دائمًا ما تثير قضية دعم الحكومة للسلع الكثير من النقاش والجدال حول مدى جدوى هذه السياسة، ومقدار عبئها على الموازنة العامة للدولة، ومستوى كفاءة النظام المتبع في تحقيق الأهداف المرجوة منه.
تزداد الأصوات الحكومية والمنابر الإعلامية المؤيدة لسياسات النظام الحالي في مصر، كلما زادت صعوبة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد لتطالب بإلغاء هذا النظام، مرة تحت شعار” ترشيد الدعم” وأخرى حول ” ضرورة إيصال الدعم لمستحقيه “، وثالثة بشأن “ضرورة استبدال الدعم العيني بالدعم النقدي أو البدل النقدي”.
وفى هذا تداخلت مصالح قوى اجتماعية ورؤى سياسية، بمطالب دولية، سواء من دول غربية ترى أن هناك ضرورات لإعادة تركيب منظومة السياسات الاقتصادية والاجتماعية المصرية بما يتماشى مع سياسة الاقتصاد الرأسمالي الدولي، الذي قرر النظام التماشي معها لضمان الاستدانة من مؤسسات تمويلية دولية تحرص بدورها على رعاية هذا التحول والدفع به إلى أوضاع تتناسب مع التقسيم الرأسمالي الدولي للعمل والأسواق.
ما هو الدعم الحكومي؟
الدعم الحكومي امدادات مادية تقدّم من الحكومة لتخفيض أسعار السلع إما لصالح صناعة وإما لصالح المواطن. ويعتبر في مجتمعات عديدة من التابوهات، ويهدد غيابها أو تقليصها الشارع بالاشتعال. ومن أهم السلع المدعومة الدقيق والسكر والحليب والسكن والكهرباء والمحروقات. وقد ارتفع حجم الدعم على المحروقات بوجه الخصوص في الألفية الجديدة.
رغيف الخبز ” دوبلير الطعام” أصبح نجمًا يتحمل المصريون الصعاب للحصول عليه
في الوقت الذي تُسجل فيه مصر أعلى معدل سوء تغذية خلال ربع قرن، بحسب بيانات مؤشر الجوع العالمي، زاد اعتماد المصريين على رغيف الخبز ليقوم بدور دوبلير الطعام مع أرجل الدجاج لمحاولة سد الرمق، ولكن أبت الحكومة على المصريين أن يستمتعوا بالدوبلير فقررت تحويله إلى نجم شباك يحتاج المصريون أن يدفعوا ما لا يستطيعون تحمله من أجل الحصول عليه ليرتفع سعره خلال عشر سنوات 485%، وذلك باحتساب تقليص وزن الرغيف على مدار العقد، من 130 إلى 90 جرامًا.
رحلة دوبلير الطعام مع النقص في الحجم وزيادة السعر
رحلة تآكل عبء دعم الخبز وصلت لمحطتها الجديدة، والتي نأمل أن تكون الأخيرة حينما قررت الحكومة رفع سعر رغيف الخبز البلدي من 5 قروش إلى 20 قرشًا ليرتفع سعره خلال العشر سنوات الماضية إلى 485%.
تُصر الحكومة المصرية على ادعائها بأنها لم تقترب من رغيف الخبز رفعًا لسعره أو خفضًا لوزنه رغم تحملها ما لا تطيق من أجل المصريين، إلا أن الأرقام تكّذب تصريحات الحكومة
قبل عام 1993 كان وزن رغيف العيش يبلغ 150 جرامًا، ووصل في عام 1993 وزنه إلى 130 جرامًا، وفي عام 2014 أنقصت الحكومة وزرن رغيف الخبز من 130 جرامًا إلى 120 جرام، لتعود مرة أخرى وتنقص وزن الرغيف إلى 110 جرام، ولم تكتفِ بذلك، بل قامت في عام 2017 بتخفيض وزن الرغيف إلى 100 جرام، لتعود مرة أخرى وتتشجع بسبب قبول المصريين هذا الخفض المتتالي لتنقصه إلى 90 جرام.
خمسة أرغفة كانت توفر للفرد 650 جرامًا من الخبز، وتمده بسعرات حرارية ما بين 1600 إلى 1800. أما حاليًا، فخمسة أرغفة توفر 1100 – 1200 سعر حراري، وذلك في حالة حصول الفرد على خمسة أرغفة بالوزن الرسمي الذي أقرته وزارة التموين. على أرض الواقع، قد لا يوجد رغيف بوزن 90 جرامًا في مخابز العيش المدعم.
يعتبر المصريون أكبر مستهلك للخبز في العالم بمعدل سنوي يترواح بين 180 و210 كيلوجرامات للفرد، وهو ما يعد أكثر من ضعفيّ المتوسط العالمي البالغ 70-80 كيلوجرامًا للفرد سنويًا، بحسب الباحث بجامعة «أوكسفورد» عُدي كمال، في دراسته عن العيش البلدي المُدعم.
هل زادت أسعار السلع التموينية في عهد النظام الحالى؟
يركز الخطاب الحكومي الرسمي بدايةً من النظام الحاكم ، وباقي أعضاء الحكومة والإعلاميين التابعين لأجهزة الأمن على المن على المصريين بأن الدولة تتحمل عبء كبير لتوفير السلع المدعومة للمواطنين، ويكّذب هذه التصريحات نسب ارتفاع أسعار السلع المدعومة على بطاقات التموين، فكانت الزيادات خلال العشر سنوات الماضية كالتالي:
- ارتفعت أسعار الأرز بقيمة 236%.
- ارتفعت أسعار السكر بقيمة 165%.
- ارتفعت أسعار الزيت بنسبة 316%.
- ارتفعت أسعار الفول بنسبة 170%.
- ارتفعت أسعار العدس بنسبة 500%.
بطاقات التموين: اليد التي يخنق بها النظام الشعب
في الثاني من يونيو وقبل إقالته من وزارة التموين صرح وزير التموين بأن الوزارة قامت بحذف 20 مليون مواطن من بطاقات التموين، وبرر هذا الإجراء العنيف بأن بيانات المواطنين الذين قامت الوزارة بحذف أسماءهم كانت خاطئة. يُعيدنا هذا التصريح إلى ما نشرته صحيفة المصري اليوم في الثامن عشر من سبتمبر 2023 بأنه يوجد 14 حالة تتسبب في حذف اسم المواطن من بطاقات التموين، وهي كما يلي:
تتعدد أسباب رفع اسم المواطن من بطاقات التموين ومنها تقاضي رب الأسرة راتب أعلى من 9600 جنيه شهريًا. وامتلاك سيارة حديثة موديل ما بعد 2017. ومصاريف مدارس تصل لـ 20 ألف جنيه فأكثر. واستهلاك فواتير كهرباء مرتفعة أكثر من 650 ك/ وات، بقيمة تتخطى 800 جنيه شهريًا أو أكثر. وامتلاك حيازة زراعية 10 أفدنة فأكثر. ودفع ضرائب 100 ألف جنيه فأكثر. وامتلاك شركة رأس مالها 10 ملايين جنيه أو أكثر. وأصحاب الصادرات أو الواردات المرتفعة.
تستغل الدولة هذه البنود غير العقلانية في التضييق على المواطنين في الحصول على حقهم في دعم السلع التموينية. نجد أن الدولة قد حددت بأن المواطن إذا تلقي دخلًا يزيد عن 9600 جنيهًا لن يحصل على بطاقة التموين، ولا يُعرف على أي أساس قامت الحكومة بتحديد هذا المبلغ في حين أفاد الكثير من المواطنين و أيضًا الكثير من الدراسات الحديثة بأن الأسرة المصرية تحتاج أكثر من 20 ألف جنيهًا فقط لتلبية الاحتياجات الأساسية لمعيشتها.
وعلى أرض الواقع يوجد بنود أخرى لم تذكرها الحكومة تمنع المواطنين من بطاقات التموين وهي المعارضة، حيث حرصت الحكومة على معاقبة كل من يعارضها منذ 2013 وحتى اللحظة الراهنة بالحذف من بطاقات التموين.
الصحة والتعليم وكذب الحكومة
لم يستفد قطاعا الصحة والتعليم من الوفرة المالية الناتجة من التوقف عن دعم الطاقة. في الواقع، انخفض الإنفاق من الموازنة على الصحة من 1.62% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015-2016 إلى 1.34% من الناتج المحلي الإجمالي في 2017-2018. وبالمثل، انخفض الإنفاق على التعليم قبل الثانوي أيضًا من 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2017-2018 إلى 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2018-2019. وكان الإنفاق على الصحة والتعليم بالفعل أقل كثيرًا من المتوسط العالمي ومن متوسط الشريحة الدنيا من البلدان منخفضة الدخل (2.59% بالنسبة للإنفاق على الصحة) قبل هذه الانخفاضات الأخيرة.
تدّعي الحكومة أن الانفاق على التعليم والصحة يتصدر أولويات الانفاق العام، وفقًا للأرقام الرسمية فإن هذه المعلومات مغلوطة وتمثل خداعًا من الحكومة للمواطنين.
ووفقًا لما نشرته منصة “متصدقش” على فيسبوك في الثالث من يوليو 2024 نجد التالي:
تتصدر مدفوعات أقساط الديون وفوائدها الإنفاق الحكومي العام في موازنة العام الجاري (2024 – 2025) إذ يبلغ 3.434 تريليون جنيه (1.834 تريليون فوائد ديون و1.6 تريليون أقساط) من إجمالي الاستخدامات البالغة 5.541 تريليون، في الموازنة العامة بنسبة 61.9% من الإنفاق.
وفي المركز الثاني، يأتي الإنفاق على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية البالغ 636 مليار جنيه بنسبة 11.5%، والأجور وتعويضات العاملين البالغ 575 مليار جنيه في المركز الثالث بنسبة 10.4%، وشراء الأصول غير المالية البالغ 496 مليار جنيه في المركز الرابع بنسبة 8.9%.
وفي المركز الخامس الإنفاق على التعليم” البالغ 294.6 مليار جنيه بنسبة 5.3% من الاستخدامات، والإسكان والمرافق المجتمعية” البالغ 205.4 مليار جنيه في المركز السادس بنسبة 3.7%، والصحة”البالغ 200.1 مليار جنيه، في المركز السابع بنسبة 3.6% من الاستخدامات.
وبحساب نسب الإنفاق على قطاعي التعليم” و”الصحة من نسبة الناتج المحلي الاسمي المتوقع في العام المالي الجاري، نجد أنها لا تستوفي النسبة التي نصّ عليها الدستور المصري (4% للتعليم ما قبل الجامعي، و2% للتعليم الجامعي، 3% للإنفاق على الصحة)، كما تراجعت مقارنًة بالعام المالي الماضي 2024/2023.
وتبلغ نسبة مخصصات “التعليم” 1.72% من الناتج المحلي الاسمي، المتوقع خلال العام المالي الجاري المُقدر بـ 17.1 تريليون جنيه، فيما تصل تبلغ نسبة الإنفاق على الصحة 1.17%.
بهذا تراجعت نسب الإنفاق على التعليم والصحة مقارنًة بالعام المالي الماضي 2024/2023 التي بلغت فيه 1.9%، و1.25%، بالترتيب.
الخاتمة
يعيش المواطن المصري واحدة من أسوء فترات تاريخ البلاد الحديث نتيجة فشل منظومة الحكم الحالية في تلبية الاحتياجات الأساسية فقط للفرد، دون التطرق بعد إلى مدى جودة حياة المصريين. ويزيد الأمور تعقيدًا تصريحات المسئولين المبنية على سياسات الكذب والخداع كنتيجة لتغييب المساءلة وترسيخ الأمن من العقوبة، استخفافٌ بحوائج المصريين لا يستطيعون معه رفع أصواتهم في مواجهته من شدة قمع وبطش النظام.
استطاعت منظومة الحكم الحالية اتخاذ تلك القرارات اللاعقلانية والمجحفة لغالبية الشعب المصري بعد أن نحى كافة المعارضين حتى داخل المؤسسة العسكرية. مما يرد الأمر إلى صاحب الاختصاص الأصيل وهو الشعب المصري في إسماع كلمته وانتزاع حقوقه من مغتصبيها إذا أراد الحياة الكريمة.