تحرص الدول على ضمان مجموعة من الحقوق الأساسية لمواطنيها من خلال حزمة تشريعية رأسها الدستور وتضمنها تطبيق القوانين الأساسية المكملة للدستور. كما أن الاتفاقات والمعاهدات الدولية اتفقت جميعها على مجموعة من الحقوق الأساسية ألزمت الدول بضمان تمتع المواطنين بهذه الحقوق. قبل ذلك كله أرسى الإسلام قواعد ومجموعة من الحقوق الأساسية تضمنها التشريعات الإسلامية لجميع المواطنين في هذه الدول.
الحقوق الأساسية للإنسان
الحقوق الأساسية للإنسان هي الحقوق والحريات الأساسية التي يجب أن تكون متاحة لكل فرد بغض النظر عن العرق، الدين، الجنس، الجنسية، اللون، اللغة، أو أي خصائص أخرى. هذه الحقوق مكفولة قانونياً على المستوى الدولي من خلال مجموعة من المعاهدات والقوانين الدولية. إليك بعض الحقوق الأساسية للإنسان:
- الحق في الحياة: هو الحق الأساسي لكل إنسان على الحياة، ولا يجوز انتهاكه تحت أي ظرف من الظروف.
- الحق في الحرية والأمان الشخصي: يحق لكل شخص الحرية والأمان الشخصي، ولا يجوز اعتقاله أو احتجازه بشكل تعسفي.
- الحق في المساواة أمام القانون: يجب أن يتمتع الجميع بالمساواة أمام القانون والحماية القانونية.
- حرية التعبير: يحق للجميع حرية التعبير والرأي، بما في ذلك حرية البحث وتلقي ونشر المعلومات والأفكار من خلال أي وسيلة إعلام، بغض النظر عن الحدود.
- حق العمل: يحق للجميع الحق في العمل، بما في ذلك الحق في الحصول على عمل حر وعادل والحماية ضد البطالة.
- حق التعليم: يحق للجميع الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم الأساسي مجاني وإلزامي.
- حق الصحة: يحق للجميع الحق في الاستمتاع بأعلى مستوى ممكن من الصحة الجسدية والعقلية.
هذه الحقوق الأساسية هي جزء لا يتجزأ من كرامة الإنسان، وهي أساس لحرية وعدالة وسلام في العالم. يجب على جميع الدول والمجتمعات احترامها وحمايتها.
حقوق الإنسان الأساسية في الإسلام
صاغ الإسلام مجتمعه بمجموعة من الأصول والمبادئ التي تكفل وتشمن حقوق الإنسان الأساسية. تقوم العقيدة الإسلامية على مبدأ وحدة الجنس البشري. وأن الاختلاف بين البشر سواء في الأرزاق أو مصادر الدخل أو الأعمار أو الألوان أو الأعراق إنما يهدف إلى إعمار الكون في إطار من التعايش والتعاون والتكامل، وتتضح هذه الحقائق بلا لبس أو شك عند إلقاء نظرة على بعض الآيات القرآنية الكريمة.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ١﴾ النساء.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ١٣﴾ الحجرات
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ٢٢﴾[الروم
ويؤكد الإسلام على الحرية التامة للإنسان طبقا للعقيدة. ويتضح ذلك في قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ٤١﴾[فصلت
ومن الواضح أن الأساس الفلسفي الذي قام عليه مفهوم حقوق الإنسان هو تكريم الإنسان بما يمكنه من القيام بدوره في المجتمع وتحقيق تقدم المجتمع من خلال تقدم ورقي الفرد. وهذا الأساس هو نفسه الذي أشار إليه الإسلام في مواضع عديدة. وبصفة عامه تحكم علاقة المسلم مجموعة من الأحكام الإسلامية. خلق التزام الإسلام بالحقوق الأساسية للإنسان مجتمعًا يتمتع فيه الجميع بالمساواة: لا تمييز بين الأفراد وفقًا لللون أو العرف أو الدين أو الفقر أو الغنى. كفل الإسلام مجموعة من الحقوق لكافة مواطنين الدولة ومنها:
الحق في الحياة
حياة الإنسان مقدسة، لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها ولا تٌسلب هذه القدسية إلا بسلطان الشريعة وبالإجراءات التي تقرها.
الحق في الحرية:
حرية الإنسان مقدسة – كحياته سواء – وهي لصيقة به ومستصحبة ومستمرة ليس لأحد أن يعتدي عليها، ويجب توفير الضمانات الكافية لحماية حرية الأفراد، ولا يجوز تقييدها أو الحد منها إلا بسلطان الشريعة، وبالإجراءات التي تقرها. ولا يجوز لشعب أن يعتدي على حرية شعب آخر، وللشعب المعتدى عليه أن يرد العدوان، ويسترد حريته بكل السبل الممكنة، وعلى المجتمع الدولي مساندة كل شعب يجاهد من أجل حريته.
الحق في المساواة:
الناس جميعا سواسية أمام الشريعة: “لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى”. ولا تمايز بين الأفراد في تطبيقها عليهم: “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”. ولا في حمايتها إياهم: “ألا إن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق له، وأقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق منه” من خطبة لأبي بكر رضي الله عنه عقب توليته خليفة على المسلمين. والناس كلهم في القيمة الإنسانية سواء، وإنما يتفاضلون بحسب عملهم، ولا يجوز تعريض شخص لخطر أو ضرر بأكثر مما يتعرض له غيره، وكل فكر وكل تشريع، وكل وضع يسوغ التفرقة بين الأفراد على أساس الجنس، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، هو مصادرة مباشرة لهذا المبدأ الإسلامي العام. لكل فرد حق في الانتفاع بالموارد المادية للمجتمع من خلال فرصة عمل مكافئة لفرصة غيره. ولا يجوز التفرقة بين الأفراد في الأجر، ما دام الجهد المبذول واحدا، والعمل المؤدي واحدا كما وكيفا.
الحق في العدالة:
من حق كل فرد أن يتحاكم إلى الشريعة، والقوانين التي تحكم البلاد ومن حق كل مواطن أن يدافع عن نفسه ويجب أن تمكنه السلطات من هذا الحق.
ومن حق الفرد أن يلجأ إلى سلطة شرعية تحميه وتنصفه، وتدفع عنه ما لحقه من ضرر أو ظلم، وعلى الحاكم المسلم أن يقيم هذه السلطة، ويوفر لها الضمانات الكفيلة بحيدتها واستقلالها. لا يجوز مصادرة حق الفرد في الدفاع عن نفسه تحت أي مسوغ.
حق الفرد في محاكمة عادلة:
البراءة هي الأصل حتى مع اتهام الشخص ما لم تثبت إدانته أمام محكمة عادلة إدانة نهائية. لا يحكم بتجريم شخص، ولا يعاقب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه له بأدلة لا تقبل المراجعة، أمام محكمة ذات طبيعة قضائية كاملة.
الحق في الحماية من تعسف السلطة:
لكل فرد الحق في حمايته من تعسف السلطات معه، ولا يجوز مطالبته بتقديم تفسير لعمل من أعماله أو وضع من أوضاعه، ولا توجيه اتهام له إلا بناء على قرائن قوية تدل على تورطه فيما يوجه إليه: “والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا
الحق في الحماية من التعذيب:
لا يجوز ممارسة أي شكل من أشكال التعذيب المادي والمعنوي بحق المتهم، كما لا يجوز حمل الشخص على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وكل ما ينتزع بوسائل الإكراه باطل. ومهما كانت جريمة الفرد، وكيفما كانت عقوبتهما المقدرة شرعا، فإن إنسانيته، وكرامته الآدمية تظل مصونة.
حق الفرد في حماية عرضه وسمعته:
عرض الفرد، وسمعته حرمة لا يجوز انتهاكها، ومحاولة النيل من شخصيته، وكيانه الأدبي هي جريمة في حق أساسي من حقوقه يحق له مقاضاة الأفراد أو الجهات التي قامت بذلك، ويجب على السلطات في البلاد تمكينه من هذا الحق.
الحق في اللجوء:
من حق كل مسلم مضطهد أو مظلوم أن يلجأ إلى حيث يأمن، في نطاق دار الإسلام. وهو حق يكفله الإسلام لكل مضطهد، أيا كانت جنسيته، أو عقيدته، أو لونه ويحمل المسلمين واجب توفير الأمن له متى لجأ إليهم.
حقوق الأقليات:
الأوضاع الدينية للأقليات يحكمها المبدأ القرآني العام: “لا إكراه في الدين” (البقرة: 256). أما الأوضاع المدنية، والأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شريعة الإسلام إن هم تحاكموا إلينا: “فإن جاءوك فأحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فأحكم بينهم بالقسط” (المائدة: 42). فإن لم يتحاكموا إلينا كان عليهم أن يتحاكموا إلى شرائعهم ما دامت تنتمي – عندهم – لأصل إلهي: “وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك” (المائدة: 43)، “وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه” (المائدة: 47).
الحق في المشاركة في الحياة العامة:
من حق كل فرد في الأمة أن يعلم بما يجري في حياتها، من شؤون تتصل بالمصلحة العامة للجماعة، وعليه أن يسهم فيها بقدر ما تتيح له قدراته ومواهبه، إعمالا لمبدأ الشورى: “وأمرهم شورى بينهم” (الشورى: 38). وكل فرد في الأمة أهل لتولي المناصب والوظائف العامة، متى توافرت فيه شروطها الشرعية، ولا تسقط هذه الأهلية، أو تنقص تحت أي اعتبار عنصري أو طبقي. الشورى أساس العلاقة بين الحاكم والأمة، ومن حق الأمة أن تختار حكامها بإرادتها الحرة، تطبيقا لهذا المبدأ، ولها الحق في محاسبتهم وفي عزلهم إذا حادوا عن الشريعة.
الحق في حرية التفكير والاعتقاد والتعبير:
لكل شخص أن يفكر، ويعتقد، ويعبر عن فكره ومعتقده، دون تدخل أو مصادرة من أحد ما دام يلتزم الحدود العامة التي أقرتها الشريعة. والتفكير الحر – بحثا عن الحق – ليس مجرد حق فحسب، بل هو واجب كذلك. من حق كل فرد ومن واجبه: أن يعلن رفضه للظلم، وإنكاره له، وأن يقاومه، دون الخوف من مواجهة سلطة متعسفة، أو حاكم جائر، أو نظام طاغ. لا حظر على نشر المعلومات والحقائق الصحيحة، إلا ما يكون في نشره خطر على أمن المجتمع والدولة. احترام مشاعر المخالفين في الدين من خلق المسلم، فلا يجوز لأحد أن يسخر من معتقدات غيره، ولا أن يستعدي المجتمع عليه.
الحق في الحرية الدينية:
لكل شخص: حرية الاعتقاد، وحرية العبادة وفقا لمعتقده: “لكم دينكم ولي دين” (الكافرون: 6).
أقر هذه الحقوق ومجموعة أخرى من حقوق الإنسان في الإسلام المجلس الإسلامي لدول العالم في البيان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في سبتمبر 1981.
الوثائق الدولية لحقوق الإنسان:
اهتم العالم بأسره بتأسيس مجموعة من الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان ويحظر على الجميع انتهاك حق من هذه الحقوق. ويرسي القانون الدولي لحقوق الإنسان التزامات تتقيد الدول باحترامها والتصرف بطرق معينة أو الامتناع عن أفعال معينة، من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للأفراد أو الجماعات.
يعتبر وضع مجموعة شاملة من قوانين حقوق الإنسان واحدة من الانجازات العظيمة للأمم المتحدة، فهي مدونة شاملة ومحمية دوليا التي يمكن لجميع الدول الاشتراك. وقد حددت الأمم المتحدة مجموعة واسعة من الحقوق المتعارف عليها دوليا، بما فيها الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. كما أنشأت آليات لتعزيز وحماية هذه الحقوق ومساعدة الدول في تحمل مسؤولياتها.
أولى هذه الوثائق الدولية هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعد وثيقة تاريخية هامة في تاريخ حقوق الإنسان— صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948 بموجب القرار 217 ألف بوصفه أنه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم. وهو يحدد،و للمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا. وترجمت تلك الحقوق إلى 500 لغة من لغات العالم. ومن المعترف به على نطاق واسع أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد ألهم ومهد الطريق لاعتماد أكثر من سبعين معاهدة لحقوق الإنسان، مطبقة اليوم على أساس دائم على المستويين العالمي والإقليمي.
أشار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته إلى أن تناسي حقوق الإنسان قد أدى إلى أعمال همجية أثارت غضب ضمير البشرية، وظهور عالم يتمتع فيه البشر بحرية الكلام والمعتقد والتحرر من الخوف والعوز قد أعلن أنه أعلى تطلعات من عامة الناس.
يتكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من 30 مادة تمثل الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان ويحظر حرمانه من أي منها. تكفل هذه المواد الحق في الحياة والحق في الحرية وعدم التمييز وحظر الرق وحظر التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والحق في المساواة والحق في المحاكمة العادلة وعدم جواز الاعتقال التعسفي وحظر النفي.
ثم يأتي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي هو بمثابة سبيل تهيئة الظروف الضرورية لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك بحقوقه المدنية والسياسية.
إلا أن وقائع التاريخ أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان لم تساوِ يومًا الحبر الذي كُتبت به، وللتدليل على ذلك نرى أن الأمم المتحدة أقرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، وقبل ذلك بعام واحد، أي في نوفمبر عام 1947 أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، وذلك بموافقة 33 دولة ورفض 13، وامتناع 10 دول عن التصويت. أعطى قرار التقسيم 55% من أرض فلسطين للدولة اليهودية، واستند مشروع تقسيم الأرض الفلسطينية على أماكن تواجد التّكتّلات اليهودية بحيث تبقى تلك التكتّلات داخل حدود الدولة اليهودية.
خالفت بذلك نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته قبل ذلك بعام والذي ينص على “لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي..” ما يظهرُ جليًا أنّ حقوق الإنسان ما هي إلا أكذوبة لا يلتزم بها حتى قائلها الذي رضي بظلم الفلسطينيين لأنهم ليسوا يهودًا، أي بسبب دينهم، رغم أنّها حاولت تجميل صورتها باعترافها بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في ذات العام ولكن الاعتراف هذا لم يقدّم أو يؤخر، لأنّ لا رؤيا لدى الأمم المتحدة لتحقيقه على أرض الواقع. الأمم المتحدة قدّمت فلسطين هدية لليهود في هذا القرار، رغم أنّ التصويت أتى من الدول الأعضاء، لكنها لعبت دور سمسار الأراضي لصالح شعبٍ دون آخر، لم تكتفِ فقط بقبول وسنِّ قرار مجحف يُفضِّل نوع بشرٍ عن آخر بسبب دينهم، بل قامت بتجاهل المأساة الفلسطينيّة والنكبة التي أدّت إلى تشريد وقتل شعبٍ كامل عام 1948 مصفقةً لقتلة الأطفال والنساء والعجزة لأنّهم ينتمون للديانة اليهوديّة، متجاهلةً أنّ الفلسطينيين من البشر أيضًا.
الحقوق الأساسية لمواطني الدول العربية والإسلامية (مصر نموذجًا)
في الوقت الذي اهتمت فيه كافة الدساتير والتشريعات المصرية بأهمية ترسيخ وكفالة حقوق الإنسان الأساسية، نجد أن هناك تناقضًا شاسعًا بين الحقوق المكفولة في النصوص الدستورية، وبين تطبيق وكفالة هذه الحقوق على أرض الواقع مما يجعل المراقبون والسياسيون والحقوقيون يؤكدون أنه يوجد دولتان متناقضتان في جغرافيا مصر:، الأولى مصر في النصوص الدستورية و القانونية والتي يعبر عنها المسئولون في مختلف الأزمان والعصور، والتي تٌوصف من قِبلهم دومًا بواحة الأمان والحقوق المكفولة من قبل مؤسسات الدولة، وعلى جانب آخر ولكنه مناقض ومغاير لكل هذا نجد مصر الواقعية التي تفتقر إلى أدنى معايير حقوق الإنسان بالرغم من أن هذه الحقوق منصوص عليها في الدساتير ولكنها لا يتم تطبيقها على أرض الواقع.
الحقوق المنصوص عليها في دستور عام 2014 والمعدل عام 2019
يحتوي الدستور المصري المعمول له حاليًا والذي تمت صياغته عام 2014، وتم التعديل عليه في عام 2019 مجموعة من الحقوق الأساسية نستعرض جزء منها في السطور التالية:
أفرد المشرع المصري الباب الثالث من الدستور الذي تم تعديله علم 2019 أسماه باب الحقوق والحريات والواجبات العامة جاء فيه في المادة رقم 51 والتي تنص على ” الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها” كفل النص الدستوري في هذه المادة حماية وصون الكرامة الإنسانية، إلا أنه وبالنزل إلى أرض الواقع نجد أن أغلب المصريين في عهد السيسي قد أُهدرت كرامتهم ففي أثناء عمليات الاعتقال يتعرض، ليس فقط المعتقل بل أهله لمعاملة مهينة تهدر كرامتهم. وبعد الانتقال إلى التحقيق في مقرات الاحتجاز يتم انتزاع كرامة المعتقل للحصول على اعترافات كاذبة تحت وطأة التعذيب والإهانة. موضع آخر يتم فيه إهدار كرامة المصريين حين لا يستطع المواطن تلبية احتياجات أسرته الأساسية ومن يعترض منهم يتم التنكيل به وبأسرته. في الآونة الأخيرة انتشرت مقاطع فيديو على كافة وسائل التواصل الاجتماعي لمواطنين كان أغلبهم من مؤيدي السيسي يصرخون من غلاء الأسعار بل ويهدد البعض منهم بالانتحار ومنهم من حاول الانتحار بسبب اهدار كرامته وعدم قدرته على تلبية احتياجات أسرته الأساسية.
المادة 52 من الدستور المصري 2019 تنص على ” التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم” هذه المادة من المفترض أنها تحمي المواطن في مصر من كافة أشكال التعذيب، بالإضافة إلى أنها أقرت أن التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم، وبالتالي من المفترض أن تحاسب السلطات المصرية كل مسئول قام بممارسة التعذيب على أي من مواطني مصر. في علم الواقع الموازي نجد ألاف الشهادات من معتقلين سابقين وحاليين بتعرضهم لأبشع أنواع التعذيب على يد قوات انفاذ القانون نذكر منها على سبيل.
يقول أحد المعتقلين السابقين، والذي تم اعتقاله داخل سجني العازولي والعقرب ” تم الزج بي داخل زنزانة انفرادية وجاؤوا بسلسلة حديد ربطوا بها كل جسمي، وكانت ثقيلة جدًا، ثم قيدوا يدي بالكلابشات والسلسلة، ثم أوصلوا يدي برقبتي بالسلسلة، ثم أوصلوها إلي صدري، ومن وسطي إلى قدمي، وتم ربط قدمي الأثنين بالكلابشات، وكنت عاري تماماً من أي ملابس، لأن العورة عندهم العين فقط فكانوا يغموا عيني. كان كل عسكري في يده صاعق كهربائي، وكان العسكري يصعق السلسلة، فتقوم السلسلة بنشر الكهرباء في كل جسدي. الزنزانة كانت ضيقة جدا وانفرادية، وعلمت من بعض المشاهدات وكلمات لعساكر أني في سجن العازولي. قام الضابط في مقر أمن الدولة بتعذيبي، لدرجة أنه كسر أسناني، لم أكن أستطيع الأكل لفترة لأنني كنت عاجزا عن المضغ، وأكتافي مخلوعة من التعذيب.”
في أغسطس 2022 توفي الشاب مصطفى منتصر حامد محمد البيجرمي، الشهير بـ«ديشة» 19 عاما، يقيم في مدينة كفر الدوار في محافظة البحيرة، توفي داخل حجز قسم شرطة المنتزه. تمكنت والدته من رؤيته ميتا بعد محاولات عديدة مع مسؤولي المستشفى، وكانت صدمتها كبيرة عندما وجدت جثمانه به كدمات وآثار تعذيب. ونقل التقرير عن والدته قولها: «الولد كان مضروب على دماغه خلف أذنه وقدمه اليسرى مكسورة» ليتم نقل الجثمان إلى مشرحة كوم الدكة.
في مارس 2023 توفي المعتقل محمد المرسي الذي اعتقل من الأمن الوطني في 21 فبراير 2023، وجرى إخفاؤه قسرياً في مقر الجهاز بدمياط، وتعذيبه حتى الموت.
يقول أحد المعتقلين في شهادته “التعذيب اللي شفته ميتحملوش بشر، 167 يوم من الاختفاء والعذاب مهما سمعت وعرفت إن في تعذيب مكنتش أتصور إن الأمر بالرعب ده. بدأت معاناتي يوم 11 يونيو 2019: اتقبض عليا من بيتي في المقطم الساعة واحدة بالليل، أفراد أمن كتير صحوني من عز نومي على خبط شديد أصابني بالفزع، حطوا الرشاشات على رأسي، عصبوا عيني وكلبشوني جوه أوضتي، كل اللي فهمته إنهم بيكسروا في الأوضة من كتر الهبد والتكسير اللي سمعته. كنت بموت من التعب، ومش عارف أعمل ايه، قالولي هتمضي على ورق بيقول إنك تبع الإخوان وإلا مش هتنام، ساعتها كنت مستعد أعمل أي حاجة بس عشان انزل إيدي، جسمي كله كان بيموت من التعب.
في أكتوبر 2023 اتهمت منظمات حقوقية السلطات المصرية بممارسة التعذيب الذي يمثل جريمة ضد الإنسانية في حق السجناء. وقالت المنظمات الحقوقية إن السلطات المصرية تمارس أنواعا من التعذيب تمثل “جريمة ضد الإنسانية” في حق السجناء. وقدمت المنظمات تقريرا إلى الأمم المتحدة حول “الاستخدام المنهجي للتعذيب من قبل السلطات”.
في سبتمبر 2017 أكدت لجنة مناهضة التعذيب، أعلى هيئة أممية عاملة في هذا المجال، أن “التعذيب يمارس بصورة منهجية في مصر، ومن الواضح أن حالات التعذيب المفاد عنها، لم تحدث بالمصادفة في مكان أو في زمن معين، وإنما تعتبر اعتيادية وواسعة الانتشار ومتعمدة في جزء كبير من أراضي مصر
في تقريرها القطري عن مصر في عام 2022 قالت منظمة العفو الدولية” قمعت السلطات بشدة الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع السلمي. وفي الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 27) في نوفمبر/تشرين الثاني، أفرجت السلطات عن 895 سجينًا ممن احتُجزوا لأسباب سياسية، ولكنها قبضت على نحو ثلاثة أضعاف هذا العدد، بما في ذلك مئات في ما يتصل بدعوات للاحتجاج خلال مؤتمر المناخ. وظل الآلاف من منتقدين أو معارضي الحكومة الفعليين أو المُفترضين رهن الاحتجاز التعسفي، و/أو يتعرضون للمقاضاة الجائرة. ولم يتم إجراء تحقيقات كافية بخصوص ما لا يقل عن 50 حالة وفاة مشتبه بها أثناء الاحتجاز تضمنت أنباء عن الحرمان من الرعاية الصحية الكافية أو التعذيب. وصدرت أحكام بالإعدام إثر محاكمات فادحة الجور، ونُفذت عمليات إعدام. وظل العنف الجنسي والقائم على أساس النوع الاجتماعي متفشيًا وسط تقاعس السلطات عن منعه والمعاقبة عليه بشكل وافٍ. وقمعت السلطات حق العمال في الإضراب، وتقاعست عن حمايتهم من إجراءات الفصل التعسفي من جانب الشركات. وجرى إخلاء سكان الأحياء العشوائية قسرًا واحتجازهم لاحتجاجهم على هدم منازلهم. وقاضت السلطات مسيحيين طالبوا بحقهم في العبادة، وآخرين ممن يعتنقون معتقدات دينية لا تقرُّها الدولة. واحتُجز لاجئون ومهاجرون تعسفيًا لدخولهم مصر أو الإقامة فيها بصورة غير نظامية، وأُعيد عشرات منهم قسرًا إلى بلدانهم الأصلية.
يتضح من خلال الشهادات والوقائع المنشورة وكذا التقارير الدولية التي تنشرها المنظمات والجهات الدولية أن السلطات المصرية تمارس التعذيب بشكل منهجي بالمخالفة للدستور الذي نص على تجريم جريمة التعذيب.
في المادة 53 من الدستور المصري يرسخ المشرع مبدأ المساواة بين المصريين دون أي نوع من التفرقة حيث تنص على:
المادة 53.
المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.
في الوقت الذي ترسخ المادة 53 مبدأ المساواة وعدم التمييز وتلزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز نجد أن الممارسات على أرض الواقع تناقض المادة الدستورية.
في أغسطس 2021 وقع السيسي القانون رقم 135 لسنة 2021، بشأن فصل الموظفين الحكوميين بغير الطريق التأديبي وقانون الخدمة المدنية وطبقًا للقانون يحق للحكومة فصل الموظف إذا أخل بواجباته الوظيفية، بما من شأنه الإضرار الجسيم بمرفق عام بالدولة أو بمصالحها الاقتصادية، أو إذا قامت بشأنه قرائن جدية على ما يمس الأمن القومي للبلاد وسلامتها، ويعد إدراج العامل على “قوائم الإرهاب” أحد تلك القرائن. الصياغات القانونية التي تمت في هذا القانون صياغة مطاطة في ظل محاكمات تفتقر إلى معايير العدالة ويُعد تمييزا بين المواطنين المصريين وفقًا لمعتقده الديني أو السياسي بالمخالفة لصريح نص المادة 53 من الدستور المصري.
المادة 54 من الدستور تنص على:
المادة 54.
الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق. ويجب أن يُبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكٌن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته. ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة، وفقاً للإجراءات المقررة في القانون. ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فوراً. وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه. وفى جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم في الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو مٌنتدب.
تنقض هذه المادة الممارسات الفعلية على أرض الواقع وينقض هذه المادة وجود عشرات الألاف من المعتقلين داخل السجون المصرية بالمخالفة لنص المادة. عشرات الألاف من المواطنين تم اعتقالهم دون وجود إذن قضائي، وارتكبت قوات الأمن العديد من الانتهاكات أثناء علمية القبض والتفتيش نتج عنها إصابات وانتهاكات بحق عائلة المقبوض عليه، وأشارت تقارير وشهادات متواترة من أسر المعتقلين بقيام أفراد من قوات الأمن بالاعتداء على الأهالي والعبث وتدمير ممتلكات الأسرة، ووصل بهم الحال إلى سرقة مشغولات ذهبية وأموال من منازل المعتقلين.
أفادت تقارير حقوقية محلية ودولية، وأشار محامون حقوقيون إلى أن أغلب التحقيقات مع المعتقلين تمت في عدم حضور المحامين أو تم منع المحامين من حضور التحقيقات. ويجب هنا الإشارة إلى واقعة معلومة وهي اعتقال المحامي الحقوقي محمد الباقر في الوقت الذي كان يستعد لحضور التحقيق مع موكله الناشط السياسي علاء عبد الفتاح من مقر نيابة أمن الدولة العليا.
تنص المادة 54 على أنه يجب على السلطات تقديم المتهمين إلى سلطات التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته، في الوقت الذي أشارت ووثقت تقارير حقوقية أن السلطات المصرية تستخدم الاختفاء القسري كأحد أساسيات عملها مع معتقلي الرأي. وطبقاً لحملة “أوقفوا الاختفاء القسري”، فعلى مدار السنوات الثماني السابقة، تم توثيق نحو أربعة آلاف حالة للاختفاء القسري لفترات متفاوتة داخل مقار قطاع الأمن الوطني وغيرها من مقار الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، بينما لا يزال 300 شخص على الأقل قيد الاختفاء. ووثقت منظمات حقوقية مصرية أنه يوجد في مصر 15089 اختفاء قسري في مصر منذ عام 2013 حتى صدور هذا التقرير.
تتعامل المادة رقم 54 من الدستور مع الحبس الاحتياطي على أنه إجراء احترازي، إلا أنه وفقًا للممارسات الفعلية تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة. تضمنت التعليمات العامة للنيابات في المادة رقم 381 تعريف الحبس الاحتياطي بأنه: “إجراء من إجراءات التحقيق غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائي من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق وتيسير استجوابه أو مواجهته كلما استدعى التحقيق ذلك، والحيلولة دون تمكينه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجني عليه، وكذلك وقاية المتهم من احتمالات الانتقام منه وتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة. وجب على المشرع عند تقرير الحبس الاحتياطي، وكونه إجراء ماسًّا بجوهر الحرية الشخصية التي قد حظيت بالحماية الدستورية، أن يلتزم بالمشروعية الدستورية من خلال مراعاة الضمانات التي وردت على الحبس الاحتياطي وأن يوازن القانون بين الحرية الشخصية للمتهم ومصلحة التحقيق. يتناقض القانون والممارسات الفعلية مع صريح نص المادة الدستورية وحول الحبس الاحتياطي من إجراء احترازي إلى عقوبة بحد ذاته.
سياسة أخرى تمارسها السلطات المصرية وتنتهك حق الحرية المكفول بالنصوص الدستورية والقوانين المكملة له وهو سياسة تدوير المعتقلين في قضايا جديدة بعد انتهاء المدة القانونية للحبس الاحتياطي التي أقرها القانون المصري بعامين.
تدوير القضايا أو الاعتقالات هو وقائع إعادة احتجاز من صدر بحقهم قرار بإطلاق السراح عقب انتهاء مدة الحكم، أو قرار بإخلاء السبيل، أو حكم بالبراءة،إلخ. بدأت السلطات المصرية تلك الممارسة بشكل محدود في الفترة من عام 2016 وحتى عام 2018، ثم بدأ التوسع في استخدامها تدريجياً من عام 2018، ووصلت ذروتها بحلول العام 2020، ولا تزال مستمرة رغم المطالبات المتكررة من المنظمات الحقوقية بإخلاء سبيل المتهمين غير المتورطين في أعمال عنف والإفراج عنهم خاصة في ظل انتشار جائحة كورونا. هذه الممارسة لا يمكن فصلها عن سلسلة أخرى ممنهجة من الممارسات والانتهاكات التي تقوم بها السلطات الأمنية المصرية والتي تستهدف احتجاز المعارضين للنظام القائم والتنكيل بهم أمنياً بعد أحداث 3 يوليو 2013. تلك الممارسة تهدف إلى احتجاز المعارضين لفترات غير محدودة بحسب رؤية السلطات الأمنية دون الالتزام بالقرارات والأحكام القضائية، وذلك امتدادا لممارسات كانت تستهدف نفس الغرض قبل ثورة 25 يناير2011 لكن باستخدام آليات جديدة.
في فبراير 2024 استنكرت منظمات حقوقية سياسة تدوير المعتقلين في بيان أصدرته تلك المنظمات قالت فيه:
“تستنكر المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه استمرار اتباع السلطات المصرية لسياسة عدم الإفراج عن المعتقلين السياسيين بعد انتهاء فترة حبسهم أو بعد إسقاط التهم ضدهم، ومواصلة احتجازهم على ذمة قضايا جديدة فيما عرف بسياسية (التدوير). فبين ديسمبر 2023 ويناير 2024 تم تدوير حالتين جديدتين، لمعتقلين تم التحقيق معهما على خلفية اتهامات مزيفة بعد انتهاء فترة حبسهم وانقضاء العقوبات المقررة بحقهم سابقًا من جانب محاكم الجنايات. هذا بالإضافة إلى 251 متهم على الأقل تم تدويرهم على قضايا جديدة خلال عام 2023، و620 متهم أخر في 2022 حسبما رصدت منظمات حقوقية. وإذ تطالب المنظمات الموقعة أدناه بوقف استخدام هذا النمط التعسفي الانتقامي بحق المحتجزين وخاصة السياسيين والمعارضين والنشطاء، تؤكد أن استمرار تورط السلطات القضائية في اختلاق قضايا جديدة بحقهم وتمديد حبسهم، يبرهن على انعدام استقلال هذه المؤسسات، ومشاركتها في التنكيل بالمعارضين والانتهاكات الجسيمة بحقهم، على نحو يخل بضمانات المحاكمة العادلة، ويطعن في شرعية أحكامها الجائرة، ويعصف بمبدأ سيادة القانون.
المادة 56 من الدستور أصلت أسلوب التعامل مع المعتقلين داخل السجون وتنص على:
“السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافى كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر وينظم القانون أحكام إصلاح و تأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم.
في عام 2021 أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا عن مقرات الاحتجاز في مصر قالت فيه “إن مسؤولي السجون في مصر يعرِّضون سجناء الرأي وغيرهم من المحتجزين بدواعٍ سياسية للتعذيب ولظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، ويحرمونهم عمداً من الرعاية الصحية عقاباً على معارضتهم. جاء ذلك في تقرير جديد دامغ يبيِّن أن قسوة السلطات قد تسببت أو أسهمت في وقوع وفيات أثناء الاحتجاز، كما ألحقت أضراراً لا يمكن علاجها بصحة السجناء”
في فبراير 2023 رصدت منظمة لجنة العدالة انتهاكات ممنهجة ترتكبها السلطات في مجمع سجون بدر الذي قامت السلطات المصرية ببنائه لكي يكون بديلاً عصريًا عن السجون التقليدية القديمة – سيئة السمعة دوليًا – القائمة بعضها في مصر منذ بداية القرن المنصرم. ورصدت لجنة العدالة بعض الأوضاع السيئة داخل المجمع، والتي منها؛ منع دخول الكثير من الاغطية والملابس للمحتجزين في سجن “بدر 3″؛ رغم انخفاض درجات الحرارة خلال تلك الفترة من العام، كذلك بالنسبة للطعام؛ الذي هو من أساسيات الحقوق الإنسانية، فالسجن يتعمد التضييق على المحتجزين وذويهم، حيث تم منع إدخال اللحوم والفراخ والبيض، ومنع الأسماك حتى المخلي منها، والأعشاب الطبيعية، والمخبوزات في الزيارات؛ بالرغم من أن التعيين الذي يقدم للنزلاء صار أقل من المعتاد نظرًا للظروف الاقتصادية، فضلاً عن الارتفاع الجنوني للأسعار داخل “كانتين” السجن.
رصد تقرير صادر عن مبادرة الحرية والجبهة المصرية لحقوق الإنسان” مؤخرا يوثق أكثر من 650 حالة عنف جنسي ضد المعتقلين وأقربائهم بين عامي 2015 و2022، “في انتهاك واسع النطاق لحقوق الإنسان”.
في أبريل 2022 نشر موقع Middle East Eye تقريرًا عن السجون المصرية رصد فيه أكثر من 650 حالة عنف جنسي ضد المعتقلين وأقربائهم بين عامي 2015 و2022، “في انتهاك واسع النطاق لحقوق الإنسان”.
في مارس 2023 طالبت منظمة الديمقراطية ألآن للعالم العربي DAWN المجلس الأممي لحقوق الإنسان بالتحقيق في الانتهاكات التي ترتكيها السلطات المصرية بحق السجناء داخل مقرات الاحتجاز. وقالت المنظمة في بيان أصدرته بهذا الشأن :
“ينبغي على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التحقيق في مزاعم الانتهاكات الجسيمة التي تم الكشف عنها مؤخرًا في سجن بدر سيئ السمعة، حيث تؤكد ثلاث رسائل مسربة من معتقلين داخل جناح سجن بدر 3، تم التحقق منها من قبل منظمة (DAWN) في مقابلة في 6 مارس/آذار مع مصدر له أصدقاء وأقرباء معتقلين داخل سجن بدر، التقارير التي تفيد بوجود إساءة معاملة واسعة النطاق ومحاولات انتحار في المجمع.”
حرمة الحياة الخاصة التي كفلتها المادة 57 من الدستور المصري تنتهكها الممارسات القمعية التي تعتمد عليها السلطات في مصر في إدارة البلاد. دأب اعلاميون مؤيدون للنظام العسكري في مصر على التعرض للحياة الخاصة للمعارضين وانتهاكها ونشر تسريبات وتسجيلات قامت أجهزة الأمن بالتنصت علي معارضين وسلمت هذه السجلات للتنصت للإعلاميين المؤدين للسلطة القمعية لتقوم بدورها بنشرها على وسائل الاعلام بالمخالفة لصريح نصوص الدستور.
كفلت المادة 62 من الدستور المصري حرية التنقل والسفر في الوقت الذي نجد أن السلطات المصرية قامت بمنع الألاف من المصريين من السفر خارج البلاد ومنهم سياسيون وحقوقيون في قضية تمويل منظمات المجتمع المدني والتي بدأ التحقيق فيها منذ عام 2011 ولم ينتهي فيها التحقيق سوى في مارس 2024.
كما منعت السلطات المصرية بعض المواطنين من السفر داخل مصر، ويجدر هنا الإشارة إلى اعتقال الصحفية المصرية رنا ممدوح، التي تعمل في موقع “مدى مصر” الإخباري، يوم الأحد 10 مارس/آذار في قسم شرطة العلمين بينما كانت في طريقها إلى مدينة رأس الحكمة لأداء مهمة عمل صحفية. وبعد ذلك ظل مكان وجودها مجهولاً لأكثر من عشر ساعات، حتى تم إطلاق سراحها بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه “نحو 100 دولار أميركي.
جرمت المادة 63 من الدستور المصري التهجير القسري ونصت المادة على:
“يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.”
على الرغم من تجريم التهجير القسري في المادة رقم 63 من الدستور، إلا أن السلطات المصرية مارست سياسة التهجير القسري في مواقع مختلفة من البلاد.
أحد الأمثلة الصارخة على التهجير القسري للأهالي هي منطقة الوراق في محافظة الجيزة. بدأت أزمة جزيرة الوراق حين داهمت قوات من الداخلية مع مسؤولين من وزارات الأوقاف والري والزراعة، الجزيرة لتنفيذ قرارات إزالة لنحو 700 منزل في الجزيرة في 16 يوليو 2017، وهو ما تطور إلى اشتباكات أسفرت عن مقتل أحد مواطني الوراق، وإصابة العشرات من أفراد الشرطة. أصدر مجلس الوزراء المصري عدة قرارات بنزع الملكية لمساحات في جزيرة الوراق وطرد الأهالي منها وهي القرارات: رقم 37 لسنة 2021 والقرار رقم 49 لسنة 2018 بنزع ملكية الأراضي في نطاق 100 متر على جانبي محور روض الفرج، قبلها، كان هناك قرار رقم 20 لسنة 2018 أصدره رئيس الوزراء السابق، شريف إسماعيل، ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 3 يونيو 2018، بتخصيص أراضٍ من جزيرة الوراق لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الإسكان لإنشاء مجتمع عمراني جديد. فيما أوضحت الخريطة المرفقة بالقرار أن التخصيص يشمل جميع أراضي الجزيرة تقريبًا، مما يجعلها بأكملها تحت ولاية هذه الهيئة. كل هذه التحركات لطرد أهالي جزيرة الوراق لصالح مجموعة من المستثمرين جاء بعد إشارة السيسي في خطاب له حين قال”جزيرة موجودة في وسط النيل، مساحتها أكتر من 1250 فدانًا -مش هذكر اسمها- وابتدت العشوائيات تبقى جواها والناس تبني وضع يد. لو فيه 50 ألف بيت هيصّرفوا فين؟ في النيل اللي إحنا بنشرب فيه؟». وأضاف: «الجزر الموجودة دي تاخد أولوية في التعامل معاها”. وحُكم على أكثر من 30 من أهالي الجزيرة في نهاية العام الماضي بالسجن المشدد بين المؤبد و15 عامًا وخمسة أعوام في «أحداث جزيرة الوراق». فيما يواجه عشرات من أهالي الجزيرة اتهامات تتعلق بالإرهاب والتحريض ونشر أخبار كاذبة، على خلفية احتجاجات سابقة في الجزيرة أو النشر عن قضية الجزيرة. زيادة في تنكيل سلطات الدولة بأهالي جزيرة الوراق، أغلقت الوحدة الصحية ومكتب البريد والجمعية الزراعية وقامت هيئة المجتمعات العمرانية بشراء 500 فدان بالإكراه و قامت بتبوير هذه الأراضي، إضافة إلى ما سبق، ذكر بعض أهالي جزيرة الوراق أن هناك تعليمات شفهية من المسطحات المائية بتقليص عدد ساعات عمل المعديات إلى ست ساعات فقط يوميًا.كل هذه الانتهاكات التي تقوم بها السلطات تجاه أهالي جزيرة الوراق هي إجراءات مخالفة للدستور والقانون وتحكمها فقط بيزنس القوات المسلحة والشراكات مع الشركات الخليجية التي قاما بإنشاء مشروع سكني فاخر على الأرض التي تم طرد الأهالي منها ومن قاوم تم سجنه بتهم تتعلق بالإرهاب مما يُعد حرمان الأهالي من حقوقهم الأساسية التي نص عليها الدستور والاتفاقات الحقوقية الدولية الموقعة عليها مصر.
دخلت منطقة نزلة السمان بالهرم حيز المناطق التي وضعتها الحكومة في خطة فيما يسمى بالتطوير العقاري حيث أسندت عملية التطوير لشركات خليجية مما أدي إلى قرار بتهجير الأهالي منها.
منذ أكثر من 20 عامًا، بدأت حكومة مبارك تأخذ خطوات عدائية تجاه السكان بهدف تهجير المنطقة وتحويلها إلى منطقة استثمارية، حيث أنه في عام 1999 حرَّمت وزارة الآثار على أهل المنطقة تنكيس المباني أو هدمها، أو حتى تطويرها إلا بتصريح مسبق، طبقًا للقرار رقم 18 لعام 1999. كما قام زاهي حواس، رئيس المجلس الأعلى للآثار آنذاك، في عام 2002، ببناء جدار عازل خرساني بطول 18 كيلومترًا حول نزلة السمان؛ بهدف عزل المنطقة عن الحياة العمرانية وعن الأهرامات. توقفت الدولة عن إصدار أي إحصائيات رسمية فيما يخص منطقة نزلة السمان منذ سنوات، وأوضح آخر تعداد رسمي أعلنته منذ 8 سنوات أن عدد السكان في نزلة السمان يبلغ تقريبا 53,392 نسمة، فيما يؤكد أبناء المنطقة أن عدد السكان في المنطقة قد تضاعف. وعلى صعيد آخر تشغل المباني السكنية 85% من رقعة منطقة نزلة السمان البالغ مساحتها 253 فدان، يليها البازارات بنسبة 8%، حيث تنتشر على طول مسار أبو الهول السياحي، ثم الخدمات التي تبلغ نسبتها 7%.. في 28 يناير 2019، قال المركز الإعلامي لمجلس الوزراء عن نزلة السمان: “لن يتم إزالة المنطقة أو تهجير الأهالي ولم يتم إزالة سوى 4 عقارات مخالفة لقوانين البناء، وهي عقارات خالية من السكان وتقع في حرم منطقة الأهرامات، كما أنه لا توجد أي نية لبيع أراضٍ بهذه المنطقة، وما تم تداوله من مقاطع فيديو هي مقاطع مجتزاه لإثارة غضب الرأي العام، كما أن كل ما يتردد حول هذا الشأن محض شائعات تستهدف الإضرار بالصالح العام. جاء هذا التصريح عقب المحاولة الأولى لتنفيذ إزالات في المنطقة يوم 21 يناير 2019، وقد تسبب ذلك في اشتباكاتٍ أسفرت عن اعتقال العشرات. وهناك تصريحاتٌ رسمية أخرى على مدار الأعوام الثمانية الأخيرة تعد السكان بعدم إزالة المنطقة. نفى أهالي منطقة السمان تصريحات الحكومة بأن المنطقة هي منطقة عشوائية وأكدوا أن بيوت المنطقة هي بيوت قانونية ومسجلة في الشهر العقاري وتم ادخال المرافق بها، كما يوجد بها خدمات مثل قسم الشرطة و مدارس ووحدات صحية ووحدات بيطرية. تجمع الأهالي واشتبكوا مع قوات الأمن، التي أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، وألقت القبض على 17 من سكان المنطقة.
ووجهت نيابة الهرم للمعتقلين ثلاثة اتهامات تتمثل في مقاومة السلطات والاشتراك في تجمهر أكثر من خمسة أفراد وإصابة أمين شرطة، لمحاولتهم، هم وآخرون، التصدي لقوات الأمن وشرطة المرافق وقوة من حي الهرم خلال تنفيذ عملهم في إزالة عقار ومحال تجارية سياحية مخالفة في محيط المنطقة الأثرية في الهرم.
كما أمرت النيابة بضبط وإحضار عدد من سكان المنطقة أشارت المعلومات الأمنية إلى اشتراكهم في التجمهر.
حلقة جديدة من سلسلة جرائم التهجير القسري التي تتبعها الحكومة لحرمان المصريين من حقوقهم الأساسية هي تهجير أهالي شمال سيناء. يعيش أهالي شمال سيناء منذ سنوات طويلة تغريبه مستمرة، لا تختلف عن تغريبة شعب تم اقتلاعه قسراً من أرضه، عشرات الآلاف جُردوا من منازلهم ومزارعهم، من دون تعويضات تذكر، وفقد الإعلام تواصله مع ما يحدث في سيناء بعد عزلها عن الوسيط الإعلامي واعتقال أي صحفي يكتب عن المسكوت عنه في الروايات الرسمية.
منظمة هيومان رايتس واتش قالت في تقرير لها نشرته في مارس 2021 “إن العمليات المستمرة للجيش المصري لهدم المنازل والإخلاء القسري أثناء الصراع المسلح في محافظة شمال سيناء هي انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، وتشكل، على الأرجح، جرائم حرب. وأضافت المنظمة في تقريرها أنه بين أواخر 2013 ويوليو/تموز 2020، دمر الجيش ما لا يقل عن 12,350 مبنى، معظمها منازل، كان أحدث جولاتها في منطقة العريش. كما جرف الجيش، وأفسد، ومنع الوصول إلى ما لا يقل عن 6 آلاف هكتار (نحو 14,300 فدانا) من الأراضي الزراعية، معظمها منذ منتصف 2016. لم تقدم الحكومة معلومات كافية بخلاف المزاعم في وسائل الإعلام بأن عمليات الإخلاء والهدم كانت ضرورية للأمن في القتال طويل الأمد مع جماعة ولاية سيناء المسلحة، مسؤولة عن هجمات ضد أهداف عسكرية ومدنيين. يبدو أن آلاف عمليات الإخلاء والهدم هذه تنتهك قوانين الحرب، التي تحظر مثل هذه الأعمال، إلا للضرورة العسكرية الحتمية أو لضمان أمن المدنيين المعنيين.
على مدى السنوات السبع الماضية، طرد الجيش المصري في شمال سيناء بشكل غير قانوني عشرات آلاف السكان، ودمر منازلهم ومزارعهم وسُبل معاشهم. تعكس عمليات الهدم والإخلاء عقلية رسمية مسيئة لا تهتم بعافية وسلامة سكان سيناء، وهو أمر أساسي لأمن المنطقة واستقرارها.
في 23 أكتوبر 2023 تجمع المئات من سكان محافظة شمال سيناء من أبناء قبيلتي الرميلات والسواركة، بالقرب من قرى الحسينات والمهدية قرب مدينة رفح، وقرية الزوارعة جنوب مدينة الشيخ زويد، للمطالبة مرة أخرى بحقهم في العودة لأراضيهم، بعد انتهاء المهلة التي حددتها السلطات المصرية، وحنثها بوعودها بعودتهم في موعد أقصاه 20 أكتوبر 2023، وذلك خلال اجتماع جمع بين شيوخ القبائل وقائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع في مدينة العريش، أغسطس الماضي، على خلفية اعتصام للمهجرين والنازحين وقتها.ووفقًا لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان وبحسب الشهادات والمواد المصورة التي حصلت عليها المنظمات، فقد استخدمت قوات الجيش العنف غير المبرر بحق المحتجين، وتعمدت إطلاق الرصاص لتفريقهم، واعتقلت تسعة منهم على الأقل، ما زالوا رهن الاحتجاز غير القانوني، في مقر كتيبة الساحة (أكبر معسكر للجيش داخل رفح). هذا بالإضافة إلى تعدى أفراد الأمن على أحدهم بضرب مبرح، بعدما تعمدت مدرعة عسكرية الارتطام بسيارته لإيقافها، مما تسبب في إصابته في الرأس وتعرضه للإغماء. وفي صباح اليوم التالي، 24 أكتوبر، كتب الشيخ صابر الصياح الرميلات، أحد أبرز الرموز القبلية في شمال سيناء وقائد اعتصام أغسطس 2023، منشورًا عبر حسابه على موقع فيس بوك أفاد فيه بمحاولة اعتقاله مرتين بناء على تعليمات من قائد الجيش الثاني الميداني، معلنًا أنه بصدد تسليم نفسه في مقر الكتيبة 101 في مدينة العريش. وفي اليوم التالي تم اعتقال العشرات من المشاركين في الوقفات الاحتجاجية من قبل قوات كمين “الشلاق”، على مدخل مدينة الشيخ زويد.
بدعوى مكافحة الإرهاب، ارتكبت قوات الجيش المصري خلال العقد الماضي جرائم جسيمة بحق السكان المدنيين في شمال سيناء في انتهاك واضح للقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ بما في ذلك هدم آلاف المنازل والمباني وتجريف عشرات آلاف من الأفدنة الزراعية، في مدن رفح والشيخ زويد والعريش. وقد أدت هذه العمليات العسكرية إلى نزوح ما يقرب من 150 ألف سيناوي إلى مدن مختلفة داخل سيناء أو لمحافظات أخرى، فضلاً عن هدم مدينة رفح بالكامل، باعتبارها نقطة البداية لحملات الهدم والتهجير القسري المستمرة منذ نهاية 2013.
المادة 68 من الدستور كفلت للمصريين الحق في الحصول على المعلومات والبيانات حيث تنص المادة على:
المادة 68.
المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقاً للقانون.
وعلى خلاف المادة الدستورية نجد أن رأس السلطة المستبدة في مصر يصرح دائمًا بأن السلطة لا تفصح عن المشروعات والبيانات الخاصة بها خوفًا من أهل الشر.
في 21 يونيو 2021 أصدرت مجموعة من المنظمات الحقوقية بيانًا أدانت فيه مصادرة السلطات في مصر الحقوق الأساسية، ومنها الحق في علانية جلسات المحاكم وما يستتبعه من الحق في المعرفة؛ وذلك من خلال ما تستحدثه من قوانين قمعية تهدف لطمس الحقائق، وانفراد السلطات بالمعلومات وإتاحة ما تختاره منها. وتعتبر المنظمات أن القانون رقم 71 لسنة 2021، الخاص بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، المنشور في الجريدة الرسمية المصرية في 13 يونيو 2021، يأتي في هذا الإطار الممنهج في مصر لطمس معالم الحقيقة والتحكم في المعلومات. عدل القانون 71 بعض أحكام قانون العقوبات وأضاف مادة جديدة من شأنها فرض عقوبة مالية لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 300 ألف جنيه؛ لكل من صور أو سجل كلمات، أو مقاطع، أو بث، أو نشر، أو عرض بأي طرق علانية وقائع جلسة محاكمة مخصصة لنظر دعوى جنائية، دون تصريح من رئيس المحكمة، وأخذ رأي النيابة العامة. بل وأعطى التعديل للمحكمة الحق في مصادرة الأجهزة المستخدمة في التصوير، أو التسجيل، أو البث، أو محو محتواها، وإعدامها.
الخلاصة:
في النهاية إذا أطلقنا العنان للبحث في سياسات الحكومة القمعية في مصر للمصريين من حقوقهم الأساسية لن تكفي عشرات المجلدات ولكننا نختتم هذا التقرير بما ذكرته وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها الأخير عن حالة حقوق الإنسان في مصر والذي أصدرته عام 2022 والذي قالت فيه:
“تضمنت قضايا حقوق الإنسان الهامة تقارير موثوقة عن: القتل غير القانوني أو التعسفي، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء على يد الحكومة أو وكلائها، وعلى يد الجماعات الإرهابية. وهناك الاختفاء القسري من قبل أمن الدولة؛ التعذيب وحالات المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من قبل الحكومة؛ ظروف السجن القاسية والمهددة للحياة؛ الاعتقال والاحتجاز التعسفي؛ السجناء والمعتقلين السياسيين؛ القمع العابر للحدود ضد الأفراد في بلد آخر؛ التدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية؛ الانتهاكات الجسيمة في النزاع، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري والاختطاف والانتهاكات الجسدية والوفيات أو الأذى غير القانوني أو الواسع النطاق للمدنيين؛ وفرض قيود خطيرة على حرية التعبير ووسائل الإعلام، بما في ذلك اعتقال أو مقاضاة الصحفيين، والرقابة، وإنفاذ قوانين التشهير الجنائية أو التهديد بإنفاذها للحد من التعبير؛ كما أن هناك قيود خطيرة على حرية الإنترنت؛ وكذا التدخل الشديد في حرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات، بما في ذلك القوانين التقييدية المفرطة بشأن تنظيم أو تمويل أو تشغيل المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني؛ وهناك قيود على حرية الحركة؛ وقيود خطيرة وغير منطقية على المشاركة السياسية؛ وقيود حكومية خطيرة على منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية؛ وهناك ممارسات العنف القائم على النوع الاجتماعي وانعدام التحقيق والمساءلة عن هذه الجرائم؛ والجرائم التي تنطوي على عنف أو تهديدات بالعنف تستهدف المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية والمثليين وثنائيي الجنس؛ وكذلك قيود كبيرة على حرية العمال في تكوين الجمعيات. ولقد تقاعست الحكومة عن معاقبة أو مقاضاة المسؤولين الذين ارتكبوا انتهاكات، سواء في الأجهزة الأمنية أو في أي مكان آخر في الحكومة، بما في ذلك المتورطين في الفساد. وفي معظم الحالات، لم تحقق الحكومة بشكل شامل في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك معظم حوادث العنف من قبل قوات الأمن، مما ساهم في خلق بيئة من الإفلات من العقاب.
في التقرير القادم نبحث بالتفصيل سياسات الحكومة المصرية فيما يخص حرمان مواطنيها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي كفلتها لهم الدستور والقانون.