاومة الفلسطينية.
- غزة: قلب العدوان وميدان المجازر اليومية التي تمارسها آلة الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين.
كل هذه السلسلة تقودنا لفهم أن قطر لم تُستهدف لذاتها فقط، بل لأنها جزء من خريطة أوسع يريد الاحتلال أن يبعث من خلالها رسالة مفادها: “الكل مستهدف”.
أسطول الصمود في تونس.. موجات شعبية لكسر الحصار
وفي الوقت الذي تتعرض فيه العواصم للاعتداء، ينطلق من تونس “أسطول الصمود” بمشاركة عشرات السفن من دول مختلفة، في محاولة لكسر الحصار عن غزة، حيث تتحرك الشعوب الحرة عبر مبادرات مدنية لتقول إن الضمير الحي للأمة لم يمت.
ورغم هذا الحشد الدولي من النشطاء المشاركين في الأسطول، استهدف مسيرات إسرائيلية الأسطول مرتين، في انتهاك صريح للسيادة التونسية، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والقواعد الدولية.
مصر والأردن وتركيا.. هل هي بعيدة حقاً؟
التاريخ والوقائع تثبت أن مصر والأردن وتركيا ليست بعيدة عن دائرة الاستهداف، فإسرائيل ترى في استقرار هذه الدول عقبة أمام مشروعها التوسعي، وهو ماصرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، حول حلم إسرائيل الكبرى، من النيل للفرات.
- مصر: بثقلها الجغرافي والديمغرافي، تبقى الهدف الأكبر لأي مخطط يهدف لإضعاف المنطقة، ولكنها ستبقى حجر العثرة الذي ستتحطم عليه أوهام الصهاينة الجدد.
- الأردن: بحدوده مع فلسطين، يعد خاصرة يسعى الاحتلال دوماً لاختراقها سياسياً وأمنياً.
- تركيا: رغم بعدها النسبي، فإن سياساتها الداعمة لغزة تجعلها على لائحة التهديد الإسرائيلي المستقبلي، بالإضافة للدعم التركي الغير محدود للحكومة السورية الجديدة.
الدلالات السياسية
إسرائيل مشروع توسعي لا حدود له: العدوان على قطر ليس حدثاً منفصلاً، بل جزء من استراتيجية شاملة.
كسر سيادة الدول العربية: الاحتلال يبعث برسالة مفادها أن أي عاصمة عربية يمكن أن تكون هدفاً.
صمود الشعوب مقابل عجز الأنظمة: بينما تتمدد الاعتداءات، تتحرك المبادرات الشعبية – مثل أسطول الصمود – لتملأ فراغ المواقف الرسمية.
العدوان الإسرائيلي.. جرس إنذار:
العدوان على قطر يمثل جرس إنذار لكل العواصم العربية، من القاهرة إلى عمّان وحتى أنقرة. إسرائيل بمشروعها التوسعي لا ترى حدوداً تقف عندها، بل تعتبر المنطقة بأكملها مجالاً مفتوحاً لسياساتها العدوانية.
وإذا لم تتحرك الأنظمة العربية لإيجاد موقف موحد يردع هذه الغطرسة، فإن الدور قد يأتي على عواصم أخرى، واحدة تلو الأخرى، حتى يتحقق ما يحلم به الاحتلال من “إسرائيل الكبرى”.