رصد من واقع مشاركة ميدانية للانتخابات التركية “الرئاسية والبرلمانية مايو 2023م”
برنامج “الديمقراطية للعالم” (5/5)
كيف يحمي القانون التركي أصوات الناخبين؟ .. ·القوانين الضامنة لسير الانتخابات وضمانات تنفيذه
ينظم الدستور والقوانين التركية العملية الانتخابية، يحفظ أصوات الناخبين من التلاعب، ويتيح للأحزاب المتنافسة، وحتى الناخبين، التأكد من أن أصواتهم في موضعها الصحيح الذي اختاروه.
فبالنظر إلى الدستور التركي، نجد أنه يخول “الهيئات القضائية” الإدارة والإشراف على العملية الانتخابية برمتها، حيث تنص المادة 79 من الدستور التركي على أن:
“الهيئات القضائية تدير الانتخابات وتشرف عليها. ويقوم المجلس الأعلى للانتخابات بجميع الوظائف اللازمة لضمان نزاهة الانتخابات وحسن تنظيمها، من بدايتها إلى نهايتها، وإجراء التحقيقات واتخاذ القرارات النهائية أثناء الانتخابات وبعدها، في جميع المخالفات والشكاوى والاعتراضات المتعلقة بالأمور الانتخابية، واستلام سجلات نتائج انتخابات أعضاء الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا والانتخابات الرئاسية. ولا يجوز الطعن على قرارات المجلس الأعلى للانتخابات أمام أي سلطة”.
وتضيف المادة: “يحدد القانون مهام المجلس الأعلى للانتخابات وصلاحياته، وكذلك فيما يخص المجالس الانتخابية الأخرى. ويتكون المجلس الأعلى للانتخابات من سبعة أعضاء أساسيين وأربعة أعضاء احتياطيين. وينتخب المجلس العام لمحكمة الاستئناف العليا ستة من الأعضاء، بينما ينتخب المجلس العام لمجلس الدولة الخمسة الآخرين، من بين أعضاء كل منهما، بالأغلبية المطلقة لجميع الأعضاء في اقتراع سري. وينتخب أولئك الأعضاء من بينهم رئيسًا للمجلس ونائبًا له بالأغلبية المطلقة في اقتراع سري”.
وتتابع: “ويُختار عضوان من بين من انتخبتهم محكمة الاستئناف العليا، وعضوان من بين من انتخبهم مجلس الدولة، كأعضاء احتياطيين بالقرعة، ولا يُشارك رئيس المجلس الأعلى للانتخابات ونائبه في هذا الإجراء. وتخضع إجراءات الاستفتاء على القوانين المعدلة للدستور والانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية والإشراف عليهما لنفس أحكام انتخاب النواب”.
وعند النظر للمنظومة القانونية المتعلقة بالانتخابات، نجد أن القانون رقم 5545 لعام 1950 ينص على أن هناك “لجنة عليا للانتخابات” في أنقرة، و”مجلس انتخابات إقليمي” في كل ولاية، و”مجلس انتخاب محلي” في كل منطقة، و”مجالس اقتراع” في كل صندوق اقتراع في الدوائر الانتخابية. بينما يشرف مجلس انتخابات محافظة أنقرة على الانتخابات التي تُجرى خارج البلاد”.
وهذا يعني أن هناك 4 مستويات لمراقبة وإدارة سير العملية الانتخابية، بدءا من الصندوق نفسه، إلى المنطقة، إلى الولاية، إلى الهيئة العامة على مستوى الجمهورية، ومقرها أنقرة. وجل هذه المستويات تتشكل من قضاة مستقلين، كما يعطي القانون الحق للعديد من الأحزاب السياسية أن تكون ممثلة في الهيئات الانتخابية نفسها لمتابعة سير العملية الانتخابية، تمامًا كما يراها أعضاء الهيئة العليا الانتخابات.
فعلى سبيل المثال، تتألف الهيئة العليا للانتخابات، من 11 عضوًا، ينتخبون بالاقتراع السري مِن قِبل محكمة النقض (6 أعضاء)، والقضاء الإداري (5 أعضاء). ويحق الأحزاب السياسية الأربع التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات العامة البرلمانية الأخيرة، تعيين ممثل رئيسي واحد لكل منها في المجلس الأعلى للانتخابات. ويضمن القانون لممثلي الأحزاب هؤلاء المشاركة في مناقشات الهيئة العليا للانتخابات، ومتابعة جميع أعمالها، لكن لا يحق لهم التصويت في قرارات الهيئة بطبيعة الحال.
والحال نفسه في مجالس الانتخابات الخاصة بكل ولاية، حيث تتكون الهيئة في كل ولاية من رئيس وعضوين، مع اختيار عضوين آخرين كاحتياط، وجميعهم يجب أن يكونوا قضاة مشهود لهم بالنزاهة، ولم يتلقوا أي عقوبات تأديبية خلال عملهم في السلك القضائي. وبالمثل، يضمن القانون حضور ممثل عن كل حزب أثناء عمل مجالس الانتخابات في كل ولاية.
وبالحديث عن مجالس الانتخابات المحلية في كل منطقة داخل الولاية الكبرى، فيجب أيضًا أن يكونوا قضاة، حيث يتكون كل مجلس انتخابي محلي من رئيس و6 أعضاء أساسيين و6 أعضاء احتياط. كما يفرض القانون على الهيئة أن تقبل حضور 4 ممثلين عن الأربعة أحزاب التي حازت أكبر عدد من الأصوات في هذه الدائرة على وجه الخصوص في آخر انتخابات عُقدت فيها.
ويحق للأحزاب نفسها أيضًا وضع 4 ممثلين احتياط في كل مجلس انتخابي محلي. أما الأحزاب الأخرى، فيحق لها وضع ممثل لها، إذا كان لها عضو واحد فقط في البرلمان على الأقل. أما الحزب الذي لم يدخل البرلمان، فيكفي أن يكون قد عقد مؤتمرًا عامًا خاصًا به، كي يحق له أن يُمثّل في مجلس الانتخابات المحلي. ومن نافلة القول أن هؤلاء الممثلين لا يشاركون في القرارات التي يصدرها قضاة الهيئة، لكن لهم حق المشاركة في النقاشات ومتابعة جميع أعمال الهيئة.
أما لجان الاقتراع نفسها، وهي أصغر وحدة في هيكلية مراقبة الانتخابات، فتتكون من رئيس و6 أعضاء أصيلين و6 أعضاء احتياط، على أن يكون اختيارهم من بين الموظفين الحكوميين الذين يعملون في ذات الدائرة الانتخابية التي يوجد فيها صندوق الاقتراع، هذا فضلًا عن وجود ممثلين للأحزاب والمرشحين داخل اللجان بطبيعة الحال.
انتخابات الخارج: أما انتخابات الخارج، فبموجب قانون الانتخابات التركي يمكن للأحزاب الثلاثة التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات الأخيرة أن يكون لها ممثلون في صناديق الاقتراع في الخارج. كما يمكن لبقية الأحزاب أن يكون لها مراقبون من دون أن يكون لديهم ممثلون رسميون في لجان الاقتراع.
رقابة محلية ودولية
هذه الهيكلية التي تضمن سلامة الأصوات، تراقب تنفيذها الأحزاب السياسية المتنافسة في الانتخابات كما أسلفنا. وعلاوة على ذلك، يحق للمراقبين الدوليين والمنظمات غير الحكومية مراقبة سير العملية الانتخابية، والإبلاغ عن أي مخالفة أو انتهاك للقانون، حيث يضمن القانون التركي لمنظمات المجتمع المدني، سواء المحلية أو الدولية التقدم بطلب لمراقبة عملية الانتخابات.
وقبل الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في 14 و 28 مايو/ أيار 2023، دعت تركيا “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” من أجل إرسال وفد لمراقبة الانتخابات. وفي معرض رده على الدعوة، قال متحدث المفوضية الأوروبية، بيتر ستانو، إن “تركيا شريك رئيسي للاتحاد الأوروبي من نواح عدة، ونتابع عن كثب الانتخابات في البلاد”.
وأضاف: “نرحب بدعوة تركيا مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا من أجل مراقبة الانتخابات”، معتبرا أن دعوة السلطات التركية للمنظمة “خطوة مهمة تظهر مدى رغبتها في ضمان إجراء الانتخابات وسط أجواء تتمتع بالشفافية”.
كما دعت السلطات التركية عدة منظمات دولية أخرى لمراقبة الانتخابات، منها: مجلس أوروبا، والجمعية البرلمانية لمنظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود (KEİ PA)، وسكرتاريا منظمة الدول التركية (TDT)، والجمعية البرلمانية للدول التركية (TÜRK PA)، والجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط (PAM)، وعددًا من المؤسسات الدولية الأخرى.
وأوردت وزارة الخارجية التركية أن 489 مراقبًا دوليًا شاركوا في مراقبة الانتخابات البرلمانية والرئاسية. والجدير بالذكر أن هذا العدد ارتفع بشكل ملحوظ في هذه الانتخابات عن نظيرتها التي عُقدت في 2018، والتي حضرها 350 مراقبًا دوليًا.
نسب مشاركة قياسية
ويبدو أن هذه الضمانات الدستورية والقانونية كانت أحد أسباب ثقة الشعب التركي في العملية الديمقراطية، وأمنه على أن صوته ذو قيمة، وسيذهب إلى موضعه المراد له. ففي الجولة الأولى، بلغت نسبة التصويت 87.7 بالمئة من إجمالي الأشخاص الذين يحق لهم التصويت، حيث صوت في الانتخابات 55 مليون 833 ألف 153، من أصل 64 مليون 145 ألف 504 ناخب مسجل، وفق الأرقام التي أعلنتها الهيئة العليا للانتخابات. أما في الجولة الثانية، فقد بلغت نسبة الإقبال 85.72 بالمئة، حيث أدلى 52 مليون و 93 ألفا و375 بأصواتهم.
وفي انتخابات الخارج، نجد أيضًا أنه في الجولة الأولى، أدلى مليون و839 ألفا و461 مغتربًا بأصواتهم، بنسبة مشاركة بلغت 53.85 بالمئة. بينما في الجولة الثانية، فقد بلغت مشاركة الناخبين فيها 56.34 بالمئة، بتصويت مليون 930 ألفًا و 226 ناخبًا ممن لهم حق التصويت. وهذه نسبة قياسية غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية التركية.
نسب المشاركة هذه، خصوصًا في الجولة الأولى، وضعت تركيا في المركز الثالث بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من حيث نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات. وبذلك، تتفوق تركيا على العديد من الدول الغربية ضمن المنظمة، منها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا.
كذلك، تعكس هذه النسب وعيًا لدى الشعب التركي بأهمية الديمقراطية، وبقيمة صوت كل مواطن في تحديد مصير بلده. كما تعكس حرص الشعب على التعبير عن رأيه في سياسات كل من الحكومة والمعارضة وتقييم أدائهما وبرامجهما الانتخابية.
إدارة ناجحة من الهيئة العليا للانتخابات
برزت خلال هذه الانتخابات عدة إشارات تشير إلى أن الهيئة العليا للانتخابات أدارت العملية بنجاح. وربما الإشارة الأبرز على ذلك، هو أن النتائج التي أعلنتها الهيئة توافقت مع تلك التي أعلنتها، سواء تحالف المعارضة التركية، أو التحالف الحاكم.
فرغم إعلان بعض قادة المعارضة، ومنهم عمدتي اسطنبول وأنقرة، أكرم إمام أوغلو، ومنصور يافاش، تقدم مرشح المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو، في الجولة الأولى للانتخابات، في حين أن الفرز كان جاريًا حينها، أوضحت النتائج النهائية تطابق ما أعلنته وكالة الأناضول الرسمية حينها، مع وكالة “أنكا” التابعة لحزب الشعب الجمهوري المعارض، مع ما أعلنته الهيئة العليا للانتخابات. وخلال الجولة الثانية، توافقت كل المصادر في نهاية المطاف على نسب التصويت، ولم تصدر اعتراضات على الأرقام النهائية التي أعلنتها الهيئة العليا للانتخابات.
أما الإشارة الثانية، فهي تقديم المديرية العامة لتكنولوجيا المعلومات داخل وزارة الداخلية التركية طلبًا للجنة العليا للانتخابات، بمشاركة معلومات الصناديق الانتخابية، وعدد الناخبين، في إطار تأمين وزارة الداخلية لسير العملية الانتخابية. لكن قابلت الهيئة طلب الوزارة بالرفض، بدعوى أنه مخالف للدستور. وربما يشير ذلك إلى استقلالية قرار الهيئة عن السلطة التنفيذية.
أما الإشارة الثالثة، فكانت بعد إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، إذ ادعت بعض المصادر الإعلامية، وبعض السياسيين، أن هناك بعض الأصوات التي ذهبت لحزب “اليسار الأخضر” المعارض، نُقلت على نظام إدخال المعلومات التابع للجنة العليا للانتخابات على أنها أصوات لأحزاب التحالف الحاكم. كما زعم البعض أن هذه الأخطاء قادت في النهاية إلى انخفاض عدد الأعضاء الفائزين من حزب “الدعوة الحرة”، المعروف بحزب “الهدى”، المتحالف مع حزب “العدالة والتنمية” الحاكم من 4 أعضاء إلى 3.
أما الإشارة الثالثة، فكانت بعد إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، إذ ادعت بعض المصادر الإعلامية، وبعض السياسيين، أن هناك بعض الأصوات التي ذهبت لحزب “اليسار الأخضر” المعارض، نُقلت على نظام إدخال المعلومات التابع للجنة العليا للانتخابات على أنها أصوات لأحزاب التحالف الحاكم. كما زعم البعض أن هذه الأخطاء قادت في النهاية إلى انخفاض عدد الأعضاء الفائزين من حزب “الدعوة الحرة”، المعروف بحزب “الهدى”، المتحالف مع حزب “العدالة والتنمية” الحاكم من 4 أعضاء إلى 3.
وقد أخذت الهيئة العليا للانتخابات هذه الدعاوى على محمل الجد، وحققت فيها، ليتضح أن الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي على أنها من نظام إدخال المعلومات التابع للجنة العليا للانتخابات، هي في الأصل كانت خاصة بنظام إدخال المعلومات التابع لحزب الشعب الجمهوري المعارض. ما يعني أن الخطأ كانت من الحزب المعارض، ولم يكن من الهيئة العليا للانتخابات. وقد استقر الوضع على ذلك، حيث أعلنت الهيئة فوز الـ 4 أعضاء، التابعين لحزب “الدعوة الحرة”.
وإجمالًا، فإن تطابق محاضر اللجان الفرعية للأحزاب المتنافسة، مع النتيجة الكلية التي أعلنتها كل من الهيئة العليا للانتخابات، والتحالفات المتنافسة، يشهد في النهاية على نجاح الهيئة العليا للانتخابات في مهمتها.
وفي هذا التقرير الصادر عن مؤسسة مرسي للديمقراطية والتي شاركت بخبراء ومراقبين محليين ودوليين في رصد العملية الديمقراطية في الانتخابات التركية لا سيما العملية الانتخابية، ببعثة من الخبراء والمراقبين بتاريخ 10- مايو 2023م وقد أصدرت بيانها الأول بخصوص استعدادات الجمهورية التركية للانتخابات البرلمانية والرئاسية ثم اصدرت تقريرها الأول في الجولة الأولى من الانتخابات بعنوان: “تقرير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية/ 2023م، تصويت الخارج (رصد ميداني 2/5) مؤسسة مرسي للديمقراطية برنامج “الديمقراطية للعالم” لندن- 14-مايو/آيار- 2023م، ثم تقرير النتائج النهائية 29-05-2023م، وبيانها بتهنئة الشعب التركي على العملية الانتخابية البرلمانية والرئاسية، فإنها ختمت بعثتها بهذا التقرير الراصد للعملية القانونية والرقابية وشفافية الانتخابات ونسب المشاركة وادارة عملية الفرز واعلان النتائج.
والمؤسسة إذ تشيد بالدور المتميز لمنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية المتمرسة على العمل الانتخابي والمنظمات الرقابية والهيئات المستقلة والبعثات الأجنبية ووسائل الإعلام فإنها تثمن دور الشعب التلركي الذي فعل القانون والدستور وشارك مشاركة إيجابية ضمنت سلامة العملية الانتخابية وقدم نموذجاً مبهراً لبرنامج “الديمقراطية للعالم” يجعله نموذجاً يحتذي به إقليمياً وعالمياً.
06-06-2023م
أنقرة – اسطنبول – لندن
فريق العمل
مؤسسة مرسي للديمقراطية
مراقبون -خبراء