الديمقراطيات الغربية تبحث عن مصالحها
يقول مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، بهي الدين حسن، إن “المجتمع الدولي والديمقراطيات الغربية ليست ملائكة، فهي دول تبحث عن مصالحها، ولكن الديمقراطيات الغربية تختلف عن دول أخرى، كروسيا والصين، بأن ملف حقوق الإنسان والديمقراطية موجود في أولوياتها واهتماماتها”.
ويضيف: “لكن من الصعب تصور أن تكون الديمقراطية، أو حقوق الإنسان، هي الموجه الأساسي في كل خطوة تتخذها كل دولة. لكن الأمر الإيجابي أن هناك بعض الدول في العالم تضع مسألة حقوق الإنسان والديمقراطية في أولوياتها، وتتجسد في بيانات ومواقف ومطالب وأحياناً ضغوط والربط بمعونات”.
ويوضح: “رأينا زعيم حزب مصر القوية ونائب رئيس الحزب يسجنان بتهم ملفقة، وبعد أيام من بدء الحوار الوطني يُلقى القبض على معاذ الشرقاوي ويُخفى. هؤلاء المعتقلون الذين يعاملون أسوأ معاملة، بينما زملاؤهم يشاركون في مسرحية الحوار الوطني. فكيف ألوم أي دولة في العالم على عدم اهتمامها بسجناء مصر القوية أو السجناء السياسيين في مصر عموما؟”.
ويقول: “يجب أن نفكر في كيفية الدفع بملف حقوق الإنسان كي يكون على رأس جدول أعمال المصريين، سواء كمعارضة سياسية أو مجتمع مدني أو صحافيين ونقابات وغيرهم. عندما يحدث ذلك ولا يتحرك العالم، وقتها نحاسب العالم”.
الناشط السياسي والمعتقل السابق رامي شعث يقول، “: “يقال لنا في الاجتماعات الأوروبية والأميركية، إن المعارضة تقوم بحوار سياسي مع النظام ليقوموا بالحل السياسي، وإن المعارضين من الخارج متشددون في رؤيتهم بينما المعارضة الداخلية موافقة على عقد الحوار السياسي مع السلطة. عندما ينتهي الحوار الوطني نرى ما سيؤول إليه ووقتها نتخذ قرارات. وبالتالي فإن الغرب يستخدم حجة الحوار الوطني للتهرب من المسؤوليات حول ملف حقوق الإنسان”.
ويتابع: “معاذ الشرقاوي موجود في مصر منذ صدور الحكم، ولم يكن هناك قرار باعتقاله. من الواضح اليوم وجود رغبة في التصعيد وإذلال المعارضة وسط الحوار السياسي. وهناك رغبة بأن المعارضة تقبل بالسقف الذي وضعته السلطة لها. وبالتالي نرى تصعيداً تجاه صفوف المعارضة، مثل ما حدث مع الشرقاوي”.
ويعتبر شعث أنه “إذا كانت الفكرة في القبض على الشرقاوي هي فقط تنفيذ الحكم القضائي الصادر ضده، رغم عدم التصديق عليه بعد، فلماذا إخفاؤه قسرياً بدلاً عن ترحيله إلى السجن، وعلى الأغلب يتم تعذيبه وإهانته. هذا جزء من حملة الترهيب التي يتعرض لها الشعب المصري بشكل مستمر خارج إطار القانون”.
محاولة غربية لتصوير وجود انفراجة بمصر
ويقول معتز الفجيري، الأكاديمي والحقوقي المصري، ورئيس برنامج حقوق الإنسان في معهد الدوحة للدراسات العليا، إن “هناك محاولة في السنة الأخيرة من الغرب لأن يصور، أو يقتنع، بوجود انفراجة سياسية في مصر، لأسباب كثيرة، منها حجم إدراكهم بأن نجاحهم في تحريك ملف حقوق الإنسان محدود للغاية، وحجم قوتهم في التأثير على مسار السياسات في مصر محدود للغاية”.
معتز الفجيري: هناك محاولة من الغرب لأن يصور، أو يقتنع، بوجود انفراجة سياسية في مصر
ويوضح أن “أميركا استطاعت، خلال السنين الماضية، الضغط قليلاً، عن طريق بعض المناوشات المرتبطة بالمساعدات العسكرية والتجميد الذي يحدث من حين لآخر لبعض المبالغ من المعونات”.
ويقول الفجيري إنه “مع كثافة الحالات، لا يتم التحرك بسهولة على كل اسم. ما زالت هناك كثافة في ملف المعتقلين، ولا توجد ردود فعل على كثير من الحالات الفردية. رأينا قائمة الإرهاب التي صدرت مؤخراً، ومن ضمنها أسماء عديدة من القوى المدنية والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والإعلاميين، ولم نر رد فعل مناسبا يدينها أو أي ضغوط دولية. لا يوجد من يستطيع أن يجعل النظام في مصر تحت المساءلة من الناحية السياسية، والمجتمع الدولي يدرك جيداً الضغوط الإقليمية، كالأزمة السودانية، والوضع في غزة ودور الوساطة الذي تلعبه مصر”.
ويتابع الفجيري: “أعتقد أن كل خطوة تصعيدية تحدث من جهة النظام، أثناء الحوار الوطني، يقصد بها إذلال المعارضة وتخفيض السقف أكثر وأكثر، فالمعارضة الداخلية شاركت في الجلسة الافتتاحية رغم صدور قائمة الإرهاب والاعتقالات المستمرة التي تطاول أفرادا ينتمون إلى الأحزاب المشاركة، وحالياً القبض على معاذ وإخفائه خارج إطار القانون، أعتقد أن الثمن سيكون كبيراً خلال الفترة المقبلة، لأن بعض المشاركين لديهم حسن نية، لكنهم عاونوا السلطة ودعموها ودعموا مواقفها دون قصد”.
وكثفت السلطات المصرية، خلال السنوات الماضية، استخدام الحبس الاحتياطي، تحديدًا في القضايا السياسية، ما خلّف عشرات الآلاف في السجون بدون محاكمة، حسب منظمات حقوقية، بل إن بعض الشخصيات الموالية للحكومة أبدت قلقها في بعض الأحيان من التزايد الكبير في أعداد السجناء السياسيين، إذ صرح الرئيس السابق للجنة حقوق الإنسان البرلمانية، علاء عابد، بأن “تكدس السجون يُظهر الدولة وكأنها تقمع الحريات، فضلًا عن استهلاكه جزءا من الموازنة العامة، ومن الممكن أن نوفر على الدولة من 10 إلى 20 مليار جنيه سنوياً”.
وكثفت السلطات المصرية، خلال السنوات الماضية، استخدام الحبس الاحتياطي، تحديداً في القضايا السياسية، ما خلّف عشرات الآلاف في السجون بدون محاكمة، حسب منظمات حقوقية.
وفي أسبوع واحد فقط، قررت محكمة جنايات القاهرة إرهاب، قبل أيام، تجديد حبس 1299 متهماً ومتهمة في قضايا سياسية مختلفة، جميعهم عرض أمام الدائرة الأولى جنايات برئاسة المستشار سعيد الشربيني، حسب المحامي الحقوقي المصري، نبيه الجنادي.
كما احتلت مصر المركز الرابع عشر عالمياً في عدد السجناء والسجينات، حسب المركز الدولي لدراسات السجون، بنحو ١١٩ ألف سجين.
دليل آخر على تزايد أعداد السجناء السياسيين في مصر، هو أن الحكومة المصرية أنشأت عشرات السجون الجديدة بين 2013 و2021، منها سبعة سجون على الأقل تحت إدارة قطاع مصلحة السجون، ما يرفع عدد السجون تحت إدارتها إلى 49.